منهج أهل الحكمة في دراسة الفكر الإسلامي

2024-10-10

 (منهج اهل الحكمة في دراسة الفكر الاسلامي)

10 تشرين الاول 2024

أقام قسم الدراسات الإسلامية بالتعاون مع معهد البحوث والدراسات الاستراتيجية – رئاسة الأركان هيئة الحشد الشعبي، المحاضرة العلمية الموسمة بــ (منهج أهل الحكمة في دراسة الفكر الإسلامي) بتاريخ 10/10/2024 على قاعة المرايا في بيت الحكمة للمحاضر أ.د. عامر عبد الأمير حاتم بمقرريه أ.د. مياس ضياء باقر.
ابتدأ الباحث معرفاً الحكمة لغة على انها اسم لإحكام ووضع الشيء في موضعه، اما اصطلاحا فالحكمة هي (معرفة الحق والعمل، فهو الاصابة في القول والعمل، وهذا لا يكون إلا بفهم القرآن الكريم، والفقه في شرائع الإسلام، فهماً موعياً وافياً).
الباحث استنطق الآية الكريمة : ( قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً ) ، موضحاً ان الآية الكريمة تركز على ان مفاهيم الاطروحة الإلهية تملأ ابحرا ولا تنتهي ، والمطلوب من الانسان الذي قبل خلافة الله له ان يحيط بكل تلك المفاهيم ، ثم بعد ذلك يجسد هذه المفاهيم في ذاته حتى نستطيع أن نطلق عليه إنساناً إلهياً ، وهذا هو مسلك الحكماء في دراسة الفكر الإسلامي ، والسؤال الذي يطرح نفسه : كيف يستطيع الإنسان أن يحيط بهذه الاب   حر من المفاهيم ومن ثم يجسدها في ذاته ؟
وقد أجاب الإمام علي (ع) عن هذا السؤال الصعب والمعقد والمحير بقوله: (عليكم بتقوى الله ونظم أمركم)، اما التقوى فتعني المنع في اللغة، وتعني اصطلاحا الامتناع عن فعل قبيح، وذلك بترويض النفس الأمارة بالسوء عن طريق تجسيد صفات الله في ذات الإنسان تحقيقاً لقوله تعالى: (يا أيها الإنسان أنك كادح الى ربك كدحا فملاقيه)، فالإنسان الذي يتقي ربه سيكافئه بأمور كثيرة منها (ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لايحتسب).
إن أبرز آثار التقوى هو التعلم الالهي والذي تصوره الآية الكريمة: (اتقوا الله ويعلمكم الله) فالواو هنا هي واو المعية أي انها مع التقوى الالهية.
اما الطريق الآخر للإحاطة بهذه الأبحر من المفاهيم حسب قول الإمام علي (ع) هو نظم أمركم اي صياغة منظومة فكرية متكاملة اساسها التوحيد، ومرتكزها العلوم الآتية والتي تمثل نظرات الإنسان الخلقية لها وهي:
1-    النظرة الى الكون: ويتكفل علم الفلسفة الإسلامية في ذلك عن طريق دراسة الوجود بما هو موجود.
2-    النظرة الى الإنسان: ويتكفل علم النفس الإسلامي بها عن طريق دراسة حقيقة الإنسان.
3-    النظرة الى المجتمع: ويتكفل علم الاجتماع الاسلامي في ذلك عن طريق الصيغة الرباعية لعناصر المجتمع، والتي يكون الله سبحانه وتعالى مقوماً نوعياً لها.
4-    النظرة الى علم الفلسفة التاريخية: والذي يتناول السنن والقوانين التي تتحكم في حركة الإنسان الخليفة بما هو جزء من مجتمع، والتي تشكل 70% من آيات القرآن الكريم، والتي لها علاقة كبيرة بمصير الإنسان وسعادته وشقائه.
5-     النظرة إلى علوم الحياة: وتتألف هذه العلوم من الفيزياء والكيمياء والرياضيات والأحياء والطب والهندسة والفقه وأصول الفقه.
استدرج الباحث مبيناً أن مسلك الحكماء في دراسة الفكر الإسلامي يكمن بربط مدلولات علوم هذه المرتكزات الخمسة بالأساس وهو التوحيد، لإستخراج نظريات في مختلف مجالات الحياة تتمثل بالبناء الفوقي للإطروحة والمنظومة الفكرية الالهية.
ويطلق الحكماء على هذه المنظومة الفكرية باساسها ومرتكزاتها وبنائها الفوقي ب ( الحكمة النظرية )، والتي تعني وضع الشيء في موضعه ، ولا يعدّ الحكماء دراسة الحكمة النظرية هدفاً ، بل وسيلة ومقدمة في تجسيد مفاهيمها في ذات الإنسان الخليفة ، وهذا ما يطلق عليه بــ( الحكمة العلمية ) ،والذي يعرفها الحكماء بأن من يتصف بها هو ( من كان جسده كردائه متى ما شاء خلعه ) ، ومن ثم يصل الى ضوء احاطته بمفاهيم المنظومة وتجسيد مفاهيمها في ذاته الى درجة ( العقل فعال) تحقيقاً للآية الكريمة ( ادع الى سبيل ربيك بالحكمة والموعظة الحسنة ) ، ومنها تستدل :
1-    الحكمة (يقصد بها الحكمة النظرية).
2-    الموعظة الحسنة (يقصد بها الحكمة العلمية).
3-    وجادلهم بالتي هي أحسن.
إذ فسر العلامة الطباطبائي صاحب تفسير الميزان الواو في هذه الآية بأنها عاطفة تفيد الترتيب، أي ان كل رحلة سابقة تعتمد وتتوقف على المرحلة التي تسبقها، فالجدال بالتي هي أحسن، هي أعلى مرتبة يصلها الحكيم، وهي مرتبة العقل الفعال، تحقيقاً لقول الإمام عي (ع) وهو يصف رسول الله (ص) بـ: (طيب دوار بطبه قد أحكم مراهمه وأحمى مواسمه، يضع ذلك حيث الحاجة اليه من قلوب عمى وآذان صم.. الخ).
أي يكون الحكيم مصداق لقول رسول الله (ص): (نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم).
وقد سلك السيد الشهيد محمد باقر الصدر هذا المسلك اي مسلك الحكماء ، إذ درس مفاهيم المنظومة الفكرية واحاط بها ، ثم جسدها في ذاته ، فاصبح ذا عقل فعال ، استطاع من خلاله أ يستنطق الآيات القرآنية ، ويربط بين مدلولاتها من خلال مفاتيح الحكمة الإلهية ، ليستخرج منها نظريات مختلفة في الاقتصاد والسياسة والفلسفة والفقه وأصوله والتاريخ والاجتماع وعلوم الحياة ، متبعاً طريقة التفسير الموضوعي الذي أصل له ، إذ أخد بجمع الآيات التي تخص موضوعاً معيناً ، ويربط بين مدلولات مفاهيمه عن طريق المعارف الولية الضرورية الني حصل عليها من دراسة الحكمة الإلهية ، ولم يقتصر على الآيات القرآنية فحسب بل درس الأحاديث الشريفة دراسة موضوعية واستخرج من احكماها نظريات سماها ( فقه النظرية ) ، إذ يجمع مجموعة من الاحكام الشرعية التي تخص موضوع معين ويربط بين مدلولاتها ليستخرج منها نظرية ، كما فعلها عندما ألف كتاب ( اقتصادنا ) والذي يمثل النظرية الاقتصادية الإسلامية من خلال الاحكام الشرعية الخاصة في الجانب الاقتصادي والربط بين مدلولاتها ودراستها دراسة موضوعية .
ولخص الباحث ورقته البحثية على مدى حاجتنا الى سلك مسلك الحكماء والمنهج الموضوعي في دراسة القرآن الكريم والحديث الشريف، لنتعرف على مقصود الله سبحانه وتعالى بدرجة يقينية، ونعرف كذلك مقصود كلام رسول الله (ص) والأئمة المعصومين من الأحاديث التي يستشهدون بها، حتى تكون معرفتنا بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة معرفة واعية وليست تلقينية ولاتترك أثراً في سلوكنا.

 

 

المزيد من الاخبار