تفاصيل الخبر
دور الافكار الفلسفية في الحوار الثقافي الإسلامي – ايران والعالم العربي
2018-02-22
المؤتمر العلمي السنوي الرابع عشر لقسم الدراسات الفلسفية والمعنون
{ دور الافكار الفلسفية في الحوار الثقافي الإسلامي – إيران والعالم العربي }
الاربعاء – الخميس الموافق 21-22 /2/2018
يعد الفكر ركيزة اساسية في الحوار الثقافي بين الافراد والشعوب وهو المبنى الرئيس التي تتشعب منه مظاهر التواصل المتنوعة والتي بدورها تقوي العلاقات الانسانية وتبني المصالح المشتركة .و الفكر الفلسفي سؤال كان ام اجابة هو عملية تفاعلية بين الانسان وذاته والانسان والمحيط والامم فيما بينها على اعتبار ان التفاعل العلمي هو عملية طبيعية لا يمكن للجغرافية او اي عائق اخر منعه .وأيضا لا يمكن للعرق اوالدين ان يقف بوجه هذا التواصل بل على العكس تماما ان كل العوامل الجغرافية والعرقية والدينية هي داخلة ضمن ديناميكية الحوار الفكري والذي بدوره يقر أو يغير او يضيف وهكذا هي الحركة الفكرية التفاعلية التي تكون الميول والنمط الثقافي الانساني على مر العصور وان للفكر الفلسفي مظاهر متعددة يجذّر من خلالها مجال الحوار الثقافي بين الافراد والشعوب .وان من مخرجات هذا النسيج الفلسفي الثقافي مجموعة من الاهداف تتضح من خلال ادب الحوار الثقافي ,فاحترام حرية الرأي والتعبير ,واحترام حرية الاعتقاد وطرائق التفكير وكذلك اسناد الحوار الى الحجة الواضحة والدليل الصحيح ,وتحديد الغاية من الحوار والابتعاد عن العشوائية كل هذه الاهداف يسعى الى تحقيقها هذا النسيج.
وان لهذه المخرجات أثار واضحة وعظيمة يكون لها الاثر البالغ في التأسيس للتصحيح ورسم خطوات بيانية ممكن ان تكون خارطة سير اجتماعية ,فتبادل الخبرات في شتى جوانب الحياة فلكل مفكر ولكل ثقافة سمات وخبرات في الحياة ربما يفتقر لها الاخر وايضا من المخرجات التي يمكن التركيز عليها هي غرس مفاهيم العلمية والموضوعية التي يكون هدفها الرئيس هو الوصول الى الحقيقة في ميادين الحوار ,وكذلك تذليل العقبات التي تعترض التفاهم الانساني والاثراء المعرفي في شتى مجالات الحياة .
إن العلاقات بين الامم والشعوب تقوم على الحوار وحرية الرأي فهي بذلك أمم تسعى الى الريادة في شتى مجالات الحياة ولا سيما متى جعلت دور التواصل الفكري الفلسفي النقدي اساسا في البناء الثقافي ونهجا ثابتا لها في مختلف جوانب الحياة .هنا تضمن الحياة الكريمة ويمكن لها ان تستثمر كل ما أجادت به السماء لبني البشر ,وفي المقابل فأن أهمال الفكر وما ينتج عنة من ثقافة متوازنة واعتبار هذا الاهمال أساسا في التواصل داخليا ًوخارجياً فيترتب على ذلك قتل الروح الانسانية المبدعة لدى الفرد والمجتمع وتشجيع وتنمية روح الخلاف ومن ثم تأخر الامم في شتى مجالات الحياة .
وبناءً على اهمية فكرة التواصل الثقافي والمعرفي جاء هذا المؤتمر والذي اقيم بالتعاون مع المستشارية الثقافية للجمهورية الاسلامية الايرانية ببغداد مسلطا للضوء على اهمية الفكر الفلسفي في الحوار الثقافي بين أمتين عريقتين كان وما زال لها دور كبير في فتح قنوات تواصل حضارية فيما بينها من جهة وبين الامم الاخرى من جهة ثانية .
شارك في هذا المؤتمر مجموعة من الاساتذة الباحثين من دول مختلفة من العالم الذي اناروا الجلسات العلمية ببحوثهم القيمة .
أفتتح المؤتمر العلمي السنوي الرابع عشر الذي يحمل عنوان (دور الافكار الفلسفية في الحوار الثقافي الاسلامي –ايران والعالم العربي ) يومي الاربعاء والخميس والموافق 21-22/2/2018 على قاعة المؤتمرات في بيت الحكمة / بغداد , بتلاوة قرانيه معطرة ومن ثم اعتلى المنصة الدكتور احسان الامين رئيس مجلس أمناء بيت الحكمة ليلقي على الحضور العلمي الدولي كلمة ترحيبية وعلمية جاء فيها
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾(13 (صدق الله العلي العظيم
السيدات والسادة
الحضور الكريم
اصحاب السماحة العلماء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
باسم بيت الحكمة نرحب بكم جميعا في هذا المؤتمر العلمي الكبير والذي يعقد بالتعاون مع المستشارية الثقافية الايرانية شاكرين لهم رعايتهم الكريمة لدعوة الضيوف المشاركين من مختلف دول العالم.
لقد كان اختيارُ عنوان المؤتمر: ( دور الافكار الفلسفية في الحوار الثقافي الاسلامي) ذا دلالة ورسالة خاصة ذلك إنّ العالم اليوم وهو يغور وسط موجات التأزيم والتقسيم الطائفي والعنصري والمناطقي .أن هذا العالم لأحوج ما يكون الى افشاء وارساء السلام والوئام والتفاهم ولغة الحوار محل الاختلاف والفتن والتنازع..
ما نحتاجه هو الحوار الذي يؤسسه ويديره الحكماء من أصحاب الفكر وحملة الوعي والمعرفة لأن أية مقاربة بين طرفين تتطلب قبل كل شيء أن يكون العلم رائدهما والحلم زينتهما فإنّ العقلاء اذا اختلفوا تعارفوا وائتلفوا ولم ينجروا الى الخلاف والشقاق .إنّ من متطلبات الحوار الناجح أن يحترم كل طرف صاحب الرأي الآخر وإن كان لا يتفق مع رأيه فإن التعدد في الرؤى والاختلاف في الافكار سنة كونية منذ اول الدنيا حتى آخرها :قال تعالى: ﴿ وما زالوا مختلفين ولذلك خلقهم ﴾
ليس الحوار أن نتطابق فيما نعتقد ونرى وإنما أن يتفهم كل منا الآخر وأن يعذر أحدنا الآخر فيما يختلف معهواذا كانت الافكار الفلسفية تثير الحوار في حركية دؤوبة عن الماهوية التكوينية والكائنية فإن من الأهمية بمكان أن يتجه الحراك الفلسفي نحو ادراك العلاقات بين هذه الماهويات أياً كانت تصوراتنا عنها و تأويلاتنا لها مختلفة او متوافقة .. فالسؤال : ليس من أنت ومن أنا ؟ ولن أعرف من أنت ولن تعرف من أنا كما نحن في الواقع الحقيقي إذ لا يعلم ذلك إلا الله الذي يعلم الجهر وما يخفى ..ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو كيف تنظر إلي وكيف تعاملني وكيف أنظر إليك وكيف أعاملك ؟
فنحن كلانا نبتان شقيقان في حديقة بستاني واحد وإن اختلفت ألوان زهورنا وتنوعت ثمار أشجارنا. إننا بحاجة الى ثقافة حوار تواصلية لا ثقافة جدل تقاطعي ..نحتاج الى أدب الانفتاح على المختلف والتماهي مع اللامشهور واللامنظور فإن للزمن استحقاقه كما إن التغييرية ليست حالة عابرة بل هي ضرورة وصيرورة تلازمية تفرضها ديناميكية الطبيعة ونواميس الحياة وسنن الله الواحد الذي نسير ونصير اليه فحري بالفكر ولكي يكون فكراً منفتحاً على المستقبل أن يستجيب لتطلعات الانسان المعاصر والآفاق الجديدة التي ابتدعها في حقول العلم والمعرفة. ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾
السيدات والسادة الافاضل
لقد خسرت شعوب العالم والمنطقة الكثير من الارواح والاعمار والفرص بسبب الروح العدوانية والاستكبارية التي سادت لعهود سالفة وآن الأوان للمجددين والمجتهدين والمتنورين والمثقفين أن ينشروا العلم والمعرفة والتسامح والتراحم وأن ينقلوا ما اكتسبوه في الصوامع والجوامع وما تلقوه في المعاهد والمدارس الى عرصات المجتمع العريضة لكي لا تبقى الساحة حكرا على اصحاب الأهواء والمطامع من الفاسدين والجهلة.لقد تجاوزت شعوبنا منطق الصراع والتناحر الذي أججته قوى شيطانية خارجية وداخلية ..لقد اختارت شعوبنا لغة الحوار والتفاهم والتي نتج عنها التلاحم الكبير في معركتنا ضد الارهاب الاسود الذي أهلك العباد وخرب البلاد فكان النصر الكبير الذي حققته قواتنا البطلة جيشاً وحشداً ومن جميع الصنوف..كان نصراً لقوى الخير في العالم كله .لقد كانت المعركة لتخليص الوطن من براثن داعش التكفيري والذي قد بثت فيها الروح الاسلامية عبر فتوى الجهاد الكفائي للامام السيستاني ونصرة الخيرين, قوةَ النصرِ المبين بدماء الشهداء وسواعد المقاتلين المجاهدين ونحن أحوج ما نكون الى استمرارية روح التعاون في البناء والاعمار عملاً بقوله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾
أخيراً :إن ايران والعراق ينهلان عذب الماء من منابع مشتركة والغيمة التي تهطل بعض حملها ببغداد تتمم كرمها فتغيث مَنْ بطهرانقال تعالى : ﴿وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْض ٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾
و كما الطبيعة متواصلة ومعطاءة كذا الفكر يسيح علوا وارتقاء بين خراسان والزوراء
سل إن شئت الفارابي وابن سينا والغزالي والطبري والگيلاني وابي حنيفة النعمان
وسل ايضا الطوسي والصدوق والكليني والطباطبائي
كلهم حلوا وتجلوا بين فارس وبلاد النهرين
واليوم ونحن نواجه تحديات مشتركة فإن هذا الحوار وحلقاته التواصلية كفيلة بأن ترسي سبل السلام والوئام وتفتح آفاق التعاون لرقي بلادنا وازدهار حضارتنا وأن يكون التعاون المثمر بين بلدينا طريق الورد الى سائر الدول العربية والاسلامية .. تواصلاً ثقافياً ومعرفياً وتعاوناً علمياً وعملياً في سائر الحقول الحياتية لتتوجه الطاقات وتصرف الاموال في نماء الدول ورفاه شعوبها بدل الحروب والفتن والانفاق على مشتريات السلاح والتدمير الذاتي والتنمية المعكوسة وقد تبنى العراق حكومة وشعباً برنامج احلال الوئام والاستقرار في المنطقة والتعاون والتكامل بين دول المنطقة للخروج بها بعيداً عن التأزيم والصراعات المفتعلة من قبل من لا يريدون الخير لنا بل يريدون إن نستنزف ما من الله علينا من نعم وخيرات في صراعات اقليمية وطائفية بائسة لا تزيدنا إلا ضعفاً وتخلفاً إن التفاهم والانسجام بين دول العالم الاسلامي يؤسس للحوار العالمي وهو خطوه مهمه على صعيد إرساء ثقافة السلام والتعايش السلمي بين دول العالم .
الحضور الكريم
يسرنا في بيت الحكمة ان نحتضن هذا الملتقى العلمي الثقافي الحواري في هذا البناء التاريخي الذي يقارب عمره الثلاثمئة عام, لنحي عطاءات بيت الحكمة التاريخي قبل مايزيد عن الالف عام , حيث كان يجتمع فيه علماء العصر من شعوب ولغات مختلفة , العربية و الفارسية و الأردو و السريانية واليونانية, وكان بيت الحكمة حلقة الوصل ومدرسة التواصل بين الشرق والغرب بالتأليف والترجمة والبحث العلمي والتدريسي حتى عدّ الباحثين بيت الحكمة كأول جامعة في التاريخ .
نرحب بكم جميعاً أملين لهذا المؤتمر المبارك النجاح والتوفيق . شاكرين جهود اللجنة المنظمين والعاملين في اعداده والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وكان أيضا من ضمن المنهاج كلمة لسعادة السفير الايراني ( آيرج مسجدي) جاء فيها انا في بالغ السعادة عندما القي على مسامعكم الكريمة كلمة تخص العلاقات الفكرية والثقافية بين الجمهورية الاسلامية الايرانية والعالم العربي واود ان اتوجه بالشكر الجزيل من صميم قلبي للدكتور احسان الامين رئيس مجلس الامناء في بيت الحكمة على هذه الدعوة الكريمة , وارحب بالسادة الافاضل والحضور الكريم واتمنى للجميع التوفيق ان هذا المؤتمر العلمي هو عملية علمية بحتة وحوار فكري بين اصحاب الاختصاص وانا لا ارغب بان اتكلم في امور السياسة وانا في مقام العلم والعلماء , واود ان اقول اني طالما استفدت من هذه المؤتمرات والجلسات العلمية واود ان اقدم بعض النقاط في هذا الوقت الوجيز الخص به العلاقة بين العراق وايران فالعراق وايران دولتان جارتان تربطها علاقات واسعة جغرافية وثقافية وعلمية ومعرفية , وان هذا الموضوع سيسعدكم وسيعزز العلاقة بين العراق واير ان واليوم لدينا علاقات سياسية واسعة وجيدة مع الحكومة العراقية ويوجد تعاون واسع فيما يخص العلاقات الدولية والمجالات التي تخص المنطقة في مجال الدفاع والامن والعلاقات قوية وممتازة وانتم لاحظتم جانب من هذا التعاون خلا الحرب على داعش البعض ينظر نظرة كلية عن دور ايران في هذه الحرب وانها كانت الى جانب العراق من الناحية السياسية فقط , بل ان الحكومة في ايران قدمت كل ما في وسعها من اجل ان يخرج العراق من ازمته فدعمنا الجيش والحشد الشعبي من باب التسليح والتدريب والدعم اللوجستي وان هذا الدعم كان جديا وقم تم هذا التعاون من خلال طالب قدم من الحكومة العراقية , اما في مجال الاقتصاد قد قطعنا شوطا كبيرا في هذا المجال الى ان وصل قيمة النشاط الاقتصادي الى ست مليارات دولار اضافة الى التعاون في مجال النفط والغاز وايضا في مجال السياحة الدينية وتبادل الزائرين حيث ستصل قيمة المنفعة المادية الى اثنا عشر مليار دولار في المستقبل القريب , ان العلاقات بين الشعبين تجاوزت العلاقات الرسمية وانتقلت الى العلاقات الاجتماعية العائلية الحميمة , اضافة الى العلاقات العلمية بين ايران والعراق فهي في افضل حالاتها حيث وصل عدد الطلاب العراقيين في ايران الى الالف الطلاب وان الجامعات تتبادل العلوم والخبرات والبحوث والافكار وتتواصل فيما بينها حيث تقام الكثير من المؤتمرات المشتركة والفعاليات العلمية المختلفة ومعارض الكتب وغيرها من الانشطة العلمية , وايضا هناك علاقات على مستوى الثقافة والاعلام وهناك علاقات جدا واسعة بين الحوزات ورجال الدين وتبادل طلبة العلوم الدينية واكثر مراجع الدين لديهم مكاتب في الدولتين . ونحن نسعى الى تمتين العلاقات بين الدولتين واستمرار التعاون والتبادل العلمي والثقافي والاقتصادي بين الدولتين فيما يخدم مصالح الجميع . شكرا جزيلا لبيت الحكمة على هذه الفرصة واحيي الجهود المبذولة من قب القائمين على المؤتمر دمتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله .
ومن ثم بدأت جلسات المؤتمر فكانت الجلسة الاولى برئاسة الاستاذ الدكتور محمد جواد الطريحي عميد كلية العلوم الاسلامية /جامعة بغداد.. ومقررية م. م زينب بدن إبراهيم وشارك فيها كل من الباحثين ادناه:
1-د.مرتضى واعظ جوادي آملي (مبادئ و أسس الحكمة المتعالية فيما يخصّ تطوير العلاقات الإنسانية)
2- د. علي محمد اسبر(أَيمكن أن يوجد تفكير فلسفي لمجتمعاتٍ إسلاميّة؟)
3-أ.د صلاح فليفل الجابري (الحوار الثقافي وعوائق الذاكرة)
4-سماحة آية الله حسن رمضاني (دور الفلسفة في تواصل البشر والمجتمعات الحضارات)
5-د.محمد شريف طاهر (الحوار التكاملي وتأسيس لمسار التقريب بين المذاهب الإسلامية)
6- د مرتضى يوسف راد(قدرات العقل العملي في الحوارات الثقافية بين إيران و العالم العربي)
7- أ.د ابراهيم العاتي (دور الفكر الفلسفي في مواجهة التطرف)
افتتحت الجلسة في ملخص البحث الذي القاه د .مرتضی واعظ جوادی والذي يحمل عنوان (مبادئ و أسس الحكمة المتعالية فيما يخصّ تطوير العلاقات الإنسانية) وتناول فيه إنّ الكمال الإنساني رهن بأسباب وعوامل عدّة ومختلفة٬ وكلما كانت تلك العوامل أوسع و أعمق٬ كان مجال التعالي و سعة الحضور الإنساني أكبر و أوسع.
فالحكمة المتعالية ترى أنّ حقائق عالم الوجود برمّتها٬ بما فيها الإنسان٬ لها ذوات٬ وأنّ الهوية الإنسانية تكتمل بالجهاز الباطني لبلوغ السعادة٬ ولكن من جهة أخرى٬ فقد فتح العالم المعاصر أمام الإنسان آفاقاً رحبة بحيث صار البعض يعتقد أنّ القضايا الثقافية و الاجتماعية و السياسية هي العناصر المؤلفة للهوية و الحقيقة الإنسانية٬ وأنّ الإنسان يتشكّل على مدى تاريخ البشرية٬ و أنّ هذه العلاقات تلعب دوراً محورياً في تشكيل هوية الإنسان٬ فإلى أيّ مدى تنسجم هذه النظرية مع مبادئ الحكمة المتعالية.
ومن ثم اعتلى المنصة د.علي محمد اسبر ليلقي ملخص بحثه المعنون ( أَيمكن أن يوجد تفكير فلسفي لمجتمعاتٍ إسلاميّة؟) حيث قال ان الباحث قد توصل الى أن هنالك إشكالية تظهر في غاية التعقيد في موروثنا الثقافيّ الإسلاميّ، تتجلى في أن مسار التاريخ الإسلامي يدل من خلال وقائعه وأحداثه على كون العلاقة بين السلطة السياسية ودين الفقهاء تضايفيّة؛ بل تكوينيّة، وهذا يقتضي سلطويّاً إقصاء التفكير الفلسفيّ من حركيّة المجتمع، لأنه يتناقض بل يهدد هذه العلاقة التكوينيّة نفسها.
إنَّ أيّة محاولة لفهم الهُويّة لا بدّ أن تفضي بنا حتماً إلى الاعتراف بأن حقيقتها الأصيلة تقوم في الاختلاف، بدلالة تنوّع الأعراق والأديان حتى ضمن إقليم جغرافيٍّ واحد، وهذا أمر طبيعيّ تقتضيه طبيعة الوجود؛ لكن عندما يتفشّى التمزق داخل دينٍ واحد ينبني على كيانٍ روحيّ- إنسانيٍّ بعينه، أعني المجتمعات الإسلاميّة، فذلك يحمل دلالات سلبيّة خطيرة، لذلك لا بدّ من الفحص عن أسباب الانقسام الإسلاميّ الراهن، ذلك أنَّ الإنسان المسلم يتحرك في ظلمات تاريخية تحيط به من كلّ جانب، فهل يمكن أنَّ يكون تراثنا هو السبب في ذلك؟ هذا التراث الذي نظن أننا بمنأى عنه ليس وراءنا، أعني ليس أمراً مضى وانقضى؛ بل هو أمامنا وسوف يأتي إلينا على هيئة قدَر ذي ضربات عنيفة تحملها منقولاته النصيَّة إلى الوعي وبالتالي إلى الواقع؛ لأنه فرض سيادته علينا إلى درجة أنه أضحى مكوِّناً أساسيّاً لأذهاننا أو بالأحرى لطرق تفكيرنا.
وقدم بعد ذلك الاستاذ الدكتور صلاح فليفل الجابري ملخص بحثه المعنون (الحوار الثقافي وعوائق الذاكرة) حيث قال ان قيمة أي مشروع استراتيجي في شيئين، الأول نوعية الأهداف المصاغة كخيارات عقلانية، والثاني الاليات التي تنجز تلك الأهداف وتنقلها من عالم الإمكان الى عالم الواقع. ولكن الأهداف مهما كانت إنسانية وحالمة بواقع أسمى تبقى مجرد إمكان متحقق في عالم القول دون عالم الواقع إن لم تتوفر آليات حقيقية وعينية تنقلها الى الفعل المباشر، لتتحول الى عمل اجتماعي تاريخي.
وقدم سماحة آية الله حسن رمضاني ملخص بحثه المعنون (دور الفلسفة في تواصل البشر و المجتمعات و الحضارات) قال إنّنا بحاجة فعلاً إلى الفلسفة لكي نتواصل فيما بيننا٬ وما من بديل يحلّ محلّها. وبمقدورنا أن نزعم بأن لا تواصل سليم بدون الفلسفة. و لكن كيف لنا أن نبرهن على هذا الزعم؟ للبرهنة على ذلك لا بدّ أولاً أن نضع ثلاث مقدمات أمام القارئ الكريم.
المقدمة الأولى٬ أن نعلم بأنّ الفلسفة بحث حر للوصول إلى الحق٬ بعيداً عن أيّ تحديد أو نزعة محدّدة سلفاً. في الحقيقة٬ إنّ الفلسفة التي يعبّر عنها بالحكمة أيضاً٬ عبارة عن الاطلاع على الينبغيات واللاينبغيات والوجود والعدم في شقّي الفلسفة النظري والعملي٬ أو الحكمة النظرية والحكمة العملية من قبل العقل النظري والعقل العملي.
أمّا في المقدمة الثانية فنقول إنّ للتعاطي و التواصل مقومات و عناصر. و أهم هذه المقومات اللغة المشتركة و التوافق اللساني. إذا لم تجمع شخصان لغة مشتركة٬ يكون التواصل والتعاطي بينهما متعذراً. والتواصل على أيّ أساس و ما هو مداره ؟ كيف لشخصين لا يفهم أحدهما لغة الآخر أن يتواصلا؟ لو فرضنا أنّ الأول يتحدّث الفارسية و الثاني يتحدّث الإنجليزية٬ فلا الأول يفهم مفردات الثاني و لا الثاني يفهم مفردات الأول. في هذه الحالة٬ لن يكون هناك تواصل بين الطرفين٬ لأنّهما لا يفقهان لغة بعضهما البعض. إذن٬ اللغة المشتركة تعدّ إحدى أهم المقومات في التواصل والتبادل الثقافي؛ كانت هذه المقدمة الثانية.
أمّا في المقدمة الثالثة٬ أودّ أن أعرض على حضراتكم ما يلي: تعتبر العقلانية القاسم المشترك بين الناس٬ شرقيين كانوا أم غربيين٬ مسلمين أم غير مسلمين٬ كفاراً أم مؤمن٬ فسّاقاً أم ورع٬ وهذه العقلانية هي المظلة التي يستظلّ تحت خيمتها الجميع٬ و كلّهم شركاء في هذا الخصوص٬ حتى وإن تباينوا في درجات العقلانية؛ كأن يكون أحدهم في القمة وآخر في القعر٬ وثالث في المراحل الوسطى للعقلانية؛ ولكن٬ في نفس الوقت٬ هناك مبدأ واحد ينصاع له الجميع٬ و قاعدة موحدة يتفق عليها الجميع و هي العقلانية العامة.
وقدم د. محمد شريف طاهر /الجزائر ملخص بحثه المعنون ( الحوار التكاملي وتأسيس لمسار التقريب بين المذاهب الإسلامية (تأسيس مبادئ مواجهة المعرفية للتفرقة التكفيرية) ان الانسان المعاصر اضحى يعيش عزلة عن أخيه الإنسان بفعل وسائل الترفيه الكثيفة التي تفصله عن التفاعل المباشر مع أخيه الإنسان، فحتى أدوات التواصل التي أقامتها التكنولوجيا المعاصر لم تنجح في وصل الإنسان بأخيه الإنسان، لأنها اختزلت تواصل الانسان في حدود تقنية جامدة تقتل كل أشكال الحميمية والارتباط الممتلئة بحرارة التواصل الإنساني بكل تركيباته وتعقيداته.
وأما في مجال المذاهب الإسلامية فالضرورة لا تخفى على أي عاقل، ينشد الحقيقة ويبرأ من الزيف، ففي زمن الفتنة الذي يكثر فيه الاقتتال تختبئ السياسة وراء الإعلام، حيث تعمل عمل تزييف الوعي تارة بخلق اشكال من النقاشات حول المذاهب الإسلامية ليس الهدف منها كشف الحقيقة أو التعرف على ما لدى الآخر من معارف يمكن التكامل معها، بل هو عبارة عن مراء الهدف منه إعلاء صوت المذهب على واقع الحقيقة، وتجسيد الاستعلاء بدلا من التكامل مع الآخر، وتكريس تضخم الأنا بدلا تهذيبها، فسادت نقاشات هي اقرب الى صراع الديكة منه إلى حوار العقلاء.
وقدم الاستاذ مرتضی یوسفی راد ملخص بحثه المعنون (قدرات العقل العملي في الحوارات الثقافية بين إيران و العالم العربي) وتناول فيه ثمّة آيات عديدة في القرآن الكريم توصي الإنسان بالتفكّر والتدبّر في محيطه٬ ليفهم حقائق عالم الوجود بشكل صحيح و عيون مفتوحة٬ و أن يبتعد عن كل ما هو زائف ولا صحّة له (سورة الروم، آية 5). طبقاً للرؤية القرآنية فإنّ أهل العقل والفكر ممدوحون بحيث أنّهم ذكروا بعد ذكر الله (سورة آل عمران، آية 191). في المقابل٬ يذمّ القرآن الكريم الذين يبتعدون عن العقل والتدبّر٬ ويحيون بالعواطف والمشاعر فقط دون الرجوع إلى العقل وتحليل المنافع والأضرار٬ ويعيشون على التعصب والحقد. إنّهم يعودون القهقرى بدلاً من المضي نحو التقدّم و الرقي.
وهنا تؤكّد التعاليم الدينية دوماً على ضرورة أن يعمل المسلمون بتدبير وحكمة في علاقاتهم بعضهم ببعض٬ و أن يستعينوا بالعقل الذي وُصف بأنّه النبي الباطني لكل إنسان. ويبيّن هذا الاهتمام بأنّ الدين الإسلامي قد سبق جميع الأديان في إعلاء شأن العقل ودوره في الحياة٬ ليتجنّب المسلمون السلوكيات الانفعالية و العاطفية٬ ويتعرّفوا على الإفراط والتفريط ويبتعدوا عنهما. ويؤكّد الدين الإسلامي بشكل حثيث وأكثر من أيّ دين آخر على الحوار البنّاء والهادف٬ ولا يجيز العنف اللجوء إلى العنف إلّا في ظروف خاصة. في نفس الوقت٬ لا يضع أيّ قيود أو حدود أمام نطاق موضوعات الحوار.
آن للفكر الفلسفي الإسلامي أن يؤسس لمنطق حواري تتكامل فيها المذاهب الإسلامية بدلا من التصارع، خاصة وان الأخير عودة إلى الجاهلية والقيم البدائية، حيث التناحر والهجاء والتفاخر قيم القبيلة التي تتعارض مع قيم الإنسانية التي جاء بها الإسلام.
وقدم أ. د. إبراهيم العاتي عميد الجامعة الاسلامية في لندن ملخص بحثه المعنون (دور الفكر الفلسفي في مواجهة التطرف) الفلسفة او الحكمة هي المرحلة الراقية من مراحل تطور الفكر الانساني في انتقاله من الحياة البدائية المتوحشة الى حياة العلم والمعرفة والتحضر، والتي استطاع الإنسان فيها تفسير الظواهر المختلفة في هذا العالم تفسيراً ينفذ الى ما وراء الظواهر لاكتشاف عللها واسبابها، ليصار الى تغييرها والتحكم فيها.هذه العقلانية هي التي حددت المفاهيم والمصطلحات، ووضعت المناهج الخاصة بالعلوم، ونظّمت الحياة الاجتماعية والاخلاقية والسياسية والدينية، لأن الدين جاء لقوم يعقلون، وقوم يتفكرون، ولأولي الألباب.
((اليوم الثاني من المؤتمر))
عقدت الجلسة الثانية بادارة السيد عميد كلية الاداب جامعة بغداد : الاستاذ الدكتور صلاح فليفل الجابري ومقررية الدكتورة يسرى جلوب المسعودي
وشارك فيها كل من الباحثين
1- د. توفيق بن عامر/ استاذ جامعي من جامعة تونس/ البحث بعنوان( الفلسفة السياسية لفارسي مستعرب عبد الله المقفع ) .
2- د. حميد رضا شريعتي/ عميد كلية الفلسفة/ جامعة الاديان في قم/ البحث بعنوان (الحوارات الفلسفية الحرة بين الايرانيين والعرب الندوات العلمية في القرن الرابع الهجري انموذجا ً) .
3- أ. د. علي عبد الهادي المرهج / استاذ في الجامعة المستنصرية / البحث بعنوان ( اراء علي الوردي وعلي شريعتي – تناص مفاهيمي - ) .
4- د. فوزي العلوي / استاذ بجامعة الزيتونة – تونس / البحث بعنوان ( الفلسفة بما هي حكمة بالتعارف والحوار ) .
5- د. نجف لكزاي/ رئيس المعهد العالي للعلوم والثقافة الاسلامية / البحث بعنوان ( وسائل تحقيق الامن الدولي من منظار الحكيم الرباني اية الله جواد آملي ) .
6- د. محمد رضا اللواتي / نائب مديرالعام للموارد البشرية/ البحث بعنوان ( الفلسفة بين ايران والعالم العربي ) ( الحكمة المشرقية انموذجا ً ومجالا ً للتحقيق العربي الفارسي المشترك )
7- د. رنا مولود الراوي/ استاذ جامعة بغداد / البحث بعنوان ( فلسفة التوحيد ودورها في بناء المجتمع الاسلامي المعاصر ) .
بدأت الجلسة ببحث الفلسفة السياسية لفارسي مستعرب عبد الله بن المقفع للـ د. توفيق بن عامر من جامعة تونس،موضحا ًفي هذا البحث دراسة اهم تجليات الفلسفة السياسية في كتاب (كليلة ودمنة) وعمل على استخلاص ابرز الاراء السياسية التي حرص عبد الله بن المقفع توصيلها للقارئ من خلال كتابه وايضا ًعمل على اثبات فكرة ان الثقافة الفارسية والعربية تصب في اطار الثقافة الاسلامية. معرفا ًمن خلال البحث على تبيان بشخصية (عبد الله بن مقفع)وتوضيحها شخصية فارسية ذات ثقافة عربية، قدم مقترحات عدة بيان سماته وافكاره مناديا ً بالحوار بين الاديان واعتمد لهذا الغرض مدخلا ً حدد فيه العلاقة بين ابن المقفع والمسألة السياسية ليحدد من ذلك غايته وهدفه من ترجمة الكتاب ونقله من الفارسية الى العربية ركز الاهتمام بعد ذلك على تحليل الاراء السياسية كما وردت في كتاب ( كليلة ودمنة )، وابراز اهمية مجمع الاراء بالقياس الى العصر الذي ظهرت فيه وايضا ً الى بيان منزلتها في تاريخ الفكر السياسي بالوجه العام. واضافة الى بيانه، ضرورة التآخي بين الملل، موضحا ً ان مأساة التاريخ الاسلامي كان في الاستبداد واسبابه، وكيفية ادانتها اليوم.ودعا الى ضرورة الرجوع الى التراث وغربلته للاصلاح القضايا المعاصرة، وايضا ً اضاف الى ضرورة تجاوز الصراع وتجاوزالمذهبية ، والدعوة الى السلام والذي يدعو الى نبذ تلك الظواهر لاجل اصلاح المجتمع .
ومن ثم قدم د. حميد رضا شريعتي : ملخص عن بحثه المعنون ( الحوارات الفلسفية الحرة بين الايرانيين والعرب البذرات العلمية في القرن الرابع الهجري انموذجا ً ) تناول فيه :
اولا ً :
1. يتكلم عن حياة سقراط ومفهومه لمصطلح الفلسفة .
2. اثرالتثقيف الاسلامي وتوسيع لغة الفكر والتخاطب
3. تناول التقارب بين الاجواء المتغيرة الفكرية العربية السياسية .
4. تناول المعالجة بين المشاكل وايجاد الحلول
5. تناول نزعة الحكمة بين الفلاسفة والحكماء وكيفية ايجاد الحلول لحلها .
6. تناول كيفية التعرف على العقلانية وايجاد مستوى تفكير هذه الميزة .
ثانيا ً : مميزات القرن الرابع الهجري
1. الاهتمام بالفلسفة
2. بيان الالسنة المعتدلة في تكريم الاوائل ( العلوم الاسلامية ) كما سماها الكندي
3. الاهتمام بالفنون
4. التثقيف بين النخبة الفكرية والاتجاهات المتنوعة ( بمواصفاتها الاخلاقية )
ثالثا ً : التكلم عن احدى الانموذجات للمدارس الفكرية ( الحياة الفكرية للمفكر ابن عدي )
وقدم د. محمد بن رضا اللواتي: ملخص بحثه المعنون (الحكمة المشرقية انموذجا ً ومجالا ً للتحقيق العربي والفارسي المشترك ). تناول فيه :اولا ً دعوة الى اللجنة العلمية للمؤتمر ان يتبني اعلان تقديم بحوث عربية وفارسية عن ملامح وجذور الحكمة المشرقية باللغة العربية تناول عدة مباحث في شخصيات تدعو بالفكر الثقافي الفلسفي .
تناول عدة شخصيات في الثقافة العربية مثل ( الكندي، السرخسي ) وذكر تزعمه ان البحوث المشتركة بين الثقافتين العربية والفارسية يمكنهما سبر غور هذه القضية الهامة، اما لماذا العربية والفارسية تحديداً ، فلان الشيخ الرئيس لم يشأ ان يخط بقلمه اسرار تلك الفلسفة الا بالعربية ، في حين انه كان بصدد الكشف عما كان فلاسفة الشرق تحديداً يعتقدونه من رؤيه تتعلق بالعالم العلوي واسرار معرفته التي لا ثمة طريق اليها الا الذوق والوجدان والاشراق . وما استخدامه " للحكمة المشرقية "تارة كإشارة الى الموقع الجغرافي ، اي الشرق ، وتارة اخرى استخدامه لها للإشارة التي نمط ذلك الادراك اي العرفان والاشراق .وقدم الدكتور اللواتي دعوة اخرى الى اللجنة العلمية للمؤتمر الى الاعلان عن تبنيها بالعربية لباحثين عرب وفرس حول " الحكمة المشرقية " يجيبون فيها عن الاسئلة التالية :
1- ما الذي قصده الشيخ الرئيس (بالمشرقية) ؟ المنطقة الجغرافية ام منطق الاشراق ؟ ام كلاهما معا؟
2- هل كانت في الشرق ما قبل الاسلام فلسفة او تصوف وعرفان ؟ اين كان وما اهم مناشئه وجذوره التاريخية ؟
3- هل بالإمكان العثور على نصوص عن (ابن سينا) تشير الى ذلك المنطق وما اهم وميزاته بحيث تتحدد ملامح "الحكمة المشرقية" ؟
4- اين يكن تصنيف "ابن سينا" بالنظر الى مضمون " الحكمة المشرقية " فهل يظل مشائيا ام يعود اشراقيا؟
ما الذي يدفع بفلاسفة فارس ان يجعلوا من اللغة العربية هي الركيزة في تسطير فلسفاتهم؟ هذا السؤال المتكرر، يصلح لان يدعو اللجنة العلمية لهذا المؤتمر ان تتبنى بحوثا ً((فيلولوجية)) تكشف عن صلة اللغة العربية بالفارسية والقرابة الوراثية اوالجغرافية اوالتاريخية بينهما. الامر يستحق تجشم بحث وسبر الغور علميا ً واكاديميا ً. فالمسألة لاتتوقف عند الفارابي اوالرئيس او شهاب الدين، وانما تتجاوزهما الى اكبر موسوعة فلسفية ((عربية)) كتبها اخرفلاسفة فارس الكبار، نعني به (( محمد)) بن ابراهيم المعروف (( بصدرالدين الشيرازي)) او(( الملا صدرا))، وبحسب وصف (( ابو ريان)) له : " كبير المتألهين وشبح الحكماء صاحب الموسوعة الفلسفية الكبرى المسماة الاسفار الاربعة "لقد انتج (( الملا صدرا )) (( الحكمة المتعالية ))، والتي اتممت بنجاح منقطع النظير (( الحكمة الشرقية )) واعمال (( شهاب الدين)) الاشراقية وبنحو لاينقصه منطق هذه المرة. كتب ((محمد)) حسين الطباطبائي ((عن ذلك يقول : (( وضعت المتابعة المستوفية لحقائق الدين ومفاهيم العرفان والكشف وتطبيقها على البرهان القياسي بين يدي صدر المتألهين ادوات وافكارا مستجدة ، واتاحت له امكانيات كبيرة لتطوير وتوسعة البحوث الفلسفية واستحداث بحوث في متن مفردات الفلسفة ، كما اعانته على استبصار افكار ونظريات جديدة ، وفي غاية العمق .
ولم يكن كل ذلك ممكنا ًعلى الاطلاق عن طريق العقل المحض والفكرالمجرد. من هنا كانت الفلسفة في مدرسة صدرالمتألهين مجددة لروح الفلسفة العتيقة المتعبة، بروح اكثر جدة، ازاحت غبارالاعباء عما اصاب الفلسفة منه نتيجة الاجهاد ، كما اضافت لابحاث الفلسفة عددا يعتد به من البحوث الفلسفية .
مما يلفت النظر في الفقرة المارة ، فيما له تعلق بورقتنا هذه :
1. اندماج القياس المنطقي بحقائق الدين والعرفان في مدرسة الحكمة المتعالية .
2. ظهور ابحاثا ً جديدة فلسفية لم تكن متوفرة من قبل ، بذلك الدمج .
اذن الحدث هنا عن تحميل اللغة العربية، مرة بعد اخرى، ومن قبل فيلسوف فارسي، مجمع هائل من البحوث الفلسفية، لا سابق لها في عرف الفلسفة العتيقة. لقد اغنت الحكومة المتعالية متون الفلسفة باللغة العربية . او لنقل ، ان معارفا جديدة تم تدشينها في الفكر الفلسفي باللغة العربية . العربية اذن لغة الفلسفة باعتراف فلاسفة فارس الكبار .
هذا الاعتراف مستمر الى يومنا هذا ، وتحميل الثقافة العربية بالارث الفلسفي من قبل فلاسفة فارس ، عملية لاتتوقف فالفيلسوف (( الملا هادي السبزواري )) كبير شراح (( الحكمة المتعالية)) الف (( المنظومة )) قد عرض فيها مسائل الفلسفة بالاراجيز العربية ، والفيلسوف ((الميرداماد )) وضع نظريته حول (( الحدوث الدهري للعالم )) في كتابه (( القبسات )) وباللغة العربية ، واخيرا ً لا اخرا ، كتب (( محمد حسين الطباطبائي )) الفيلسوف ، تأليفين قيمين للغاية في الفلسفة هما (( بداية الحكمة )) و (( نهاية الحكمة )) ، ايضا ً بالعربية .
اليوم وبفضل ذلك كله ، تمتلك الثقافة العربية نصوصا ً فلسفية تنفرد بها . من هنا ، سعينا لان نبرهن من خلال هذه الورقة ان (( الفلسفة )) تظل المعلم المعرفي البارز لملتقى الثقافة الفارسية والعربية ، لابد من نفض الغبار المتراكم عليه وتلميعه للجيلين العربي والفارسي ليكون ملهما لهما لانتاج مزيد من الاعمال والاخذ بيد الفلسفة الى افاق جديدة تناسب وذوق العالم الحديث .
وقدم أ.د. علي عبد الهادي المرهج : ملخص بحثه المعنون ( اراء علي الوردي وعلي شريعتي – تناص مفاهيمي - ) وتناول فيه :
اولا ً :
1. عمل مقارنة فكرية موضوعية بين الشخصين .
2. مايميز الشخصيتين هو تناولهما لنفس الموضوعات التراثية والكشف عن تأثيراتها في الحاضر ، وتقارب اراؤها .
3. ماينبغي التركيز عليه في هذا البحث ، ان افكار علي شريعتي لها صلة واضحة وعلاقة بينة بافكار علي الوردي لايمكن لقارئ انكارها / مثل مفهوم ( التشيع العلوي والتشيع الصفوي ).
4. نظرته للمعارضة
5. اعتقد ان الاسلام جاء دين تجديدي ثائر .
ثانيا ً :نجد ان كلا القراءتين للتراث الديني ، تسيران نحو الكشف عن مفاهيم فكرية ورؤى عقلانية متقاربة ، وليس ادل من ذلك ماذكرناه حول موقفهما من الدين والتشيع والتسنن ، ونقدهم للبعد الطقوسي الذي يغيب العقل ، فضلا ً عن محاولتهما التقريب بين التسنن والتشيع ، ونقد التشيع والتسنن حينما ينطقا باسم السلاطين والمستبدين ، مطبقا ً الى همهما المشترك في لم شتات الامة التي نخرها النزاع والخلاف المستمر بين فرقها .
تناول د. فوزي العلوي : في ملخص بحثه المعنون ( الفلسفة بما هي حكمة بالتعارف والحوار) تناول بحثه :- اولا ً : عرض مقدمة من قبل الباحث كانت تنص على تحريم التكفير والكفر . وايضا ً ذكرفيها وجوب رصد محايد للواقع الاقليمي والدولي ، وما شهده من تحولات مسارعة ، وذكر بما يتوجب اقتراح اطار جامع يؤسس لمشروع تشاركي يستلزم فيه التلازم المساري الخصوصي والمشترك .
ثانيا ً : اقتراح مشروع للحلول
1. رصد محايد اقليمي ودولي للاحاطة بكل الوجوه وبجميع نواحيها .
2. اقتراح مشروع شاركي
3. رؤيته للفيلسوف كراعي للمدينة ومؤتمن كل الحقيقة والفضيلة داخل هذا الفضاء العام.
4. بيانه للواقع العولمة المتوحشة كيف هو اليوم يلقي بضلاله على الاطراف الضعيفة .
ثالثا ً : وعلى ضوء هذا التحدي الراهن فانه يتعين على ايران الامة الموحدة وشريكها الطبيعي العرب كافة ، بل كأمه لم تتوحد بعد بناء رؤية مشتركة ، في اطار حوارهادي وعميق بصورة استراتيجيات مشتركة جامعة وقادرة على ايقاف نزيف اهدار الفرص بين الطرفين
رابعا ً : ان بناء مستقبل واعد بين العرب وايران ، وصياغة اشكال التعاون المختلفة يقتضي الاتي :
1. اجراء حوار مبدئي اخوي هادي صريح ومتكافئ .
2. التركيز على بعث مشاريع اقتصادية مجدية تحقق التكامل الحقيقي داخل الفضاء .
3. التشديد على الخيارالثقافي من خلال الاستفادة القصوى من الذاكرة والخبرات والموروث الروحي والمادي المشترك .
4. تنمية البحث العلمي وتطوير مجالاته من خلال تشكيل مخابر وحدات بحثية وفرق مهنية ، وتبادل البحوث والخبرات ، ونقل التجارب والانجازات ، وبناء قاعدة علمية استراتيجية مستقبلية .
5. ضرورة ان يتجاوز هذا التعاون الاستراتيجي المجال الرسمي نحو قاعدة اهلية تؤمنه مختلف تشكيلات المجتمع المدني ، وبعث مؤسسات مختصة في البحوث الاستشرافية.
خامسا ً : ان هذه الملاحظات لاتكتمل الا عبر تنزيلها ضمن الفضاء الدولي العام وفق مايلي:
1. العمل على كسر مركزية الغرب وبيان وجاهة (( لامركزية المعرفة )) كما يدعو اليه عالم الاجتماع السياسي الارجنتيني انريك دوسيل ( Enrique DUSSEL ) .
2. العمل على انهاء (( اللاعدالة الايبستيمية )) حسب عبارة المفكر الهندي واستاذ العلوم السياسية في مركز الدراسات للتنمية الاجتماعية في نيودلهي راجيف بهار غافا ( Rajeev BHARGAVA )
3. نزع الطابع الاستعماري عن انظمة الحكم في امتنا او نزع (( استعمارية السلطة )) من واقعنا وثقافتنا السياسية على عبار ة عالم الاجتماع البيروفي هانيبال كيخانو ( Hanibal QUIJANO )
4. تخليص الناس من هيمنة وتداعيات (( الحرب الناعمة )) و(( التعميم العالمي للمعرفة )) كما يقول المؤرخ الهندي تشاكرابارتي ( Dipesh CHAKRABARTI )
5. تطوير استراتيجيات عدالة ثقافية متضافرة مع الحضارات الاخرى قديمها ومعاصرها )
6. تحقيق التوازن الكافي وربما التميز والريادة من ناحية التصدي لمشاريع سحق معارفنا ومحاصرتها بما يسمى (( جيو – سياسية المعرفة )) .
7. الاستفادة من قيمنا التقليدية وتنشيطها وتطويرها ثم اظهارها كرؤى قابلة للتعميم العالمي وحاملة للامال البشرية في شتى المجالات .
8. تحرير العقول الاسيرة - كما يذهب اليه العالم الماليزي حسين العطاس- )
وقدم د. نجف لكزاي : ملخص بحثه المعنون ( وسائل تحقيق الامن الدولي من منظار الحكيم الرباني اية الله جواد املي ) تناول فيه :
اولا ً:الاطارالمفاهيمي والنظري وتحدث فيه على نموذجين فكريين عموميين هما :
1. النظرية المتعالية عدم الاكتفاء بالذات .
2. النموذج المتداني اوالمتعارف .
ففي النموذج المتداني يتركز الجهد كله على البقاء الدنيوي بينما في النموذج المتعالي اوالالهي يكون البقاء الدنيوي تمهيدا ً للبقاء الاخروي وذكر ان السبيل الوحيد لضمان الامن هواشتراط حاكمية العلاقات الثنائية بمبدأ العدالة، وهذا يمكن البشرية والبلدان اجتناب الاستخدام الاحادي المجحف فلذلك يدعو الى المسالمة وعدم الاعتداء على الاخرين .
ثانيا ً : واشار ايضا ً الى تعريف العلاقات الدولية في منظار اية الله جوادي املي كما يلي :-
1. التناغم السلمي والتعايش مع البعض
2. الاعراف والتقاليد ليست هي المصدر للعيش وضمان لحقوق كل البشر
3. اشارالى حقوق الانسان واهمها حقه في الامن ينطوي على خصوصيتين اولهما : الثبات والاشتراك اي ان العادات والتقاليد ليست ثابتة وليست مشتركة .
وبناء على ماجاء يمكننا القول بأن الحقوق الثابتة والمشتركة لابد ان نبحث لها عن اساس ثابت ومشترك وايضا ً ان نبحث عن مصدر ثابت ومشترك للاساس الثابت والمشترك .
ثالثا ً :وبرأي فيلسوف الحكمة المتعالية ان للدين الاسلامي خصائص وثيقة الصلة بالامن الدولي من بينها :-
1. عالمية الاسلام
2. الثبات والتمحور حول الفطرة
ويمكن تقسيم وسائل تحقيق الامن من عدة زوايا :-
اولا ً : من زاوية المستويات
ثانيا ً : من زاوية السمة والشمولية
رابعا ً :وسائل لضمان الامن على مستوى المسلمين وتتضمن :-
أ. الاعتصام بحبل الله .
ب. سنة الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وسلم ) واهل البيت ( عليهم السلام )
ج. دعوة الجميع الى الامن .
ء. التأكيد على الاخوة الايمانية .
خامسا ً : وسائل الاسلام في تحقيق الامن على مستوى موحدي العالم .
يتبين من ذلك هناك محاور للتعايش والامن بين موحدي العالم ويذكرمنها بايجاز مايلي :-
1. عبادة الله ونبذ الشرك
2. رفض نظام السيد الاقطاعي والاقنان : المحور الثاني الذي يضمن الوحدة والامن على صعيد اتباع الاديان التوحيدية هو نبذ الهيمنة السياسية والثقافية .
3. اقامة النظام الرباني
سادسا ً : وسائل الاسلام في تحقيق الامن على مستوى العالم
1. الفطرة رأس مال الامن العالمي
2. وجوب مراعاة الميثاق
3. منع اقامة اي علاقات مجحفة مع الكافرين
4. نبذ علاقة الظلم قابلا ً وفاعلا ً
سابعا ً : الاسلام يوجب الاستعانة بوسيلتين لضمان الامن على جميع الصعد :-
1. مبدأ العدل .
2. الوحدة اساس السلام والامن العالميين .
(الجلسة الثالثة )
ترأس الجلسة العلمية الثالثة الاستاذ المساعد الدكتور محمد حسين النجم مشرف قسم الدراسات الفلسفية وبمقررية معاون رئيس مترجمين ميساء فلاح المرسومي
وشارك فيها كل من الباحثين
1- باحث عربي / د. محمود حيدر((فلسفة التكفير في الوعي الحضاري الغربي الغير مسلم هو العدم))
2- باحث ايراني /د. احمد رضا يزداني مقدم (( قدوة الفكر الفلسفي على تحليل معطيات الوحي))
3- باحث عراقي/ م.د. عبد الجواد عبد الرزاق الحسيني (( فلسـفة الشيخ الزنجاني))
4- باحث ايراني/د. شريف لكزائى (( المحبة في الفلسفة السياسية المتعالية))
5- باحث عراقي / أ.م.د. أياد كريم الصلاحي ود. عماد معن /((النقد الثقافي الفلسفي في اطروحة محمد باقر الصدر))
6- باحث ايراني / د. حسن عبدي بور(( غياب الفكر الفلسفي وانعكاساته على النشاطات الثقافية))
7- باحث عراقي / د. ياسين حسين الويسي (( التراث الفلسفي الاخلاقي المشترك الفيض الكاشاني انموذجاً))
8- باحث ايراني / أ.د. مسعود فكري (( التبادل المعرفي والثقافي عبر آلية الترجمة للنتاجات الفلسفية في ايران والعالم العربي))
9- باحث عراقي / د.طه محمد جواد حمود ((العقل والعاقل والمعقول لدى العلامة الطباطبائي))
بدأت وقائع الجلسة بالبحث المعنون ((فلسفة التكفير في الوعي الحضاري الغربي الغير مسلم هو العدم)) للباحث العربي الدكتور محمود حيدر جاء في ملخصه تظهير ما يختزنه العقل الفلسفي الغربي من تنظيرات سوَّغت للتعالي على كل ما لا ينتسب الى نقائه الحضاري، ثم راحت توظف منجزات الحداثة لفرض الغلبة عليه، ومحو هويته واستباحة سيادته على أرضه، وانتهاب موارده. كما اكد الباحث على فرضية تقول ان التفكير العنصري هو جزء لا يتجزأ من فلسفة التنوير. ولم تكن عادة تصنيف الآخرين إلى فئات "طبيعية"، وبالطريقة نفسها التي صنّفت فيها الطبيعة، سوى مظهر من مظاهر "التراث التنويري". جمعٌ من فلاسفة وعلماء الطبيعة في القرن الثامن عشر من كارل فون لينيه kARL VON LINNE إلى هيغل ومن تلاهما الى اليوم من فلاسفة وعلماء الحداثة الفائضة وضعوا تصنيفاً هَرَمياً للجماعات البشرية وقسموها على مدارج الأرقى فالأدنى. فالأدنى دنواً. الشيء الذي كان له عظيم الأثر في تحويل نظرية النشوء والارتقاء الداروينية -على سبيل المثال- إلى فلسفة عنصرية في مطالع القرن الحادي والعشرين. أما أحد أكثر تصنيفات المجتمعات الإنسانية ديمومة، والتي تمتد جذورها إلى اليوم، فهي ما تمثله ملحمة الاستشراق التي ولدت كترجمة صارخة لغيرية لم تشأ أن ترى إلى الغير سوى موجودات مشوبة بالنقص، أو كحقل خصيب لاختباراتها وقسوة أحكامها. كما تحدث الباحث حول فلسفة الغيرية التي أعطيت مساحة بيِّنة في التفكير الفلسفي لحداثة الغرب راحت تتحول إلى عقدة "نفس ـ حضارية" بات شفاؤها أدنى إلى مستحيل. وما يجعل الحال على هذه الدرجة من الاستعصاء أن العقل الذي أنتج معارف الغرب ومفاهيمه، كان يعمل في الغالب الأعم على خط موازٍ مع السلطة الكولونيالية، ليعيدا معاً إنتاج أيديولوجيا كونية تنفي الآخر وتستعلي عليه.لذلك فإنها معضلة الهوية التي تسللت إلى روح الحداثة، فأمسكت بها ولمَّا تفارقها قط.
ثم تناول الباحث الايراني الدكتور احمد رضا يزداني مقدم ببحثه المعنون (( قدوة الفكر الفلسفي على تحليل معطيات الوحي)) كيفية فهم نصوص الوحي. هل ينبغي الوقوف عند ظواهرها و نجمد على ألفاظها و مداليلها السابقة؟ أم إنّ ظواهر نصوص الوحي تُخفي حقائق عقلية متعالية؟ بل إنّ النص نفسه يسوقنا إلى تلك الحقائق المتعالية؟ من هنا٬ فالجمود على الألفاظ و المداليل لا مبرر له؟
من وجهة نظر الفلاسفة المسلمين لا يوجد ثمة إكراه نظري للجمود على الظواهر أو مانعاً نظرياً لتطور المجتمعات الإسلامية. و هم يضعون نصوص الوحي داخل النظام العقلاني و يقومون بتحليلها بموجب هذا النظام٬ و يقدّمون تفسيراً عقلانياً للشريعة و فلسفة الشريعة العقلية. تقوم الفلسفة العقلية للشريعة على التحليل العقلاني لضرورة الوحي و تلقيه و عرضه. لقد عرض الفلاسفة المسلمون تحليلاتهم عن الوحي و النبوة و الدين و الشريعة في الحقل المتعلق بالفلسفة السياسية. فضرورة الوحي و النبوة من وجهة نظرهم تنبثق عن خصوصيات كينونة الإنسان و كماله و سعادته و الحياة الاجتماعية و الحاجة إلى القانون و الشريعة من أجل الحياة الاجتماعية.
لقد قدّم الفلاسفة المسلمون آراء عديدة و متكاملة حول طبيعة الوحي و تحليله٬ و يمكن جمعها٬ تقريباً٬ ضمن نظرية شاملة. و يبدو من كلام هؤلاء الفلاسفة و تحليلهم بأنّ البعد العلوي للوحي هو إلقاء القوة أو منح العلم و العقل البسيط. أما نطاق عملية الوحي في بعدها الدنيوي فتتراوح بين العقل الفعال و الناطقة و المتخيلة و حواس النبي٬ و تتمظهر للبشر في قالب التمثيل و المحاكاة... و غير ذلك. على هذا٬ فإنّ حقيقة الوحي حقيقة متعالية عقلانية و معنوية٬ و إظهار حقائق الوحي و إبرازها للمتلقين من الأنبياء يحدث بالتناسب مع خصوصياتهم الثقافية و الاجتماعية و الحضارية و التاريخية٬ مع مراعاة مستوياتهم العلمية و العقلية. إذن٬ من وراء ظواهر الألفاظ الدينية٬ و في ضوئها و استناداً إليها تؤخذ بالاعتبار الحقائق المتعالية العقلية الكلية الإنسانية الإلهية. لقد بيّن فلاسفتنا٬ تقريباً٬ من خلال عرض المفاهيم و الأدوات من قبيل الأمثلة و المحاكاة و قدرة المتلقين و استعدادهم و تصنيفهم و منازل نزول القرآن٬ مقام الواحدية أو الأحدية إلى الحقيقة العقلية الكلية للألفاظ و المفاهيم وصولاً إلى المصاديق الجزئية للألفاظ و المفاهيم و إلى ألفاظ القرآن الكريم و أشاروا إلى سبل التعرّف على هذه الحقائق الإلهية العقلية المتعالية و إدراكها و فهمها و بلوغها. يتلخّص تحليل الفلاسفة المسلمين في وجوب عرض مسألة الوحي في أطر مناسبة٬ مثلاً٬ الوحي النازل على نبي يحيا في بلاد العرب و قومه من العرب٬ لا بدّ أن يكون باللغة العربية. و إذا كان قوم النبي يحيون في بلاد أخرى و لهم ثقافات أخرى٬ فسينزل الوحي بما يتناسب مع تلك البلاد و ثقافات شعوبها. و على هذا المنوال٬ لا معنى أن ينزل الوحي باللغة العربية أو الفارسية في بلاد يتكلم أهلها اللاتينية. و هذا المؤشّر دليل يرشدنا إلى فضح المتنبّئين الكذابين. و كما يتم مراعاة لغة أقوام الأنبياء٬ يتم أيضاً مراعاة خصوصياتهم الثقافية و الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية٬ مع المحافظة على الموقف الحقاني والنقدي للوحي الإلهي تجاه انحرافات أولئك الأقوام و أخطائهم.
و هكذا٬ عرض الفلاسفة المسلمون تحليلات عديدة و متكاملة عن النبوة و خصوصياتها و وظائفها و مفهوم الدين و الشريعة و فلسفة الشريعة أو فلسفة الأحكام و الحقوق. و هم من خلال عرض فلسفة الدين و الشريعة و فلسفة الحقوق و الأحكام الدينية و الشرعية٬ تناولوا المسألة من زاوية فلسفية٬ و برهنوا على أنّ فيما وراء ظواهر الأحكام مقاصد إنسانية كلية و عامة الغرض منها تنظيم الحياة الإنسانية و الاجتماعية و السياسية و إرساء أسس العدل... و غير ذلك. وللباحث رؤية نقدية تجاه تفاصيل تحليلات هؤلاء الفلاسفة و مدى مطابقتها للوحي الإلهي القرآني و أحكام الإسلام٬ و لكن ما يبدو للمرء هو مقبولية الإطار الرئيسي و العام للتحليل المتمثّل في تلقّي الحقائق من الله تبارك و تعالى و إبلاغها للناس و مراعاة الخصوصيات الثقافية و الاجتماعية و الحضارية و التاريخية للمتلقين.إذن٬ فتحليلات فلاسفتنا المسلمين و تنظيراتهم تحذّر من الجمود على ظواهر الدين و الأمثلة الأولية أو القديمة للأحكام٬ و تحلّق بنا من المستوى الظاهرى نحو حقيقة الدين و أحكامه و فهمه و إدراكه و تطبيقه.
و لا بدّ من الانتباه إلى أنّ تحليلات الفلاسفة المسلمين طبقاً لنهج الفلسفة الإسلامية السياسية حول الوحي تختلف عن بعض التحليلات المعاصرة٬ على سبيل المثال نذكر:
أ) إنّ تحليلات هؤلاء الفلاسفة تعرض في إطار نهج الفلسفة الإسلامية و مبنية على الرؤية الكونية و الأنثربولوجية للفلسفة الإسلامية٬ و تحيل عليها٬ بينما التحليلات المعاصرة٬ كما هو واضح للعيان٬ غارقة في الاضطراب النظري للمفاهيم؛ و تتجنّب الخوض في الموضوعات البنيوية و الكونية و الأنثروبولوجية و لا تحيلها على نهج الفلسفة الإسلامية.
ب) إنّ التحليلات المعاصرة تنظر إلى موضوع الوحي و القرآن على نحوٍ و كأنّه لا علاقة للوحي بالواقع بتاتاً٬ و إنّما هو تصوّر للواقع فقط٬ و بالإمكان أن نتصوّر هذا الواقع في أيّ صورة أخرى٬ و أنّ التطابق بين التصوّر و العرض بلا معنى و مهمل. في حين أنّ تحليلات الفلاسفة المسلمين تعمل على تطابق التصور بالواقع و كذلك التطابق بين التصوّر و العرض. بالإضافة إلى ذلك٬ فإنّ مسألة أشكال العرض التي يطرحها الفلاسفة المسلمون٬ لها سوابق في الأصول و الفقه الإسلامي و قد تحدّث عنها فطاحل الفقهاء و يتم الاستناد إليها في الوقت الحاضر.
وجاء بحث(( فلسـفة الشيخ الزنجاني)) لـ م.د. عبد الجواد عبد الرزاق الحسيني وقد تناول في بدايته حياة الشيخ الزنجاني حيث ولد الشيخ عبد الكريم بن الشيخ محمد رضا بن الشيخ محمد الحسن بن الشيخ محمد العلي النجفي, في بلدة زنجان عام (1886م), ولولادته في هذه الأسرة العلمية, فقد درج منذ نعومة أظفاره في مجالس الدرس, وتلقي العلوم, حتى اشتد عوده. وفي رعاية والده, تلقى مبادئ العلوم في زنجان, وبعدها انتقل الى طهران, لدراسة الفلسفة الإسلامية, والشيخ الزنجاني, درس في زنجان الفلسفة على يد السيد حسين بن القناد (ت 1912م), ثم في طهران, في درس الشيخ علي النوري (ت 1921م) , والنوري أحد أبرز ممثلي فلسفة الحكمة المتعالية في طهران. ومن هنا يتضح ان الزنجاني تلقى أصول الفلسفتين, المشائية والحكمة المتعالية, من أصفى المنابع, وأعذب العيون, وقد تشكلت معالم شخصية الزنجاني, في هذا المحيط الفلسفي, فظل البحث الفلسفي, من أبرز علامات الزنجاني, وأقوى أدواته المعرفية التي سيستخدمها في مشروعه فيما بعد. وفي عام (1936م) توجه الشيخ الزنجاني الى مصر, وقد أحدث انقلاباً كبيراً في تصوراتهم التي نحتوها مسبقاً تجاه المذهب الشيعي, وبعد ذلك, توجه الزنجاني صوب دمشق, ثم بيروت, ففلسطين, بترحيب منقطع النظير, ونتائج جبارة ثم يمم وجهه شطر تل أبيب معقل الصهاينة, وهناك ارتجل خطاباً تاريخياً ضد الدولة اليهودية وهو بين ظهرانيهم. وهكذا, وبعد عناء وجهد كبيرين, رجع الزنجاني مظفراً الى بلاده, وما لبث حتى استقر في النجف الأشرف, متفرغاً للتأليف والتدريس , وهنا بدأت معاناة الشيخ الزنجاني, فلم يجد أمامه سوى الجفاء والحسد, فضلاً عن شظف العيش, حتى وافته المنية عام (1968م), في صمت رهيب
ثم تحدث الباحث عن فلسفة الشيخ الزنجاني وهو مشروع البحث هذا ان فكان المنحى الفلسفي هو السمة البارزة في شخصية الزنجاني, الا ان هناك مؤلفات مهمة للشيخ الزنجاني, لم يعثر حتى على مخطوطاتها الى الآن, فضلاً عن عدم نشرها, ولكن ما نشر من نتاجه كفيل بتقديم تصور ممتاز عن فلسفة الرجل. ومن مؤلفاته المفقودة( تطور الفلسفة ) و ( المنطق الحديث ) و ( التعليقات على منطق الشفاء ) و ( روح الفلسفة ) , و ( رسالة المعاد الجسماني ) أيضاً كتاب في فلسفة العلم, يناقش فيه أعقد النظريات العلمية كالنظرية النسبية, هو الآخر مفقود تماماً, فضلاً عن فقدان الترجمة التي أجراها محمد إقبال, أما ما وصل من نتاجه الفلسفي, فأهمه كتاب ( دروس الفلسفة ) بجزئين , وكتاب حول فلسفة ابن سينا , وآخر حول فلسفة الكندي , اضافة الى مجموعة من الخطب والمحاضرات الفلسفية.
في الفلسفة الاسلامية. بداية يركز الزنجاني على أصالة الفكر الفلسفي في المنظومة المعرفية للإسلام, وهو في هذا نقض لما اشتهر في حينه من أن الفلسفة في الشرق لا تعدو كونها عارية من اليونان, ولم يكن للمسلمين سوى ترجمتها ونقلها الى لغتهم, وأذاع هذا الرأي المؤرخ الفرنسي آرنست رينان (ت1892م). ويعلل الزنجاني ظاهرة التنكر لأصالة الفلسفة الاسلامية, بسببين, الاول العنصرية الغربية ساهمت في تغييب الفلسفة الاسلامية, إذ سلبت من العقل الشرقي قدرة التفلسف, وجعلت الفلسفة نتاجاً يونانياً فحسب.أما السبب الآخر, هو غموضها, إذ انها مصوغة في طلاسم من الرموز لا يمكن حلها وفهمها لغير واضعيها أو الذين يدرسونها. نظرية المعرفة عند الشيخ الزنجاني. لعل الزنجاني أول من أدخل مصطلح نظرية المعرفة في مباحث الفلسفة الإسلامية عموماً والحكمة المتعالية على وجه الخصوص , فسابقاً كان عنوان هذا المبحث يعرف بالوجود الذهني, والى يومنا هذا لازال العنوان القديم هو المستخدم في الأعم الأغلب. والذي يميز بحث الزنجاني, في نظرية المعرفة (الوجود الذهني), هو عرض نظرية الفلسفة الاسلامية بأسلوب حديث يراعي فيه عنصر المقارنة مع الفلسفات الحديثة, إذ يعالج المسألة تبعاً لأحدث النظريات الفلسفية, فيستحضر النص الفلسفي القديم, ويزجه في زحمة الصراعات المعرفية الحديثة.
اما عن البعد الفلسفي في آراء الزنجاني الفقهية. وفي الميدان الفقهي المتعلق بالفتاوى, لا يستغني الزنجاني عن نزعته الفلسفية, فقد حصل خلاف بين الفقهاء حول تحقق وقت الليل, وهذا الوقت تتعلق فيه أحكام فقهية كإقامة الصلاة, والإفطار, وهنا أقوال, الأول انه يتحقق بغياب قرص الشمس فحسب, أما الثاني فيرى ان تحققه بغياب الحمرة المشرقية, وليس بمجرد غياب قرص الشمس.
وفي ميدان الفقه الشيعي, هناك منهجان في التعامل مع الروايات, الأول المنهج العرفي, والآخر المنهج الدقي, أما الأول فيتعامل مع ظاهر الرواية, ويفتي تبعاً للدلالة التي يفهما الجميع, أما المنهج الدقي فيرى ان حديث المعصوم سلام الله عليه, له ظروف لا بد من ملاحظتها, الأمر الذي يستدعي إعمال التأويل في فهمه, فضلاً عن ضرورة إتكاء الفقيه في فهمه على قاعدة عقلية صلبة, وهذا ما نجده عند الشيخ الزنجاني, وإلا فإن الروايات التي تنص على ان تحقق الليل يكون بمجرد سقوط قرص الشمس, أكثر عدداً وأقوى سنداً من تلك القائلة بذهاب الحمرة المشرقية , إلا ان المنهجية الفلسفية الدقية التي سار عليها الزنجاني تأبى إلا أن تتعمق في الفهم لإقتناص الدلالة المنشودة.
وتلاه بحث(( المحبة في الفلسفة السياسية المتعالية)) للباحث الايراني الدكتور شريف لكزائى جاء فيه ان الهدف الرئيسي من البحث هو دراسة موقع الفلسفة السياسية المتعالية و دورها٬ مع التركيز على آراء الفيلسوف صدر الدين الشيرازي فيما يخصّ العلاقات الفكرية و الثقافية بين إيران و العالم العربي٬ و لا سيّما موضوع المحبة. إنّ لغة الفلسفة٬ كما هو معروف٬ لغة العقل و البرهان٬ و في اعتقادنا بمقدور هذه اللغة أن تقدّم عوناً كبيراً في مجال الحوار الثقافي الذي يجمع تحت لوائه أفكاراً متعدّدة و متنوعة. هذه النظرة٬ بطبيعة الحال٬ تتعزّز في التعاليم الدينية بمفاهيم الأخوة. من هنا٬ و نظراً إلى أنّ الفلسفة في العالم الإسلامي مدينة إلى الآراء الإسلامية٬ و أنّ الفلاسفة المسلمين ظلوا و ما زالوا أوفياء للتعاليم الإسلامية٬ فإنّه يمكن أن نجزم بوجود مثل هذه النظرة في مؤلفات الفلاسفة المسلمين أيضاً٬ و يمكن إثراؤها عبر إنجاز الدراسات الفلسفية. يمكن ملاحظة هذه النظرة بوضوح في الحكمة المتعالية كذلك٬ فهذه الحكمة قد وقفت على مفترق طرق٬ بحيث أنّ وضع العلوم العقلية و النقلية الإسلامية مثل الأخلاق و العرفان و الوحي و الروايات و الكلام و المعتقدات الدينية إلى جانب الموضوعات العقلية و البرهانية قد اكتسب معنى جديداً٬ و ساعد الإنسان على الفهم الشامل للظواهر الاجتماعية و الثقافية.
ويعتقد الباحث أنّ الحكمة المتعالية ساعدت على تواصل العلوم الإسلامية. من هنا يمكن القول٬ أنّ كل علم قد أخذ حصّته٬ و لم يتم إغفال أي علم إدراكي بما في ذلك الأبعاد العاطفية و الشعورية و النفسية للإنسان و المجتمع الإنساني٬ مع التأكيد بأنّ العلم و المعرفة الإلهية تحتل مكانة أرفع من وجهة نظر صدر الدين الشيرازي بحيث أنّ جميع العلوم الأخرى تستضيء بنورها. طبعاً٬ يمكن لهذه النظرة أن تكون نتيجة للنظرة التشكيكية للشيرازي كذلك و التي تتضمن الانسجام و التضامن. و عليه نستطيع القول بأنّ كل فكرة تمتلك حصة من العقل الجمعي لها القدرة على التعاطي و التحاور مع الآخرين٬ و أن تتكفل بدور معين في الارتقاء بالإنسان و المجتمع. غير أنّ التأكيد على جانب العقل و البرهان يمثّل وجهاً واحداً ضرورياً و أساسياً في بحوث الفلسفة السياسية. بناءً على هذا٬ فإنّ التأكيد على عامل المحبة في هذه الفلسفة يمكن٬ كما في سائر الفلسفات الأخرى٬ أن يشكّل عاملاً مهماً من أجل التقريب بين القلوب و الأفكار و السلوكيات. في هذا السياق٬ و بالإضافة إلى نقاط الالتقاء بين صدر الدين الشيرازي و بقية المفكرين فيما يخصّ أهمية المحبة و مكانتها٬ يتمايز الشيرازي بنظرته في أنّه يرسم المحبة في ثلاثة مجالات هي: محبة الخالق للمخلوق٬ محبة النبي للناس٬ و التأكيد على أنّ العبادات الجمعية يمكن أن توفر أرضية مناسبة للتضامن. يعتقد صدر الدين الشيرازي بالاستناد إلى الآية الكريمة «یحبهم و یحبونه» (المائده، آية 54) بأنّ محبة الله لعباده حقيقية٬ بخلاف ما يظن بعض المتكلمين بأنّها مجازية؛ و ذلك لأنّ المحبة عبارة عن «الابتهاج بشيء موافق٬ سواء كانت موافقته عقلية أو حسية٬ أو حقيقية أو مظنونة٬ و قد تبيّن بأنّ الباري تعالى جميل أجمل؛ و لذلك فمحبة الحق تعالى لعباده قائمة على الحقيقة و ليست مجازاً على الإيصال بإزاء الطاعة» (صدر الدين الشيرازي، مبدأ و معاد، 185). هذه المحبة متبادلة٬ كما يتّضح من الآية الكريمة السابقة٬ و الإنسان يعشق الله تعالى فطرياً٬ غير أنّ محبته لله إرادية. هذه المحبة تنطوي على قيمة و أهمية و اعتبار. وأحد الشروط الإثني عشر التي يضعها الفلاسفة المسلمون للرئيس الأول٬ حيث يشكّل النبي النموذج الأمثل له٬ هو محبة النبي لجميع الناس. يجب على النبي أن ينظر إلى جميع البشر نظرة متساوية و أن يحبهم. في الحقيقة٬ لما كان شرط الهداية و العيش بإيمان هو الحرية و الإرادة٬ فإنّ رسول الله لا يمكنه أن يكون فظاً غليظ القلب مع الناس٬ و يجب عليه أن يخاطب فطرتهم برأفة و رحمة و شفقة و يدعوها إلى الله تعالى. يقول صدر الدين الشيرازي أنّ عطف النبي و شفقته إزاء البشر مثل عطف و شفقة الوالد إزاء ولده (الشواهد الربوبیة، 474) و هي إرادية بخلاف علاقة الوالد بولده.
واخيرا استنتج الباحث بان إحدى النتائج و المكتسبات المهمة للمحبة التي تمّ التأكيد عليها في الفلسفة السياسية الغربية المعاصرة أيضاً٬ و خاصة التمسك بالعبادات الجمعية٬ أنّها تؤدّي إلى الأنس و الألفة و التضامن الاجتماعي و يمكن القول بأنّ المحبة يجب أن تتكئ على الاحترام و الطمأنينة و الثقة أكثر فأكثر٬ و أن تنشر الأدب و الاحترام في المجتمع٬ لتستطيع تهيئة أجواء ثقافية مناسبة للحوار و الانسجام و التضامن. و بصورة طبيعية٬ إحدى نتائج البحث٬ إقامة حوار في أجواء آمنة و مستقرة٬ نستطيع من خلالها تقديم نموذج ناجح و مؤثر عن التضامن في العالم الإسلامي. بالإضافة إلى ذلك٬ يمكن تطوير العلاقات بين إيران و العالم العربي بعيداً عن التشريفات الرسمية و الحكومية٬ لتساعد٬ كذلك٬ على تعزيز الحوارات الثقافية بين الطرفين و ديمومتها. من هذه الزاوية٬ فإنّ للفلاسفة المسلمين مكانة خاصة و دور مهم في التقريب بين الشعوب الإسلامية.
ثم جاء بحث ((النقد الثقافي الفلسفي في اطروحة محمد باقر الصدر)) للباحثين العراقيين أ.م.د. أياد كريم الصلاحي ود. عماد معن متناولاً النقد الفلسفي لمحمد باقر الصدر لما طرحته المذاهب الغربية من أنظمة اجتماعية وسياسية، ونظريات معرفية، وذلك لقناعةالباحث بأن هذه الجنبة من فكر محمد باقر الصدر لم تزل ذات قدرة على نفخ روح الحياة المتحدية في جسد الامة ومحاولة منهم لإعادة قراءة الصدر وانتاجه من جديد بأدوات صدرية خالصة.
وقد قسم البحث على خمسة عناوين أولها شذرات من حياة الصدر الإنسان، وتوقف الباحث مع الصدر الرسالي والفيلسوف بالمقدار الذي سمحت به حدود البحث مستعرضين منهجه في النقد وتشخيص الآخر، و بيان بعض الخصوصيات الفكرية للصدر الشهيد على الأخذ من تلامذته المقربين إذ أنهم أبناؤه في هذا الجانب وهم أعرف به من سواهم.أما المبحث الثاني والثالث فكانا لنقد المذاهب والأنظمة الإجتماعية الغربية ممثلة بالمذهب والنظام الديمقراطي الرأسمالي والمذهب والنظام الماركسي. أما المبحث الرابع فقد خصص لنقد الأتجاه العقلي في المعرفة وبمعناه الواسع، في حين كان المبحث الخامس والأخير لنقد الإتجاه الحسي التجريبي.وقد ختمتُ الدراسة بخلاصة لأهم النقاط التي يمكن ملاحظتها وتسجيلها كثمرة للبحث.
بدأ السيد الصدر في الإنتاج الفكري مبكراَ، وكان حصيلته المؤلفات التالية :-
1. فدك في التاريخ
2. غاية الفكر في علم الأصول
3. فلسفتنا
4. اقتصادنا
5. البنك اللاربوي في الأسلام
وغيرها كثير إن انتاجاً فكرياً بهذا الشكل العميق والمتواصل وضمن تلك الفترة الزمنية القصيرة جداً بالقياس لقيمة ودقة وعمق ذلك الطرح يعدُّ أمراً استثنائياَ بكل ما للكلمة من معنى وفيما يتعلق بالفلسفة تحديدا فقد كان اهتمام الصدر بها مبكرا جدا، حتى أن أُولى نتاجاتهِ الفكرية كان ( دراسة نقدية لمنطق أرسطو، لم يشأ نشرها ) وقد كان تميزه ونبوغه في هذا الجانب مثيراً للعَجَب، حتى أن أستاذه في الفلسفة الشيخ صدرا البادكوبي لم يكن ليحافظ على موقع الأستاذية – على ماله من العلم – أمام هذا الطالب العبقري، وفي هذا الصدد يحدثنا عمار أبو رغيف وهو أحد تلامذة السيد الصدر، مبيناَ طريقة أخذ الصدر للمعارف الفلسفية عن البادكوبي، وكيف كان (يقرأ معه بعض أجزاء الكتاب بطريقة لاهي بالدرس التقليدي ولا هي بالمباحثة بين الأنداد، بل كانت لوناََ آخر من القراءة).
وحول اهتمام الصدر بالفلسفة فهما ودرسا وتدريسا يحدثنا تلميذٌ آخر من تلامذة الصدر وهو محمود الهاشمي، حيث يقول في حوار معه نشرته فصلية الإجتهاد والتجديد : ( كان لأستاذنا مجلس أسبوعي.. يبحث فيه الفلسفة الإسلامية وفقا لمذهبه المعرفي الجديد ورؤيته الخاصة، وبعد أن فرغ من بحث الاستقراء تناول بالبحث الفلسفة الإسلامية على ضوء ماانتهى اليه من نتائج مرتبطة بالاستقراء وقام بهذا الصدد بتحضير مجموعة من الأبحاث ثم دوّنها وراح يتداولها... ولم يُقدَّرْ لهذه الأبحاث الإستمرار، وكان هذا البحث من الأعمال الرئيسية والمهمة التي شرع بها.... وكان حريصا على أخذ عطاءات الفلسفة المعاصرة بعين الأعتبار ). ولقد كان اهتمام الصدر بالفلسفة عائدا الى محاولته صياغة الفكر الاسلامي حسب متطلبات العصر والتي تُحتم عليه استعمال الأدوات الفلسفية ليكون في مستوى التحدي المطروح بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي الذي يرتكز على فلسفة معينة بشكل مباشر أو غير مباشر.
ولقد امتاز الطرح الفلسفي للقضايا عند الصدر بانه يعتمد على النقد كأساس منهجي يختلف تماما عن النزعة التوفيقية التي سادت الفلسفة الإسلامية قديما، واتصفت بها الإتجاهات الفكرية المحدثة في عالمنا الإسلامي والتي حاول أصحابها التوفيق بين المذاهب الغربية وبين الإسلام واستخدموا مفاهيم الفلسفة الغربية في دراسة تراث الأمة الأسلامية وتأريخها وتجدر الإشارة الى أن نقد الصدر للفلسفة الغربية لا يعني أنه هدمٌ للمناهج العلمية والطرح العقلي، وانما هو يعني رفضا لعقلانية معيّنةٍ، ولمناهج معيّنةٍ تزعم أنها تكفي نفسها بنفسها، طارحاً لفلسفة تربط العقل والمناهج العلمية بالدين ربطاً ليس بالمعنى التوفيقي الذي كان شائعاً عند الفلاسفة الاسلاميين الذين اعتبروا أن الفلسفة والشريعة اختان رضيعتان أما أهم المحاور التي كان يدور عليها منهجه في النقد الفلسفي فهي :
1. نقد المبادئ والأسس الفكرية التي يرتكز عليها المذهب أو تقوم عليها النظرية.
2. بيان مدى إنسجام المبادئ الفكرية لذلك المذهب، أو تلك النظرية مع بعضها البعض.
3. بحث مدى واقعية الفكرة الجوهرية في المذهب أو النظرية، وإمكانية أوإستحالة تطبيقها.
ولقد أبدع الصدر في طريقته النقدية هذه أيما أبداع، وترك لنا على أساسها تراثاً ضخماً، لم يزل الدارسون له والباحثون فيه يحاولون جاهدين سبر أغواره العميقة، ومعرفة أبعاده الرحيبة، واستخراج درر بحره الزاخر، آملين تفعيل هذا الأرث الفلسفي الثمين في حياة الأمة التي آمن بها الصدر، وبذل مهجته دونها.
ويُعرف الصدر النظام والمذهب الديمقراطي الرأسمالي في إعلانه للحريات الأربع وهي :
1. الحرية السياسية
وهي بحسب مايطرحه هذا المذهب تعني المساواة التامة في الحقوق السياسية، بحيث يكون رأي الفرد محترماً وكلامه مسموعاً في تقرير الحياة العامة ورسم قوانينها، وفي تعيين السلطات الحاكمة على إعتبار أن طبيعة الجهاز الحاكم في الأمة يؤثر تأثيراً حاسماً ومباشراً في حياة كل فرد، وفي سعادته أو شقائه.
2. الحرية الأقتصادية
وترتكز على الأيمان بالأقتصاد الحر الذي يفتح جميع الأبواب أمام المواطن في المجال الأقتصادي، فيباح لها التملك في كل من الأستهلاك والأنتاج معاً، من غير حدٍ ولا قيد.
3. الحرية الفكرية
وهي تعني : ( أن يعيش الناس أحراراً في عقائدهم وأفكارهم، يفكّرون حسب مايتراءى لهم ويحلو لعقولهم، ويعتقدون ما يصل اليه اجتهادهم، أو ما توحيه االيهم مشتهياتهم وأهواؤهم بدون عائق من السلطة.
4.الحرية الشخصية
وهي -وفقا لهذا المذهب- تعني تحرر الإنسان في سلوكه الخاص من جميع ألوان الضغط والتحديد، فالفرد يملك إرادته التي يستطيع استعمالها طبقا لرغباته ومشتهياته الخاصة، دون أدنى قيد ما لم تصتدم بحريات الآخرين التي مالم يمسها الفرد بسوء فلا جناح عليه في أن يفعل ما يشاء.
اما عن نقد النظام والمذهب الماركسي فأن السيد الصدر يرفض جميع المحاولات التي فسّرتْ حركة التأريخ على أساس عامل واحد فقط، كما فعل (فرويد) باعتماده على عامل الغريزة الجنسية، وكما فعل (ماركس) إذ فسّرَ حركة التأريخ على أساس عامل واحد أيضاً هو العامل الأقتصادي، كما يرى الصدر أن استقرار المجتمع وسعادته يتوقفان على مقدار انسجام النظام الأجتماعي -الذي يحكم- مع الواقع الأنساني في فطرته ومصالحه بحيث لايتعارض مع الطبيعة البشرية ومتطلبات الحياة الأنسانية. ويتفق الصدر مع الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة في إعتبار مشكلة المعرفة منطلقاً ضرورياً للبحث في مختلف القضايا الفلسفية الأخرى، فوضْعُ مفهوم عام للعالم يتوقف قبل كل شيء على تحديد أسلوب المعرفة وأدواتها السليمة،وقيمة هذه الأدوات في الكشف عن الواقع، وتشخيص أمكانات الذهن البشري، وحدود فعّاليته في الوصول الى الحقائق.
يقسّم الصدر الادراك الى نوعين : أولهما (التصوّر) ويعرّفه بأنه الإدراك الساذج، أمّا الثاني فهو (التصديق) ويعرّفه بأنه الادراك المنطوي على حكم .
1. وهذا التقسيم الذي يستعمله الصدر هو من ابداعات الفيلسوف الاسلامي الشهير الفارابي، إذ هو أول من قال بهذا التقسيم. كان الصدر يستهدف في مشروعه إعادة ثقة الأمة بإسلامها من خلال إبراز نقاط القوة فيه، ومواقع القدرة لديه، وصلاحيته بل ضرورته للحياة، وفي المقابل بيّنَ نقاطَ الضعفِ في الآخر الذي مثّلَ بديلاًََ للنُخَبِ السياسية والفكرية التي فقدتْ هويتها في زحمة الآيدلوجيات.
2. إستخدمَ الصدرُ الفلسفةَ أداةً فاعلةً في مشروعهِ الكبير لما لها من سطوة العقل وقدرة الانفتاح على الآخر بمنطقه ولغته العقلية القابلة للإستفهام والتفهيم.
3. إمتازتْ فلسفةُ الصدر بأنها فكر إنساني مرتبط وتابع للفكر الإلهي، فاكتسبتْ بذلك قدرةً على الإنطلاق والإمتداد وتجاوز العقبات التي يعجز الجهد الانساني عن تجاوزها لوحده.
4. إتصف النقد الفلسفي عند الصدر بالعمق والأصالة والدقّة وإحترام الآخر غاية الإحترام مستعرضاً لفكره دون تحريفٍ أو تسخيفٍ.
5. أستطاع الصدر أن يطرح فكراً جديداً على مستوى الفهم لتراث الأمة الحضاري، وعلى مستوى الأدوات المنهجية في نقد الآخر ودحض آرائه.
6. بين الصدر أهم نقاط الخلل وأسباب الضعف في المذهبين الرأسمالي والماركسي موضحاً عدم صلاحيتهما لحكم الحياة وتنظيم الواقع، من دون أن يغمطهما حقهما أو يبخسهما سعيهما فيما يمتلكانه من دواعي القوة وينتهجانه من سبل البحث عن السعادة، ولقد كان الخلل الأكبر عند الأثنين يكمن في النظرة المادية للحياة، ومخالفة الفطرة الإنسانية، ومجانبة واقع الطبيعة البشرية.
7. ناقش الصدر ماطرحه العقل الغربي في إتجاهاته المختلفة حول المعرفة الإنسانية داحضاً بالدليل العقلي وبأدوات القوم أنفسهم أفكارهم ورؤاهم القديم منها والحديث.
ثم قدم الباحث الايراني الدكتور حسن عبدي بور بحثه المعنون (( غياب الفكر الفلسفي وانعكاساته على النشاطات الثقافية)) وفيه ركز على العناصر و الخصوصيات التي يمكن أن تنسجم مع مجموع المقومات الثقافية للمجتمع؟ الجواب هو٬ المحاكاة التاريخية للخصوصيات الثقافية و التي لا يمكن لعملية التنشئة الاجتماعية أن تتم من دونها. و لا نقصد بهذه المحاكاة مجردّ التسلسل التاريخي للحوادث في بلد ما٬ بل الكليانية الوجودية للشعب و الأمة التي تتبلور عبر حِقَب طويلة٬ و هذه الكليانية التاريخية دليل على الانسجام بين العناصر الثقافية لذلك الشعب. و لا نعني بهذه المحاكاة بين الخصوصيات الثقافية الظواهر و العلائم الثقافية فحسب٬ و إنّما هي كلمة مفتاحية عامة تشمل العديد من المفاهيم أهمها مفهوم الفلسفة. و لا يخفى على أهل العلم أنّ هناك وشائج بين ثقافة المجتمع و فلسفته لا تنفصم. و ما ينطبق على الثقافة ينطبق على الفلسفة سواء بسواء. فعندما نقول ثقافة المجتمع متعالية٬ نعني أيضاً أنّ فلسفته متعالية٬ و العكس بالعكس٬ إذا قلنا ثفافة المجتمع مبتذلة فذلك يعني أنّ فلسفته أيضاً مبتذلة. فما هي الأسباب التي تقف وراء هذا التلاحم بين المفهومين؟
الجواب هو٬ أنّ بين المفهومين علاقة توليدية٬ فأحدهما يلعب دور المولّد و الأم بالنسبة للمفهوم الثاني. و طبعاً تلعب الفلسفة دور المولّد في هذه العلاقة حيث تقوم بتنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع و تقدّم النموذج الذي يطبّقه المجتمع في سلوكياته و الذي نطلق عليه اسم الثقافة حيث يقوم بنيان أيّ مجتمع على الفلسفة و هي تشكّل الإطار الذي يحيط بصورة الثقافة. فالثقافة تتأطر بهذا الإطار و على حسب شكله. بيد أنّ الرسالة المهمة التي تتضمنها هذه الكلمة هي أنّ العلاقة بين الفلسفة و الثقافة ليست أبدية. بل ربما أصاب هذه العلاقة الضعف و الانقطاع على أثر حوادث الزمان و القضايا المختلفة.
و إذا تأمّلنا هذه الأوضاع سوف نجد بأنّه بالإضافة إلى العوامل الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية٬ فإنّ العامل الرئيسي وراء هذه المعضلات٬ هو الابتعاد عن الجذور الفلسفية الإسلامية باعتبارها السند الفكري للمجتمعات الإسلامية.
1. فالابتعاد عن الفلسفة الإسلامية فتح الطريق أمام نفوذ الفلسفات الأجنبية التي لا تربطها علاقة سليمة بالكليانية الشاملة للمجتمع الإسلامي.
2. الابتعاد عن الفلسفة الإسلامية دفع إلى حالة من الابتذال في النشاطات الثقافية.
3. الابتعاد عن الفلسفة الإسلامية دفع إلى عدم تناغم النشاطات الثقافية مع العناصر الفكرية الأخرى في المجتمع الإسلامي.
4. الابتعاد عن الفلسفة الإسلامية٬ جعل النشاطات الثقافية مضرّة و ذات إشكالية.
ويرى الباحث الحل يكمن في ضرورة أن يولي القائمون على الثقافة في البلاد الإسلامية أهمية أكبر للفلسفة الإسلامية٬ و أن يستعينوا بها في النشاطات الثقافية٬ و هذا الأمر يستوجب عدداً من الأمور هي:
1. الابتعاد عن تسطيح الثقافة٬ و العودة إلى الجذور الفلسفية في كل نشاط ثقافي.
2. تعليم الفلسفة الإسلامية في المجتمع بلغة سهلة و مفهومة. و إعطاء الأولوية في ذلك للقائمين على الثقافة بمختلف المستويات٬ و كذلك طلاب الجامعات و التلاميذ.
3. الاستعانة بأساليب حديثة في تعليم الفلسفة٬ و اجتناب الأسلوب المدرسي. و لغة الفن قد تكون مفيدة جداً في هذا المجال.
4. الاستعانة بتجارب البلدان الإسلامية في هذا المجال و زيادة التواصل الفلسفي و تعميقه.
5. عقد الندوات الفكرية على المستويين المحلي و الدولي٬ و دراسة آليات جديدة لابتكار مظاهر ثقافية جديدة للفلسفة الإسلامية.
ثم جاء بحث(( التراث الفلسفي الاخلاقي المشترك الفيض الكاشاني انموذجاً)) للباحث العراقي الدكتور ياسين حسين الويسي في ثلاثة مباحث: اما الاول فكان في حياة الكاشاني وثقافته وهي مطلبين. اما المبحث الثاني فكان في مفهوم الاخلاق واهميتها وجعلته في مطلبين ايضاً. وكان المبحث الثالث: يدرس الاخلاق عند الكاشاني الفضائل منها والرذائل وفي مطلبين كذلك. وقد ختم البحث باهم النتائج التي توصلت لها.
جعل الباحث عنوان بحثه "التراث الاخلاقي عند الكاشاني" وذلك لان الاخلاق في تراثنا الاسلامي لها اثر كبير في كونها من المشتركات التي جمعت شعوب الارض جميعا التي دخلت دين الاسلام وتكمن اهمية الاخلاق من حيث اكدت عليها مصادر الدين الرئيسة القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وآله وروايات اهل البيت عليهم السلام ومنهج الصالحين العارفين باعتباره شخصية اسلامية ليست عربية ومع ذلك فقد احتل مكانة عظيمة في نفوس المسلمين العرب وغيرهم، ولقد وجد الباحث في شخصية الكاشاني شخصية اسلامية جامعة حيث ابتدأ فلسفته الاخلاقية من منطلقات دينية اساسها القرآن الكريم والسنة النبوية وروايات آل البيت عليهم السلام وكتب فلاسفة الاسلام الاخلاقية كالغزالي، ابن عربي، وصدر الدين الشيرازي، وقد عمل على تهذيب كتاب الغزالي احياء علوم الدين في كتاب سماه (المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء) قام بدعم روايات الغزالي التي فيها ضعف بروايات موثقة عن اهل البيت عليهم السلام، وقداعتمدت على المصادر الام في ذلك وهي كتب الفيض محسن الكاشاني، وغيرها من المصادر التاريخية والمراجع، حيث ان الكتابة عن الفيض محسن الكاشاني يعتبر عملاً بكراً، فاجتهد الباحث في استخراج قضايا الاخلاق من كتابه لاسيما الذي هذب فيه مذهب الغزالي في الاخلاق في كتابه احياء علوم الدين ورتب الكاشاني ابوابه وقعد رواياته الضعيفة بالروايات عن الأئمة عليهم السلام. لقد جمع الكاشاني المسلمين بمختلف مذاهبهم تحت مذهب واحد هو المذهب الاخلاقي العرفاني فكان عمله هذا مشتركا فلسفيا اخلاقيا.
وفي نهاية بحثه تبين للباحث من خلال السياحة في حياة وثقافة الفيض محسن الكاشاني عدة امور من اهمها:
1. ان الكاشاني رحمه الله كان يمثل القدوة في الحوار المتزن من خلال تقافة التقريب التي سار عليها، وقدم لنا تراثا فلسفيا اخلاقيا مشتركا.
2. وضف الفيض الكاشاني خطابه الفلسفي الاخلاقي في مواجهة التطرف والافكار الغالية المغالية والمتشددة في مختلف الاتجاهات.
3. ان الكاشاني كان من العلماء الموسوعيين فقد كتب وصنف وافرد لها مؤلفات خاصاً سماه "الحقائق في الاخلاق".
4. لقد مزج الفيض محسن الكاشاني مسائل الاخلاق بالعرفان ونظرياته فربط بين فضائل الاخلاق ومقامات العارفين.
5. لقد تأثر الفيض محسن الكاشاني في علم الاخلاق بالامام الغزالي فكتب المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء، ويعني به احياء علوم الدين للغزالي فهذب رواياته وعضدها بالروايات عن الأئمة عليهم السلام.
6. ان مرجعية الفيض محسن الكاشاني في علم الاخلاق كانت تتمثل في القرآن الكريم وآياته الدالة على حسن الخلق بالاضافة الى السنة المطهرة وروايات اهل البيت عليهم السلام.
7. بالاضافة الى ذلك فقد نهل الفيض محسن الكاشاني من علامة عصره صدر الدين الشيرازي الملقب بملا صدرا.
8. لقد ترك لنا الفيض محسن الكاشاني ثروة تراثية في علم الاخلاق وجدنا اثرها في مختلف مؤلفاته وفي تلامذته الذين رفعوا رايته عالياً بين أئمة العرفان الصوفي وفلاسفة الاخلاق.
9. يعد الكاشاني من اهم الشخصيات التي وضعت قواعد اخلاقية مثل وبين الاخلاق المذمومة وسبل تركها.
10. اشار الفيض محسن الكاشاني الى ان الاخلاق على قسمين: الاول بالفطرة والثاني بالاكتساب وان بوسع الانسان تغيير اخلاقه السيئة باخلاق فاضلة بالممارسة والتربية والاكتساب.
11. لقد ركز الفيض محسن الكاشاني على ان المجاهدة والرياضات الصوفية هي السبيل الى تغيير الاخلاق المذمومة ومحاربة النفس وشهواتها وتحليتها بالفضائل لكي تكون ربانية.
وتناول الباحث الأيراني الاستاذ الدكتور مسعود فكري ببحثه المعنون (( التبادل المعرفي والثقافي عبر آلية الترجمة للنتاجات الفلسفية في ايران والعالم العربي)) المنجزات الفلسفیة والنتاجات المعرفیة التي لها دوراً مهماً في التقارب والتلائم الثقافیین. فالباحث عن تأریخ الفکر الاسلامي علی صعید العالم العربي والإسلامي بمختلف اتجاهاته ومقارباته وعلی مرالعصور یجد أن من أعرق الصلات و أمتن العلاقات بین مختلف المجتمعات العربیة و الإسلامیة التي تبنتها هي الإنتاجات الفلسفیة و الإنجازات العقلیة و خاصة علی مستوی النخب والمفکرین. فیجدر بالباحثين حالیاً أن نستغل هذا الرصید الفکري لأجل بناء الحضارة الاسلامیة الجدیدة وإعادة هیکلة الحضارة الاسلامیة العریقة. وإن آلیة الترجمة من العربیة و إلیها وخاصة بینها والفارسیة لما لها من دور مهم في توطید أرضیة هذا التبادل یمکن أن نستوظفها لأجل تفعیل التبادل المعرفي والتفاعل الثقافي بین العلماء و أصحاب الرأي والمفکرین. وحاول الباحث تسلیط الضوء علی التأثیر الفاعل والفعال لترجمة النتاجات الفلسفیة والعقلیة ودورها في التبادل الثقافي بین المفکرین الإیرانیین والعرب عامة و بین المجتمعین العربي والإیراني بشکل خاص. کما سيدرس المشاکل والتحدیات التي تعترض طریقها، فالأسئلة التي يناقشه هي ماهو دور الأعمال الفلسفیة في تفعیل الحوار الثقافي بین المفکرین الإیرانیین والعرب؟ کیف یمکن أن نستخدم آلیة الترجمة لتوسیع نطاق هذا التبادل؟ ما هي متطلبات النجاح في هذا المجال؟
وختاماً جاء بحث ((العقل والعاقل والمعقول لدى العلامة الطباطبائي)) للدكتور طه محمد جواد حمود تحدث في البداية ما للطباطبائي من منزلة ومكانة بين الفلاسفة المعاصرين وذلك لما قدمه من منجزات ومبتكرات على مستوى التفكير الفلسفي وقد اتسمت كتاباته بالترتيب والتسلسل المنطقي وتخليص المباحث الفلسفية مما لم يعد صالحاً للمرحلة التاريخية والاجتماعية ، كما انه بقى وفياً للمنهج العقلي البرهاني ، رغم التوفيق بين مناهج التفكير المختلفة التي عرفت بها مدرسته الفلسفية .
وقد عمل الطباطبائي على تلافي الثغرات ونقاط الضعف التي وقع فيها اسلافه من مؤسسي الحكمة المتعالية وذلك بما قدموه من ادلة لأثبات مدعياتهم واقوالهم . ومن بين المسائل التي نقحها وقدم الادلة الوافية لاثباتها مسألة اتحاد العاقل والمعقول وتكمن اهمية هذه المسألة فيما يترتب عليها من اثار على مستوى نظرية المعرفة والوجود والعقيدة .
وتعد هذه المسألة من المسائل الخلافية بين بعض اتباع المدرسة المشائية ومدرسة الحكمة المتعالية ، فاتباع المدرسة المشائية يذهبون للقول بالاتحاد في مرتبة العقل دون مرتبتي الحس والخيال ، اما الدليل الذي اقامه الطباطبائي هو الاتحاد في الوجود دون مفهوم الماهية .
ويناقش الباحث الادلة التي اعطاها الطباطبائي وكيف قسم الاخير العلم الى العلم الحصولي والحضوري خاتما بحثه بالنتائج .
في ختام المؤتمر القى الاستاذ المساعد الدكتور اياد كريم الصلاحي مقرر قسم الدراسات الفلسفية على مسامع الحضور الكريم البيان الختامي المتضمن مجموعة من التوصيات التي تمخضت عن البحوث التي القيت في هذه التظاهرة العلمية جاء فيه
(بيان ختامي)
بسم الله الرحمن الرحيم
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) (( الحجرات
صدق الله العلي العظيم
ضيوفنا الاعزاء
اصحاب السماحة والفضيلة علمائنا الاجلاء
اصحاب المعالي اساتذتنا الموقرين
الحضور الكريم مع حفظ الالقاب والمقامات باسمى آيات الثناء
سيداتي وسادتي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بتعاون وثيق بين المستشارية الثقافية لسفارة جمهورية ايران الاسلامية في بغداد وبيت الحكمة العراقي العريق , عقد قسم الدراسات الفلسفية مؤتمره الدولي الرابع عشر تحت عنوان ( دور الافكار الفلسفية في الحوار الثقافي الاسلامي – ايران والعالم العربي ) يومي الاربعاء والخميس الموافقين 21 – 22 / 2 / 2018 استضاف فيه ثلة من اصحاب السماحة والفضيلة والمعالي من اساتذة وباحثين من الجمهورية الاسلامية الايرانية وجمهورية الجزائر والجمهورية التونسية والجمهورية اللبنانية وسلطنة عمان فضلا عن باحثي بلدنا العراق .
وقد طرح المؤتمرون على مدى ثلاث جلسات افكارهم ورؤاهم حول افاق الحوار الثقافي والفكري والفلسفي الذي بات ضرورة ملحة لجمع اوصال عالمنا الاسلامي الذي سعت ولازالت القوى المعادية تزرع بذور الفرقة والانقسام بين اجزاءه منعا لوحدته واستئثارا بثرواته وقيمه .
والذي لا شك فيه ان الحوار منهج انساني فضلا عن كونه منهج رباني رافق البشرية في مسيرتها وهي تنتقل من طور التخلف الى اطوار الرقي والتحضر , والذي يستهدي تحكيم العقل في المشكلات التي تنشأ بين المجموعات الانسانية , والاعتراف بالآخر المختلف ورفض حالات الالغاء والاقصاء .
واذا كان للفلسفة قصب السبق في تأشير قيمة الحوار في مسار الانسان في بحثه عن الحقيقة من خلال نقاش منطقي يرتب النتائج على المقدمات , فما ذلك الا استهداءا بتربية ربانية لم يمنعها طغيان طاغ ولا استبداد مستبد ان تدعو الى الحكمة والموعظة الحسنة , ولعل في الدرس الرباني في خطابه الى موسى واخيه ( اذهبا الى فرعون انه طغى , فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى ) ما ينير الطريق امامنا , فاذا كان الحوار اللين مطلوبا مع فرعون فما بالك بابناء الامة الواحدة , فالاختلاف , واللاتجانس , والتنوع والتعددية اية من آيات خلق الله الذي ارادنا شعوبا وقبائل لنتعارف , لا لنتقاتل وتذهب ريحنا ونكون الاخسرين اعمالا .
ان تاريخنا اللامع يقوم شاهدا على ما كان يمور بين جنباته من منازع ونحل وعقائد واديان تعايشت مع بعضها وساهمت من خلال الحوار في ارساء السلام والتعايش السلمي بين ابناء الامة والاخذ بيدها في طريق التقدم والرقي حتى باتت الحواضر الاسلامية مصابيح هدى تشع على انحاء العالم المظلمة لتنيره وتخرجه من تخلفه الى مدارج الرقي , وما احرانا اليوم ان نستهدي بقيم الاجداد لنرسم لأجيالنا دربا لاحبا يقوم على المحبة والتآخي .
وفي ختام مؤتمرهم يرفع المؤتمرون اسمى آيات الشكر والعرفان الى مؤسسة بيت الحكمة الحاضنة لاعماله والمستشارية الثقافية لسفارة الجمهورية الاسلامية الايرانية في بغداد على مبادرتها الحكيمة بالدعم والاسناد , والشكر موصول الى لجان المؤتمر الفاعلة التي لم تأل جهدا في العمل على انجاح اعمال المؤتمر بأبهى صورة واجملها , كما نشكر جميع من ساهم بالمشاركة الفاعلة والحضور الغني طيلة ايام المؤتمر .
التوصيات
1- التأكيد على تأصيل دور العقل والحكماء في المناسبات الثقافية والاجتماعية والسياسية ،والعمل لإرساء ثقافة السلام والتسامح والابتعاد بدول المنطقة والعالم عن التطرف واجواء الفتنة والصراع .
2- يدعو المؤتمرون الى ارساء نمط اخلاقي يقر الاختلاف والتحرر من قيم الاخضاع التي تحول دون ظهور ثقافة استكشافية واجتهادية ونقدية تأخذ على عاتقها اقامة جو عقلي تسوده لطائف الحجج والبراهين ، والبعد عن المسالك القائمة على الكراهية لأسباب عصبوية عرقية ومذهبية وطائفية وقومية وثقافية .
3- ضرورة تطوير آليات الحوار لنتمكن من اعادة النظر في مسارات الفهم المتبادل وتفكيك الاوهام القارة التي تحول دون الاندماج السوي والعقلاني في الحضارة العالمية.
4- تطوير مدارس التعليم في بلداننا لتكون منارة للتفتح والتحرر من خلال تحويلها من مواطن للتعليم الاقصائي الى الاطار الكفء والبرنامج التعليمي الذي من شانه تكوين جيل جديد متحرر من كل ما يمت الى منحدرات الكراهية المؤسسة للفتن.
5- تأكيد المهام الاخلاقية السامية للحضارة الاسلامية في تكوين الإنسان والمجتمع المؤمن الصالح الذي يجعل العدالة والمحبة ضالته نصرة لدينه وقيمه بعيداً عن السلوكيات الشائنة التي اضرت بالدين والقيم وانتهاك الحرمات من خلال التطرف والتكفير واشاعة القتل والتدمير والعبث بخصوصيات هذه الطائفة او تلك .
6- ضرورة العمل على فتح قنوات ثقافية مختلفة تعمل في اجواء الحوار الايجابي والتفاهم والتقريب من خلال المؤتمرات والندوات وورش العمل.
7- تشجيع كل وسائل التواصل الفكري بين دول العالم الاسلامي والعالم عبر تشجيع حركة ترجمة النتاجات الفلسفية واصدار المجلات العلمية لنشر البحوث المشتركة وتبادل الزيارات بين الجامعات والمؤسسات العلمية .
المزيد من الاخبار