تفاصيل الخبر
سبل تعزيز التعايش السلمي بين الديانات
2019-09-22
سبل تعزيز التعايش السلمي بين الديانات
أقام قسم دراسات الاديان بالتعاون مع كلية التربية ابن رشد للعلوم الانسانية / قسم علوم القرآن ورشة عمل بعنوان (سبل تعزيز التعايش السلمي بين الديانات) صباح يوم الاحد الموافق 22/9/2019 في قاعة كلية التربية ابن رشد / قسم علوم القران
برئاسة : أ. م. د عادل عبد الستار وبمقررية : السيدة اخلاص حساني عزيز
الباحثون المشاركون:-
1- أ. م .د دنيا علوان بدر ببحث عنوانه ( فقه العلاقات الانسانية بين الاديان السماوية / رؤية اسلامية ).
2- أ.م.د خالد احمد حسين ببحث ( مفهوم التسامح بين المسيحية والإسلام ).
3- م.د فاطمة جمال محمود ببحثها ( التسامح بين الديانات بين الواقع والمأمول).
أفتتح رئيس الورشة الاستاذ المساعد الدكتور عادل عبد الستار مبيناً فيها أن الإسلام دينا ومبادئ له سياسته الداخلية والخارجية التى يعيش فى ظلالهـا الناس جميعاً، لا سيما وهى تركز فى تعاملاتها على حفظ كرامة الإنسـان والاحتـرام لحقوق المسلم وغيره، وهذه السياسة مبنية على العدالة والمساواة، قال الله تعالى: ( يا أيها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (سورة الحجرات الآية 13 ) .
وأوضح إن الثقافة والحضارة الإسلاميتين منفتحتان على حضارات الأمم، ومتجاوبتان مع ثقافات الشعوب الأخرى، وهما مؤثرتان ومتأثرتان. ومبدأ عالمية الإسلام، هو الأساس الثابت الذي تقوم عليه علاقة المسلم مع أهل الأديان السماوية.
ويتبين إن مشاكل الحروب والتعصب ورفض الآخر وعلاقات التشنج هي نتيجة اديولوجيات مستحدثه, تفرغ غالبا الدين من محتواه الجوهري، الذي يهدف إلى إصلاح النفوس وإفراغها من الكراهية والعنصرية والتعصب، ويهدف إلى زرع بذور التسامح والإيثار والتعايش السلمي المبني على الإحترام والإحترام المتبادل.
- افتتحت اعمال الورشة ب أ. م. د دنيا علوان بدر الدفـاعي ببحثها ( فقه العلاقات الانسانية بين الاديان السماوية / رؤية اسلامية ) لقد بينت الباحثة إن الأمة الإسلامية تمر اليوم بمرحلة خطيرة من مراحل تأريخها، إذ تكالبت عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتحالفت ضدها قوى الشر، والطغيان حتى أصبحت مثخنة الجراح مكسورة الجناح تئنّ تحت وطأة الطعنات، وهذا ما دفعني الى الولوج في غمار هذه العلاقات في عالم متلاطم الامواج بواقع ينبثق من صميم الإيمان، وغريزة الدفاع عن الإسلام، وردّ الأسلحة الإعلامية التي تحاول النيل منه.
وقد تطرقت الدفاعي إلى إنّ العلاقات الإنسانية قبل أن تكون من روائع الاعجاز النفسي في القرآن الكريم لها مدلولها، ومفهومها، ويمكن تعريفها بوصفين:احدهما: تعريفها بوصفها مركبا" اضافيا"، والثاني: تعريفها بوصفها مصطلحا" ومفهوما" على أنها اتصال مخصوص, وقد تناول البحث مطالب عديدة هي :-
- المطلب الأول: نظرة الإسلام إلى الإنسان.
- المطلب الثاني: دستور العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين.
- المطلب الثالث: التطبيقات العملية للتعايش السلمي في الإسلام.
اما المطلب الأول: تحدثت فيه الدفاعي عن نظرة الإسلام الى الإنسان اذ نص كتاب الله وسنّة رسوله على حقوق الإنسان في الكرامة، والحرية، والاعتقاد، والتكافل الاجتماعي، والرعاية طفلاً، ومريضًا، وشيخًا، والاحترام لجسده حتى القبر ميّتًا وكرّمه. ووضحت الدفاعي أهم مظاهر التكريم الإلهي للإنسان ما يأتي:
1. خلقه في أحسن تقويم:
لقد خلق الله الإنسان في أحسن صورة وشكل، منتصب القامة سوي الأعضاء، قال تعالى: )وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ( (سورة التغابن الآية 3) .
2. تزويده بالعلم والعقل: إذ تميز الإنسان به عن الحيوانات والجمادات، واستطاع تسخيرها لخدمته وقضاء مصالحه، قال تعالى: )وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ( (سورة المؤمنون الآية 78).
3. النفخ من روحه:قال تعالى: )فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ( (سورة ص الآية 72) فلقد أضاف روح آدم إليه إكرامًا وتشريفًا.
4. أمر الملائكة بالسجود لآدم: من الغني عن البيان أنّ الله U كرّم آدم كرامة عظيمة، امتنّ بها على ذريته، إذ أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم، قال تعالى: )وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ((سورة البقرة الآية 34) .
5. جعل الإنسان خليفة في الأرض:قال تعالى: )وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً( (سورة البقرة الآية 30) إنّ الله جعل الإنسان خليفة في الأرض؛ لإقامة أحكامه وتنفيذ وصاياه.
6. منحه حرية الاعتقاد: حرص الإسلام على حرية الاعتقاد، وحرية الرأي حرصًا تامًّا كاملاً فقد قال تعالى: )وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ(( سورة الكهف الآية 29) ,فلا إكراه ولا إجبار في قبول الدين، والاعتناق بعقيدة مخصوصة، وقد تبلورت هذه الحقيقة في مبدأ إسلامي جاء التفسير عنه قوله تعالى: )لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ( (سورة الكافرين الآية6).
المطلب الثاني: تناولت فيه الدفاعي دستور العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، ثم بيّنتُ الحقوق التي أكد عليها الإسلام لغير مسلمين بعد الإشارة الى أصنافهم منهم المحاربين، ومنهم مسالمين الذين ينقسمون الى الذميين الذين يعيشون داخل الدولة المسلمة، والمستأمنين وهم المحاربون الذين أعطوا الأمان لدخول الدولة المسلمة أما لمصلحة دينية، أو دنيوية، وقد تكفلت الشريعة الإسلامية لهم بحقوق منها: حق الحماية، وتشمل: الحماية من الاعتداء الخارجي، والظلم الداخلي، وحماية الدماء والأبدان، وحماية الأموال، وحماية الأعراض، حقهم في الحرية الدينية، الذي يشمل عدم إكراههم على الإسلام، ومن الجدير بالذكر إن الإسلام صان لغير المسلمين معابدهم، وراعى حرمة شعائرهم.
إما المطلب الثالث فقد ذكرت فيه الدفاعي بعض التطبيقات العملية للتعايش السلمي في الإسلام مثل:
أولاً: التسامح في فتح مكة.
ثانيًا: وثيقة المدينة.
ثالثًا: معاهدته مع النصارى.
فوثيقة المدينة قر ّفيها مبدأ المواطنة، والتسامح في فتح مكة والمعاهدة التي عقدها الرسول(ص) مع النصارى والتي تنص على حرية العقيدة ، واحترام الديانات ، إذ كتب لأهل نجران : « بسم الله الرحمن الرحيم لا يجبر أحد ممن كان على ملّة النصرانية كرهًا على الإسلام، ولا يجادل «أهل الكتاب» إلاّ بالتي هي أحسن ، ويخفض لهم جناح الرحمة ، ويكف عنهم أذى المكروه حيث كانوا، وأين كانوا من البلاد ».
وتوصلت الدفاعي الى أن الإسلام هو الدين الذي أسس ركائز التعايش السلمي، ومبادئ الوئام، والعدل، والتسامح في التعامل مع غير المسلمين، وأقر لهم مبدأ حرية العقيدة، وطلب منا مجادلتهم بالتي هي أحسن، وانه يؤمن بالإنسانية العامة الشاملة، وينبذ العنف والإرهاب، ولقد لجأت الدولة الإسلامية في جل فترات تأريخها الى سياسة التعايش الديني السلمي الذي يشيع المحبة، والآخاء، والتعاون مقراً منظومة شاملة جامعة تنظم العلاقات بين الاديان السماوية الثلاثة على اساس المواطنة، والعدل، والمسؤولية الفردية، والجماعية.
اما الباحث الثاني أ.م.د خالد احمد حسين ببحثه ( مفهوم التسامح بين المسيحية والإسلام ).
الذي جسدّ فيه قضية عنيت بها الأديان السماوية كافة, لما لها من الأهمية بمكان, إذ أنها توضح مدى اهتمامها بمبدأ التسامح, فالتعاليم المسيحية في الأنجيل تلزم أتباعها بالتعامل مع بقية أبناء الأديان الأخرى بالمحبة والتسامح, وعدم نبذ الآخر المختلف عقيدة ولوناً وشكلاً, وأن المحبة هي الشعار الرئيس للدين المسيحي, والأصل في جميع المعتقدات أن الإنسان عند الله عز وجل مفضل على أي شيء آخر, وأنه من الظلم الكبير أن تتناحر الشعوب وتسفك الدماء البريئة على معتقدات, لو شاء لها الله تعالى أن تكون واحدة موحدة لجميع بني البشر, لفعل ذلك, ولكن الأصل في الحياة هو الاختلاف وتبـادل الآراء والتفـاهم والعيش المشترك, وإبعـاد المخـاطر المحيطـة بهـم, دون أي تمييـز أو تفرقة.
فقد عرف التسامح في اللغة: مأخوذة من مادة (سَمَحَ) السين والميم والحاء أصل يدل على سلامة وسهولة. ويطلق التسامح ويراد به الجود والكرم (السماح) و(المسامحة) الجود. ويتبين مما سبق أن التسامح يدل على الجود والكرم والمساهلة.
فعن جابر ابن عبد الله (رضي الله عنهما) أن رسول الله(ص) قال: " رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع, وإذا اشترى, وإذا اقتضى ". وقال (ص): " ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم النار على كل قريب هين لين سهل ". فقد حضَّ (ص)أمته على المسامحة وحسن المعاملة واستعمال معالي الأخلاق ومكارمها, لما ينفعهم في الدنيا والآخرة.
وذكر الباحث أن التسامح في الديانة المسيحية هو ميل إلى تقبل طرائق تفكير وعمل ومشاعر تختلف عن طرائقنا ومشاعرنا في ما يتعلق بالتسامح الديني خاصة, فهو يترك لكل منا هوية ممارسة ديانته. كذلك هو( أن نترك لكل إنسان حرية التعبير عن آرائه وإن كانت مضادة لآرائك والقريب من هذا قول أن التسامح لا يوجب المرء التخلي عن معتقداته, أو الامتناع عن إظهارها, أو الدفاع عنها, أو التعصب لها, بل يوجب عليه الامتناع عن نشر آرائه بالقوة والقسر والقدح والخداع).
وأوضح الباحث إنَّ الحب والتسامح هما سبب إيجاد الكون والخلق واستمراره, فالذي جاء به سيدنا موسى, هو الذي أتى به سيدنا عيسى (عليهما السلام), وهو الذي ختم به سيدنا محمد (ص) فالجميع رسل الله وكلهم دعوا إلى معرفته وعبادته, والإيمان برسله وأن لا نفرق بين أحد منهم, وذلك لإشاعة السلام بين الناس, وتحريم الاعتداء على الآخرين, لذا يجب أن نتمسك بمبدأ التسامح واحترام الآخر, دون تمييز بين لون أو عرق أو ديانة. وأن الرسالات السماوية جاءت لإسعاد البشرية, وقد كانت الدعوة للتسامح والإحسان ضمن دعوة السيد المسيح (ع), يقول السيد المسيح إن استمرار رحمة الله وغفرانه للإنسان, مشروط بروح التسامح التي تظهر في الإنسان نفسه, فالشخص غير المتسامح محروم من نعمة التواضع التي تجعله مؤهلاً لنوال غفران الله,.. وإن السيد المسيح وجه عظمته إلى جماعة متميزة من البشر, إذ كان يخاطب فئة قادرة على تحمل مسؤولية إصلاح المجتمع وخلق عالم أفضل يغلب عليه الحب والعفو والتسامح والعدل بين البشر, وأنها جماعة تسعى إلى رضا الله تعالى: " إنما أنتم يا أتباعي أن تشمل محبتكم جميع الناس كما تشمل محبة الله أبيكم الرحيم جميع عباده ". فقد وجه موعظته لأولئك الذين لهم رؤية لتغيير العالم إلى عالم أفضل يسوده الحب والتسامح والعفو, وقد وردت النصوص تأكد على التسامح والمغفرة: " ومتى قمتم إلى الصلاة, فسامحوا من أخطأ في حقكم, لكي يغفر لكم أبوكم الذي في السماء أخطاءكم أيضاً, وأن لم تسامحوا لا يغفر لكم أبوكم الذي في السماء أخطاءكم".
وقد ذكرالباحث ألتقاء المسيحية والإسلام في بعض المواطن وهي المغفرة والرحمة في إنجيل متى ورد: " فإن غفرتم للنَاس زلاتهم يغفر لكم أبوكم السماوي زلاتكم, وإن لم تغفروا للناس لا يغفر لكم أبوكم السماوي زلاتكم " وجاء فيه: " وغفر لنا ذنوبنا, كما نغفر نحن للمذنبين ", وتظهر أهمية الرحمة وطبيعتها التبادلية المتمثلة في رحمة من يرحم. وجاء في تفسير ذلك: فهذا التطويب يحتوي على مبدأ عظيم نراه في كل مواضع العهد الجديد, الذي يلح في توكيد بوجوب التسامح لنيل المغفرة, فحق للإنسان الرحيم أن ينال مغفرة ورحمة الله, لأن استمرار رحمته وغفرانه للإنسان مشروط بروح التسامح التي تظهر في الإنسان نفسه, فالشخص غير المتسامح محروم من نعمة التواضع التي تجعله مؤهلاً لنوال غفران الله مهما كان استعداد الله أن يسامحه ", ولعلَّ المقصود أنه من لا يرحم غيره في الدنيا فلا يدخل في رحمة الله في الآخرة, وقد أوصانا النبي محمد (ص) بالرحمة فقال: " الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء ". وقال (ص): " لا تنزع الرحمة إلاّ من شقي ". وإنما يرحم الله من عباده الرحماء, والراحمون يرحمهم الرحمن".
اما الموطن الثاني في الالتقاء الذي تطرق اليه الباحث هي علاقة التسامح بالمحبة ,التسامح والغفران ثمرة المحبة.. التسامح هو الصفح والغفران مع ترك ونسيان الإساءة للمخطئين ومغفرة زلاتهم, وذلك بدافع المحبة التي تصبر وتحتمل وتبذل من أجل ربح النفس ومن أجل سلام الإنسان الداخلي, وجاء في نصوص الكتاب المقدس الحث على التسامح والتواضع: " إن الله اختاركم أنتم شعبه المخصص له, وهو يحبكم. إذن تحلوا بهذه الصفات: الحنان واللطف والتواضع والوداعة والصبر. واحتملوا بعضكم بعضاً وسامحوا بعضكم بعضاً. إن أخطأ إليك واحد سامحه كما سامحك المسيح. وأهم شيء تحلوا بالمحبة لأنها هي التي تربط الكل في وحدة تامة ", وقد جاء في وصايا سيدنا عيسى(ع) في الإنجيل: " هذه وصية جديدة أعطيها لكم: أحبوا بعضكم بعضاً. أحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم أنا. بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي, إن كنتم تحبون بعضكم بعضاً ", وسيدنا محمد (ص) يقول: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ", فقد نادت الأديان بنشر المحبة والسلام, ومنع الظلم والصفح عن المسيء وطلب المغفرة له, وذلك لأن التسامح من إسمى الصفات التي أمرنا بها الله عزَّ وجل, فالتسامح هو العفو عند المقدرة والتجاوز عن أخطاء الآخرين والتماس الأعذار لهم, والنظر إلى مزاياهم وحسناتهم بدلاً من التركيز على عيوبهم وأخطائهم
وأجمل ما قيل عن التسامح قال تعالى : {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (سورة الأعراف الآية 199) ,وقوله:
{ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(سورة المائدة اللآية 13) .
- بينّت الباحثة م.د فاطمة جمال محمود ببحثها ( التسامح بين الديانات بين الواقع والمأمول).
في مفهوم التسامح بوصفه علاج ذي مفعول سريع ٍ اذا امتلأ القلب به و اشتغل العقل الانساني بالتساهل و التغاضي عن اخطاء الآخرين فيعم الوئام و يسود السلام لامتلأت الارض بالخير العميم و ساد العدل و انتشرت المحبة بين البشر لان التسامح خطوة مهمة جدا لاستعادة العلاقات المتصدعة و عودة الثقة المتبادلة و انه الحل الامثل لجميع المشكلات القائمة بين شعوب العالم فهو أداة فاعلة في حل الازمات اي كان نوعها و بتعبير آخر فان مفهوم التسامح هو شعور و اعتراف بحَق الآخر اجتماعياً و سياسياً و عقائدياً و للتسامح مظهران :
الاول : احترام كرامة الانسان و حقه في صنع خياراته طالما انها لا تتجاوز على حقوق الاخرين و عدم تقييد حرية الانسان و عدم فرض الاراء عليه بشكل مجحف
الثاني: انه تقييم للنوع الانساني و ان كل شخص هو فريد من نوعه و القفز حول كل انواع التميز
( دين ,عرق,جنس).
وأوضحت الباحثة موقف الديانات من مبدأ التسامح من ان الاديان بحكم انتمائها الى السماء فانها لا تأمر إلا بالخير و الحق و الاصلاح ولا تدعو الا الى الحب و البر و الرحمة و الاحسان ولا توصي إلا بالامن و السلام , و ما كانت الاديان يوماً بحد ذاتها عائقاً امام التبادل الفكري و الثقافي و التعايش و التعارف و الحوار و انما العائق يكمن في الذين يتوهمون انهم يمتلكون الحقيقة المطلقة و يستغلون الاديان في التحكم بأقدار الناس و مصائرهم تلك المهمة التي ابى الله تعالى ان يمنحها لأي انسان .
تناولت الباحثة التسامح في نظر الديانة اليهودية إذ جاء في سفر اشعياء ( 7 – 56) (( لان بيتي بيت الصلاة يدعي لكل الشعوب)) و في معرض هذا النص ذكر البروفيسور مايكل زانك من جامعة بوسطن بما معناه ان مفهوم التسامح في اليهودية مرهون بالعودة الى دراسة الكتب المقدسة بحثا عن امثلة للتسامح و التساهل اذ ان مصطلح التسامح هو حديث النشأة و انه يمكن ايجاد امثله عنه ضمن وصية دمج الغرباء في المجتمع اليهودي كما يشير بعضهم الى انه لابد من التفريق بين الديانة اليهودية القديمة كدين وغيرها و تجريدها من الطابع السياسي و انه لابد من التفريق لاسيما في المقولة التي تذكر بان اليهود هم شعب الله المختار و التي طالما حملت دليل على التعصب وعدّت هذه المقولة هي صفة ذاتيهً و استثنائية لليهود انفسهم إذ هنالك فرق بين الذاتية و التعصب
و لنا مما تقدم ان نرى ان اليهودية كديانة سماوية قد اسست و انشأت مبدأ التسامح و ان لم يكن ذلك واضحاً جلياً في معرض نصوصها لكن مضمون التسامح نجده في بعض منها كما جاء في سفر طوبيا (4-16) ((كل ما تكره ان يفعله غيرك بك فأياك ان تفعله انت بغيرك)) .
تطرقت الباحثة الى التسامح في نظر المسيحية إذ تكثر مفاهيم التسامح ضمن إطار الدين المسيحي و انه يستلزم تفسيرات مختلفة لكل تلك المفاهيم و انه لابد من عيشها و تطبيقها ضمن شريعة العهد الجديد و التي جاءت مكملة للعهد القديم وبينّت أنه في نظر المسيحية يعدّ التسامح نعمة الايمان التام و هو فضيلة اخلاقية و هو جزء من الليتورجيا التي تعني العبادة الالهية و الاسرار التي يكون فيها المسيح قدوة في سيرته و حياته وتسامحه مع الآخرين
وأستدرجت الباحثة متناولة التسامح في نظر الاسلام إذ ان الدين الاسلامي و منذ نزول النصوص القرآنية المباركة اعترف بوجود الآخر سواءً كان فردا او جماعات , و دعا الى التسامح و حرية التدين قال تعالى{لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } (سورة البقرةالآية 256), ولم يكتف بذلك بل وضع جملة من الاداب في التسامح و دعا المسلمين ان يكونوا لغيرهم موضع الحفاوة و المودة و الاحسان قال تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين } (سورة الممتحنة الآية8), و اتساقا مع اداب حسن التعامل فقد نهى الاسلام عن سب المشركين و عقائدهم فقال تعالى { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم }( سورة الانعام آية-108) و غيرها من النصوص المباركة .
فنجد ان مبدأ التسامح في الاسلام قد تجسد ليس فقط على الاطار النظري بل كان ضمن دائرة التطبيق العملي في تعامله و احترامه لكل الاديان و المعتقدات .
التوصيات :
• تأصيل مبدأ حرية الاعتقاد واحترام حقوق الناس جميعاً , والاقتداء بتسامح الرسول (ص) مع الكفار في فتح مكة .
• ينبغي تحويل التسامح إلى ثقافة تعمُّ أرجاء ألمعمورة, من خلال العمل الدؤوب من قبل الجهات المعنية كافة كالأسرة ودور العلم وأصحاب الفكر وغيرهم؛ وذلك لما لهم من تأثير في بناء مجتمع متماسك مترابط بعيد عن التطرف والعنف.
• بذل المزيد من الجهود من قبل الثقافات المختلفة و اصحاب القرار لتفعيل مبادئ الاديان النبيلة.
• التأكيد في المراحل الدراسية على مادة التربية الاخلاقية و آداب التعامل مع الآخر و تقبله .
• ان تأخذ المؤسسات المختصة و منها الاعلام دورها في التوعية من مخاطر التطرف و العنف التي باتت تهدد المجتمعات كافهً .
• الدراسة الواعية لنصوص الاديان وفقاً لمتغيرات و متطلبات العصر بما يعزز السلم المجتمعي والتعايش الأهلي .
المزيد من الاخبار