تفاصيل الخبر
منهج البحث التاريخي المتقدم وتوظيفه في مناهج أقسام التاريخ في الجامعات العراقية
2017-03-30
منهج البحث التاريخي المتقدم
وتوظيفه في مناهج أقسام التاريخ في الجامعات العراقية
عَقَد بيت الحكمة قسم الدراسات التاريخية بالتعاون مع كلِّية التربية للعلوم الإنسانية (ابن رشد) في جامعة بغداد يوم الأثنين المُوافق 27/3/2017م، ورشة العمل الموسومة بـ: (منهج البحث التاريخي المتقدم.. وتوظيفه في مناهج أقسام التاريخ في الجامعات العراقية)، على قاعة المرايا في بيت الحكمة، حيث كان المشاركون في هذهِ الورشة هم كلٌّ من:
1. أ.د. صباح مهدي رميض (قسم التاريخ / كلِّية التربية (ابن رشد) / جامعة بغداد).
2. أ.د. يحيى محمد علي (قسم التاريخ / كلِّية التربية (ابن رشد) / جامعة بغداد).
3. أ.م.د. آلاء حمزة شناوة (قسم التاريخ / كلِّية التربية (ابن رشد) / جامعة بغداد).
4. م.د. أسيل عبد الستَّار (قسم التاريخ / كلِّية التربية (ابن رشد) / جامعة بغداد).
5. أ.م.د. نغم سلام إبراهيم (قسم التاريخ / كلِّية التربية (ابن رشد) / جامعة بغداد).
6. د. إسماعيل طه الجابري. رئيس الجلسة.
افتتح السيد رئيس الجلسة وقائع الندوة بالترحيب بالسادة الحضور، مُشيداً بدور بيت الحكمة في الاستمرار على صبِّ جلَّ اهتمامهِ لمعالجة أبرز وأهمِّ القضايا التاريخية والفكرية والتي من شأنها خدمة الحركة العلمية في العراق. منوهاً إلى تركيز قسم الدراسات التاريخية على معالجة قضايا منهج البحث العلمي بصورةٍ عامة والتاريخي بصورةٍ أخص، وذلك من خلال عقده للنشاطات العلمية التي تتناول هذا الموضوع الحيوي والمهم في حقل الاختصاص، إذ أقام القسم ندوةً علمية في الثامن والعشرين من شهر كانون الأول لعام 2016م الماضي، حول: (المدرسة التاريخية العراقية.. المفهوم والواقع)، شارك فيها نُخبة من أساتذة التاريخ في الجامعات العراقية، معالجين من خلال أوراقهم البحثية أبرز ملامح هذهِ المدرسة ومقوماتها المنهجية.
أمَّا عن موضوع الندوة وأهميتهِ بصورةٍ عامة، فقد أكَّد على أنَّ التطور الحضاري وازدهار المجتمعات البشرية إنَّما يرتبط ارتباطاً وثيقاً باستعمال الأساليب العلمية السليمة والمُلائمة التي تُسهِم في التقدم والازدهار للشعوب، ولا شكَّ أنَّ هذهِ الحقيقة المنطقية تظل المعيار الأول لتطور وتقدم المجتمع الإنساني، وذلك لأنَّ اعتماد الطُرُق والأساليب العلمية الصحيحة، ووضع الرجل المناسب في الوظيفة المناسبة هي من العوامل الرئيسة التي تقود بالتأكيد إلى الرخاء الاقتصادي والتنظيم الجيد، وتُعطي للفرد المقدرة الفائقة على مواجهةِ الظروف والتحكم في مجرى الأحداث.
كما أشار إلى أنَّ أهم ما يهدف إليه أي بحث علمي إنَّما هو الوصول إلى نظريةٍ أو قانون أو مبدأ أو تقييمٍ معقول، أو حتَّى تلك العلوم التطبيقية Applied science التي توصل فيها العلماء إلى نظريات وقوانين خلال القرون السابقة. وهكذا نرى أنَّ كتابة التاريخ تستلزم الاعتماد على الأسلوب العلمي في تحقيق الأحداث التاريخية والاستعانةِ بالعلوم الحديثة في تمحيص النصوص بالإضافة إلى أهمية الوصول إلى تعميماتٍ وقوانين عامة واستنباط هذهِ القوانين من خلال الظواهر التاريخية.
ألقى الباحث الأول الدكتور صباح مهدي رميض ورقته البحثية التي أعدها لموضوع هذهِ الندوة، والمعنونة بـ: (أبحاث ودراسات التاريخ في الجامعات العراقية ومعايير الجودة العالمية). الذي مهَّد لدراستهِ باستعراض المسار البحثي للدراسات التاريخية في الجامعات العراقية، مبتدءاً من منتصف عقد الخمسينيات من القرن الماضي وحتَّى الوقت الحاضر. مقسِّماً هذهِ الفترة إلى ثلاثةِ مراحل تتباين فيما بينها من حيث الخصائص والسِمَات والتوجهات الفكرية والمنطلقات والأُسس المنهجية. كما عَمَد الباحث إلى التعريف بالمفاهيم والمصطلحات الواردة في الدراسة، ومن أهمها: الجودة (Quality)؛ معايير الجودة (Standards Quality)؛ الإشكالية (Problematic).
تركَّزت هذهِ الورقة البحثية لمعالجة شروط ومعايير الجودة في أبحاث ودراسات التاريخ، حيث أثبت الباحث أنَّه عندَ الشروع في كتابةِ البحث ذي المواصفات المتوافقة مع معايير الجودة العالمية في اختصاص العلوم الإنسانية والإجتماعية ومنها دراسات التاريخ، لا بُدَّ من انتقال المُدرِّس من الطريقة التقليدية القائمة على أساس منهج الوصف والسَرَد إلى الحداثةِ والتوظيف على وفقِ مفهوم الجدوى واختزال الزمن: ولذلك يجب الأخذ بنظر الاعتبار الأُمور الآتية: يجب أن يكون البحث ذا رسالةٍ واضحة ومُفيدة ومُثيرة للاهتمام؛ سهولة توظيفها من قِبل المُراجعين (Reviewers) وتحقيق هدف القراءة منها؛ يُلزم أن يضع الباحث قبلَ إعداد الورقة البحثية حِساب أهميَّة وقداسة وقت القارئ، وأن يُظهر حِرصهُ على استثمارهِ الأفضل، وعدم ضياعهِ بالإسهاب والتشعبات التي لا طائلَ منها؛ تجاوز صفحات التمهيد، وهيَ في أغلبها سردٌ وتفصيل، وعرض معلومات قد تشوبها الأخطاء العِلمية والمنهجية، وقد لا تُهيأ الخلفية المُناسِبة للموضوع المطلوب دراسته، ولذلك يُلزم أن يكون التمهيد موجزاً ومُختصراً إلى حدٍّ بعيد مع بيان صلتهِ المُباشِرة بموضوع الدراسة؛ الحرص على تقديم منهج مُتسلسل مُترابط، بعيد عن التعقيد، الهدف منهُ احتواء القارئ وعدم تشتيت أفكاره، لاسيَّما أنَّ الصفحات الأولى لها أهمية كبيرة في احتواء القارئ من عدمهِ؛ الابتعاد عن الموضوعات المُكرَّرة، وذات الأفكار التي تمَّت مُعالجتها بدراساتٍ سابقة؛ وأخيراً، الاهتمام بخطوات البحث العلمي التأريخي..
كما عالج الباحث العلاقة بين البحوث والدراسات التاريخية ومعايير النشر في المجلاَّت العالمية وفق المستوعبات الأربعة. مؤكِّداً على أنَّ هذهِ المستوعبات الأربعة تُعد محطَّةً غايةً في الأهمية لنشر الأبحاث على المُستوى العالمي، وفي مُقدِّمتُها تومسن رويتر Thomson Reuters، وهي وكالة أنباء عالمية؛ تأسَّست من اندماج شركتي رويتر وتومسون في شهر أيلول عام 2008م في الولايات المُتحدة الأمريكية ومقرُّها الرئيسِ في نيويورك، وتصدر عنها مجلَّة (J.C.R) Journal citation Report وهيَ ضمنَ قواعد بياناتweb of science. وأمَّا (Scopus)فتضم أضخم قاعدة معلومات وبيانات في تصنيف المجلاَّت العلمية وتُعطي ما يُقارب عن (20) ألف مجلَّة، وأكثر من خمسةِ آلاف دار نشر لمُختلف العلوم، وتحتوي على أكثر من ثلاثةِ مليون ورقة بحثية مُقدَّمة في مؤتمراتٍ دولية، ويتم تحديثها بصورةٍ دوريَّة، وأمَّا بشأن معامل التأثير Impact factor فهو مقياس يعكس متوسِّط عدد الاستشهادات لمقالاتٍ نُشِرت في مجلاَّتِ العلوم، والعلوم الإجتماعية بحسب معامل التأثير، وذلك بقيمةِ عدد الاستشهادات في السنة الحالية على العدد الكُلِّي للمقالات التي نُشِرت في السنتين الماضيتين، إذن هو يوفِّر طريقة مُتَّفق عليها مُقارنةً مع بقية المجلاَّت، ومعامل التأثير يضمن فقط المجلاَّت التي تُفهرس ضمن معايير تومسن رويتر، وعادةً يُقسَّم معامل التأثير على درجاتٍ مُختلفة بحسب أهمية معامل التأثير، فكُلَّما ارتفعَ معامل التأثير، ازدادت رصانة المجلَّة المنشور فيها البحث.
وبالتالي، فإنَّ مما لا شكَّ فيه أنَّ وضع الهدف أمام الباحث في نشر بحثهِ في مجلَّةٍ عالمية على وفق ما تمَّت الإشارة إليه، يجب أن يأخُذ بنظر الاعتبار عاملين أساسيين: الأول: التأكُّد من قُدرةِ الباحث على تقديم ورقة بحثية جديرة بالنشر على المُستوى العالمي، وفيها ما هو جديد، وأصيل في عرضهِ، والأمر الثاني: أن يُحسن الباحث ورقته بما يتلاءم مع أهداف وإستراتيجية المجلَّة العلمية التي ينوي نشره فيها.
الباحث الثاني كان الدكتور يحيى محمد علي، الذي كرَّس ورقته البحثية حول (غاية مناهج البحث في التاريخ الإسلامي.. الطبري – ابن خلدون أنموذجاً)، جاعلاً مقدمة ورقته البحثية عرضاً تفصيلياً واستعراضاً دقيقاً لنشأةِ منهج البحث التاريخي وتطورهِ. مشيراً إلى أنَّ الغاية تُعد المنتهى والمبتغى لأيِّ عملٍ أو توجه في الحياة، لذلك برزت الحاجة ملحةً لإبراز غاية مناهج البحث في التاريخ الإسلامي، فهي تشمل كل ما ينتهي إليه عمل المؤرخين. وقد تكون الغاية الموجِّه، أي الغائية المرسومة مُسبقاً بغضِّ النظر عن المعطيات والحقائق والوقائع، وقد تكون الغاية إيجابية أو قد تكون سلبية، وهذا التحديد لهذا المصطلح يساعد منهج البحث التاريخي كثيراً في وضع الأحكام التاريخية في نِصابها الصحيح.
إنَّ الدراسة التي تقدم بها الباحث قد تكون جديدةً بهذا العنوان، فتتطلَّب الكثير من التأمل في كلامِ المؤرخين السابقين لعلَّنا نتوصل إلى غاية المناهج التي اتبعوها لخدمةِ دراسة التاريخ وخدمةِ ما تصبوا إليه من التطور والوصول إلى المُبتغى في تجنُّب الأخطاء وامتلاك رؤيةٍ واضحة. علماً أنَّ مقاصد دراسة مثل هذهِ الجوانب ومعرفتها المعرفة الشاملة الواعية المُدركة تكون – عادةً – المَعين الحقيقي لنهوض حاضر الإنسان ورُقيِّهِ ووضوح آفاق المستقبل الزاهر المتقدم.
اقتضت هذهِ الدراسة أن يُقسمها صاحبها إلى ثلاثةِ مباحث، كان الأول يُعنى بالتعريف بدلالات ألفاظ البحث والذي قُسِّم إلى مطلبين الأول: تعريف الغاية لغةً واصطلاحاً ومفهوماً؛ أمَّا الثاني: فكان تعريف المنهج. أمَّا المبحثين الثاني والثالث فقد كرَّسهما الباحث لدراسةِ الأنموذجين الذين تناولهما في دراستها، وهما كلٍّ من أبي جعفر الطبري (224-310هـ/839-923م) وعبد الرحمن ابن خلدون (732-808هـ/1332-1406م)، بغية التوصل إلى غاية المنهج العلمي التاريخي الذي نهجاه في كتابتهما للتاريخ. مبيناً أنَّ الطبري كان قد اعتمد منهج الإسناد لتوثيق الأخبار والروايات شأنه في ذلك شأن باقي مؤرخي عصره، والعصر الذي سبقه متأثراً بمنهج علم الحديث، أي توثيق الخَبَر بالطريقةِ نفسها التي توثَّق الرواية في علوم الدين. وأنَّه كان يأتي بكلِّ الأخبار الواردة في الحادثةِ الواحدة... والطبري بهذا المنهج يؤكِّد على أنَّ الأخبار الواردة في الأحداث التاريخية لا بدَّ أن تخضع كلَّها للدراسةِ والتمحيص وبيان الصائب منها وغير الصائب بناءاً على القاعدة التي تقول: “الفِهم الصحيح يقتضي الإعمال لا الإهمال”.
فالطبري يبدو كان بين أمرين لا يمكن الجمع بينهما، ولا بدَّ لهُ أن يترك أحدهما ويعمل على الآخر، وهذين الأمرين إمَّا أن يُمحِّص كلَّ الأخبار الواردة إليه أو أن يقوم بجمع كلِّ ما ورد إليه وما كُتب قبله من الأخبار.. ويبدو أنَّه أراد من الأجيال أن تطَّلع على كلِّ الأخبار والروايات التاريخية، وعدم حمل هذهِ الأجيال على رأيهِ الذي ربما لا يبلغ مبلغ الذين يأتون بعده.
أمَّا بالنسبةِ لابن خلدون، فقد وجد الباحث أنَّ منهج البحث التاريخي عنده يعتمد على مجموعةٍ من الأمور، هي النظر للتاريخ على أنَّه علمٌ قائم بذاتهِ له قوانين تحكمه، والتاريخ هو خليط لمجموعةٍ من العوامل الإقتصادية والسياسية والإجتماعية التي تصنع التاريخ بمُجملها. والتاريخ عند ابن خلدون هو أخبارٌ عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأولى، وهو نظرٌ وتحقيق وتعليل للوقائع ومبادئها، وعِلمٌ بكيفيات الوقائع وأسبابها. وقد تميَّز البحث التاريخي عنده بما يلي: ملاحظة ظواهر الاجتماع لدى الشعوب التي أُتيح له الاحتكاك بها والحياة بين أهلها؛ تعقب هذهِ الظواهر في تاريخ الشعوب نفسها في العصور السابقة لعصرهِ؛ تعقب أشباهها في تاريخ شعوبٍ أخرى لم يتم الاحتكاك بها والحياة بين أهلها؛ الموازنة بين هذهِ الظواهر جميعاً؛ التأمل في مختلف الظواهر للوقوف على طبائعها وعناصرها الذاتية وصفاتها العرضية واستخلاص قانون تخضع له هذهِ الظواهر في الفكر السياسي وفلسفة التاريخ وعلم الاجتماع..
ولعلَّ من أبرز التوصيات التي خرج بها الباحث في ختام ورقتهِ البحثية، الدعوة إلى مغادرة دراسة وتدريس التاريخ بمعناه الضيق أو دراسة الأحداث التاريخية الضيقة والانطلاق لدراسةِ وتدريس التاريخ على أنَّه العِلم الذي يهتم بدراسة تطور الحياة الإجتماعية والإقتصادية والعلمية للإنسان وما تنطوي عليه هذهِ الحياة من أحداثٍ تتعلَّق بنموِّ الإنسان العقلي والمعرفي والنفسي وتطور مجتمعه.
الباحث الثالث المشارك في هذهِ الندوة، كان الدكتورة آلاء حمزة شناوة، التي تناولت في ورقتها البحثية موضوع: (التوظيف وآلية العمل للمواقع الإلكترونية الوثائقية.. الأرشيف البريطاني وأوراق تشرشل والمكتبة البريطانية أنموذجاً). مبينةً في البدء أنَّ رصانة أي عمل تاريخي إنَّما تنبع من المصدر الذي يُشكِّل مورد المعلومة وليس هنالك مورد أكثر أصالةً من الوثائق، فلا تاريخ بلا وثائق ومن دون شواهد وأدلة مؤكَّدة بُني على أساسها تحليلنا للأحداث، لاسيَّما في دراستنا للتاريخ الحديث والمعاصر، لذا تُعد الوثائق المنشورة وغير المنشورة المستودع الأول لأدوات البحث، إذ تُعاني مكتباتنا في العراق من نقصٍ واضح وكبير في هذهِ الموارد لاسيَّما المعاصرة منها، وقد أتاح العالم الافتراضي فرصةً ذهبية في هذا الحقل، فقبل ذلك كان لا بدَّ من تحمل أعباء السفر إلى البلدان التي تُعد مصدراً لتلك الوثائق، أمَّا اليوم فيمكن التعرف عليها وتوظيفها بدقَّةٍ وموضوعية بما يخدم بحثنا العلمي.
وقد عَمَدت الباحثة إلى طرح بعض نماذج المواقع الإلكترونية الحكومية البريطانية المهمة التي تُعد رافداُ رئيساً للوثائق، نظراً للتوسع الكولونيالي للإمبراطورية البريطانية على حساب باقي القوى الأوربية، فضلاً عن أنَّ الثورة الصناعية، التي بدأت فيها قبل غيرها من الدول الأوربية الأخرى ولأسبابٍ وظروف تهيأت فيها آنذاك.
أمَّا بالنسبة لهذهِ المواقع الإلكترونية، فقد تناولت الباحثة ثلاثة مواقع مهمة تهتم بنشر الوثائق البريطانية الرسمية على شبكة الانترنت. وهذهِ المواقع هي:
1. الأرشيف الوطني The National Archives:
يُعد الأرشيف الوطني في بريطانيا مورداً مهماً لكلِّ الباحثين والدارسين في حقول التاريخ وغيرها، ويُمثل الناشر الرسمي للمملكة المتحدة، ويحتوي على وثائق تمتد زمنياً لأكثر من ألف عام، ويُعرِّف نفسه بأنَّه مؤسَّسة ثقافية وأكاديمية، وهو يمثل إحدى الدوائر الحكومية غير الوزارية، يعمل عليه مستشارون وخبراء في مجال إدارة المعلومات والسجلات والأرشفة للعمل على تأمين مستقبل للسجلات المادية والرقمية.
تألَّف الأرشيف الوطني في بريطانيا عام 2003م من منظَّمتين هما: مكتب السجلات العام Public Record Office ولجنة المخطوطات التاريخيةHistorical Manuscripts Commission. ثمَّ أُضيف له في 31/تشرين الأول/2006م مكتب معلومات القطَّاع العام Office of Public Sector Information ومكتب قرطاسية صاحبة الجلالةHer Majesty's Stationery Office. ولم يكن مقتصراً على الوثائق وإنَّما احتوى على ما كل ما يخص المؤسَّسات التي يتألَّف منها والكتب وبالاختصاصاتِ كافَّة.
2. أوراق تشرشل، كلِّية تشرشل، كامبردجChurchill Papers, Churchill College, Cambridge:
تضم كلِّية تشرشل، التي تأسَّست بموجب الأمر الملكي عام 1960م والتي انضوت تحت ظلِّ جامعة كامبردج، أحد أهمِّ منابع الوثائق في التاريخ الحديث والمعاصر والتي أُطلق عليها أوراق تشرشل Churchill Papers، وهي مجموعة شاملة من المخطوطات والوثائق التي أرشفها وحفظها تشرشل، فضلاً عن المجموعة الوثائقية التي دوَّنها وأشرت جوانب حياته الوظيفية والسياسية، والتي تضم أكثر من مليون وثيقة شخصية ورسمية تتحدث عن التاريخ السياسي لبريطانيا من القرن الثامن عشر حتَّى القرن العشرين. وهي غنية بالمعلومات والمُراسلات التي كتب تشرشل البعض منها بخطِّ يدهِ. ومنها المُراسلات بين تشرشل ورجال سياسته، وبين تشرشل ونُظرائهِ من الدول الأخرى لاسيَّما الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، فضلاً عن التقارير السرية للمخابرات البريطانية وبعض الدراسات العسكرية التي كان تشرشل يطَّلع عليها دورياً. وأغلب تلك الوثائق كان تشرشل يحتفظ بها بحوزتهِ. وتنقسم هذهِ الوثائق إلى مجموعتين: الأولى يرجع تاريخها إلى ما قبل 27/تموز/1945م، والتي تُعرف بـ(أوراق تشرشل) المفهرسة بمرجعية CHAR. أمَّا الثانية فهي الأوراق التي يعود تاريخها إلى ما بعد 27/تموز/1945م، والتي تُعرف بـ(أوراق تشرشل) المفهرسة بمرجعية CHUR.
3. المكتبة البريطانية British Library:
وهي المكتبة الوطنية للمملكة المتحدة وإيرلندا الشمالية، تقوم بجمع الكتب والمراجع منذ (250) عام، وشراء المطبوعات الهامة من مختلفِ أنحاء العالم، وتُغطِّي المجموعة الخاصة بها معظم اللغات المعروفة، وتحتوي على مجموعةٍ وثائقية لا يمكن لأيِّ متخصص في التاريخ وغيره الاستغناء عنها.
وأخيراً فقد تناولت الباحثة سُبُل استخدام هذهِ المواقع الإلكترونية وخطوات العمل فيها وتصفحها من قبل الباحثين والمهتمين بشكلٍ مسهب وتفصيلي.
الدكتورة أسيل عبد الستار حاجم، كانت الباحث الرابع؛ المُشارك في هذهِ الندوة العلمية، التي ركَّزت خلال ورقتها البحثية، المعنونة بـ: (إشكالية دراسة مصادر تاريخ أوربا في عصر النهضة.. دانتي أنموذجاً) على بيان أهمية إعادة البحث في المُنتج الفكري والتاريخي لكتابات وبحوث عصر النهضة ومن قبلهِ العصر الوسيط، بعد أن فتح أشهر كُتَّاب ورموز ذلك العصر الباب على مصراعيهِ أمام جملةٍ من المتغيرات الفكرية والسياسية والمجتمعية التي وضعتنا على أعتاب (حركة الرينيسانس) Renaissance وما اصطُلح عليه بـ(الحركة الإنسانية) Humanism كونها ارتبطت بإعادة بناء الإنسان بالتزامن مع فكرة التأسيس للدولة. وأن لا ننسى أنَّ بداية تشكيل الفكر القومي في أوربا في مرحلةِ العصور الوسطى ونموِّ الحِس الوطني قد تجلَّى في إنتاج شكل الدولة وتكوين الممالك الوطنية، التي أصبحت نواةً لدول أوربا اليوم.
مبينةً أنَّه في الوقت الذي يهاب فيه أغلب الباحثين والمختصين الاقتراب من موضوع تاريخ أوربا في العصر الوسيط، لصعوبة البحث في المصادر الأجنبية والافتقار إلى أدوات الوصول للنصِّ المترجم بحرفيةٍ ومهنية، يجب ألاَّ تغيب الحماسة والإصرار لدى طلبتنا. إذ تُعد دراسة التاريخ الأوربي في هذهِ المرحلة من أهمِّ حقول الدراسة المعرفية والتاريخية، لاسيَّما أن فترة العصور الوسطى في أوربا ارتبطت بظهور الإقطاع والبابوية وسيطرة الكنيسة على معظم نواحي الحياة فيها، مما تبعها جملةً من التطورات السياسية التي أدت بتفاعلها جميعاً إلى تغير كبير في شكل المجتمع وإعادة ترتيب الهرم السياسي لاسيَّما ما يقترب من الثالوث الحاكم الملك والكنيسة ورأس المال. وخير من مثَّل تلك الثورة بتلاحمها ووحدتها الشاعر والفيلسوف والموسوعي دانتي أليغييريDante Alighieri (1265-1321م) الذي استنطق في ملحمتهِ الشعرية (الكوميديا الإلهية) The Divine Comedy ورسائلهِ الفلسفية (المملكة) The De Mmonarchi المشكلات التي عاشتها فلورنسا في أعنف فترات العصور الوسطى والمُمهدة لعصر النهضة، بين النصف الثاني من القرن الثالث عشر والنصف الأول من القرن الرابع عشر للميلاد.
لذا وجدت الباحثة أنَّ أعمال دانتي تُعد وثيقةً أصيلة ومصدراً أساساً لدراسةِ تاريخ العصور الوسطى لاسيَّما أنَّها قد حوت تشخيصاً دقيقاً ونقداً لاذعاً جريئاً لِمَن تسبَّبوا في أزمة المجتمع الفلورنسي منطلقاً نحو التغيير وتقديم أنموذجاً لبناء الدولة وإعادة ترتيب السلطة وتنظيم المجتمع طبقاً لنتائج تلك الثورة المعرفية.
وأخيراً فقد خلُصت الباحثة إلى مكتبتنا العراقية إنَّما تُعاني نقصاً حاداً في مصادر تاريخ أوربا في العصور الوسطى، ويتأتَّى ذلك هرباً من معظم الباحثين الخوض في غمار هذا التخصص العلمي بسبب صعوبة البحث في اللغةِ الإنكليزية.. وأنَّ دانتي هو أنموذج نفتقر إلى دراستهِ وبحث مؤلَّفاتهِ بشكلٍ تفصيلي بالإضافةِ إلى غيرهِ من رموز العصور الوسطى الكثير، هؤلاء الذين كانوا سبباً أساساً في انطلاق ثوراتٍ معرفية وسياسية لاحقة فضلاً عن أنَّ أفكارهم كانت قالب حاضر في ذهن واضعي دساتير الدول الديمقراطية في أوربا.
الباحث الأخير المُشارك في هذهِ الندوة العلمية، كان الدكتورة نغم سلام إبراهيم، بورقتها البحثية المعنونة: (كتب المذكَّرات في التاريخ الأوربي.. رؤية جديدة في منهج البحث التاريخي). التي حاولت من خلالها أن تُبيِّن كيف شكَّلت كتب المذكرات مصادر قيِّمة ينبغي على الباحثين الاستعانة بها والاستفادةِ منها بالقدر الذي يخدم مقومات البحث العلمي ويدعم التوجهات الحديثة في منهج البحث التاريخي، فمن الضروري على الباحثين الإطِّلاع على تلك المذكرات وتحليل تجارب مؤلِّفيها كونها تعكس توجهاتهم سواء كانت السياسية أم الإقتصادية أم الفكرية.. وحياتهم اليومية من جهة وكذلك وجهات نظرهم حيال الأحداث التاريخية التي عاصروها خلال حياتهم والتي عُدَّت فيما بعد مادةً غنية بالمعلومات التاريخية تستطيع أن تمد الباحثين في الحقل التاريخي بالشكل الذي يُعزِّز مقومات منهج البحث التاريخي ويُغني قدراته.
وقد عرضت الباحثة خلال ورقتها البحثية التي شاركت فيها لإنموذجين من المذكَّرات السياسية، الأولى لأدولف هتلر Adolf Hitler (1889-1945م) والثانية كانت لونستون تشرشل Sir Winston Leonard Spencer-Churchill (1874-1965م). مبينةً – بالنسبة للنموذج الأول – كيف أنَّه لا يمكن فهم شخصية هتلر وتوجهاته من غير الإطلاع على كتابهِ (كفاحي) الذي يُعد تسجيلاً لشخصيتهِ وحياتهِ وأساليبهِ لتخليص ألمانيا من الإذلال الذي فرضته عليها معاهدة فرساي The Treaty of Versailles، والتي يصفها هتلر بـ: “إنَّها انتهاك لكلِّ الحقوق، وجلبت كلَّ الشرور على ألمانيا وأوربا، فقد استعبدت البلاد وحولتها إلى مُستعمرة مستغلة، فقدت فيها ألمانيا سيادتها الإقليمية، وراح الفرنسيون يجوبون أراضيها من غير مقاومة، فالجميع أحرار في غزو ألمانيا، بحسب إراداتهم ومن غير عقوبة، فالمعاهدة سلبت ألمانيا حقوقها وممتلكاتها كافة”. تلك كانت أهم الأُسس التي انطلق منها هتلر في كتابهِ (كفاحي)، الذي نُشرت أول طبعة منه باللغة الألمانية في حزيران من عام 1925م، مشتملاً على أفكار هتلر وسياساتهِ التي نفَّذها فيما بعد على المسرح الدولي.
وأخيراً فقد توصلت الباحثة إلى بيان أنَّ على الباحثين تبنِّي الأسلوب العلمي في دراسةِ تلك المذكَّرات ومحاولة مطابقتها مع الأحداث التاريخية بُغية تقصِّي الحقيقة التاريخية؛ كما ينبغي على طلبة الدراسات الإطِّلاع على توجهاتِ أصحاب تلك المذكَّرات ومحاولة مزاوجة محتويات تلك المذكرات مع الأحداث التاريخية على أرض الواقع للمصادر التاريخية التي تدرس نفس المدة التاريخية؛ كما وجدت أنَّ المذكَّرات تكاد تكون أقرب من حيث الأهمية للوثائق التي يمكن أن يعتمدها الباحثون في إعدادهم لرسائلهم وأطاريحهم كون أصحابها قد عاصروا الأحداث التاريخية ضمن مدة الدراسة..
التوصيات:
خرجت ورشة العمل بمجموعة من التوصيات والمقترحات التي من شأنها النهوض بواقع دراسة وتدريس وتطبيق منهج البحث التاريخي في أقسام التاريخ بالجامعات العراقية. وهي كما يأتي:
1. تطوير الأساليب التقليدية التي يستخدمها التدريسي في الدراسات العليا والاعتماد على العالم الرقمي في استخراج بعض المصادر المهمة، ورفع كفاءة وفعالية طلبة وأساتذة الدراسات العليا من خلال إقامة دورات تخص هذا الجانب. مع ضرورة تشجيع الطالب على تنمية مهارات البحث العلمي من خلال العالم الرقمي.
2. إعادة النظر تفصيلاً بدراسةِ وتدريس مادة منهج البحث التأريخي, والتركيز على الخطوات العالمية المُعتمدة في معايير الجودة, وفي المُقدِّمة منها اتِّباع خطوات المنهج الإشكالي، أي تحديد المُشكِلة, وأهمية عرضها, وماهيَّة الجدوى القائمة على تقديم تلك الدراسة, وتحديد الجهات المُستفيدة منها..
3. ضرورة حثِّ الباحثين على المُشاركة في أنشِطة المؤتمرات العلمية الخارجية, كون أنَّ أبحاث المؤتمرات الدولية, ولاسيَّما التخصُّصية منها هي أكثر مقبولية للنشر في المجلاَّت العالمية, والأكاديمية الرصينة, وهي بلا شك لديها معامل تأثير بمُختلف الدرجات التقويمية.
4. ضرورة تحريض طلبتنا وباحثينا على إعادة قراءة تراث العصور الوسطى ومحاولة فهم أفكار كُتَّابه ومُفكِّريه والتعليق على تلك الأفكار سلباً أو إيجاباً، وهنا يكمن دور الباحث في التاريخ. لاسيَّما وأنَّ النصوص التاريخية تتوفر الآن بسهولة سواء من خلال الكتب أو المواقع الإلكترونية حيث المعلومة التاريخية يمكن الوصول إليها ولكن الأهم هو كيفية استنباط الحكم التاريخية من تلك المعلومة.
5. تُشكِّل المذكرات الشخصية والسياسية مادةً تاريخية مهمة يجب على الباحثين من طلبة الدراسات العليا الإطِّلاع عليها والاستفادةِ من المعلومات التاريخية الموجودة فيها. كما ينبغي على طلبة الدراسات الإطِّلاع على توجهات أصحاب تلك المذكرات ومحاولة مزاوجة محتويات تلك المذكَّرات مع الأحداث التاريخية على أرض الواقع للمصادر التاريخية التي تدرس المادة التاريخية ذاتها.
وأخيراً، فقد تمَّيزت هذهِ الندوة العلمية بحضور كوكبة من أساتذة التاريخ والآثار من مختلف الجامعات والمؤسَّسات العلمية العراقية... الذين أغنوا موضوع الندوة بمناقشاتهم العلمية.
المزيد من الاخبار