Get Adobe Flash player

من مدرسة جنديسابور الى بيت الحكمة مترجمو وعلماء السريان صنّاع في حضارة العصر الذهبي الإسلامي ونهضة اوروبا

الهجرة واللجوء والتحديات الإنسانية بين المسؤولية الدولية والالتزامات الوطنية

احتفالية المنجز العلمي لأساتذة التاريخ

الاتجاهات الاسلامية في الفكر العراقي المعاصر

رؤية ورسالة بيت الحكمة

رؤية ورسالة بيت الحكمة

الخطة الاستراتيجية

الخطة الاستراتيجية

مجلات بيت الحكمة

اصدارات مجانية

اصدارات مجانية

الساعة الآن

معرض المرئيات


رئيس الوزراء : وصلنا الى مناطق منسية بالرغم انها مناطق مأهولة بالسكان لم تدخل فيها الخدمات .

خريطة زوار الموقع

صفحتنا على الفيس بوك

وزارة التخطيط /الجهاز المركزي للاحصاء

مؤتمر دعم الطاقة وتقليل الانبعاثات

تفاصيل الخبر

سعر النفط من ادم سميث الى محمد باقر الصدر


2020-04-24

 سعر النفط من ادم سميث الى محمد باقر الصدر

احدث الانهيار المتسارع في اسعار النفط، وخاصة النفط الاميركي الذي وصلت قيمته الى الصفر، ردود فعل عالمية كبيرة، خاصة في طريقة احتساب "قيمة" النفط. والنفط من المواد الاولية التي اكتشفها الانسان منذ وقت طويل وتوجد دلائل ذلك في الاثار البابلية. وتأتي المواد الأولية والمعادن "بعد الارض مباشرة في الاهمية"، كما قال محمد باقر الصدر، بل هي ضمن المركب الحضاري الخماسي المؤلف من الانسان والارض والزمن والعلم والعمل.

وكما اهتم علماء الاقتصاد بالمواد الأولية والمعادن، كما اهتم فقهاء الشريعة الاسلامية على اختلاف مذاهبهم بهذا الموضوع الحيوي.
وقد قسم الفقهاءالمعادن الى نوعين، وهما: المعادن الظاهرة، والمعادن الباطنة.
فاما المعادن الظاهرة فهي، حسب تعريف الصدر، "المواد التي لا تحتاج الى مزيد عمل وتطوير لكي تبدو على حقيقتها، ويتجلى جوهرها المعدني، كالملح والنفط". نعم نحتاج بالنسبة للنفط الى جهود في اكتشافه وتصفيته واستخراج منتجاته المختلفة.
واما المعادن الباطنية فهي "كل معدن احتاج في ابراز خصائصه المعدنية الى عمل وتطوير كالحديد والذهب".
ومع تعاظم ازمة اسعار النفط، دار في ذهني السؤال التقليدي التالي: كيف تتحدد اسعار او اقيام الاشياء او السلع؟ هل تقدر قيمة السلعة بناء على: قيمتها الطبيعية، او كمية العمل المبذول في انتاجها، او ندرتها، او منفعتها، او السوق (قانون العرض والطلب)، او الندرة، او قيمتها الفنية او التاريخية، او الرغبة الانسانية باقتنائها؟ 
انبرى الفلاسفة وعلماء الاقتصاد الى الاجابة عن هذه الاسئلة منذ وقت مبكر. ويقول كارل ماركس ان ارسطو هو اول من تحدث عن هذا الموضوع. ولم يتسنَ لي الرجوع الى مؤلفات ارسطو لكي اتحمل مسؤولية هذه الرواية.
وتحدث جون لوك (١٦٣٢-١٧٠٤) عن هذا الموضوع منوها بان العمل هو الذي يمنح الاشياء قيمتها.
ادم سميث
لكن الموضوع اخذ ابعادا مفصلة مع الاقتصادي  السكوتلاندي ادم سميث (١٧٢٣-١٧٩٠) تصدى للاجابة عن هذا السؤال في كتابه الشهير "ثروة الامم" الصادر في عام ١٧٧٦ قائلا: "انا مستعد دائما للمجازفة بان اكون مملا كي اتيقن من انني واضح."
فيما يتعلق بموضوعنا، اعني انهيار اسعار النفط ووصولها في بعض الاصوات الى الصفر، فهذا معناه ان "سعر السوق" اصبح اقل بكثير من "السعر الطبيعي" للنفط، وهذه مصطلحات ابتدعها واستخدمها ادم سميث واستخدمها الذين كتبوا من بعده. 
السعر الطبيعي هو السعر الحقيقي للشيء، وهو حسب ادم سميث، "الكلفة الحقيقية لكل شيء بالنسبة الى الشخص الذي يبتغي احتيازه" وهو "الجهد والعناء المبذول لاحتيازه".
ويتقوم السعر الحقيقي بكمية ضروريات الحياة وكمالياتها التي تبذل بدلا عنه. وهذا السعر يكون طبيعيا حين يكون سعر السلعة ليس  اكثر او اقل مما هو كاف لدفع ريع الارض واجور العمل وارباح راس المال المستثمر في انشائها واعدادها ونقلها الى السوق وفقا للنسب الطبيعية لهذه الثلاثة فالسعر الذي تباع به هذه السلعة يسمى سعرها الطبيعي.
 
فالسلعة تباع عندئذ بالسعر الذي تستحقه بدقة، او بقدر كلفتها الحقيقية عند الشخص الذي نقلها الى السوق.
ومن البديهي ان نعرف ان الصفر ما يقرب منه لا يمثل كميه الجهد المبذول لاستخراج النفط وايصاله الى السوق، ولا يماثل كمية "ضروريات الحياة وكمالياتها" التي يمكن ان تجلبها كمية النفط المباع بسعر الصفر او ما يماثله.
وهذا هو "سعر السوق" وهو السعر الفعلي الذي تباع به السلعة في السوق، وقد يكون اعلى من سعرها الطبيعي او ادنى منه او مساويا له.
ويتأثر سعر السوق عند سميث بحسب العرض والطلب حيث يتقرر وفق "النسبة القائمة بين الكمية التي نقلت فعلا الى السوق وطلب الذين يرغبون في دفع السعر الطبيعي لهذه السلعة."
واذا زادت الكمية المعروضة في السوق على الطلب الفعلي، وفي هذه الحالة قد يرغب اصحابها الى اللجوء الى "التخلص الفوري" من السلعة خوفا من تلفها، وهذا ما قام به بعض تجار النفط في الولايات المتحدة. وطبيعي ان المشتري، حين يلاحظ ان اصحاب السلعة يريدون "التخلص" منها، في الوقت الذي لا يكون في حاجة الى شرائها، فان قيمتها في السوق، اي سعر السوق، سوف يتخفض الى ادنى الدرجات حتى يصبح صفرا، بالضبط مثل سعر الماء في الانهار والمحيطات.
لكن يجب ان نلاحظ، حسب سميث "ان سعر السوق يدور حول السعر الطبيعي"، الذي اطلق عليه سميث اسم "السعر المركزي" الذي تدور اسعار كافة السلع  دائما في فلكه. فمهما كانت العقبات التي تعوق الاسعار عن الثبات عند مركز الثبات والاستمرار فهي تميل دوما نحوه. وهذا في الحالات الطبيعية.
ومن المفيد ان نشير، استكمالا لرؤية سميث بشأن الاسعار، انه ابتدع  عدة مصطلحات في هذا السياق، ومن هذه المصطلحات:
"القيمة التبادلية" التي تشير الى القدرة على الشراء او التبادل.
"القيمة الاستعمالية" التي تشير الى المنفعة التي تنطوي عليها السلعة.
ولا يشترط ان تتطابق القيمتان. "فالاشياء ذات القيمة التبادلية للكبرى غالبا ما تكون قيمتها الاستعمالية قليلة، او معدومة. لا شيء انفع من الماء ولكنه لا يكاد يشترى به شيء، ولا يكاد يبادل به شيء".  
وهذا ما حصل للنفط.
ولكن سميث يرى ان القيمة التبادلية لكل شيء ينبغي ان دائما ان تكون مساوية بدقة لمدى ما تمنح صاحب هذا الشيء من هذه القوة"، اي "قوة الشراء".
"السعر الاسمي" وهو يتقوم بكمية النقد الذي يجب دفعه للحصول على السلعة.
لكن التمييز بين السعر الحقيقي والاسم الاسمي "بلا منفعة في البيع والشراء"، لكنهما "يتناسبان بدقة في الوقت نفسه والمكان نفسه"، فالمال هو المقياس الدقيق للقيمة التبادلية لكل السلع في الزمان نفسه والمكان نفسه.
بعد ذلك اجاب سميث عن السؤال بالقول ان العمل هو "المقياس الحقيقي والشامل والدقيق و الأوحد" للقيمة التبادلية لكافة السلع،  ولكنه ليس الشيء الذي تقدر به قيمة السلع عادة.
وعند اعتماد العمل لحساب القيمة، فيجب ان يوخذ بالحسبان ايضا الوقت الذي يستغرقه العمل، ونوعه من حيث درجة المشقة، وندرة البراعة والمهارة التي يستلزمها.
فقد بيّن ان قيمة اية سلعة انما "تساوي كمية العمل الذي تخوله ابتياعها او استحقاقها. فالعمل إذاً هو مقياس القيمة التبادلية الحقيقي للسلع كلها". انه المقياس الحقيقي والنهائي الذي يمكن لقيمة كافة السلع ان تقارن به، انه سعرها الحقيقي.
لكن سميثاقر ايضا بان الاحتكار يؤدي الى بيع السلع "باسعار تفوق كثيرا السعر الطبيعي".
وليس للاحتكار، كما هو الحال بالرغبة في التخلص من السلعة، علاقة بكمية العمل المبذول فيها.
 
 
ديفيد ريكاردو
 
دافيد ريكاردو  (1772 –1823) الاقتصادي والسياسي البريطاني واصل بحث هذه المسألة في كتابه القيم "مباديء الاقتصاد السياسي". 
فقد قال في الفقرة الأولى من كتابه المذكور "ان قيمة سلعة ما ، او كمية البضاعة التي تقابلها من اية سلعة اخرى، تعتمد على الكمية النسبية لمقدار العمل اللازم لانتاج هذه السلعة، وليس على التعويض المدفوع مقابل هذا العمل، قل او كثر"، مستعيرا الكثير من الافكار، بل النصوص والمصطلحات من كتاب ادم سميث "ثروة الامم". مؤكدا ان كون السلعة ذات "فائدة" لا يعني انها ذات قيمة عظيمة، مستدلا على ذلك بالماء كثير الفائدة قليل القيمة، والذهب قليل الاستخدام عظيم القيمة.
فنفعية سلعة ما ليست مقياسا للقيمة التبادلية لها، "ان لم تسهم في ارضائنا، فانها تخلو من اية قيمة تبادلية رغم ندرتها، او حجم العمل اللازم للحصول عليها". وهذا اشارة الى "الرغبة" في السلعة كما سوف يذكر محمد باقر الصدر. فبعد "امتلاك ميزة النفعية، تستقي السلع قيمتها التبادلية من مصدرين: الندرة وكمية العمل اللازم للحصول عليها".
لا ينكر ريكاردو ان هناك سلعا تتحدد قيمتها بندرتها فقط، وعليه فان العمل المبذول فيها لا يزيد كميتها، واذاً لا يمكن تخفيض قيمتها بزيادة عرضها، وهذا النوع من السلع يشكل "كمية بسيطة" في السوق، وبالتالي فهي خارجة عن البحث حيث ان المقصود هو "حصرا السلع التي يمكن زيادة كميتها عبر بذل الجهد البشري وتلك التي ما ان يتم انتاجها تبدا المنافسة فيها المنافسة فيها دون كوابح".
 
كارل ماركس
 
واصل الفيلسوف الالماني كارل ماركس (١٨١٨-١٨٨٣) استخدام مصطلحي القيمة الاستعمالية والقيمة التبادلية، ففي بداية حديثه عن السلعة في الفصل الاول من كتابه الكبير، "رآس المال" (١٨٦٧)  انطلق كارل ماركس من مصطلحي "القيمة الاستعمالية" و "القيمة- جوهر القيمة ومقدار القيمة". 
قال: ان منفعة شيء من الاشياء تجعل منه قيمة استعمالية"، اي "شيئا مفيدا". و "تشكل القيمة الاستعمالية الحامل المادي للقيمة التبادلية". لكنه رفض القول بان "القيمة التبادلية  قيمة ذاتية، داخلية ، كامنة في السلع". مستنتجا بان للسلعة الواحدة  "عددا كبيرا من القيم التبادلية". وحين يتساوى شيئان في قيمتهما التبادلية بالنسبة الى بعضهما البعض، فان هذا يعني انهما "متساويان بالنسبة لشيء ثالث، هو في ذاته ولذاته لا هذا ولا ذاك"، لانه شيء مغاير للسلعتين وخارج عنهما، لكنه يمثل خاصية مشتركة للسلع بعد تجريدها من الخواص الاخرى، وهذه الخاصية الوحيدة المشتركة هي "كونها منتجات عمل"-"العمل البشري المجرد". ان الاشياء/ السلع لا تحتوي الا على موضوع مشترك واحد هو "شيئية عمل بشري متجانس" حيث لم تعد هذه الاشياء تعبر عن شيئ سوى "ان قوة عمل بشري قد بذلت في إنتاجها وان ثمة عملا بشريا متراكما فيها" وبذا فانها تؤلف "قيما للسلع".وعليه فليست "لقيمةِ استعماليةِ شيءٍ ما من قيمة الا لان ثمة عملا بشريا مجردا قد تشيأ او تجسد فيها". ويتم قياس قيمتها "بكمية العمل الذي يحتويه الشيء النافع" وقيمة العمل "تقاس بمدته".لكنه قدم معادلة تنص على ان "قيمة سلعة ما تتناسب عكسيا مع القدرة الإنتاجية للعمل، وطرديا مع كمية العمل المتجسد فيها".
ووافق على انه بامكان الشيء ان يكون ذا قيمة استعمالية دون ان يمتلك قيمة، كالهواء والمراعي الطبيعية "هذا حين يكون الشيء نافعا للانسان من دون ان يكون ناتجا عن عمل". لكنه يقول ان العمل ليس الاساس الوحيد للثروة المادية انما هي حصيلة امتزاج الطبيعة والعمل.
قيمة كل سلعة تتحدد بكمية العمل المبذولة في إنتاجها والمتجسدة فيها ماديا، نعني تتحدد بوقت العمل الضروري اجتماعيا لإنتاجها.
 
محمد باقر الصدر
رفض محمد باقر الصدر (١٩٣٥-١٩٨٠) ان يكون العمل هو مصدر القيمة، قائلا، حسب فهمه للاسلام، ان العمل سبب لتملك العامل للمادة، كما قال جون لوك ايضا، وليس سببا لقيمتها. وضرب لذلك مثل العامل الذي يستخرج اللؤلؤ من البحر، فهذا العمل لا يمنح اللؤلؤ قيمته، انما يملكه بهذا العمل.
وطرح في مقابل ذلك مقياسا "جديدا"، كما وصفه،  للقيمة، ردا على المقولة الماركسية بأن العمل اساس القيمة كما تقدم.
وطرح الصدر مقياسه الجديد، بعد ان عرض افكار ادم سميث و ريكاردو وماركس، والتي عرضناه من مصادرها الاصلية فيما تقدم. وتدرج في طرح المقياس الجديد بالتوازي مع توالي نقوده على الماركسية.
فقد اشار الى ان العمل لا يحدد القيمة في حالات الاحتكار،  مشيرا الى ان ريكاردو ادرك ذلك الامر الذي جعله يعتبر المنافسة الكاملة شرطا اساسيا في فاعلية معيار العمل في تحديد القيمة. 
كما اشار الى اثر الانتاج الفردي مثل المخطوطة التاريخية الاثرية في تحديد القيمة بغض النظر عن العمل. 
وتحدث عن دور كفاءة الارض وقدرتها تبعا لاختلاف الاراضي في الكفاءة باعطاء سلع زراعية بقيم مختلفة رغم وحدة الرمن وكمية العمل المبذول في زراعتها.
واقترب من الكشف عن مقياسه الجديد حين اشار الى عدم قدرة الماركسية تفسير ظاهرة "انخفاض القيمة التبادلية للسلعة تبعا الرغبة الاجتماعية فيها" موضحا ان كل سلعة تفقد جزءاً من قيمتها التبادلية "اذا تضاءلت الرغبة فيها ولم يعد المجتمع يؤمن بمنفعة لها" بغض النظر عن سبب هذا التحول.وهذا "يبرهن، كما يرى، بوضوح على ان للدرجة التي تتيحها السلعة من الانتفاع واشباع الحاجات اثرا في تكوين القيمة التبادلية" لها.
واشار الصدر الى مسالة اخرى وهي ان "العمل غير متجانس يضم وحدات من الجهود مختلفة في اهميتها ومتفاوتة في درجتها وقيمتها". وعليه "فمن الخطأ ان تقاس الاعمال قياسا كميا عدديا فحسب، وانماهي بحاجة الى قياس نوعي وصفي ايضا".
وفي هذه اللحظة يصل الصدر الى طرح نظريته في العامل الثالث المشترك بين سلعتين يتم تبادلهما، فبدل ان يكون العمل البشري هو العامل الثالث المشترك، يرى الصدر انهما "مشتركان في صفة سيكولوجية موجودة بدرجة واحدة فيهما معا، وهي الرغبة الانسانية في الحصول على هذه السلعة او تلك". فالسلعتان وان كانتا مختلفتين في نوعية المنفعة التي تؤديها كل واحدة منهما، لكنهما تشتركان في نتيجة واحدة هي "الرغبة الانسانية"، وباكتشاف هذا "المقياس السيكولوجي الجديد"، لا يبقى من الضروري "ان يعتبر العمل اساسا للقيمة بوصفه الامر المشترك الوحيد بين السلع المتبادلة"، "ما دمنا وجدنا امرا مشتركا بين السلعتين، غير العمل المنفق على انتاجهما"، ويصبح من الممكن "ان تحل الصفة السيكولوجية المشتركة موضع العمل، وتتخذ مقياسا للقيمة ومصدرا لها"، كما اعلن الصدر، حيث "تكون المنفعة هي اساس الرغبة، والرغبة اساس القيمة ومصدرها العام". وتبدو هذه النتيجة وكأنها بديهية في الاعلام التسويقي للسلع والمنتجات. فهذا الاعلام لا يحدث الجمهور عن كمية العمل المبذول على السلعة المطلوب الترويج لها، وانما يقوم بخلق الرغبة بها انطلاقا من المنافع التي تقدمها للمستخدم او المشتري.
لكن الصدر، وهو يكتب عن الاقتصاد الاسلامي، لم يؤصل لهذه النتيجة اسلاميا، بمعنى انه لم يبرهن عليها بالعودة الى النصوص التأسيسة في الاسلام كما فعل في بقية ارجاء المذهب الاقتصادي الاسلامي، الامر الذي يجعل اختلافه مع ادم سميث وريكاردو وماركس شخصيا، وليس اسلاميا، بمعنى انه بمقدورنا ان نقول ان الصدر يرفض اعتبار العمل اساس القيمة، لكننا سنكون بحاجة الى اكثر من هذا لكي يكون بامكاننا القول ان الاسلام يرفض هذه المقولة.
يبقى ان اشير الى ان ملاحظة السيد الصدر حول تأثر ماركس بارسطو لم تكن دقيقة. فقد قال الصدر ان ماركس "تقمص شخصية ارسطو الميتافيزيقية في الاستدلال والتحليل". والحال ان هذا لا يبدو واضحا في طريقة حديث ماركس عن ارسطو. صحيح
ان كارل ماركس قال ان "المفكر العظيم" يقصد أرسطو "كان اول من يحلل شكل القيمة"، لكنه انتقده بعد ذلك مباشرة مسلطا الضوء على قصور نظرته في التحليل. فقد بين ماركس ان ارسطو اعلن انه "لايمكن ان يقع التبادل بدون مساواة، ولا مساواة بدون قابلية للقياس بمقياس واحد". ثم يأخذ ماركس على ارسطو انه يتوقف عند هذا الحد "ويتخلى عن المضي في تحليل شكل القيمة" لانه اعتقد انه "يستحيل ان يكون شيئان على هذا القدر من التباين قابلبن للقياس بمقياس واحد"، والكلام لارسطو. ويواصل ماركس نقده لارسطو قائلا: "هكذا يخبرنا ارسطو نفسه عما قطع عليه طريق المضي في التحليل، وهو الافتقار الى مفهوم المساواة". ويعزو ماركس سبب افتقار ارسطو لهذا المفهوم الى المجتمع الاغريقي القائم على العبودية حيث لم يكن من الممكن التفكير بان يكون عمل العبد خالقا للقيمة التي ستكون الشيء الثالث الذي يتم فيه التبادل بين شيئين. ثم قال ان "عبقرية ارسطو انه اكتشف ان التعبير عن قيمة السلعة ينطوي على علاقة مساواة" لكن "الظروف الخاصة للمجتمع الذي كان يعيش فيه هي وحدها التي منعته من ان يكتشف اين تكمن في الحقيقة هذه المساواة"،  وهذه لهجة في التعبير لطالما استخدمها الصدر في الحديث عن ماركس نفسه، دون ان يتبادر الى ذهننا ان الصدر ربما "تقمص" شخصية ماركس!
 
اسعار النفط
والخلاصة، ان اسعار النفط انهارت في بعض الاسواق بسرعة لان اصحاب السلعة في تلك الاسوق ارادوا "التخلص" منه بسرعة، بعبارة سميث، في وقت لم يكن الاخرون بحاجة اليه بسبب توفر كميات كثيرة منه ويسهل الحصول عليها في اي وقت.
لماذا اراد المالكون التخلص من هذه الكميات بهذه الطريقة؟ هذا امر يعود اليهم، ويستطيع الخيال ان يتصور الكثير من الاسباب. 
هل قانون العرض والطلب هو السبب الوحيد لانهيار الاسعار بهذا الشكل؟
ناقش السيد الصدر مطولا هذه المسالة، قائلا ان قوانين العرض والطلب تستطيع ان ترفع الثمن او تخفضه، اي ان تجعله مناقضا للقيمة الطبيعية ، ولكن القيم الطبيعية للسلع تحد بدورها من فعل قوانين العرض والطلب. فهي وان سمحت للسلعة بان يزيد ثمنها عن قيمتها  بسبب قلة العرض وزيادة الطلب، مثلا، ولكنها لا تسمح لهذا الارتفاع ان يتزايد بشكل غير محدود، ولذلك نجد ان المنديل مثلا مهما تحكمت فيه قوانين العرض والطلب فهي لا تتمكن من رفع ثمنه الى ثمن السيارة (او تصفير سعر النفط- مني). وهذه القوة الكامنة في المنديل تجدب الثمن اليها، ولا تسمح بالانطلاق غير المحدود، هي القيمة التبادلية. ثم اوضح السيد ان الرغبة الانسانية في الحصول على السلعة الناتجة عن منفعتها الاستعمالية تدخل في حساب قيمة السلعة. وكتب يقول: تتناسب درجة الرغبة بالسلعة عكسيا مع مدى امكانية الحصول عليها، فكلما توفرت امكانات الحصول على السلعة اكثر تنخفض درجة الرغبة فيها، وبالتالي تهبط قيمتها. لكن ادم سميث يقول: قلما يظل سعر السوق طويلا تحت مستوى السعر الطبيعي.
 
المراجع
 
١. كارل ماركس، رأس المال، المجلد الاول، ترجمة فالح عبد الجبار، دار الفارابي، بيروت، ٢٠١٣
٢. آدم سميث، ثروة الامم، ج١، ترجمة حسني زينة، معهد الدراسات الانسانية، ط١، بغداد، ٢٠٠٧
٣. محمد باقر الصدر، اقتصادنا، دار التعارف، بيروت، ١٩٨٧.
٤. ديفيد ريكاردو، مباديء الاقتصاد السياسي، ترجمة يحيى العريض و حسام الدين خضور، دمشق، ٢٠١٥
John Locke, Two Treaties of٥.  Government, Glasgow, 1994

المزيد من الاخبار

نافذة استلام البحوث العلمية

ابحث في موقعنا

جدول النشاطات الشهري

الشكاوى والمقترحات

أحصائيات

عدد الزوار حاليا : 18
عدد زوار اليوم : 498
عدد زوار أمس : 879
عدد الزوار الكلي : 1862889

من معرض الصور

اشترك بالنشرة البريدية

أسمك  :
أيميلك :
 

بوابة الحوكمة الالكترونية