تفاصيل الخبر
معالجات اجتماعية برؤى دينية / مكافحة الفساد
2019-08-27
معالجات اجتماعية برؤى دينية / مكافحة الفساد
عقد قسم دراسات الأديان بالتعاون مع قسم الدراسات الاجتماعية في بيت الحكمة ورشة العمل العلمية الموسومة بــ (معالجات اجتماعية برؤى دينية / مكافحة الفساد) بتاريخ 27/8/2019 على قاعة المرايا في بيت الحكمة مترأساً جلستها الأستاذ الدكتور حسون عليوي السراي وبمعية المقرر المدرس المساعد زينب بدن إبراهيم , وشارك في أعمال الورشة العلمية كلاً من :
1- أ.د. صلاح جابر - جامعة القادسية – كلية الآداب / ببحثه الموسوم بــ( الشبهات بين الاخلاق والدين .. دراسة عن امكانية معالجة الفساد بالتفكير الديني المعاصر ) .
2- أ.م.د. هيفاء محمد عبد – جامعة بغداد – كلية ابن رشد ببحثها الموسوم بــ( الفساد المالي عند الحكام والمسؤولين وسبل علاجه في الشريعة الاسلامية ).
3- أ.م.د. نضال عيسى / الجامعة المستنصرية - كلية الاداب / ببحثها الموسوم بــــ ( الإصلاح المغيب .. جدلية التعليم الديني والفساد المجتمعي .. نماذج مختارة ) .
ابتدأت الجلسة بكلمة رئيس الجلسة الأستاذ الدكتور حسون عليوي السراي متطرقاً الى أبرز المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع العراقي ولاسيما مشكلة الفساد والذي يعده آفة تنهش في المجتمع فضلاً عن كونها الخلل الذي يمس جميع الجوانب الحياتية سواءً كان الجانب السياسي أو الاقتصادي أو لاجتماعي أو الأخلاقي وعلى جميع الأصعدة ابتداءً من الشخص ومنتهياً تفشيه على أغلب المؤسسات المجتمعية في المجتمع , من هنا جاءت أهمية الوقوف على هذه الإشكاليات وضرورة إمعان النظر في مخاطرها ومساوئها ومحاولة إيجاد الحلول والمقترحات الناجعة من خلال المواضيع البحثية التي سنتناولها خلال هذا النشاط العلمي .
المشاركات البحثية :
أولاً : أ.د. صلاح جابر / ببحثه الموسوم بــ ( الشبهات بين الاخلاق والدين – دراسة عن امكانية معالجة الفساد بالتفكير الديني المعاصر ) :
تكمن اشكالية البحث في البحث عن موضوع الفساد والذي يُعد بشكل عام موضوع عالمي ومستمر بالازدياد , إذ اصبحت هذه الظاهرة من الظواهر السلبية التي توظف دول العالم مبالغ كبيرة للبحث عن جذوره وأسبابه , إذ يقدم الباحث في بداية بحثه تساؤلاً مهماً يتمحور حول جدلية ( هل الفساد في المجتمع العراقي يعامل كانه مرض السرطان او انه ظاهرة انحراف سلوكي واختلال ترفضه منظومة القيم ؟؟ ) , فعلاقة الدين بمنظومة القيم تحكمها الاخلاق كونها تعد الجسر الاساسي الذي يربط هاذين الاتجاهين والذين من خلاله يحدد ميول الشخص نحو الفساد الاخلاقي او نحو الاستقامة و النزاهة , فالالتزام الديني المعتدل قد يكون العنصر الاساسي لمواجهة التغيرات الاجتماعية التي تشهدها مجتمعاتنا اليوم القادمة من المجتمعات الأخرى ذات الثقافة المهيمنة والمؤثرة على واقع الحياة الاجتماعية والبناء الاجتماعي , وكذلك يمكن معالجة الفساد في المجتمع العراقي المعاصر مستعينين بقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) ( آل عمران - 7) فهذه النص الديني يفترض ان أي عملية تغير اجتماعي تحدث في المجتمع يمكن لاي متدين ان ياولها كما يشاء , وبالتالي يمكن معالجة الفساد من خلال هذه الآية الكريمة , فنظام المتغيرات الدينية يمكن من خلاله ان نحدد مفهوم الاخلاق .
ثم تطرق الباحث الى مسالة مهمة الا وهي ان الفساد يتفشى بشكل كبير في المجتمعات المتدينة كون ان هنالك من يقدم مبررات دينية تسند الفساد , فالدين الاسلامي في العراق يمثل الشريحة الدينية الاكبر , فيجب على الهيئات المسؤولة عن الانساق الدينية في المجتمع الديني ان تحدد موقفها تجاه ظاهرة الفساد من خلال مجاراته والحد من متطلباته , ويتم ذلك من خلال تقديم تشريعات تتدخل في القوانين والتشريعات التي يحددها البرلمان العراقي .
ثانياً : أ.م.د. هيفاء محمد عبد ببحثها ( الفساد المالي عند الحكام والمسؤولين وسبل علاجه في الشريعة الاسلامية ).
تدور مشكلة البحث حول ظاهرة الفساد المالي والتي تعد ظاهرة عالمية واسعة المدى , اذ تناولت الباحثة في بحثها شريحة الحكام المسلمين ( رجال الدين المؤثرين ) الذين يؤثرون وبشكل كبير على كل مفاصل الدولة , فالفساد المالي يؤثر على كل شرائح المجتمع ويساهم في هدم التنمية بكل اشكالها وكذلك يساهم في وزيادة الديون وزيادة نسبة الفقر مما يؤثر على الاسرة التي تعد اهم مكون من مكونات المجتمع , فالفساد من الناحية الفقهية يعرف بأنه تلك المعاملات التي تتجه نحو مخالفة الشريعة الدينية بركن من اركانها أو شرط من شروطها , اما من الناحية الاقتصادية فيعرفه المصرف العراقي بانه إسائة استعمال الوظيفة لغرض الكسب الخاص , اما هيئة الامم المتحدة قامت بتحديد صور الفساد المالي حددت في عام 2003 ضمن الفقرات الآتية :
1- الرشوة للقطاعين العام والخاص .
2- غسيل الأموال .
3- اسائة استخدام الوظيفة العامة .
4- الثراء الغير المشروع .
5- غسيل العائدات الغير الشرعية .
اما الباحثة فتعرف الفساد المالي بأنه سوء استخدام الاموال العامة من اجل مصلحة خاصة او تبادل الاموال بصورة غير شريعية من اجل خدمة المصالح الشخصية فهو يمثل بصورة او باخرى الانحرافات الشرعية والسلوكية في المعاملات المالية كافة .
ثم تطرقت الباحثة الى ابرز مظاهر وأشكال الفساد المالي والذي يمثل ازمة اخلاقية تنعكس على المجتمع وتمثل خللا في منظومة القيم للمجتمع لاسيما الرشوة والتي يطلق عليها مسميات عدة كالــ( الاجرة -الاكرامية – المساعدة ) ولكنها تبقى رشوة , وكذلك تفشي ظاهرة التعيينات العشوائية والمحسوبية والابتزاز والتزوير لاسيما تزوير الشهادات.
وبعدها استعرضت الباحثة ابرز الاجراءات الوقائية الدينية التي تتمثل في غرس القيم الاخلاقية الصحيحة والالتزام بالعبادات الدينية الروحية لتقوية الوازع الديني كون العقيدة الصحيحة ذات تأثير كبير على حياة الانسان وينعكس على تفكير بمسألة برقابة الإلهية للشخص مما يؤدي الى تنمية الشعور بالمسؤولية .
ثالثاً : أ.م.د. نضال عيسى ببحثها الموسوم بـــ( الإصلاح المغيب .. جدلية التعليم الديني والفساد المجتمعي .. نماذج مختارة )
استهلت الباحثة في بداية بحثها باستعراض اشكالية بحثها المتمثلة بتساؤلات عدة الا وهي :
1- ما هيه صلة التعليم الديني بالفساد ؟؟ وهل يسهم هذا التعليم في الحد من هذه الظاهرة ؟؟
2- هل يمكن للتعليم الديني الاسلامي في المجتمع العراقي ان يقوم بالتكييف والمواكبة في وجه المتغيرات المجتمعية والثقافية والتقنية التي تحدث في المجتمع العراقي ؟؟
اذ قامت الباحثة بالاستعانة بطروحات عالم الاجتماع الامريكي تالكوت بارسونز الذي حاول ان يقدم تفسيرا وتأطيراً اجتماعياً للفعل الاجتماعي من خلال الاجابة على التساؤل الآتي : ( كيف لك ان تجعل المجتمع مستقراً ؟؟ ) , وتوصل الى آلية تنفيذ ذلك من خلال تقسيم المجتمع الى أربعة منظومات مجتمعية وكل منظومة من هذه المنظومات تؤدي وظيفة محددة وهي كلاً من :
1- المنظومة الاقتصادية المكلفة بوظيفة التنمية والجوانب المالية .
2- المنظومة السياسية المكلفة بوظيفة تحديد الاهداف والغايات .
3- المنظومة الثقافية المكلفة بوظيفة الدين والتعليم اي تحديد القيم والعادات والتقاليد المجتمعية .
4- المنظومة الاجتماعية المكلفة بالاندماج الصوري لكل ابناء المجتمع.
فمتى ما قام الانسان بالفعل الاجتماعي وفق هذه المنظومات المقسمة حسب الوظائف الأولية والثانوية للتوصل الى قيم التسامح , ومن هذا المنطلق توصلت الباحثة الى ان أي خلل يحصل في منظومة القيم الاخلاقية كظاهرة الفساد المالي على سبيل المثال انما يدل على حدوث خلل في المنظومة الثقافية للمجتمع كونها تعد المسؤولة عن وظيفة الدين والتعليم , فالدين او التعليم اذ قام بوظيفته الاساسية من خلال مؤسساته وهيئاته المركزية فان منظومة القيم ستؤدي وظيفتها بشكل صحيح مما يؤول الى المحافظة عليها والمحافظة على سائر المنظومات الأخرى ( السياسية – الاجتماعية – الاقتصادية ) , وعليه استنتجت الباحثة ان ابرز اسباب الفساد المالي في المجتمع العراقي يعود الى خللا في المنظومة الثقافية في المجتمع العراقي المتمثل بضعف وخلل بوظيفة الجانب الديني والتعليمي .
ابرز النتائج :
1- إن الفساد الإداري والمالي ظاهرة قديمة أصابت الجهاز الإداري في العراق ، و أزدادت بدرجات فلكية بعد 2003 , وذلك باعتبار الفساد على انه "سوء استغلال السلطة من أجل تحقيق المكاسب والمنافع الخاصة "ومؤشراته واضحة المعالم، تنتشر وتتفشى داخل المجتمع، يتجسد ظهورها بصيغ وهيئات مختلفة.
2- يعد ارتفاع مؤشر الفساد في أي مجتمع على تدني الرقابة الحكومية، وضعف القانون، وغياب التشريعات، وقد ينشط الفساد نتيجة لغياب المعايير والأسس التنظيمية والقانونية وتطبيقها، وسيادة مبدأ الفردية بما يؤدي إلى استغلال الوظيفة العامة وموارد الدولة من أجل تحقيق مصالح فردية أو مجموعاتية على حساب الدور الأساسي .
3- للرشوة مظاهر عدة كالرشوة وتهريب الأموال والاستيلاء عليها من قبل المسؤولين وبشكل غير قانوني وشرعي
4- مخالفة الحكام الشرعيين والمسؤولين لبنود قانون الخدمة المدنية من خلال قيامهم بالتعيينات العشوائية للمواطنين في اجهزة الدولة في وظائف غير مهمة او تعيين معارفهم في اجهزة الدولة من دون مؤهلات مما يؤدي لهدر المال العام وترهل الجهاز الاداري للدولة .
5- يؤدي الفساد الى حدوث تشوهات اقتصادية وحالات عجز ضخمة كونه يتسبب في ضعف الملف الاستثماري وكذلك هروب المستثمرين وذلك لقيام المنفذين المسؤولين على العمليات الاستثمارية بطلب الرشاوي والعمولات مما يؤثر سلبا على القطاع الاقتصادي .
6- ظهور طبقات مهمشة في المجتمع لاسيما الطبقات المتعلمة نتيجة بروز الطبقة الثرية المتمثلة بشريحة الحكام والمسؤولين الفاسدين كون ان القانون يحميهم ويمتعهم برصانة قانونية .
7- ان ابرز اسباب الفساد المالي في المجتمع العراقي يعود الى خللاً في المنظومة الثقافية والتي تؤدي وظيفة الدين والتعليم .
التوصيات والمقترحات
1- ان اي اصلاح في العراق لابد وان يبتدأ في وضع معالجات حقيقية وجادة لمكافحة الفساد عبر تفعيل دور القضاء وحماية استقلاله، وتفعيل دور مؤسسات الرقابة. وخلق رأي عام يرفض الفساد دينياً وأخلاقياً لأثاره السلبية في التنمية الاقتصادية الشاملة أي تثقيف المجتمع وتحويل الولاء بصورة تدريجية من العائلة والعشيرة إلى قيم المواطنة، مكافحة البطالة والتضخم (وبضمنها البطالة المقنعة) عن طريق توفير فرص العمل وتشجيع الاستثمار المحلي وفرض شروط على الاستيراد لتنشيط الصناعة الوطنية وحمايتها .
2- اقامة نشاطات علمية متنوعة تهتم بدراسة ظاهرة الفساد الفساد لاسيما المالي والاداري , وذلك من خلال تكليف الباحثين والاكاديميين المختصين بالعلوم الاجتماعية للقضاء على هذه الظاهرة السلبية المتأصلة في المجتمع العراقي والكثير من المجتمعات الأخرى .
3- قيام الهيئات الدينية بتوعية الناخب على اختيار الانسب والأصلح لتقييد منصب الحكم او الادارة اذ اوجبت عليه الشريعة الاسلامية ذلك , فلا بد ان تتوفر فيه القدرات والكفاءات اللازمة لقيادة المجتمع, فمن يقوم بانتخاب شخص اقل كفاءة من غيره لاعتبارات ومنافع شخصية يعد خائناً لله ورسوله .
4- تفعيل فقرة ( من اين لك هذا ؟؟ ) وهو مبدأ بسيط من مبادئ الاقتصاد الاسلامي .
5- نقترح على وزارة التربية ان تقوم بتحديث مادة التربية الاسلامية من خلال التطرق الى مسائل خلقية وقيمية عميقة كالتسامح وحب الوطن واحترام الآخر والأمانة مما سيسهم في تكوين ونشوء جيل واعد ومتسامح وملتزم دينياً بعيداً عن المخالفات الشرعية والإنسانية والانحرافات السلوكية .
المزيد من الاخبار