تفاصيل الخبر
البنك المركزي العراقي والاصلاح المالي
2020-11-15
البنك المركزي العراقي والإصلاح المالي في ظل الأزمة المالية الراهنة
أقام بيت الحكمة/ قسم الدراسات الاقتصادية ندوة بعنوان : (البنك المركزي العراقي والإصلاح المالي في ظل الأزمة المالية الراهنة)، بمشاركة الباحثين أ.د محمود محمد داغر/ المدير العام السابق لدائرة العمليات المالية والدين العام في البنك المركزي ، عنوان ورقته ( الدين العام والاحتياطيات والسيولة ) ، و أ. د ميثم لعيبي إسماعيل / الجامعة المستنصرية / كلية الإدارة والاقتصاد وعنوان ورقته ( تأثير السياسة المالية على إجراءات البنك المركزي في ظل الوضع الراهن )، وذلك في تمام الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم الأحد الموافق 15/11/2020 على منصة Zoom الإلكترونية .
رئيس الجلسة: أ.د. فلاح حسن ثويني -استشاري قسم الدراسات الاقتصادية
مقرر الجلسة: م. م حسين غازي رشيد – مقرر قسم الدراسات الاقتصادية
الباحث الأول: استهل الدكتور محمود داغر حديثه باستعراض حقائق مهمة تتلخص بأن الاقتصاد العراقي: اقتصاد ريعي يعتمد على النفط فحسب لتأمين ايراداته من العملة الأجنبية ، وأن النفط سلعة مسعرة بعملة الدولار الأمريكي، وهذا يعد سببا مهما ومنطقيا لاتباع العراق نظام الربط الثابت للدينار، وعملة الربط الدولار كذلك فإن الاغراق السلعي الاجنبي أدى الى تعطل القطاع الحقيقي وبالتالي اعتماد الاقتصاد على الاستيرادات لتلبية الطلب المحلي على السلع والخدمات ،وإن نافذة بيع العملة الأجنبية تؤدي دورًا هامًا في استقرار سعر الصرف المفضي للاستقرار النقدي.
وقد ناقش الدكتور محمود داغر عوامل رئيسة ثلاثة هي الدين العام والاحتياطي والسيولة، وفيما يرتبط بالدين العام فقد ازداد خلال السنة الأخيرة وجل الزيادة كانت في جانب الدين الداخلي إذ أنه بلغ 38 ترليون دينار في نهاية العام 2019 ثم ازداد ليبلغ 55 ترليون دينار حتى شهر حزيران 2020 وبعد تصويت البرلمان الاخير والذي أتاح للحكومة اقتراض ( 12 )ترليون دينار فإن المجموع الكلي للدين الداخلي يصبح 67 ترليون دينار يضاف إليها الدين الخارجي 27 مليار دولار .
ويمكن القول أن ذلك نجم عن أسباب عدة منها تغليب الأهداف السياسية والاجتماعية على الاقتصادية، فضلا عن جائحة كرونا التي القت بضلالها على الاقتصاد العالمي مما ادى الى انخفاض كبير في اسعار النفط. وهذا أدى تدريجيا الى هيمنة السياسة المالية على اجراءات البنك المركزي. إذ أن خلال هذا العام والى ما قبل التصويت الأخير للبرلمان على اقراض الحكومة12 ترليون فإنها كانت قد اقرضت ما يقرب 6 ترليون ليصبح مجموع الاقتراض 18 ترليون واضاف الدكتور داغر أن هذه المرحلة تشبه الى حد كبير مرحلة حصار التسعينيات من القرن الماضي فإن الحكومة تعتمد على حوالات الخزينة. وإن هذه الإجراءات أدت الى زيادة كبيرة بالسيولة إذ أن عرض النقد ارتفع منذ 2019 الى شهر تموز 2020 بمقدار 10 % تقريبا في حين أن هذه الزيادة بين الأعوام 2016 -2019 لم تتجاوز 3% سنوياً. أما الاحتياطيات فقد تعرضت الى الانخفاض من 78 مليار دولار في 2013 الى 57 مليار دولار ونصف المليار في شهر تشرين الأول 2020 كما هو واضح في الجدول الآتي:
علماً إن اقتراض الحكومة يؤثر بصورة غير مباشرة على الاحتياطيات ولكن التأثير على الاحتياطيات ناجم عن الانخفاض في مبيعات نافذة العملة.
أما فيما يتعلق بالجانب الحقيقي من الاقتصاد العراقي فإن الدكتور داغر يعزو التأخر الكبير في هذا الجانب الى سياسة الاغراق التي تمارسها كل من ايران وتركيا وذلك من خلال تخفيض عملتيهما.
أما الباحث الثاني الدكتور ميثم لعيبي اسماعيل
فقد حاول في ورقته المعنونة (السياسة المالية وتأثيرها على إجراءات البنك المركزي) الإجابة على التساؤل التالي: هل تمكنت السياسة المالية المستجيبة للمتطلبات السياسية والاجتماعية بعد2003 بما تضمنته من تغليب النزعات الاستهلاكية على الادوار التنموية من التأثير على سلوك البنك المركزي وجذبه الى منطقة الهشاشة، أم ان البنك المركزي تمسك بتحقيق أهدافه مقابل تحييد التأثيرات السلبية لتلك الهيمنة؟
وقد لجأ الدكتور لعيبي لبعض المقارنات تمثلت بالآتي:
1- السياسة المالية والبنوك المركزية وتداخلاتها في الأوقات الطبيعية وفي الأوقات غير الطبيعية (الأزمات المالية والكوارث والحروب وغيرها). وقد بين أن في خلال الأوقات الطبيعة يستطيع كل من البنك المركزي والسياسة المالية الالتزام بالأهداف الطويلة الأجل في حين يتم التركيز على الأهداف قصيرة الأجل في أوقات الأزمات.
2- الهيمنة المالية في اقتصاد طبيعي وآخر ريعي وقد بين انه في الاقتصادات الريعية تتحرك السياسة المالية بعيدا عن التنسيق مع السلطة النقدية، مع عدم الاهتمام بنمو العجز. وفي البلدان النفطية يكون صافي الموجودات الأجنبية عماد الأساس النقدي.
بعد ذلك استعرض الدكتور لعيبي لمحات عن السياسة المالية في العراق التي ترتكز على الايرادات النفطية التي بلغت في عام 2019 ما يفوق 92 % من مجموع الايرادات في حين بلغت الايرادات من الضرائب على الدخول والثروات 2.53 % من مجموع الايرادات . وفي جانب النفقات لا يقل الأمر سوءً فقد بلغت تعويضات المشتغلين 52.6 % من مجموع الانفاق ونفقات الرعاية الاجتماعية بلغت 23.5 % والمنح والاعانات وخدمة الدين بلغت 19.5% . مما يدل على ضعف النفقات الاستثمارية التي كانت تخصيصاتها كالآتي: وزارة النفط 44 % ، وزارة الكهرباء 14% ، وزارة الدفاع 6% ، وزارة الاعمار والاسكان 5% ، وأخيراً مجلس الوزراء عد عام3% .
ثم انتقل الدكتور لعيبي في حديثه الى موضوعة العجز الي اخذ ينحى منحاً خطيراً بعد الأزمة المزدوجة التي تمثلت في انخفاض أسعار النفط والحرب ضد داعش والذي أدى إلى قفزة في الدين الداخلي من (9) ترليون دينار في عام 2014 الى 32 ترليون في عام 2015. ونتيجةً لذلك أدى تزايد عجز الموازنة الى دخول اطراف جديدة في معادلة الدين الداخلي اذ يلاحظ انه بعد عام 2014 دخلت الحوالات المخصومة لدى البنك المركزي في هذه المعادلة ، بالإضافة الى اصدار السندات والاقتراض من المؤسسات المالية ، فضلا عن هيئة التقاعد الوطنية ودائرة رعاية القاصرين كمقرضة لوزارة المالية من خلال حوالات الخزينة .
وفي الختام، توصلت ورقة الدكتور لعيبي الى مجموعة من الاستنتاجات:
1- نجح البنك المركزي نسبيا في المحافظة على موقفه الصلب في تحقيق اهدافه الرئيسة ومصداقيته لكن هذا لا ينفي ان الكثير من الاجراءات التي قام بها اخذت طابعاً يتسم بالمسايرة للهيمنة الحكومية ولسياستها المالية ووضعته في موضع الاستقلال الفعلي المنقوص مقارنة بقانونه.
2- ان بعض الاجراءات التي اتخذها البنك تمثل بديلا ترميميا للأدوار التي عجزت الحكومة عن تحقيقها خاصة ما يتعلق بالأدوار التنموية ودعم القطاع الخاص ما شكل عبئا مضافا على البنك المركزي وهو يشكل تكلفة فرصة بديلة لأدواره الرئيسة. وهو ما يمكن ان يعطينا الحق بالقول بإمكانية نقل بعض مسؤوليات البنك المركزية الى مؤسسات منفصلة لتمكينه من التركيز على مسؤوليته الاساسية.
3- اضطر البنك الى اصدار حوالات خزينة وسندات والاستعانة بمؤسسات اخرى، كما لعب تبادل الادوار مع الحكومة في دخوله في دعم عملية تنمية القطاع الخاص من خلال مبادرات الاقراض سواء للمشاريع الزراعية والسكنية أو المشاريع الصغيرة.
4- ان حصافة الاجراءات الفنية والمؤسسية التي اتخذها البنك طوال المدة الماضية جعلته في موقف المصدة للسياسات المالية غير العقلانية وذلك في مواجهة الازمات السابقة والراهنة ما يعطينا الحق بالقول انه من الضروري المحافظة على استقلاله الفعلي وعدم زج شخصيات سياسية وغير متخصصة سواء في عملياته التشغيلية او على مستوى الاستقلال الشخصي للمحافظ ومجلس الادارة ز
5- استطاع البنك المركزي حماية العملة من الضغوط السياسية من خلال التحكم في سعر الصرف لكن الاستمرار بسياسات المزاد والتفريط بالاحتياطيات لغايات الاستيراد الاستهلاكي والذي تشوبه شبهات فساد سواء في المنافذ او الفواتير يجعل من الضروري القول ان السياستين المالية والنقدية لا بد ان تتشاركا في اعباء اصلاحه.
6- ان الريعية العالية واتساع مظاهر الانفاق الجاري المبالغ فيه خاصة تزايد التوظيف مقابل اضعاف دور القطاع الخاص وما رافقه من بطالة ادت الى ظهور مشكلة عدم الاتساق الزمني في الاقتصاد العراقي، حيث لم يتحقق تحفيز الانتاج والتوظيف من خلال كبح التضخم .
7- لم يظهر البنك المركزي هيمنة للسياسة النقدية في اجراءاته فهو لم يحدد اهدافه بعيدا عن متطلبات الحكومة لتمويل عجز الموازنة لكنه لم يتمكن من كبح السياسة المالية أو يحد من هيمنتها ولم يتمكن من تحديد حجم عجز الموازنة وضبط الانفاق العام وام يتمكن من تحديد القاعدة النقدية بعيدا عن احتياجات الحكومة من النقد خاصة في السنوات ما بعد 2014 .
8- رغم تمتع البنك المركزي بالاستقلال بموجب قانه (56) لسنة 2004 والقاضي بحضر اقراض الحكومة في السوق الاولى الا انه مع ضعف سوق الاوراق المالية فان اجراء البنك ببيع السندات في السوق الثانوي ومن ثم القيام بإعادة خصمها يجعل الفرق بين السوق الاولي والثانوي يكون محدودا.
المزيد من الاخبار