تمظهرات الحذف البلاغي في النص القرآني
2018-11-08
حلقة نقاشية اقامها قسم الدراسات اللغوية والترحمية
تعدّ ظاهرة الحذف من الظواهر اللغوية البارزة التي تشترك فيها اللغات الإنسانية كافة لإغراض متعددة,وهو من حيث المعنى اللغوي حذف أو إسقاط كلمة أو أكثر من الكلام أو كله لوجود دليل يدل عليه ,لأسبابٍ كثيرة منها : أنه حين يكون المحذوف معروفٌ سلفاً ومدركاً فيكون الحذف في هذه الحالة واجباً لغوياً, وقد اجمع اللغويون على أن الحذف في كلام العرب كثير وهو ضرب من ضروب البلاغة والفصاحة كما في القول المأثور (ربَّ صمت خيرا ً من كلام ) وكذلك ( ربَّ إِشارة ابلغ من عبارة ) وقد قال العرب (خير الكلامِ ما قلَ ودل ) وحيث لا تخلو لغة من اللغات من هذه الظاهرة ولأهمية هذا الموضوع تبنى قسم الدراسات اللغوية والترجمية في بيت الحكمة إقامة حلقة نقاشية يوم الخميس الموافق 8/11/2018 الساعة العاشرة صباحاً تحت عنوان ((تمظهرات الحذف البلاغي في النص القراني في ترجمات معاني القران الكريم الى اللغات الأجنبية)) برئاسة الدكتور مهدي خلف الجنابي وبمقررية الآنسة رواء مظهر عباس وبحضور متميز لنخبة من الأساتذة الأكاديميين والباحثين المهتمين بهذا المجال وبمشاركة الباحثين المدرجة إسماؤهم أدناه:
1. أ.م.د. رضا كامل الموسوي
2. م.د. جعفر عبد الزهرة الموسوي.
3. م.د. حيدر جبر غبن .
4. أ.م. بهاء محمود علوان.
حيث افتتح رئيس الجلسة الحلقة النقاشية مرحباً فيها بالحضور الكريم مبيناً فيها أن العرب اشتهروا قبل الاسلام بالفصاحة وبلاغة الكلام حيث كان الخطباء والبلغاء والشعراء يتبارون في الاسواق بالشعر والخطابة والامثال والحكم، وأكبر تحدٍ واجههم في ذلك الوقت هو القران الكريم الذي جاء على لسان رسول كريم امّي فعجزوا ان ياتوا بسورة من مثله، وسيظل هذا الكتاب متحدياً لهم الى يوم الدين، ثم ذكر رئيس الجلسة آيات من الذكر الحكيم تبين الغاية المنشودة منها : قوله تعالى:( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193(عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194 (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ)( ) وقوله تعالى :( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)) ( )
ثم أشار الى أن القران الكريم معجز من وجوه عدة من حيث، الفصاحة, والبلاغة والنظم والتراكيب والاساليب وتضمنه لاخبار ماضية ومستقبلية واشتماله على احكام جلية ومقدسة.
بعدها طرح رئيس الجلسة على الباحثين المشاركين سؤال فتح فيه باب المناقشات والمداخلات حول (كيف تعرض المترجمون لاسلوب الحذف في اللغات الاجنبية في ترجمة معاني القران الكريم؟) فكانت المشاركات كالتالي:
في مدخل بحثه الموسومبـ (( ترجمة الحذف في الجمل القرانية الى اللغة الفرنسية)) بيّن الباحث م.د. جعفر عبد الزهرة الموسوي أن الحذف موجود في اللغة الفرنسية كسائر اللغات الاخرى لأسبابٍ بلاغية ثم عرض إشكالية الحذف في ترجمة معاني القران الكريم وما إذا وفقت الترجمات الفرنسية في ابراز روعة الحذف لمعاني القران لإظهار الدلالة، وقد اشار في بحثه إلى الوسائل اللغوية المستخدمة لمعالجة هذه الظاهرة.
كما أوضح أن هناك قصوراً في بعض ترجمات معاني الآيات القرآنية باللغة الفرنسية نتيجة الاختلاف في طرائق استخدام اسلوب الحذف في كلتا اللغتين، وذلك لان الحذف في اسلوب القران الكريم دليل على الإعجاز اللغوي يصعب على المترجم ترجمته بنفس الدافع الروحي والبلاغة المؤثرة في نفس المتلقي, إضافة الى صعوبة محافظة الترجمة على المظهر البنيوي والاسلوبي للجملة الاصلية.
أما الباحث م.د. حيدر جبر غبن فقد تجلت مشاركته في بحث بعنوان (( الحذف البلاغي في النص القراني وتمظهراته في مجموعة من ترجمات معاني القران الى اللغة الانكليزية)). حيث تطرق الباحث الى توضيح معنى الحذف في اللغة العربية لغةً... واصطلاحاً ...ثم اشار الى ان الترجمة قد لا تتماشى مع الحذف وهنا يواجه المترجم الاشكالية بحيث يصعب عليه نقل المعنى الى القارىء ومن ثم تناول الباحث مجموعة ترجمات للاية القرآنية قوله تعالى:( وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ۖ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82))( ), حيث تفاوتت طرائق ترجمة الحذف فيها فمنهم من ذكر اهل القرية (المحذوف ) ومنهم من ترك النص مبهماً والفهم على القارئ.
فيما تناول الباحث أ.م. بهاء محمود علوان في بحثه الموسوم بـ ((الحذف في النص القرآني الكريم ظاهرةٌ لغوية أمْ ضرورةٌ بلاغية - حذف الكلمة في سورة البقرة وتطابقها في النص الألماني)) مفهوم الحذف في اللغة العربية وبين أنواعه واختار سورة البقرة لعرض صيغ الحذف التي تعدّ من السور الغنية بكل أشكال الحذف شانها في ذلك شان بقية السور في القران الكريم، ومن ثم اشار الى عدد من التراجم الى اللغة الألمانية للوقوف على مدى تقبل اللغة لهذا الأسلوب اللغوي . نذكر منها من سورة البقرة الاية 31: قوله تعالى:" وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمائهم" والتقدير في هذهِ الآية الكريمة (وعلم آدم مسميات الأسماء كلها).
Die Übersetzung :
1-Rudi Paret :
Und er lehrte Adam alle Namen ( d.h. er lehrte ihn , jedes Ding mit seinem Namen zu bezeichne
أن ترجمة المستشرق الآلماني لهذهِ الآية الكريمة متطابقة من حيث المعنى والمبنى مع اللغة الأصل اذ كانت ترجمته كالاتي" وعلم آدم الاسماء كلها "ولكنه انفرد بذكر وتوضيح الاشياء التي علمها له حسب تصوره ووضعها بين قوسين مزدوجين حيث قال ( وعلمه الاشياء مع مسمياتها أو الاشارة إلى اسمائها .
2-Max Henning :
Und er lehrte Adam aller Dinge Namen
اما ترجمة المستشرق ماكس هيينيك هي الاقرب من حيث المعنى الدلالي ومختلفة من حيث البناء اللغوي إذ قال ( وعلم أدم مسميات الاشياء أو اسماء الاشياء ) واوجد المضاف والمضاف اليه بشكلٍ صحيح دون الحذف . لذا تعد من أقرب التراجم إلى السياق الدلالي للاية الكريمة .
3-Dr. Nedeem Alyas und Scheich Abdulla :
Und er lehrte Adem die Namen alle.
وفيما يتعلق بترجمة هذه الآية عند الشيخ عبد الله والدكتور نديم فهي متطابقة روحاً ومعناً وكذلك في البناء اللغوي مع سياق الآية في اللغة العربية مستخدما ً الحذف للمضاف اليه .
وبعد ان انتهى من عرض نماذج من التراجم، وبعد مقارنة ظاهرة الحذف في اللغتين العربية والألمانية في النص القرآني ومقارنته مع العديد من التراجم المعتمدة والمنتشرة ليس على نطاق ألمانيا والدول الناطقة بالألمانية وحسب، بل في جميع ارجاء العالم استنتج فوائد عدة عند استخدام هذه الظاهرة اللغوية وبشكلها البلاغي الأمثل , منها:
1. إضفاء التضخيم على النص من خلال الإبهام المترتب في استخدام الحذف ومحاولة الوصول إلى المبهم في القول فيذهب المستمع أو القارئ في كل أتجاه محاولةً لكشف الإبهام.
2. الشعور بالمتعة من خلال الوصول إِلى المراد في أصل النص قبل الحذف , فكلما سهُل الاستنتاج كلما كان الاستمتاع أكبر.
3. الإِيجاز في القولِ يعدُ ضرباً من ضروب الإعجاز اللغوي فـ (خير الكلام ما قل ودل) نلاحظ هنا أرتباط الاختصار بالدلالة والوضوح، ويقول الجرجاني : "ما من اسم حذف في الحالة التي ينبغي أن يحذف فيها إلا وحذفه أحسن من ذكره".
أما المشاركة الأخيرة فكانت للباحث أ.م.د. رضا كامل الموسوي في بحثه الموسوم بـ((الحذف البلاغي في النص القرآني وتمظهراته في مجموعة من الترجمات الفارسية لمعاني القران)) بين أن الحذف في اللغة الفارسية يحتل مكانة بلاغية ولغوية في آن واحد ونجد في بنيتها أنواع من الحذف منها الحذف في الجملة الاسمية الذي يأخذ في حساباته حذف المسند أو المسند إليه، والحذف في الجملة الفعلية كحذف الفعل لوجود ما يشير إليه بلاغياً ومن خلال النماذج التي وقع عليها اختيار الباحث لمجموعة من ترجمات معاني القران، وجد ان بعض المترجمين أشار الى المحذوف ضمناً او وضعه بين قوسين ليزيل الابهام، اما بقية المترجمين فقد ترجموه كما هو وتركوا المتلقي ليفهم المراد منه من بين اسطر ترجمة النص القرآني.
وفي ختام هذه الحلقة تم طرح مجموعة من التعقيبات والمداخلات لنخبة متميزة من الأساتذة والأكاديميين, الذين اغنوا موضوع الحلقة العلمية بمشاركاتهم القيّمة التي ساهمت بشكل وبآخر في إثراء الموضوعات المتناولة فيها.
|