تفاصيل الخبر
ملخصات الجلسة الافتتاحية لمؤتمر بناء الثقة وتعزيز الهوية الوطنية
2024-12-23
المثقف وقدرته على إحداث الوعي - كامل شياع مثالاً -
الاستاذ الدكتور باقر محمد جعفر الكرباسي
مفتتح:
على الرغم من سعة تداول مصطلح النخبة في العلوم الإجتماعية والسياسية الحديثة، إلا أن هذا المصطلح يظل يمثل واحداً من المصطلحات والمفاهيم الأخلافية الإشكالية الكثيرة، إذ يرتبط هذا المفهوم بآلية تحديد تراتب الطبقات والشرائح والفئات الإجتماعية المختلفة في السلم الاجتماعي، ويذهب علماء الاجتماع على النظر للنخبة بوصفها تمثل صفوة أو طليعة أو شريحة منتقاة محدودة بالتأكيد، تمتلك مؤهلات فكرية وإدارية.
إن دراسة إشكالية علاقة المثقف بالجماهير لا يستقيم أمرها من دون المرور بإشكالية الأول بالسلطة، فمنذ بدايات عصر النهضة العربية كانت مسألة الهوية ذات طابع متميز ووضع اهتمام خاص وطبيعي لدى مفكري ذلك العصر من جمال الدين الأفغاني (ت1897م) ومحمد عبده (ت 1905م) وعبد الرحمن الكواكبي (ت1902م) ومحمد رشيد رضا (ت 1935م) إلى عوامل مسيحية ذات أجيال متتابعة مثل البستاني (ت1883م) والشدياق (ت 1887م) واليازجي (ت1871م) والكرملي (ت 1947م) الى مفكري ما بعد النهضة أمثال شكيب أرسلان (ت1946م) ومحمد كرد علي (ت1953) وشبلي شميل (1917م) وفرح أنطوان (ت1922م)، وكانت العروبة موضوع إجماع واهتمام هؤلاء وإن تخللها حرص على الإسلام السياسي – لدى المسلمين منهم – وفاءً للرابطة العثمانية من ناحية وجزعاً من المطامع الإنكلو – فرنسية من ناحية أخرى، فكان سقوط الدولة العثمانية وقيام أتاتورك، أسقط حاجزاً مهماً أمام المزيد من النضج للهوية القومية العربية التي كان الحرص (المشروع) على دولة الإسلام يعيق نموها -أحيانا- للوصول إلى نتائجها المنطقية والضرورية، ويشهد الجزء الثاني من العشرينات حتى أوائل الخمسينات من القرن الماضي حواراً فكريا خصبا بين دعاء العروبة و(المذاهب) الأخرى من (مصرية) سواء كانت فرعونية أو متوسطة أو إقليمية و(سورية) سواء كانت هلال خصيبية بي أو (فينيقية) والأممية سواء كانت إسلامية أو ماركسية، وهذا الجدل الفكري الخصب والحيوي توج المد الخمسيني الذي شهد إستقلال بعض الدول العربية من استبداد الهيمنة الإستعمارية.
والثقافة هي انعكاس لحركة المجتمع في وعي تراكمات الماضي وتفاعلات الحاضر وتوقعات المستقبل، وهي نتاج حقيقي لكل أنشطة الحياة المختلفة، والنظام السياسي عجز عن استيعاب مفهوم الثقافة ودورها في بناء الإنسان إذ أن العجز هذا يؤدي إلى انقطاع طرق التواصل بين السلطة والمجتمع، ففي الدول العربية ما زال النظام السياسي يبتلع المجتمعات من دون أن يستفيد من تجارب التاريخ وتراكمات التجربة الإنسانية، وهو مما أدى إلى انحسار الثقافة وحتى تقاطعها وتباعدها عن حركة المجتمع وفعاليته في تطور معايير العمل السياسي, فالثقافة ليست سلطة سياسية تسن القوانين وتطالب الناس بالإذعان لشروطها، أنها إنتماء أخلاقي للإنسان والمجتمع على حد سواء، تتم تنميته داخل الإنسان من خلال فهم السلطة لمتطلبات الثقافة و وضرورة إشاعتها لخلق رأي حر يساعد على استمرار السلطة السياسية نفسها وترسيخ أمنها، وليس من حق السلطة السياسية اقامة حواجز أمام الثقافة عن طريق تحجيهما أو احتوائها أو تعطيلها أو مناصرة فكر على آخر.
إن إختياري للشهيد كامل شياع لم يأت إعتباطاً وإنما لدورة الهام في إرساء ثقافة وطنية تحمل هوية جامعة لعراق ما بعد 2003، والفكرة التنويري الذي كان يحمله استطاع يؤسس لثقافة وعلاقة مع الجماهير مع غرس روح المواطنة وإعلاء شأن الهوية الوطنية على حساب كل الإنتماءات الفرعية والتشجيع على التمسك بالوحدة الوطنية.
***********************
تنمية مقدّرات الفرد البشريّ
ا. د. جميل اسكندر
بغداد
23-24/12/2024
مقدمة
تقوم هذه النظرية على تنمية قدرات الفرد البشري: العقلية والادارية والمعنوية، وتؤثِّر ايجابا على سعادة الفرد ورفاهيته باتجاه رباعيّ الابعاد: سياسيّ واقتصاديّ واجتماعيّ ونفسيّ. وبالطبع نستطيع تطبيقه في العراق وفي كل اصقاع عالمنا العربي...
1- وقائع من التاريخ والحياة
في هذه النقطة نستعرض كيف يُحكَم العالم، ومن يتقلّد مقاليد الحكم فيه، وذلك بالاعتماد على امور ثلاثة مهمة وهي: اقتصاد واعلام وسياسة.
- من يملك المال ومن يتحَّكم بالاقتصاد؟
- من يدير الوسائل الاعلامية العالميّة؟
- من يحكم العالم سياسيا؟
لنجيب على هذه الاسئلة علينا عرض نوعين من الحكم يسود في العالم وهما:
النُظُم الديمقراطية المتمثِّلة في اميركا واوروبا، ونُظُم العالم النامي، والآن اصبح عالم دول بريكس ايضا.
********************
الخطاب الروائي النسوي العربي بين طروحات الفكر النسوي العالمي و الهوية الوطنية - إنعام كجه جي- في الحفيدة الأمريكية و طشاري نموذجا.
ملخص :
مرّ الخطاب النسوي بمراحل عديدة من التطور التاريخي، فبعد أن كان يطالب بتحسين أوضاع المرأة وتحريرها من قيود فرضها المجتمع، أصبح في الفترة المعاصرة يقدم طروحات وفكرا جديدا ذلك مكّن المرأة من المساهمة في شتى المجالات، فهذه الأخيرة دخلت إلى مختلف العوالم الفكرية والإبداعية، كما صار لها صوتا مسموعا وراحت تناضل بداية من أجل إثبات هويتها لتكمل ذلك مساهمة في شؤون وطنها و كل بطريقتها ففي الأعمال الأدبية عبّرت الكتابات النسوية - كما أطلقت عليها الناقدة العراقية نازك الأعرجي – على الوطن و أبدعت في ذلك و اتخذت الكتابة سلاحا للتعبير عن هويتها وعن وطنيتها و عروبتها.
لرصد ذلك اخترنا نصين سرديين للكاتبة العراقية إنعام كجه جي هما: الحفيدة الأمريكية و طشاري ، وقع اختيارنا عليهما للزخم الكبير الذي تحمله هاتان الروايتان من مشاعر و إحساس بكل مآسي الوطن و الانتماء له رغم ذلك ، حيث حاولت الكاتبة أن تعبر عن فصائل المجتمع بعيدا عن الفروقات التي فرضها الواقع المعيش . كما استخدمت الخيال لتجعل منه وسيلة تخط بها أصوات المهمشين وأصوات عامة الشعب بعيدا عن أي انتماء سياسي أو ديني بل عبرت عن ذلك من خلال شيء واحد هو الوطن الأم.
من خلال ما سبق يحاول بحثنا الإجابة عن مجموعة تساؤلات هي:
- كيف قدمت الكتابات النسوية الروائية العربية موضوع الوعي بالهوية الوطنية ؟
- ما تجليات ذلك في النصيين السّرديين لإنعام كجه جي : الحفيدة الأمريكية و طشاري ؟
- هل نجحت الكاتبة إنعام كجه جي في طرح موضوع الهوية و تعزيزها في النموذجين المختارين؟
الكلمات المفتاحية: الهوية الوطنية، الخطاب الروائي، الكتابة النسوية، إنعام كجه جي، الحفيدة الأمريكية، طشاري.
*******************************
دور الاقتصاد فی تعزیز الثقافة والهویّة الاجتماعیة
د.عباس روزبهانی
الأستاذ المساعد فی کلیة الفلسفة جامعة الأدیان و المذاهب
الملخّص
لمّا کان الإقتصاد هو العمود الفقری للحیاة الإجتماعیة فلابد له من إلمامٍ بالغٍ علی سعید الحکومي، و الثقافي، فالسلطة السياسية في المجتمع الإسلامي علیها أن تبرمج و تستخدم کل الأدواة و الإمكانيات الموجودة في كل المجالات لتنمية أمر معاش المجتمع و ارتقاء مستوى رفاهم في توزيع الفرص و و فتح المجال لكل من عنده فكرة اقتصادية حسب العدل الاجتماعي كما أنه واجب على كل مسلم حسب حكم العقل و الشرع أن يهتمّ كل الإهتمام بأمر معاشه و ارتقاء مستوى رفاهه حسب توجیهات الشريعة الإلهية، حتی ینتفع به في أمر دنياه و سعادته فی أمر عقباه. فالمسلم لابد أن يعلم أيّ جهد في طريق ارتقاء مستوى الرفاهية لاسرته أو لمجتمعه من أفضل القربات الإلهية؛ فلاينبغي لوجه المجتمع الإسلامي أن يكون وجها تظهر منها الفقر و التخلّف كما أنه لاينبغي لأسرة مسلمة أن تظهر منها الفقر و التخلّف؛ وهذا التقدّم يتطلب ثقافة اجتماعية شاملة في ساحة الفكر و العقيدة ثم في ساحة العمل و التصرفات و النشاطات الفردية و الإجتماعیة.
********************
دور الفلسفة في بناء الثقة وتعزيز الهوية الوطنية
د. بهاء درويش
مدخل
حتى تحقق الأوطان مهمتها في التطور والتقدم نحو الحياة الكريمة، فإنها تحتاج بالضرورة إلى تعزيز وترسيخ الهوية الوطنية وخاصة متى كان أعضاء الوطن الواحد مختلفين عرقياً أو دينياً أو في المذهب. فمتى تواجد الفرد في وطن أو مجتمع، فإن وجوده في هذا الوطن أو هذا المجتمع يمثل جزءاً من هويته، وبالتالي لن يتحقق خيره إلا بتحقق خير المجموع، وفي تحقيق الخير العام تحقق لخيره الخاص. أما التمركز حول الذات والبحث عن المصلحة الخاصة لن ينتج عنه سوى ضرر بالنسق العام أي بالمجتمع أو الدولة وبالتالي ضرر بمصلحته الشخصية.
لتفصيل هذا الأمر نحتاج بالضرورة للفلسفة، إذ لما كانت مهمة الفلسفة الأساسية توضيح المفاهيم، كان في توضيح مفاهيم "الهوية الفردية"، "الهوية المجتمعية أو الوطنية"، " تعزيز الثقة" ونشر الوعي بها توضيحاً لكيفية تعزيز الهوية الوطنية التي تقود المجتمع إلى تحقيق التطور والتقدم الذي يؤدي به إلى تحقيق الحياة الكريمة التي ينشدها أفراده.
*******************
من الهوية المعطاة إلى الهوية التواصلية:
محمد أبو هاشم محجوب
بيت الحكمة – تونس
ينطلق التّفكير في هذه الإشكالية من القول بتلازم ما بين الهوية والمواطنة والتّواصل. وطبعا فإنه يمكننا تأسيس هذا التلازم على اجتماعية الإنسان ومدنيته ضمن الغرضية الأرسطية أو الخلدونية أو الكنطية (اللحظة الأولى من المداخلة).
بيد أن ما يهمنا ليس ترسيم هذه الاجتماعية التواصلية ضمن الطبيعة البشرية، وإنما ضمن بنية الوجود السياسي بما هو تنازل عن القدسية التي كانت تطبع علاقتنا بالعالم : نحن نتواصل في ما بيننا لأننا لم نعد نرتبط في ما بيننا عموديا، وإنما أفقيا. نحن نتواصل لأنه أصبح بإمكان كل واحد منا أن يرى الآخر وأن ينظر إليه : ثمة نوع من تمدين النظر قائمٍ على تحول المنظور : لم يعد الإنسان الذي في المدينة ينظر إلى فوق، وإنما بات يحدج الإنسان الآخر الذي في المدينة كذلك، بنظرة تعترف به : إن هذا الاعتراف هو الذي يؤسس إمكانية التواصل.
ويبدو الأنموذج الأوّل للعلاقة بين المواطنين ضمن مدينة ما هو الأنموذج الذي تعطيه المدينة الأفلاطونية التي تطور فيها التّواصل بين مواطني أثينا من تواصل يتمثل في حجاج لا معيار له إلى تواصل اعتباري يحتكم في كل مرة إلى متعال ما. ولكنّ الأنموذج الأفلاطوني قدّم التواصل بين المواطنين على أنه جدل ينطلق من غياب للمعيار ليستقر ضمن أنموذج للمدينة قائم على محاكاة العالم.
إنّ هذا التواصل اليومي بين المتحاورين ينطق في الحقيقة عن الحاجة إلى معيار نحتكم إليه. ولعل أشد تعبير عن هذه الحاجة ما يضطر إليه الخطاب الفلسفي في كل مرة من الإحالة على الأسطورة كلما اصطدم بمعضلة الحسم، أعني بمعضلة الفصل على أساس العقل إن تواصل الناس داخل المدينة التي يحكمها المنوال القديم هو تواصل يحتكم إلى معيار الحقيقة، إلى متعال ما، لم تشذ عنه المدن المتتالية التي يمكننا أن نرصد عناوينها الرئيسية في مدينة أوغستين، ثم في مدينة أبي نصر الفارابي : إن هذه المدن هي مدن ترتسم مناويلها وفق الإحالة على ما ينبغي أن يدور بين أهلها، وما ينبغي أن يشتركوا فيه. إنها مدن الآراء، أعني أنها المدن التي تحدد ما ينبغي لأهلها أن يروا.
على أنّ المدينة الحديثة لا تشذ كثيرا عن هذا الأنموذج الكلاسيكي .. وإن أقصى التنظيرات التي حاولت أن تستحضر أنموذج مجتمع للأمم ومواطنة عالمية، لم تخرج عن منوال الغائية التي تحققها الطبيعة ضمن التاريخ.
وحتى عندما عمد كنط إلى هذا المفهوم العبقري، مفهوم الاجتماعية النافرة من الاجتماع، فإنه نزله ضمن مشروع الطبيعة في التاريخ : ولعله يمكننا أن نلخص هذا المشروع في عبارة كانطية واحدة : "إن الطبيعة تعرف أحسن مما يعرف الإنسان مصلحة النوع الإنساني" .
لذلك يظل التواصل هنا حيلة من حيل الطبيعة تحقق بها غاياتها في التاريخ. إن التنافر والاختلاف، أعني جوهر المادة التي يقوم عليها ولها تواصل بين المواطنين، ليست إلا أدوات بيد الطبيعة تحقق بها غايتها من الوجود الإنساني في التاريخ. لذلك فإن هذا التاريخ لا يمكنه أن يكون إلا تاريخا كونيا، كليا، ولا يمكنه إلا أن يكون من وجهة النظر المدنية الكونية، ولا يمكن للتضاريس والنتوءات التي يحدثها التواصل اليومي بين الأفراد، على أساس فردية الإرادات، إلا أن تكون تنويعات على مقام يومي مكرور.
كيف يمكن أن نتصوّر تواصلا مقوما للهوية ؟ كيف يمكن أن يكون التواصل بين المواطنين في فردية إرداتهم وذاتية ميولاتهم وحتى عسفها واعتباطها، مقوما لهويتهم ومواطنيتهم ؟ ما الذي يتحكم في تواصل المواطنين ؟ أيّ مفهوم للمواطنة يمكن أن يتسع لتواصل يومي غير محكوم بغاية مسبقة داخل الفضاء العمومي، وإنما بغاية يتم بناؤها جماعيا ويوميا؟
************************
من مقاصد الشريعة إلى تطوير ها: نحو دستور إنساني وهُوية وطنية جامعة
ورقة مقدمة إلى المؤتمر العلمي الدولي السادس عشر الموسوم بـ : بناء الثقة وتعزيز الهُوية الوطنية، قسم الدراسات الفلسفية بمشاركة قسم الدراسات الإسلامية في بيت الحكمة، قاعة مؤتمرات، بيت الحكمة، بغداد: (23 - 24 كانون الأول 2024م)
بقلم الدكتور عبد الله الفكي البشير
باحث سوداني
ملخص
تسعى هذه الورقة إلى إثراء النقاش حول موضوع المؤتمر وهو: بناء الثقة وتعزيز الهُوية الوطنية الجامعة، من خلال تسليط الضوء على طرح جديد قدمه المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه صاحب الفهم الجديد للإسلام. ينطلق الطرح من فهم جديد للقرآن الكريم، ويخاطب بناء الثقة وتعزيز الهوية الوطنية في بيئات التعدد الثقافي، حال العراق، ويقدم حلولاً لحاجة المواطن المعاصر، بمستوى متطلبات العصر. يتمحور الطرح حول الدعوة إلى دستور إنساني، يكون مصدره القرآن، غير أنه لا يسعى لإقامة حكومة دينية، وإنما يسعى لإقامة حكومة إنسانية يلتقي عندها، ويستظل بظلها كل البشر بصرف النظر عن ألوانهم، وألسنتهم، ومعتقداتهم، على قدم المساواة في الحقوق والواجبات. يقوم هذا الدستور على الأصول التي يلتقي فيها الناس، وهي أصول الإنسانية، وتكون أسسه كالمرآة يرى فيها كل مواطن شخصيته وتطلعاته. وتكون المفاضلة بين الناس بالعقل والأخلاق، وليس بالعقيدة أو العنصر أو اللون أو الجنس. والإسلام في هذا المستوى يعيش في مجتمعه جميع المواطنين على احترام وتساو بينهم، بحق المواطنية لهم كل الحقوق، ولا يميز ضد أحد بأي اعتبار من الاعتبارات. تقدم الورقة هنا شرحاً وتفصيلاً وتبييناً لذلك.
والدستور الإنساني لا يلتمس في الشريعة الإسلامية الحاضرة، لأنها، كما يقرر محمود محمد طه، ليست ديمقراطية وليست اشتراكية، ولا تمثل المستوى الديمقراطي في الإسلام، وإنما تمثل عهد الوصاية منه، وليس في عهد الوصاية دستور. فالشريعة إذا ما وضعت في موضعها من حكم وقتها في القرن السابع وطبيعة المجتمع أوانئذ، فهي غاية في الانضباط، والحكمة، والعدل، والسماحة، غير أنها لا تستطيع، بكل صورها، مواجهة تحديات العصر، وتلبية حاجة الإنسان المعاصر اليوم. وهي لا يظهر فيها النقص إلا إذا ما نقلت من وقتها، وطلب إليها أن تستوعب طاقات الإنسان المعاصر، فتنظم حقوقه، وتحل مشاكله.. ولكن النقص ليس هو نقص الشريعة، وإنما هو نقص العقول التي تنقلها من بيئتها إلى بيئة لم تشرع لها، بدعوى أن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان. وهنا تؤكد الورقة بأن الشريعة، ليست هي الإسلام، حتى نقول بصلاحها لكل زمان ومكان، وإنما هي طرف الإسلام الذي نزل لأرض الناس منذ أربعة عشر قرناً، وهي في بعض صورها تحمل سمة (الموقوتية) وهي من ثم قابلة للتطور، بل إن كمالها في قابليتها للتطور. تقدم الورقة هنا تفصيلاً وتعليلاً.
ومثلما كانت جهود السابقين في مقاصد الشريعة مثل الحكيم الترمزي، والجويني، والغزالي، وبن عبد السلام وغيرهم، وبخاصة الإمام الشَّاطبي (538 هـ- 590هـ/ 1143م- 1195م) المؤسس لنظرية مقاصد الشريعة، حينما وضع الكليات الخمس، وهي: "حفظ الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل"، كانت تلبية لمتطلبات روح عصره ومقتضياته، فإن محمود محمد طه كتب، قائلاً: لا يمكن للشريعة الإسلامية الحاضرة، أن تنظم حياة الفرد والمجتمع، وتستقيم مع قامة الحياة المعاصرة وتحديات العصر، ولا يمكن لها أن تحقق المقاصد، والتي يلخصها، في حق الحياة وحق الحرية، وما يتفرع منهما، إلا بتطويرها. تقدم الورقة هنا تفصيلاً وتبييناً وتعليلاً. ولمَّا كان التطور هو الأصل، وهو قانون الوجود، عند محمود محمد طه، فهو يرى بأنه لابد من تطوير الشريعة لمواجهة تحديات العصر وتلبية حاجة الإنسان المعاصر. وتطوير الشريعة، عنده، يكون من داخل القرآن، وليس من خارجه، ويعني الانتقال بالتشريع من نص فرعي في القرآن خدم غرضه حتى استنفذه، وهي آيات الفروع (الآيات المدنية)، إلى نص أصلي في القرآن نُسخ فأصبح مُدَّخراً لحياة الناس اليوم، وهي آيات الأصول (الآيات المكية). والتطوير يقع في شريعة المعاملات، كالحقوق الأساسية للأفراد، وكالنظم الاقتصادية والسياسية، إلى آخر ما يرتبط بتحولات المجتمع، ولا يقع في شريعة العبادات. تقدم الورقة تفصيلاً وتوضيحاً، مع الإجابة عن السؤال القائل لماذا لا يقع التطوير في شريعة العبادات؟
وبتطوير الشريعة، يتم بعث آيات الأصول (الآيات المكية)، ليقوم عليها الدستور الإنساني الذي يكفل الحقوق الأساسية للجميع: المسيحي والمسلم والبوذي والوثني والملحد واللا أدري... إلخ، حق الحياة، وحق الحرية، وما يتفرع منهما. والقاعدة في الدستور الإنساني، هي قوله تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، وقوله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ). ويجب أن يكون جميع المواطنين، رجالاً ونساء، متساوين، في الحقوق الوطنية، وأمام القانون، لا وصاية من أحد على أحد، ولا قوامة من أحد على أحد. وبهذا يكون الإسلام قد ارتفع، من مستوى العقيدة/ الإيمان إلى مستوى العلم/ الإيقان، وفي هذا المستوى، الناس لا يتفاضلون بالعقيدة، وإنما يتفاضلون بالعقل، والأخلاق، فلا يسأل الإنسان عن عقيدته، وإنما يسأل عن صفاء الفكر، وإحسان العمل. وبهذا تنتقل الفضيلة في المجتمع، من قوة العضل، إلى قوة العقل، وقوة الأخلاق، ولن يكون حظ أي مواطن رجلاً كان أو امرأة، حظا منقوصاً، وإنما الكل، مطالب، سواء في الأفضلية أو القيادة، بأن يكون مؤهلاً تأهيلاً عقلياً وأخلاقياً. تفصل الورقة هنا وتقدم تبييناً لماهية تطوير الشريعة ومنهجيته؟ وكيفية تنزيله؟ وما الذي يترتب عليه؟ وكيف أن الدستور الإنساني يبني الثقة ويعزز الهوية الوطنية الجامعة؟ وكيف أنه يمثل خلاصاً من قانون الغابة ودخولاً على قانون الإنسان؟
وحتى تحقق الورقة أغراضها تهيكلت في المحاور الآتية: محمود محمد طه: ملامح موجزة من لسيرة الفكرية- أهم مرتكزات الفهم الجديد للإسلام- الدين وتحديات البيئة الإنسانية الجديدة- الشريعة الإسلامية الحاضرة: عقبة أمام الهُوية الوطنية الجامعة- من نظرية مقاصد الشريعة إلى أطروحة تطويرها- تطوير الشريعة الإسلامية من داخل القرآن: نحو شريعة الإنسان- الدستور الإنساني: حيث المفاضلة بين الناس بالعقل والأخلاق وليس بالدين أو الجنس- خاتمة: شروط بناء الثقة وتعزيز الهُوية الجامعة، وقائمة المصادر والمراجع..
الكلمات المفتاحية: مقاصد الشريعة- تطوير الشريعة- الدستور الإنساني- المفاضلة بين الناس- الأخلاق- حق الحياة- حق الحرية- الشورى- الديمقراطية- الهُوية الوطنية الجامعة.
المزيد من الاخبار