محاضرة للبروفيسور شتيفان ماول
2019-03-06
مشاركة بيت الحكمة
محاضرة للبروفيسور شتيفان ماول
مدير معهد الآشوريات في جامعة هايدلبيرغ الألمانية
كان لممثلي مؤسَّسة بيت الحكمة، المتمثل بالباحثين الدكتور حيدر قاسم مَطَر التميمي والسيد مهند عبد الحسن، مشاركة – بالحضور – في المحاضرة العلمية القيِّمة التي ألقاها البروفيسور شتيفان ماول(1) Stefan Mario Maul، أستاذ علم الآثار الألماني، ومدير معهد الآشوريات في جامعة هايدلبيرغ الألمانية. هذهِ المحاضرة التي أُقيمت على قاعة المركز العراقي – الألماني للآشوريات، في رحاب كلِّية الآداب – جامعة بغداد، صباح يوم الاثنين الموافق 4/3/2019م.
بعد الترحيب والامتنان لرؤية العراق من جديد، بعد انقطاعٍ دام قرابة الـ(17) عاماً – آخر زيارة له كانت عام 2002م – شكر البروفيسور ماول القائمين على إدارة كلِّية الآداب، ومَن سعوا إلى الترتيب والتحضير لهذهِ المحاضرة بشكلٍ خاص، ولزيارة البروفيسور إلى العراق، هذهِ الزيارة التي تكلَّلت أيضاً بإبرام اتفاقٍ بين معهد الآشوريات الألماني الذي يُديره البروفيسور ماول ومديرية الآثار العامة العراقية، بأنْ تمَّ منح الجهة الأولى رخصة التنقيب عن الآثار في العراق، حيث سيُزاول الكادر البحثي في معهد الآشوريات الألماني عمله بالتنقيب في وقتٍ قريب جداً.
قسَّم البروفيسور ماول محاضرته إلى محورين، خصَّ الأول بالحديث عن الحضارة والدولة الآشورية في العراق وأهميتها، ففي الوقت الذي يزخر التاريخ الإنساني بالعديد من الحضارات التي تعاقبت على هذهِ البسيطة، كان لوجود هذهِ الحضارة المتميزة الأثر الكبير على تغيير وجه الحياة، ونقل الإنسان إلى أنماطٍ معيشية جديدة، جعلت حياته تمتاز باليُسر النسبي، وأنَّه حتَّى يومنا هذا لا يزال ذكر هذهِ الحضارة بين شعوب العالم أجمع، لِمَا تركته من آثارٍ يشهد لها العصر، وما أبقت من مُنجزاتٍ تاريخية ممتدة الأثر، وهذا ما جعل علماء التاريخ يكثفون دراساتهم لهذهِ الحضارة ويُحلِّلون مُنجزاتها تفصيلياً.
كما أشار البروفيسور ماول إلى أنَّ بواكير الاكتشافات الآثارية فيما يتعلَّق بهذهِ الحضارة كانت قد بدأت تظهر خلال صيف عام 1840م في (نمرود)، حيث عَمِل البريطاني هنري لايرد Sir Austen Henry Layard (1817-1894م) ومساعده العراقي هرمز رسام Hormuzd Rassam (1826-1910م)؛ وتمكنا من الكشف عن حاضرة الملك الآشوري آشور ناصر بال الثاني بما تضمَّه من كنوزٍ لا تُقدَّر بثمن. كما أسفرت التنقيبات البريطانية في (تل قوينجق) إلى الكشف عن أطلال مدينة نينوى القديمة، حيث اكتُشفت مكتبة آشور بانيبال الشهيرة والتي ضمَّت آلاف الرُّقُم المسمارية، تمَّ نقل معظمها إلى المتحف البريطاني في لندن.
(هنري لايرد)
(هرمز رسَّام)
كما كان للفرنسيين حصَّة في الحفريات والتي تركَّزت في مدينة (خورسباد)، حيث نقَّب القنصل الفرنسي في الموصل إيميل بوتا Paul-Émile Botta (1802-1870م) هناك وأدَّت حفرياته إلى الكشف عن عاصمة الملك الآشوري (شرَّكين)، بما حوته من قصورٍ ومنحوتاتٍ جدارية وثيران مُجنَّحة غرق بعضها في مياه نهر دجلة عَقِب اكتشافها خلال القرن التاسع عشر إثر هجمةٍ للسكَّان المحليين على القوارب التي كانت تستعد لنقلها إلى فرنسا احتجاجاً على نهب آثار بلادهم.
(إيميل بوتا)
الاكتشافات الهائلة والتي وصل دويها إلى كامل أوربا شجَّعت دولاً أوربية أخرى للعمل في هذا المضمار، حيث تقدم القيصر الألماني آنذاك فيلهلم الثاني Wilhelm II (1859-1941م) بطلبٍ شخصي من السلطان العثماني عبد الحميد الثاني (1842-1918م) للحصول على موافقةٍ للتنقيب في (قلعة الشرقاط) تحت إشراف الألماني فالتر آندريه Walter Andrae (1875-1956م)، الذي بدأ العمل منذ العام 1903م، وقد بقيت رخصة التنقيبات في آشور منذ ذلك الحين في يدِ الألمان حتَّى العام 2002م. هذهِ الرخصة وهذهِ الأعمال التنقيبية التي سيحاول البروفيسور شتيفان ماول إعادة إحياؤها من جديد، وذلك من خلال الرخصة على التنقيب التي ذكرناها سالفاً.
(فالتر آندريه)
أمَّا المحور الثاني من محاضرة البروفيسور شتيفان ماول، فقد كرَّسها لشرح الجهود العلمية والبحثية التي يقوم بها معهد الآشوريات في جامعة هايدلبيرغ بصورةٍ خاصة، وباقي الجامعات والمعاهد المعنية بالآثار العراقية بصورةٍ عامة، فيما يتعلَّق بأعمال التنقيب والترجمة والصيانة للرَّقُم الطينية التابعة للدولة الآشورية بكلِّ أطوارها وحقبها، وما يتبع ذلك من نشرٍ للدراسات والخلاصات البحثية عن طريق مؤسَّسات ودور النشر الألمانية في الموضوع ذاتهِ.
ولعلَّ من أبرز الموضوعات التي أثارها البروفيسور ماول في هذا الصدد، وأسهب في شرحها، في محاولةٍ منه لبيان أهميتها ودورها الفاعل في تسهيل مهمة الباحث الآثاري، وتمكينها من إيصالهِ إلى أفضل النتائج العلمية وأكثرها دقَّةً، هي موضوعة البرامج الحاسوبية المتطورة التي تُسهم اليوم في مساعدة الباحث على عمل رسم ثلاثي الأبعاد للرقيم الطيني، وبدقَّةٍ عالية جداً، بعد أنْ كان عالم الآثار يَعمَد إلى رسم الرُّقُم الطينية بيديه. وفي أدناه نموذج من هذهِ الرسومات عالية الدقَّة.
ختام المحاضرة:
بعد تقديم الشهادات التقديرية، للبروفيسور شتيفان ماول والوفد الألماني المُرافق له، بالإضافة إلى المُساهمين في الإعداد لهذهِ المحاضرة العلمية والتنسيق لها. كان هناك لقاء بين وفد بيت الحكمة والبروفيسور ماول، حيث تمَّ تقديم مجموعة من إصدارات البيت كإهداءٍ للأخير، مع التعريف له بمؤسَّسة بيت الحكمة وطبيعة عملها واهتماماتها العلمية والمعرفية، فأبدى البروفيسور ماول اهتمامه الشديد مؤكداً على ضرورة إقامة روابط صلة وتعاون علمي مشترك مع جامعة هايدلبيرغ، مشيراً إلى زيارةٍ له قريبة خلال العام الحالي ولقاء السيد رئيس مجلس أمناء بيت الحكمة.
(1) شتيفان ماول: دَرَس الآشوريات وعلم الآثار لمناطق الشرق الأدنى، وعلم المصريات، في جامعة جورج أوغسطس لمدينة غوتنغن الألمانية Georg-August-Universität Göttingen، حيث حصل على شهادة الدكتوراه بإشراف أستاذ المسماريات الألماني Rykle Borger (1929-2010م). منذ عام 2004م تولَّى رئاسة وحدة الأبحاث في أكاديمية هايدلبيرغ للعلوم Heidelberg Academy of Sciences. كما أنَّه عضو في المجلس الاستشاري العلمي Deutschen Orient-Gesellschaft منذ عام 1994م، وعضو في الإدارة المركزية لمعهد Deutsches Archäologisches Institut منذ العام 2001م، وفي عام 1997م حصل على جائزة Gottfried Wilhelm Leibniz Prize لأنشطتهِ البحثية. إلى غير ذلك من المناصب والعضويات العلمية. من أبرز مؤلَّفاتهِ:
• Zukunftsbewältigung: eine Untersuchung altorientalischen Denkens anhand der babylonisch-assyrischen Löserituale (Namburbi), at Zabern, Mainz 1994, ISBN 3-8053-1618-6.
• Weinen aus Trauer. Der Tod des Enkidu. In Claus Ambos, Stephan Hotz, Gerald Schwedler, Stefan Weinfurter: Die Welt der Rituale. Von der Antike bis heute. Wiss. Buchges, Darmstadt 2005, ISBN 3-534-18701-6, p. 22.
• Die Inschriften von Tall Taban (Grabungskampagnen 1997–1999). Die Könige von Tabetu und das Land Mari in mittelassyrischer Zeit. Tokio, Kokushikan Univ., Inst. for Cultural Studies of Ancient Iraq 2005.
• Das Gilgamesch-Epos. newly translated and commented by Stefan M. Maul. 6th edition. Munich, Beck 2014, ISBN 978-3-406-52870-5.
• Die Wahrsagekunst im alten Orient. Beck, Munich 2013, ISBN 978-3-406-64514-3.
|