تفاصيل الخبر
مهاتير محمد قراءة في فكره النهضوي
2019-10-13
مهاتير محمد قراءة في فكره النهضوي
الأستاذ المساعد الدكتور. سمير عبد الرسول العبيدي .
1.المقدمة.
أ. ماليزيا(الموقع والسكان).
يقع ( اتحاد ماليزيا ) Federation Of Malaysiaضمن إقليم جنوب شرق آسيا ،النطاق الذي يمتد من شرق شبه القارة الهندية والى الجنوب من الصين ، تبلغ مساحة ماليزيا ( 329.750 كم2 ) وهي تطل على المحيط الهندي ويحدها تايلند من الشمال واندنويسيا من الجنوب عاصمتها كوالالمبور وتقسم أراضيها إلى قسمين : ماليزيا الغربية West Malaysiaوتسمى الملايو وتمتد بين المحيط الهندي غرباً وبحر الصين شرقاً ، وتبلغ مساحتها ( 131689كم2 ). أما ماليزيا الشرقيةMalaysia Eastفتمثل الجزء الشمالي من جزيرة بورنيو والبالغ مساحتها( 734000 كم2 ) يتبع ماليزيا منها ( 198069 كم2 ) وتشمل ولايتي صباح Sabah وسارواك Sarawak. وتقسم ماليزيا إلى ثلاثة عشر إقليمآ وثلاث ولايات فدرالية( 1).
تتميز ماليزيا بتنوع الأثنيات البشرية ، واختلاف الديانات، فهناك المالايا Malaya وهم السكان الأصليون ويشكلون ما نسبته 55% من أجمالي سكان البلاد البالغ ( 25.720.000 ) نسمة ويسمون " بومبيوترا " Pomputra، أي أبناء الأرض ويدخل في إطار هذه التسمية (الحضارمة اليمنيون ) والذين يعود إليهم الفضل في دخول الإسلام إلى البلاد حيث استقر فيها قسم منهم واختلطوا بسكانها . ويأتي بعد ذلك الصينيون بنسبة 33% وهم يتمتعون بنفوذ سياسي واقتصادي قوي ، وقد حرصوا على ألا يختلطوا بغيرهم من الجماعات . وأخيرا الهنود وجنسيات أخرى بنسبة 12% ( 2 ).
ب. مهاتير محمد (رئيس وزراء ماليزيا16/7/1981- 1/11/2003).
ولد مهاتيربن محمد Mahathir Bin Mohammedفي 20/12/1925 في مدينة الورستيار Alor Setarبولاية كيداه Kedah، شمال ماليزيا . حصل على منحة لدراسة الطب نظراً لتفوقه واجتهاده فقد درس في كلية السلطان عبد الحميد ، وفي عام 1947 التحق بجامعة المالايا في سنغافورة حالياً ، والتي كانت تسمى بكلية إدوارد السابع الطبية . وعقب تخرجه عمل في ممارسة مهنة الطب لدى الحكومة منذ عام 1953 وحتى عام 1957 ، كما وافتتح عيادته الخاصة ، في مسقط رأسه ( 3 ).
بدأ مهاتير محمد العمل السياسي في عام 1946 عندما التحق بمنظمة اتحاد المالايا الوطني United Malays National Organizationوتعرف اختصارا ((UMNO" الأمنو " لدى تأسيسها ، وفي صفوفها شق طريقه نحو النشاط السياسي . ومع ممارسته الطب فأن السياسة بقيت تتقد في أوصاله . وبالفعل نجح عام 1964 بدخول البرلمان نائباً عن دائرة ( كوتاستيار ) Kutasetarلمدة 5 سنوات ، وقد اشتهر في البرلمان بدفاعه عن القضايا الخاصة بالمالايا ولكنه هزم في انتخابات عام 1969 ، ثم أعقب ذلك طرده من الحزب لتجرئه على توجيه رسالة انتقاد مفتوحة إلى رئيس الوزراء اتهمه فيه بإهمال شؤون أغلبية المالايا( 4 ).
وفي عام 1974 ، فاز مهاتير محمد بعضوية البرلمان في الانتخابات البرلمانية التي جرت في البلاد وشاركت فيها منظمة اتحاد المالايا الوطني بالائتلاف مع الحزب الإسلامي الماليزي Malaysian Islamic Party، وعين أثر ذلك وزيراً للتعليم ، ومن موقعه طبق ما أسماه " السياسة التعليمية الجديدة " The New Educational Policy، كما شغل منصب نائب رئيس الحزب وأصبح فيما بعد نائباً لرئيس الوزراء ( حسين عون ) وتولى منصب وزير الصناعة والتجارة ؛ وفي الانتخابات البرلمانية التي جرت في العام1978 أعيد انتخابه عضواً في البرلمان وهزم مرشح الحزب الإسلامي الماليزي بجدارة ، وبتاريخ 16/7/1981 أصبح مهاتير محمد رابع رئيس وزراء لماليزيا منذ الاستقلال( 5 )
2.أزمة العولمة المالية .
شكلت الأزمة الاقتصادية الحالية مناسبة لإعادة النظر في الأطر والمفاهيم التي تتحكم في مسيرة الأقتصاد العالمي بحكم الرغبة في الأصلاح ومحاولة إعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي0
ومن نافلة القول أن نذكر هنا إن الأزمة في حقيقتها هي "أزمة العولمة" بحكم أن مفاهيمها هو ما تحكم في توجيه دفة الأمور وتحديداً خلال العقدين الماضيين ، لذا فإن عملية الأصلاح تستلزم البدء بقراءة متأنية في مدى نجاعة هذا النظام والذي يركز على أسبقية "قوى السوق" في توجيه مقاليد الأمور مقابل تراجع دور وسلطة الحكومات والدول ، وهو ما يمثل بالنتيجة الذروة لمفاهيم النظام الرأسمالي 0
ولكن وبرغم هذا التفوق والأرجحية لدعاة العولمة ، لكنها جوبهت بأنتقادات حادة وهي في قمة نجاحها( 6 ) ، إلا أن هذه الدعوات بقيت محصورة في نطاقات ضيقة لم تكن لتتجاوز المحيط الأكاديمي ، وزاد في ذلك تعرض أصحاب هذا الرأي لأنتقادات لاذعة من مناصري العولمة اللذين يحظون بالدعم من قبل المؤسسات الدولية التي تشكل "إجماع واشنطن" كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرها ، ناهيك عن حرص الحكومات الغربية على تطبيق مفاهيم العولمة بحذافيرها بحكم القناعات السائدة من أن الخروج على هذا النظام أمر محفوف بالمخاطر بل ويوصف أصحابهُ بأنهم "طوباويون" لايقبلون بمفاهيم التطور والتغيير 0
لقد شهد عقد التسعينات جملة من الأزمات المالية في الأرجنتين والمكسيك وجنوب شرق آسيا ، وكان من المفترض أن تدق هذه الأزمات جرس الأنذار بالنسبة للمسؤولين ،لكنها أستغلت من قبل المؤسسات الدولية والشركات العابرة للقارات لتعزيز هيمنتها والأستحواذ على الأصول والمؤسسات المتعثرة ((الخاصة والعامة)) بأبخس الأثمان ،بذريعة الخصخصة.
وعلى ذلك أستمرت هيمنة المفاهيم ذاتها ، إما أستجابة لضغوط البلدان الصناعية الرأسمالية أو المنظمات الأقتصادية الدولية أو أصحاب المصالح لكي "تتعولم" هذه الدول ،أي أن تندمج وبسرعة في الأقتصاد العالمي من خلال نهج ليبرالي متطرف يزيح الدولة بعيداً عن ممارسة مهامها في الأشراف والرقابة ، وطبقاً لشروط أصحاب رأس المال الدولي 0 وقد أرتبط ذلك بسياسات واسعة للتحرير المالي والنقدي والتجاري 0 فهذه السياسات ، بالأضافة إلى البيئة الإقليمية والظروف العالمية ، هي التي قادت إلى حدوث تلك الأزمات ،سواء السابقة او الحالية 0 وفي كل ذلك ، لم يكن هناك تآمر لايمكن تجنبهُ ،أو نمط من "الدورات الأقتصادية" بل إرادات وسياسات واعية ومصالح طبقية على دراية تامة بما تفعل 0
وفي واقع الأمر إن العولمة بحد ذاتها ليست جيدة أو رديئة بل أنها تمتلك القوة والمقومات على تطبيق مفاهيمها ، وهنا مكمن الخطورة في الأمر برمتهُ 0 فالبنسبة للبسطاء في البلدان النامية الذين يكدحون من أجل تسديد ديون بلدانهم لصندوق النقد الدولي أو رجال الأعمال الذين يعانون من ضرائب القيمة المضافة العالية بناء على إصرار صندوق النقد الدولي ،فإن النظام الراهن الذي يديرهُ الصندوق نظام ضريبي من دون تمثيل 0 وتنامت خيبة الأمل في النظام الدولي للعولمة الذي ترعاهُ المؤسسات العالمية عندما تم حجب الدعم المقدم للوقود والمواد الغذائية الذي كان يتمتع بهِ أولئك الفقراء في دول العالم الثالث ، مما أسهم في تفاقم مشكلات الفقر في هذه الدول التي ورثت أعباء سياسية أقتصادية وأجتماعية نتجت عن المرحلة الاستعمارية وما أعقبها من سيادة أنظمة الحكم الشمولية 0
وبالمحصلة فقد أصبح من الجلي ليس للمواطنين العاديين بل ولصناع السياسة كذلك وليس لأولئك الذين في البلدان النامية فحسب بل لأولئك الذين في البلدان المتقدمة كذلك ،إن العولمة كما مُورست لم تسر وفق ما وعد مريدوها بأنهُ سيتحقق ـ أو ماذا بوسعها أوما ينبغي بها أن تفعلهُ 0 وفي بعض الحالات لم يتمخض عنها أي نمو ولكن إن حصل ذلك فلم يجلب المنافع للجميع ،فالنتيجة النهائية للسياسات التي وضعها "إجماع واشنطن" كانت في أغلب الأحيان تصب في مصلحة القلة على حساب الأكثرية ، والأثرياء على حساب الفقراء 0 وفي العديد من الحالات ، حلت المصالح والقيم التجارية محل الأهتمام بالبيئة والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الأجتماعية ( 7 ) .
3.مهاتير محمد(قراءة في فكره).
لايعد مهاتير محمد مجرد رجل سياسة وإنما يُعد أيضا احد كبار المفكرين السياسيين الآسيويين الذين استطاعوا أن يطوروا رؤية سياسية متكاملة كانت احد عوامل نهضة ماليزيا.
لقد دفع ذلك مهاتير محمد لأن يصدر في العام 1970 أولى مؤلفاته المثيرة للجدل تحت عنوان " معضلة المالايا " The Malaya Dalame، ومن أبرز الأفكار التي عالجها الكتاب تعرض أبناء المالايا للتهميش خلال الفترة الاستعمارية لصالح الأقليات الصينية والهندية ،وهو لم يلق باللائمة في ذلك فقط على المستعمر ، لكنه وبخ المالايا على لامبالاتهم ، وقبولهم أن يصنفوا كمواطنين من الدرجة الثانية ، كما هاجم الاستعماريين الجدد في الغرب ، ونبه إلى أنهم مصممون على إخضاع ماليزيا وتهديد نجاحها.
من ذلك التاريخ بدء مهاتير محمد في نشاطه الفكري الذي لم يعقه توليه لمنصب رئاسة الوزراء في بلده ، بل اعتبره مناسبة لتطبيق رؤاه وأفكاره في النهوض بالشعوب سواء على الصعيدين الداخلي أو الخارجي حيث اخذ يستثمر الدعوات الرسمية التي توجه إليه للترويج لأفكاره في المحافل المختلفة.
ويُنظر إلى مهاتير محمد على انه باني ماليزيا الحديثة، فمنذ تسلمه المنصب في العام 1981 قاد ثورة إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وعلمية في ماليزيا ونقلها من دول العالم النامي إلى مصاف دول العالم المتقدم .وكغيره من الزعامات التي تركت بصماتها على تاريخ بلادها وامتد تأثيرها إلى محيطها الإقليمي والدولي ، يُعد من الشخصيات التي أثارت جدلا كبيرا ، وخاصة في الجانب الفكري من شخصيته الإسلامية حتى اعتبره البعض واحدا من الشخصيات التاريخية في العالم المعاصر خلال القرن العشرين.فقيادته جاءت في الوقت الذي انحسر فيه أنصار الواقعية السياسية بعيدا عن العواطف والمجاملات والزعامات الإعلامية ، فلم يتوقف عن الدعوة إلى الإصلاح والتطوير بدءا من أبناء جلدته المالايا الذين يكنون له كل الاحترام والتقدير بسبب مواقفه التي تتجسد يوما بعد آخر على ارض الواقع داخا وخارج ماليزيا . ويتمتع مهاتير محمد حسب اغلب الرؤى المحايدة بكاريزما قيادية وسحر شخصي ما جعله شخصية جماهيرية ذات ثقل فكري مرموق ليس في ماليزيا وحدها وإنما على مستوى جنوب شرق آسيا والعالم الإسلامي.
اصدر مهاتير محمد عددا من الكتب والمؤلفات وقد عُرف عنه نشاطه في إلقاء المحاضرات في المحافل الأكاديمية ، ويسجل له استجابته للدعوات التي توجه إليه حتى في أثناء شغله لمنصبه ، وقد سعى لجمعها في موسوعة مهاتير محمد( 8 ) ، في حين سعى آخرون للكتابة عنه ومنهم باحثون عرب( 9 ) ،أما الكتاب الذي سنسعى من خلاله لتبيان الرؤية الفكرية لمهاتير محمد فيحمل عنوان "صوت آسيا" ( 10 ) وقد صدر في أوائل العام 1997أي قبل وقوع الأزمة الآسيوية والتي مثلت المحك الحقيقي لطروحاته ، وهنا نجح في تقديم أنموذج جديد للتعامل مع الأزمات الاقتصادية بعيدا عن وصفات المؤسسات الدولية والتي سبق ذكرها،لذا فهو وبرغم مرور 13 عاما على صدوره إلا إن ماورد فيه من أفكار يستحق تأمله مليآ بغية استخلاص الدروس والعبر ،وخاصة في ظل الأوضاع الحالية.
في الوقت الذي يطالب الغرب بأن تفتح الدول الآسيوية أسواقها ويشدد على النفور من كتل أقتصادية ، فأنهُ يعزز تكتلاتهُ الأقتصادية : فنحنُ نعاني منذُ عشرين عاماً أعباء زحف الحمائية الأقتصادية 0
لقد أعترف الرئيس بيل كلينتون نفسهُ انه بينما كانت الدول النامية تخفف حواجزها التجارية كانت عشرون دولة من الدول الأربع والعشرين الأعضاء في "منظمة التنمية والتعاون الأقتصادي" (1997)تنصب حواجزها 0 والآن تُجرى مفاوضات لفرض قيود أختيارية على الصادرات كشيء عادي ،وتتحدث الدول علانية عن قيود ضد دول صديقة ويطالب سياسيون بدون أحياء دولاً أخرى بأن تشتري هذه الكمية من هذه السلعة أو تلك 000 وإلا0 وحتى الأقتصاديون المحترمون يدافعون عن فرض قيود على التجارة كعمل مشروع 0 واليوم ،أصبحت مسائل مثل الصحة والبيئة وحقوق الإنسان ،تضاف بطريقة متزايدة إلى برامج التجارة الدولية 0 ويتحدث زعماء الغرب عن الأقاليم المفتوحة للتجارة بينما يقيمون الحواجز لمنع الآخرين من الدخول 0
مع أنتهاء المفاوضات حول الأتفاقية العامة بشأن التجارة والتعريفات (الغات) ، هناك ضغط لفرض "شروط أجتماعية" على الدول النامية ،تلك الشروط التي يُفترض أن تعكس مدى الأهتمام بالمتطلبات الإنسانية للغرب المتقدم والتي من المؤكد ،أنهُ تدمّر أو تخفض قدرة التنافس لدى الدول النامية 0ومن الواضح أنه إذا لم تستطع الدول النامية أن تنافس فإن التصنيع سوف يفقد زخمهُ وستنتج بطالة مخيفة 0وهذا بالنسبة إلينا في شرق آسيا مسألة حياة أقتصادية أو موت ،ومع ذلك فنحنُ مجرد متفرجين ،ننظر بتشاؤم والآخرون يتشاجرون حول التوافه 0
إن دور الحكومة في التنمية مهمّ للغاية 0 وهناك بلدان عديدة تشابه ماليزيا في المقومات الأساسية : مستعمرة سابقة وغنية بالثروات الطبيعية وغير كثيفة السكان 0 لكن النجاح يعتمد على وجود حكومة رشيدة وإدارة حسنة للتنظيم تحدد أهدافاً واضحة 0 لدى الحكومة الماليزية هدف واضح نسميه "رؤيا عام 2020" : ان نكون في عداد الدول المتقدمّة عندما يحين ذلك التأريخ 0 وسيكون بوسعنا ذلك إذا ركّز الناس على هذا الهدف 0 وبالعكس ،فأن الدولة التي لا تعرف بالتحديد إلى أين تسير لن تنجز كثيراً في الغالب 0
تأمَّل الوضع التجاري الراهن لماليزيا 0 إن الزيادة في صادرات إنتاجنا الصناعي ظاهرة حديثة نوعاً ما 0 ففي عام 1967 ،وبعد عشر سنوات من أستقلالنا ، كان القطاع الصناعي يمثل أقل من 12 % من الناتج المحلي الإجمالي ،وكانت مساهمتهُ في صادراتنا متواضعة 0ولكن بحلول عام 1989 ، أصبح القطاع الصناعي يمثل أكثر من 25 % من الناتج المحلي الإجمالي 0 ففي ذلك العام أنجز القطاع الصناعي نمواً بنسبة 12% مقارنة بـ 5 ,8% لكل الأقتصاد ، أمّا حصيلة صادراتنا فكانت تزيد على 6,13 مليار دولار أمريكي أو 54%من الصادرات ،بما في ذلك البترول 0
تعتبر ماليزيا اليوم أكبر مصدّر للمواد الموصلة للكهرباء أو للحرارة والقفازات والأنابيب المطاطية الطّيبة 0وهي تأتي في المرتبة الثانية في أنتاج مكيّفات الهواء المنزلية ، وستصبح في خلال السنتين أو الثلاث القادمة ،على الأرجح أحد أكبر البلدان المصدّرة لأجهزة التلفزيون والفيديو 0 كما يظهر أن الصناعة الثقيلة الماليزية سوف تشهد نمواً سريعاً في التكنولوجيا المتطوّرة ،والذي تمثّل في نجاح سيارتنا الوطنية (( بروتن ساغا )) والتي تُنتج بالتعاون مع شركة ميتسوبيشي موتورز 0
وقد أنتقلت شركات كثيرة من الدول الصناعية الرئيسية إلى ماليزيا ،معتبرة هذا البلد نقطة أنطلاق إلى السوق المتنامية في منطقة آسيا – الباسيفيك وقاعدة مربحة أكثر لمبيعاتها الموجَّهة إلى أوربا وأميركا الشمالية 0
عند صوغ ((رؤيا عام 2020)) كان علينا أن نفسر ماذا نقصد ب "بلد متقدم" 0 هل يعني هذا ببساطة أن دخل الفرد لايقل عن 000,16 دولار أمريكي ،أو أنه يعني أيضاً الأستقرار وقيماً ثقافية راسخة ؟ يجب أن تراعى كل هذه العوامل ،ولكن من الواضح أن الغنى وحدهُ لايعني تقدماً0 إذ لايمكن لدولة أن تكون متقدمة حقيقيةً إذا كان لديها المال بدون التكنولوجيا 0والمملكة العربية السعودية خير مثال لهذا 0فقد جعل البترول منها دولة غنية جداً ،لكن لا يمكن أن يشار اليها كدولة متقدمّة على ذلك الأساس وحدهُ0 وحسب تقييمنا فإن أية دولة لا تصبح دولة متقدمة إذا كانت غنية ولديها التكنولوجيا ولكن تنقصها القيم الأخلاقية 0 هناك مجتمعات غربية كثيرة على سبيل المثال متفسخة أخلاقياً 0 هناك تناقص مستمر في أحترام مؤسسات الأسرة والزواج ،وبعض المجتمعات تبيح الزواج من نفس الجنس0 بالنسبة لنا هذا ليس تقدماً 0 ينبغي المحافظة على القيم الثقافية و الأخلاقية ،فنحنُ لانريد أن نكون بلداً غنياً فحسب 0
لابدّ من أخذ تأريخ آسيا الطويل بعين الأعتبار لدى الحديث عن المستقبل ،أوعند المقارنة بين الشرق والغرب 0 فخلال العصور المظلمة في أوربا ،كانت حضارة آسيا متقدمة جداً وصناعية أيضاً0 فالصينيون هم أول من صنع الورق والبارود ،والمغول أخترعوا الرّكاب الذي مكنهم من ركوب الخيل وأيديهم طليقة0 وفي كثير من الوجوه ، أنتشرت الحضارة إلى الغرب بعد أنبجاسها من ينابيع الشرق 0
ومع الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر ،لحقنا الغرب ثم تجاوزنا0 لكن القوة الدافعة جاءت أساساً بضرورات أستعمارية 0 فقد بنت دول أوربا الغربية أمبراطوريات وكسبت ثروات أضخم بعد أن أصبحت قوية نتيجة التنمية الصناعية 0 وكانت المستعمرات في آسيا وأفريقيا مصدراً للمواد الخام للصناعة الأوربية التي بيعت منتوجاتها في أسواق المستعمرات نفسها0 بالطبع لم يكن هناك نظام سوق حرة بل أسواق محتكرة 0 والحقيقة أن أوربا ((تجاوزت)) آسيا بالنهب والأستغلال0
لقد تغيّرت الأوضاع كثيراً عمّا كانت عليه 0 فقد لحقت آسيا بأوربا بعد أن طوّرت نظام التصنيع الغربي وفقاً لأحتاجاتها 0 ولحسن الحظ فإن دول آسيا لم ترضخ للثقافة الغربية خضوعها للتفوق الأقتصادي ، بل أحتفضت بمعظم تقاليدها الخاصة 0 وهذا سوف ينقذنا في الأمد البعيد من التفسخ الأخلاقي الذي يحيط بالغرب هذه الأيام ،وهو تفسخ متجذر ،كما أعتقد ،في أنهيار الثقافة الغربية نفسها0
إذا أستطاعت آسيا أن تجيد فهم مهارات الغرب الصناعية والأحتفاظ بقيمها الثقافية ،فسيكون بمقدورها ،مرة أخرى ،إيداع حضارة أعظم منأية حضارة أخرى في تأريخ البشرية 0 فليس بمستطاع الغرب أن يهيمن على آسيا ،مهما حاول أن يعيد مجدهُ أو يستعبدنا 0 طبعاً ،ليست لدينا طموحات لإخضاع الغرب لسيطرة آسيا 0فنحنُ إنما نسعى فقط للتعايش والرخاء المشترك ،بتمسكنا بالمبادئ الأساسية للفلسفة الشرقية 0
إن الثقافات الآسيوية تبدي كثيراً من التساهل والمرونة 0 فنحنُ نستطيع أن نتبنى طرقاً جديدة بسرعة شديدة بمجرد أن نتغلب على سلوكنا التقليدي وأفكارنا التقليدية والحواجز الأخرى للتقدم 0 هذه المرونة سهلت لنا تنمية متوازية ثابتة0
مع أني لست في وضع يأهلني للتنبؤ بأحتمال تفكك الصين ،فأنا متأكد تماماً من أن السلطة الحالية لديها النية للحفاظ على النظام السياسي القائم حفاظاً على الوحدة الوطنية 0 لقد تبنى الأتحاد السوفياتي الديموقراطية ،فتجزأ ثم أنهار 0 وهذا درس للصين لترفض ذلك النمط من الديموقراطية وهذا من حق بكين 0 أعتقد أننا سنرى الصين ،بشعبها البالغ الحيوية والذي يبلغ 2,1مليار نسمة ،تتقدم بخطى سريعة في السنوات القادمة . كلّ ما تحتاج اليه بكين هو تنظيم هذا الشعب الواعد بطريقة صحيحة وإصدار تشريعات لتسهيل التجارة والنموّ 0 فإذا ما قامت الصين بهذا ،فأنها ستصبح تشكلّ عملاقاً تتأثر به آسيا كلها بما في ذلك اليابان 0 ولايقصد بهذا أن بكين ستسعى عمداً لفرض زعامتها ،بل يعني أن صيناً أغنى ستشتري ،، على سبيل المثال ،المزيد من صادرات ماليزيا ،وذلك سوف يساهم في نمونا الأقتصادي0 وحتى في الوقت الراهن ، هناك أستثمارات ماليزية غير قليلة في الصين 0
اليابان ستبقى متفوقة على الصين في مجال التكنولوجيا والمهارات ،وهذا سوف يحدث نوعاً من التكامل والتوازن بين الدولتين 0 إنني أؤمن أيضاً بأن شعوراً متبادلاً بالتهديد سينمو مع خوف اليابان من أنّ تطوّر قوة بكين الأقتصادية ستواكبهُ قوة عسكرية أكبر أيضاً 0 هذا التخوف مفهوم 0 فمعلوم أن الصين تنفق على التسلح جزاءاً كبيراً من أجمالي ناتجها القومي ،مع أنني أشك في أن تكون المبالغ التي تنفق على التسلح ضخمة فعلاً ،فإن الصين ستقوم في السنوات القادمة بزيادة ميزانية التسليح ،وبهذا تزداد المخاوف من طموحاتها العسكرية 0
لكني أرى أن الصين سوف تستمر في طلب السلام ،لأن عائده أكبر كثيراً من الحرب ،ولأن الحرب ستفقر الصين مرة أخرى ،إذ لايمكن أن تكون الصين واثقة من أنها ستكسبها 0 ويمكن توقع أن تحافظ الصين واليابان على توازن سلمي ،بدلا من المقامرة بمستقبلهما ،وستكونان المحركين التوأمين الدافعين إلى تنمية آسيا 0
لايمكن بحث مستقبل آسيا بمعزل عن التحولات التي تحدث في الهند 0 في الماضي كانت الهند أشتراكية وشعر زعماؤها أنهم يمكنهم ،بما عندهم من كثافة سكانية هائلة ،تنمية أقتصادها بمعزل عن باقي العالم 0 ولكنهم أكتشفوا أن ذلك السبيل غير عملي0 ومع أن هناك أحتمال أن يبدي المستفيدون من نظام السوق المغلقة القديمة مقاومة ، فإن الهند ستفتح أسواقها في النهاية 0
الهنود شعب منفتح ، وهم يريدون أستيراد وسائل الترفيه التي لاتتوفر محلياً0 والهنود أيضاً روّاد تجارة ، والكثيرون منهم تعلموا في الغرب 0 ولكن هؤلاء لايجدون داخل بلادهم الفرصة للأستفادة مما تعلموه ،ولذلك فهم يفضلون البقاء في الولايات المتحدة أو في أوربا 0 فلو فتحت الهند أقتصادها ،فأن خبرات أبنائها المكتسبة من كل أنحاء العالم والتعداد السكاني الضخم وتكلفة العمل القليلة وقوة العمالة فيها ،كلّ ذلك سوف يجعل من الهند عملاقاً أقتصادياً في القرن الحادي والعشرين 0
لكنني لاأعتقد أن الهند ستصبح القوة المقابلة للصين 0 إن عملية فتح الأسواق سوف تأخذ في الهند وقتاً أطول مما ستأخذهُ في الصين ، وذلك لأن ليس في الهند حكومة أستبدادية 0 فالصين قادرة على أن تعدل سياستها ، مقارنة بالهند ،بين يوم وليلة 0 وصنع القرار في الهند عملية بطيئة 0 يجب التوصل الى أجماع ،والمعارضة ،القوية جداً ، يجب أن تعترف بالحاجة إلى التغيير 0 ومع هذا ،فأن التغيير يسير على قدم وساق 0 فنشرات الأخبار التي تبث بواسطة الأقمار الصناعية والتغطيات العالمية الأخرى للأحداث تعرّف الهنود بما يحدث في العالم الخارجي 0 إن تدفق المعلومات يذكي جذوة الطلب الأستهلاكي ويشجّع على التحوّل إلى أقتصاد أكثر أنفتاحاً0
إن أولويات الدول المتقدمة تختفل عن أولويات الدول النامية أختلافاً كبيراً 0 فدول الشمال الغنية ،وهي متمسكة بنظام حياتها المسرف ،مهتمة بأستمرار سيطرتها على الثروات الطبيعية ،وخصوصاً تلك الموجودة في دول الجنوب ، كالغابات الأستوائية 0 أما دول الجنوب ،وهي واقعة في شرك الفقر ،فتحتاج إلى نمو أقتصادي عاجل ، وهذا ما لايمكن التوصل إليه إلا بنظام أقتصادي عالمي داعم 0 ويحتاج مثل هذا النظام إلى بعد نظر وتعُّهد جادّ من دول الشمال لجعل أتخاذ القرار العالمي يتم بطريقة ديموقراطية 0
أذا كنا نريد أعتبار الأرض كينونة بيئية واحدة ،كما تُعتبر الدولة كينونة واحدة ، فيجب إعادة توزيع ثروة الدول الغنية بطريقة عادلة على الدول الفقيرة0 هذا ليس تسولاً من الدول الفقيرة ،بل هو ببساطة إنصاف وعدالة ، كما المبادئ التي تقوم عليها ضرائب الدخل والتكافل 0 يقال إن من الأسباب الرئيسية لتلوث البيئة زيادة السكان في بعض الدول النامية ، وهذا صحيح ،إذ إن تدني نسبة الزيادة في الدول المتقدمة جدير بأن يحاكى 0 فالرخاء يفضي إلى تخفيض نسب الأنجاب ، ولكن الدول الصناعية تزعم دائماً أنهُ يجب على الدول الفقيرة أن تكبح جماح التنمية لتخفيض التلوث 0 ومعلوم أن العالم المتقدم وهو يمثل 25% من سكان العالم يتمتع ب 85% من ثروة العالم ، وينتج 90% من النفايات 0 فلو قللت الدول الغنية أستهلاكها بنسبة 25% فقط فإن التلوث سينخفض بنسبة 5,22% وفي الجانب الأخر ، أذا توقفت الدول الفقيرة عن ألاستهلاك كلّية فسيكون التحسن في التلوث 10% فقط 0 ما أرمي إليه هو أن ما تفعلهُ الدول الغنية هو الذي يؤثر في الأوضاع وليس ما تفعلهُ الدول الفقيرة 0 هذا هو السبب الذي يوجب على الدول الغنية أن تعدل نظامها 0 لكن الدول الغنية تصر على حق المستهلكين في تحديد نظام حياتهم ، وترفض التحكّم المعقول في إطلاق غاز ثاني أوكسيد الكاربون والغازات الضارة الأخرى ،لأن هذه الإجراءات تكلّفها كثيراً وتؤخر نموّها الأقتصادي 0 ومع ذلك ، تتوقع من الدول الفقيرة أن تقوم بذلك.
الهوامش.
1. د. حسن سيد أحمد أبو العينين ، جغرافية العالم الإقليمية ، ط1، ج2 ، الإسكندرية ، مؤسسة الثقافة الجامعية ، 1974 ، ص 255 .للتفاصيل عن التطور السياسي ونظام الحكم في ماليزيا ينظر:- د. عبد الرزاق مطلك الفهد ، جنوب شرق آسيا ( الحركة الوطنية والتدخل الأمريكي) ، بغداد ، 2008 ،ص140-154
2 - ar.wikipedia.org. للتفاصيل ينظر:- د. عبد الرزاق مطلك الفهد،المصدر السابق،ص155-156
3- سعد علي حسين ، الدكتور مهاتير محمد ( رئيس وزراء ماليزيا الأسبق ) ، جامعة بغداد ، مركز الدراسات الدولية ، سلسلة شخصيات سياسية ، العدد 29 ، 2003 ،ص1 .
4- www.balog.com
5- سعد علي حسين ، المصدر السابق ، ص 2. يعتبر مهاتير محمد صاحب نظرية ريادية في النهوض بالشعوب وله عدد من البحوث والمؤلفات حول هذا الموضوع. للتفاصيل ينظر:- د.سمير عبد الرسول العبيدي ،مهاتير محمد (الأنموذج والتجربة)،مجلة بحوث اقتصادية عربية العددان43-44، صيف- خريف 2008 ، بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ،ص81-92.
6. للتفاصيل ينظر:- جيرالد بوكسبرغر،الكذبات العشر للعولمة (بدائل دكتاتورية السوق) ،ط1 ،ترجمة د.عدنان سليمان ،عمان ،دار الرضا للنشر ،ايلول1999؛ مجموعة مؤلفين ،العولمة والنظام العالمي الجديد ،ط1 ،سلسلة كتب المستقبل العربي(38) ،بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ،كانون الاول2004.
7. جوزيف ستكلتز ، العولمة ومساؤها ، ط1 ، ترجمة فالح عبد القادر حلمي ، مراجعة د 0 مظهر محمد صالح ، بغداد ، بيت الحكمة ، 2003 ، ص34-36 0للتفاصيل عن الأزمة الأقتصادية ينظر :- د 0 مهاتير محمد ، ماليزيا والأزمة المالية الآسيوية ، آوراق آسيوية ، مركز الدراسات الآسيوية ، جامعة القاهرة ، سلسة دراسات آسيوية ، العدد 33 ، آب 2000 ، ص 1 – 23 0
8. الموسوعة تضم 10 أجزاء تحمل عناوين (الإسلام والأمة الإسلامية ،التحدي ،آسيا ،العولمة والشراكة الذكية والحكم ،ماليزيا ، العولمة والواقع الجديد ، العلم والتكنولوجيا وحقوق الإنسان ،السياسة والديمقراطية واسيا الجديدة ،التنمية والتعاون الإقليمي ، قضايا معاصرة) .في حين أتيح للباحث الاطلاع على الجزئين 6و7 فقط .وعنوان الجزء الأخير:- موسوعة الدكتور محضير بن محمد ، المجلد السابع ( العلم والتكنولوجيا وحقوق الإنسان) ،ترجمة ومراجعة نخبة من كبار المترجمين والأساتذة المتخصصين من جامعات القاهرة والأزهر والإسكندرية وعين شمس وحلوان(د.عبد الرحمن الشيخ ،د.ياسر شعبان...وآخرون)، ط1 ،القاهرة ، دار الكتاب المصري ، بيروت ، دار الكتاب اللبناني ، كوالالمبور،دار الفكر،2004 ، 362ص. ( مكتبة المصطفى الالكترونية ) www.Al-mostafa.com
9. د.عبد الرحيم عبد الواحد ، الدكتور مهاتير محمد بعيون عربية وإسلامية ، ط1، الأمارات العربية المتحدة ، دار الأجواء للنشر ، كانون الأول 2003 .
10.عنوان الكتاب الكامل :- مهاتير محمد وشنتارو ايشيهارا ، صوت آسيا (زعيمان آسيويان يناقشان أمور القرن المقبل )،ط1، بيروت ، دار الساقي ،1998، 125ص.