تفاصيل الخبر
العلامة الشيخ آقا بزرك الطهراني
2020-02-07
العلامة الشيخ آقا بزرك الطَّهراني.. قراءة في سيرتهِ ومؤلَّفاتهِ
عَقَد قسم الدراسات التاريخية في بيت الحكمة، بالتعاون مع مكتبة الجوادين العامة – العتبة الكاظمية، يوم الخميس المُوافق 6/2/2020م في الساعة الثالثة عصراً، ندوته العلمية المعنونة:( العلَّامة الشيخ آقا بزرك الطَّهراني.. قراءة في سيرتهِ ومؤلَّفاتهِ ) على قاعة مكتبة الجوادين العامة. هذهِ الندوة التي أُقيمت بمناسبة مرور خمسين عاماً على وفاة العالم والمفكِّر الإسلامي آقا بزرك الطَّهراني (1293-1389هـ/1876-1970م).
وقد ترأس الجلسة الدكتور عماد موسى الكاظمي، وبمقررية الباحث في قسم الدراسات التاريخية الدكتور حيدر قاسم مَطَر التميمي، وكان المشاركون في هذهِ الندوة العلمية هم كلٌّ من:
1. الأستاذ رفعت عبد الرزاق. بغداد.
2. المحقِّق الشيخ أحمد الحلي. النجف الأشرف.
استُهلَّ الحفلُ بتلاوةِ آياتٍ من الذكر الحكيم بصوت القارئ (عبد الكريم قاسم)، قارئ العتبة الكاظمية المقدسة.
افتتح السيد رئيس الجلسة وقائع الندوة بالترحيب بالسادة الحضور، مشيداً بدور بيت الحكمة في الاستمرار على صبِّ جُلَّ اهتمامهِ لمُعالجة أبرز وأهمِّ القضايا التاريخية والفكرية والدينيَّة والاجتماعية. كما كان من جملة النقاط التي أثارها خلال مقدمتهِ لهذا المحفل العلمي، أنْ أشار إلى مدينة النجف الأشرف التي كانت وما زالت ولودةً للعلماء والمفكِّرين، وكان أمير المؤمنين (ع) الخيمة التي يستظلِّون تحتها. ومدينة النجف فيها حسنات كثيرة، ولعلَّ الشيخ المرحوم آقا بزرك الطَّهراني حسنة من حسنات هذهِ المدينة الكريمة، والحديث عن سماحة الشيخ حديثٌ طويل، وعندما نستعرض سيرة علمائنا الأعلام نقف بين مدَّةٍ وأخرى على منجزٍ من منجزاتهم العلمية، وها نحن اليوم نقف عند العلَّامة المرحوم آقا بزرك الطهراني، متصفحين حياته فما وجدنا إلَّا أنَّه كان أشبه بالمعجزة العلمية التي وضعت أمامها طريقاً مهماً، حتَّى خلَّفت لنا كتاب (الذريعة إلى تصانيف الشيعة)، والذي لعلَّه من أروع المصنَّفات في الفصول الأخيرة، فأراد بعض المتخصِّصين بهذا الشأن أنْ يحقِّقوه فوجدوا أنَّ كلَّ شيءٍ مذكور بهذا المُصنَّف، فأصبح المرجع المهم للباحثين والمحقِّقين جميعاً، وقد نحى في السنوات الأخيرة بعض الأساتذة منحىً جميلًا عندما أرادوا أنْ يكملوا مشوار الذريعة، وفي الحقيقة تحتاج إلى عمل جماعي جم لعلَّ الإنسان يتوفَّق عندما يسير على هذهِ المسيرة الكبيرة.
وبعد مُضي نصفُ قرنٍ على رحيل الشيخ آقا بزرك الطَّهراني، فإنَّه ما زال حيًّا نستذكره كلَّ يومٍ كباحثين ودارسين. واليوم بفضل هذا التعاون المبارك والمثمر بين مؤسَّسة بيت الحكمة ممثلةً بقسم الدراسات التاريخية والعتبة الكاظمية المقدسة ممثلةً بمكتبة الجوادين العامة نُقيم هذهِ الندوة العلمية؛ وذلك للهدف السامي والنبيل الذي نسعى له عِبرَ إقامة مثل هكذا نشاطاتٍ علمية تحفظ التراث.
الباحث الأول ضمن هذهِ الندوة العلمية، كان الأستاذ رفعت عبد الرزاق، الذي حاول من خلال ورقتهِ البحثية أن يقدم تصوراً شاملاً ومختصراً عن أبرز المحطَّات الفاصلة والمهمة في مسيرة حياة (الطَّهراني) الشخصية والمهنية على حدٍّ سواء. مبيناً أنه بدأ في مدينة طهران بدراسة العلوم الدينية، وعمره عشر سنوات، وظلَّ مشغولاً بالدراسة مدَّة اثنتي عشرة سنة، قضاها عند الأساتذة المعروفين، ثمَّ سافر إلى مدينة النجف الأشرف عام 1315هـ لإكمال دراستهِ الحوزوية عند مراجعها العِظام آنذاك، فعاش فيها حوالي أربع عشرة سنة، وبعد ذلك سافر إلى مدينة سامراء، والتحق بحوزتها العلمية للدراسة عند علمائها الأعلام، وبقي هناك مدَّة أربع وعشرين سنة. وفي عام 1354هـ عاد إلى مدينة النجف الأشرف، وبقي فيها مشغولاً في البحث والتصنيف إلى آخر لحظةٍ من عمرهِ.
أمَّا عن أبرز صفاته وشمائله، فقد ذكر الباحث اتصافه بالصبر وقوة الإرادة، حيث استطاع الشيخ آقا بزرك الطَّهراني بصبرهِ وتحمله الشديد أنْ يكون من أبرز علماء الشيعة، ومن مشاهير مؤلِّفيها، وقد تحمَّل في سبيل إصدار كتابيه المعروفين (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) و (طبقات أعلام الشيعة) كثيرًا من مشقَّات السفر والتنقل، للحصول على المصادر المختلفة في المكتبات العامة والخاصة. وكذلك إخلاصه في العمل، حتَّى أنفق عمره، وبذل مهجته في سبيل خدمة الدين الإسلامي الحنيف، ومذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وبفضل إخلاص نِيَّته لله تعالى، فقد استطاع إنجاز تلك المؤلَّفات والتصانيف العظيمة، والتي كانت ولا تزال وستبقى مصدر إشعاع لكل طُلَّاب الفكر والحقيقة.
أمَّا عن عبادتهِ، فقد بيَّن الباحث أنَّه كان يقضي معظم أوقاتهِ بين المطالعة والكتابة، لكنَّه مع ذلك فقد خَصَّص جزءً كبيرًا من وقتهِ فيما عَدا ذلك - إلى العبادات المستحبَّة، ولهذا تَجدهُ مشغولاً بالذكر، والتسبيح، والدعاء، والزيارة، وصلاة الليل، وحتَّى صلاة الجمعة، حيث كانت تُقام بإمامتهِ في مسجد الطوسي في مدينة النجف الأشرف. ومن مميزاتهِ الأُخرى ذكر الباحث: شغفه في إكرام الضيف، واحترامه الشديد للعلماء، وبالخصوص المعاصرين منهم، والعمل الدؤوب في سبيل التوصل إلى الحقائق، وكذلك الوفاء بالعهد، وسِعَة الصدر، والتواضع للجميع، وعدم التعصب في الدفاع عن آرائهِ ووجهات نظرهِ...
الباحث الثاني، كان المُحقق أحمد الحلي، الذي تناول النتاج العلمي للشيخ آقا بزرك الطَّهراني، وبالخصوص كتابه المعروف (الذريعة إلى تصانيف الشيعة). علماً أنَّ الباحث هو واحد ممَّن عَمِل على وضع الجزء الأول من مستدرك كتاب الذريعة. ففي البدء بيَّن الباحث أنَّ سبب تأليف الطَّهراني لكتابهِ (الذريعة) هو ما ذكره جرجي زيدان في كتابهِ ( تاريخ آداب اللغة العربية)، حينما تحدث عن الشيعة، فقال ما خلاصته: (الشيعة طائفة صغيرة لم تترك أثراً يُذكر، وليس لها وجود في الوقت الحاضر). فدفع هذا القول بالشيخ آغا بزرك ورفيقيه في العِلم: السيد حسن الصدر، والشيخ مُحمَّد حسين كاشف الغطاء، أنْ يتعاهدوا ويأخذ كلَّ واحدٍ منهم على عاتقهِ بيان جانبٍ من جوانب الثقافة الشيعية الغنية والتعريف بها. وبالتالي فقد تقرر أنْ يبحث السيد حسن الصدر حول الآثار العلمية للشيعة وبيان فضل الشيعة وسهمهم في تأسيس علوم الإسلام، وظهرت ثمرة بحثهِ في كتابهِ ( تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام)، أمَّا العلَّامة الشيخ مُحمَّد حسين كاشف الغطاء فقد تقرر أنْ يكتب نقداً لكتاب جرجي زيدان ( تاريخ آداب اللغة العربية) ويكشف عن كلِّ أخطائهِ فيه، وقد نفذ هذهِ المهمة، وكتب نقداً علمياً جامعاً للكتاب بمُجلَّداتهِ الأربع. أمَّا الشيخ آغا بزرك الطَّهراني فقد تعهَّد أنْ يكتب فهرساً يجمع فيه أسماء كلِّ مؤلَّفات الشيعة، والذريعة كتاب في (29) مجلَّداً، ومجموع عناوين الكتب التي ذكرها فيه يُقارب (55) ألف عنوان.
مبيناً أنَّه كتاب موسوعي بشكل قاموسٍ ألف-بائي، يُعنى برصد مُصنَّفات علماء الدين الشيعة في التراث الإسلامي والعربي وغير الإسلامي، صدر منه (25) مجلَّداً، و بلغ عدد صفحاته (11239) صفحة. وقد دوِّن حسب الترتيب الهجائي، وعرَّف المؤلِّف فيه (53510) مؤلَّف ومُصنَّف ومترجم إلى اللغات الفارسية والعربية والتركية والأردية في مواضيع عدَّة. وقد استغرق مؤلِّفه خمسين عاماً في جمع مادتهِ وطبعهِ، وقد ضمَّن موسوعته بالإضافة إلى مصنَّفات الشيعة الإثني عشريَّة بعض عناوين مصنَّفات الزيديَّة والإسماعيليَّة كذلك. واعتمد آقا بزرك في تأليف الكتاب على الفهارس الأولية للشيعة، منها فهرس أبي جعفرٍ الطوسي، وفهرس أبي العباس النجاشي، وغيرهما. كما أنَّه راجع فهارس المكتبات الأخرى وبعض المؤلَّفات المطبوعة والمخطوطات واستشهد بكلام مَن يثق بهم. واستغرق طبع ونشر هذهِ المجموعة في مدينتي قم والنجف أكثر من (40) سنة، كما تمَّ طبع بعض المجلَّدات بعد وفاة المؤلِّف. وضمَّ إلى تلك المجلَّدات مجلَّدٍ واحد يمكن اعتباره مستدرك الذريعة الأول، وقد ذُكر فيه كتب لم يُشر إليها صاحب الذريعة.
عاداً هذا الكتاب أكثر من كونهِ دائرة معارف، إذ يقول صاحبه بكتابة بحوثٍ علمية أحياناً إضافةً إلى عملية جمع التراث الشيعي المكتوب.
أمَّا عن خطوات إنجاز الطَّهراني لهذا المشروع الكبير، وآليات طباعتهِ ونشره، فقد ذكر الباحث أنَّ الطَّهراني عَمَد إلى طباعة الأجزاء الثلاثة الأولى من هذهِ الموسوعة بمطبعة الغري بمدينة النجف الأشرف سنة 1355هـ، وتحت إشرافهِ المباشر. ثمَّ انتقلت عملية الطباعة إلى مدينة طهران تحت إشراف ولديه الدكتور علي نقي المنزوي والأستاذ أحمد المنزوي، عدا الجزأين الثالث عشر والرابع عشر اللذين طبعا بالنجف بإشراف السيد مُحمَّد صادق بحر العلوم. وحين وفاة الطَّهراني عام 1389هـ كان الجزء التاسع عشر من الذريعة تحت الطبع، ليستمر العمل على هذا الكتاب الكبير حتَّى سنة 1398هـ ليُطبع بـ(25) جزءاً.
كما لم يمنع طبع الكتاب من استمرار المؤلِّف في البحث والتنقيب وزيارة المكتبات للاطلاع على ما يستجد من المطبوعات والمخطوطات، فتجده كثيراً ما يذكر كتاباً يجب أنْ يُدرج في حروفٍ سابقة مع جملة «فاتنا ذكره في محلهِ» أو ما أشبه هذهِ، وذلك لكي يوقف الباحث في كتابهِ على أكبر عددٍ ممكن من المعلومات. هذا بالإضافة إلى أنَّه أدرج كثيراً من مستدركاتهِ في حرف الراء بعنوان «الرسالة»، وبعضها في حرف الكاف بعنوان «الكتاب».
اختُتمت الندوة بمُداخلاتٍ وتعقيبات عرضها السادة الحضور من الباحثين والأكاديميين. والتي أسهمت في إغناء وتعزيز الموضوعات والإشكاليات البحثية التي طُرحت خلال هذا النشاط العلمي.
وأخيراً فلا بدَّ من الإشارة أنَّ هذهِ الندوة تأتي في سياق توجه قسم الدراسات التاريخية في بيت الحكمة، وتمثيلاً لأحد أهدافهِ، في استذكار العلماء والمفكِّرين والمؤرِّخين الذين كان مدادهم في ميدان العِلم منهجاً في بناء مجتمعٍ ناضج ومنتج.
المزيد من الاخبار