تفاصيل الخبر
التغيرات المناخية في العراق وتأثيراتها مقاربة تاريخية - سياسية
2023-03-20
التغيرات المناخية في العراق وتأثيراتها.. مقاربة تاريخية – سياسية
عقد قسم الدراسات التاريخية في بيت الحكمة، يوم الاثنين الموافق 20/3/2023، ندوة علمية تحت عنوان: (التغيرات المناخية في العراق وتأثيراتها... مقاربات تاريخية - سياسية)، برئاسة الأستاذ الدكتور إسماعيل طه الجابري (جامعة الإمام الصادق (عليه السلام))، ومقررية الباحث بثينة هاشم ياسين (قسم الدراسات التاريخية / بيت الحكمة)، ومشاركة الباحثين كلٌّ من:
أ.د. خميس البدري / مركز الفجر للدراسات والبحوث العراقية.
بورقتهِ البحثية المعنونة: (قضية المناخ.. البُعد السياسي).
أ.د. مفيد كَاصد الزيدي / جامعة بغداد / مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية.
بورقتهِ البحثية المعنونة: (التغير المناخي في العراق.. قراءة تاريخية – سياسية).
أ.د. أحمد عدنان كاظم الكناني / جامعة بغداد / كلية العلوم السياسية.
بورقتهِ البحثية المعنونة: (التغير المناخي في العراق.. الحلول والمعالجات).
استهل الدكتور الجابري الندوة بالحديث عن البُعد التاريخي للتغيرات المناخية التي تمتد إلى آلاف السنين، والتي صاحبها تأثيرات تكاد تكون مميتة لبعض جوانب الحياة كما حدث في أوروبا بين تصحر وانجماد أدى إلى تأثيراتٍ مناخية وبيئية جسيمة. أمَّا على المستوى المحلي فكانت هناك العديد من العوامل المهيئة لهذهِ الظاهرة كما حدث عند تجفيف الأهوار وجرف البساتين في وسط وجنوب العراق إبَّان حكم النظام السابق، إضافة إلى الاعتماد على الوقود الاحفوري والكميات الهائلة من الغازات المحترقة المنبعثة، وعدم الاهتمام بالأحزمة الخضراء، وطريقة التعامل مع المخلَّفات الصناعية، كلُّها كانت من العوامل المساعدة على هيمنة ظاهرة التغيرات المناخية والبيئية في العراق.
وتحدث الدكتور البدري عن البُعد السياسي لظاهرة التغيرات المناخية وما يُصاحبها من آثارٍ خطرة تؤدي الى تفاقماتٍ متسارعة في السنوات اللاحقة، كونها تفاقم الأزمات التي تعانيها معظم الدول ومنها دول الشرق الأوسط على وجه الخصوص؛ كونها مرتبطة بالسياسة العامة للدولة، مشيراً إلى أنَّ تقدم الأجندة السياسية على الأجندة البيئية في العصر الحديث تجسَّدت في السياسة الأمريكية في سبعينيات القرن الماضي، بانسحاب أميركا من الاتفاقيات البيئية في عهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، وصولاً الى الرئيس دونالد ترامب، في الوقت الذي تُعد أميركا هي المُسبب الرئيس للغازات الدفيئة في العالم بعد الصين. كما طرح الدكتور البدري عدداً من التساؤلات، منها:
- هل كانت التغيرات المناخية سبباً للتغير البيئي؟
- هل نستطيع بالدبلوماسية البيئية مواجهة الكوارث البيئية؟
- كيف بإمكاننا المساهمة في التقليل من تأثير هذهِ الكوارث؟
وفي معرض إجابته عن هذهِ التساؤلات، أوضح الدكتور البدري أنَّ التغيرات المصاحبة للاستعمار كانت لها أضرار جسيمة مباشرة وغير مباشرة على البيئة من خلال نشر الجهل والفقر بين الشعوب، علماً أنَّ حكومة النظام العالمي تصدت لهذهِ الظاهرة من خلال اتفاقياتٍ مشتركة، لكنها اتفاقيات لم تكن تمتلك أُسس صحيحة لمواجهة التحدي المناخي والبيئي؛ لأنها لم تكن تضم آليات عمل المواجهة الصحيحة، كما أنَّ المصالح السياسية كانت هي المتحكم بمخرجات هذهِ الاتفاقيات.
أمَّا على المستوى المحلي فقد أشار تقرير للأمم المتحدة إلى أنَّ العراق معرَّض لظاهرة التغيرات المناخية والبيئية بشكلٍ سيئ، وإنَّ مثل هذهِ التغيرات تحمل في طياتها مخاطر أمنية وتشجيع للحركات الإرهابية.
أورد الدكتور البدري جملةً من أسباب تفاقم ظاهرة التغيرات البيئية في العراق، منها: غياب النهج الشامل والتخطيط الدقيق في هذا الاتجاه، إضافة إلى تأثير الفساد المستشري والمنافسات السياسية غير المنطقية، وما يعقبها من إعاقةٍ لعمل الحكومة والدمار شبه التام للبُنى التحتية للبلد، وعلى هذا الأساس على العراق أن يعتمد سياساتٍ مناخية جديدة على المستويين الداخلي والدولي. على المستوى الداخلي يجب أن يكون التوجه نحو سياسةٍ لا مركزية فاعلة وإشراك الحكومات المحلية ومنظَّمات المجتمع المدني على نطاقٍ أوسع في هذا المجال، وقيام الدولة بتوسيع نطاق المساهمات البيئية الوطنية، أمَّا على المستوى الدولي فيجب أن يكون هناك تكثيف لجهود العراق الدبلوماسية للوصول إلى اتفاقاتٍ بيئية وتفاهماتٍ بشأن البيئة والحصول على دعم الدول المتقدمة في هذا المجال، والتنسيق مع الأمم المتحدة لوضع علاجاتٍ ملموسة لهذهِ الظاهرة.
أمَّا الدكتور الزيدي، فقد استهل ورقته البحثية بما ورد عن غلام إسحق زي، نائب الممثلة الخاصة للأمين العام، المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في العراق: "كانت بلاد ما بين النهرين مختلفة تماماً عمَّا رأيته منذ عقدين، عندما عملت للمرة الأولى في العراق، فالغبار يملأ الجو وتُثيره الرياح الساخنة، وهناك مساحات شاسعة من الأراضي القاحلة، لم تكن تلك الأرض هي ذاتها التي نبتت حول نهريها حضارات عظيمة".
استشهد الدكتور الزيدي بتقريرٍ للأمم المتحدة حول الأضرار البيئية التي حدثت إبَّان حكم النظام السابق بين عامي (1980-2003)، حيث حجم الضرر الجسيم الحاصل بسبب تجريف بساتين النخيل خلال الحرب العراقية - الإيرانية وتحول شط العرب الى ما وصفه التقرير بـ: (متحف السفن الحربية المدمرة)، إضافة إلى تجفيف الأهوار وإيداع المواد المتعلقة بالحرب في الأنهار والأحواض المائية وتشريد المجتمعات المحلية في وسط وجنوب العراق وتدمير الأراضي الكردية من خلال نشر الألغام.
كما أشار الدكتور الزيدي إلى تقرير المعهد النرويجي للشؤون الدولية – معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، الذي ذكر أنَّ العراق شديد التأثر بالمناخ وآثاره بسبب الاعتماد القوي على الموارد الطبيعية وانخفاض قدرة التكيف والصراعات العنيفة الدائرة في البلد وما نتج عنه من فساد وانعدام الاستقرار.
أورد الدكتور الزيدي في ورقتهِ البحثية بعضاً من التحديات التي يواجهها العراق، منها:
ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض هطول الأمطار، وازدياد الملوحة، والعواصف الترابية المستمرة. وقد أشار وزير البيئة الدكتور جاسم الفلاحي إلى أنَّ حكومة العراق فخورة بتقديم وثيقة المساهمات المحددة وطنياً في تشرين الاول 2021، التي تُعد بمثابة السياسة العليا للبلاد بهذا الشأن. إذ تأتي أهمية هذهِ الوثيقة كونها ضرورية لدعم الحكومة في تعميم المساهمات في جميع الوزارات والمؤسَّسات في العراق وإقليم كردستان.
أضاف الدكتور الزيدي إلى أنَّ إجراءات الحكومة الحالية جادة وسريعة من جميع الاتجاهات للتخفيف من آثار التلوث والتغيرات المناخية عِبرَ مشاريع كبيرة بدعم دولي. كما أوضح الباحث مصطلح (الدبلوماسية الخضراء)، وهي دبلوماسية متعددة الأطراف تسعى إلى القيام بجهدٍ جماعي مشترك للحد من انبعاث غازات الاحتباس الحراري وتعزيز وفرة التنوع الحيوي وإنشاء إدارة مستدامة للمياه وتطوير إمكانيات تدوير النفايات وتعزيز إنتاجية الأراضي والاستثمار في تقنيات الطاقة والالتزام بزراعة مليون شجرة لتوفير الأحزمة الخضراء.
الورقة البحثية الأخيرة كانت للدكتور الكناني، تناول فيها أهمية ظاهرة التغيرات المناخية في العراق كونها باتت تؤثر في التوازن البيئي والتوازنات المتتالية المرتبطة بالأنظمة البيئية المتعددة بسبب ارتفاع درجة التلوث عالمياً، وتزايد مخاطر التغيرات المناخية جرَّاء الاحتباس الحراري والتصحر والجفاف وما سواه. ودعا الدكتور البدري إلى ضرورة استثمار الموارد البيئية والمائية كافَّة للحفاظ على البيئة، مبيناً أنَّ الدول الاعضاء في الأمم المتحدة تعتمد خطَّة التنمية المستدامة لعام 2023 والتي سُميت بـ: (خطة عام 2023)، والتي تسعى إلى تحديد اتجاه السياسات العالمية والوطنية المعنية بالتنمية المستدامة وتقديم خيارات وفرص جديدة لملء الفجوة الحاصلة بين حقوق الإنسان ومضامين التنمية المستدامة نفسها لتكون إطاراً متكاملاً في توجيه العمل الانمائي العالمي.
وأشار الدكتور الكناني إلى أنَّ وزارة الموارد المائية أنجزت إستراتيجية موارد المياه والاراضي للأعوام (2015–2035) من أجل تعزيز الأمنين المائي والغذائي، وأنَّ وزارة البيئة أعلنت مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة عن أول محمية طبيعية في العراق. ومن ناحيةٍ أخرى تعمل منظمة الأمم المتحدة مع الحكومة العراقية على تدريب وتنمية المهارات وتعزيز القدرات لمعالجة تغير المناخ والقيام بعمليات الدعم وزيادة الوعي العام بشأن القضايا المتعلقة باستهلاك المياه والإدارة المستدامة للمياه، إضافةً إلى دعم النظم الايكولوجية بجميع أشكالها للحفاظ على نمط الحياة السليم على الأرض.
عَقِب الانتهاء من إلقاء الأوراق البحثية، شارك عدد من الأساتذة والمهتمين بمداخلاتٍ وتعقيباتٍ أغنت موضوع الندوة وعمَّقت من أهميته القصوى على حياة المجتمع والأفراد.
المزيد من الاخبار