الحرب العالمية الأولى ونتائجها في أوربا والشرق الأوسط.. إعادة رسم الحدود وبناء الأُمم والهويات
2018-11-19
مؤتمر اقامه قسم الدراسات التاريخية
مؤتمر قسم الدراسات التاريخية العلمي السنوي / 2018م
الحرب العالمية الأولى ونتائجها في أوربا والشرق الأوسط
إعادة رسم الحدود وبناء الأُمم والهويات
ضمن هذهِ الصفحات القليلة القادمة، سنحاول تقديم تقرير موجز لوقائع المؤتمر العلمي السنوي الذي عقده قسم الدراسات التاريخية في بيت الحكمة، والذي جاء بمناسبة مرور مائة عام على انتهاء الحرب العالمية الأولى، تحت شعار: (الحرب العالمية الأولى ونتائجها في أوربا والشرق الأوسط.. إعادة رسم الحدود وبناء الأُمم والهويات). حيث جرت وقائعه على قاعة المؤتمرات في بيت الحكمة، صباح يوم الأحد الموافق 11/11/2018م.
وفي البدء نود أنْ نبيِّن أنَّ احتضانَ بيت الحكمة لهذا المؤتمرِ العلميِّ القطري لَيُعتبرُ أحَدَ تَجلِّياتِ سعيهِ لتحرير العقلِ بغية التفكيرِ الناقد، وتشجيع البحث ِالجادِّ الرصينِ سبيلاً لمواجهةِ التحدياتِ الإقليميةِ والعالميةِ المنصوصِ عليها في رِسالَتهِ، وأحَدَ مظاهرِ دَورهِ التنويرِي الممْتَدِ لسنين عدَّة، والمَعْنِي بخدمةِ العقل العربي وتحديثِه، والمساهمةِ في تشكيلِ وعيهِ وتطويرهِ.
كذلك، إنَّ ضُغُوطَاتِ اللَّحْظَةِ الرَّاهنةِ بِتَعْقِيدَاتِهَا الْوَاضِحَةِ والْتِبَاسَاتِهَا الْبَادِيَّةِ تَفْرِضُ عَلينَا إِعَادَةَ النَّظَرِ في الأحداثِ التاريخيةِ التي طَالَمَا تَعَامَلْنَا مَعَهَا بِتَسْلِيمٍ مُطلقٍ وَثِقَةٍ عَمياءَ، فمن الضَّرورِيِّ مُسَاءَلَةُ هذهِ الأحداثِ من مَنظورٍ علميٍ مُحَايدٍ يتجنَّبُ تَحْمِيلَها مواقفَ أيديولوجيةٍ مُسبقةٍ تدعمُ وُجَهَاتِ النظرِ المتصارعةِ وتَمنحُها رَصَانَةً وَهْميةً أو منطقاً صُورياً.
كما أنَّ عبارة (التاريخَ يُكَرِّرُ نَفسَهُ) ينبغي ألَّا تُفهم في معناها المباشر بأنَّ اليوم هو صورة ٌكربونيةٌ لِلأمس، وإنَّما بوصف الحاضر تجلياً للماضي وابناً شرعياً له، يرث خطأه وصوابه، وهو ما يؤكِّد مجدداً على أهمية إعادة تفكيك العلاقات الملتبسة في الماضي وإضاءةِ المناطقِ المعْتَمَةِ فيه أو المتَلَوِّنَةِ بِرُؤَى تَكْسِبُ الحَدَثَ التاريخيَّ الواحدَ لونين متناقضين تبعاً لتأثير اللحظة التاريخية وهَوَى مُدَوِّنِيهَا.
إنَّ الحربُ العالميةُ الأولى شكَّلت حَدَثًا فَارِقًا في تاريخ البشرية بما تَمَخَّضَ عنها من نتائجَ تَتَجاوزُ بكثير مدَّة السنواتِ الأربعِ التي استغرقتها هذهِ الحرب، فقد كانت المرة الأولى في عمر البشر التي يجتمع فيها أكثر من سبعين مليون مقاتل قضى نحو أربعة ملايين منهم نَحْبَهُمْ، كما كانت المرة الأولى التي يتم فيها إعادةُ تشكيلِ العالمِ على هذا النطاقِ الواسعِ وبهذهِ الوتيرةِ المتسارعةِ، وهو تشكيل يتوزعُ على المستويينِ المادي والفكري، فقد فقدت الإمبراطوريات الكبرى كالإمبراطورية الألمانية والروسية والمجرية جزءاً كبيراً من أراضيها ومستعمراتِها وتفكَّكت الإمبراطورية العثمانية لِتَتَلاَشَى نِهائياً، وتمَّ إعادة رسم خريطة العالم وأوربا خاصةً فظهرت دُولٌ جديدة، غير أنَّ هذهِ الآثار المادية لم تكن سوى قمَّةِ جبلِ الجليدِ الذي أَخْفَى تَحْتَهُ تَغَيُّراتٍ حادةٍ على مستوى تَبدلاتِ القيمِ الفكريةِ والقناعاتِ الأيديولوجيةِ للأُمم والشعوب المتصارعةِ، مما أحدث خلخلةً للثوابتِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ والسياسيةِ للوعيِ الجَمْعِيِ لهذهِ الشعوبِ وانتقل بمفهوم الهُويةِ من حدودهِ القديمةِ إلى أُفُقٍ مغايرٍ تَجَلَّى أَثَرُهُ بِوُضُوحٍ في الحربِ العالميةِ الثانيةِ التي كانت نِتاجاً طبيعياً لِنَظِيرَتِهَا الأولى.
إنَّ التاريخ وخاصةً تاريخ الحروب لا يكتُبُهُ غالباً إلَّا المنتصِرون، وهذهِ الحقيقة تُؤكِّد مجدداً على حالةِ فقدان الثقةِ في بَعْضِ المَرْوِيَّاتِ التاريخيةِ التي تَتَجَاوَزُ دَوْرَهَا في التوثيقِ لِخدمةِ أهداف الأطرافِ المتصارعةِ والعملِ على دعمِ مواقِفِها في مواجهةِ بعضِها، وهو ما يؤكِّد مجدداً على أهميةِ مثلِ هذهِ المؤتمراتِ التي تُدْرِكُ بِوَعيٍ أنَّ مُجَاوَزَةَ إشكاليةِ التاريخِ الموجَّهِ يرتهنُ بالقدرةِ على الانعتاقِ من أَسْرِ الرُّؤَى الْمُعَلَّبَةِ والأفكارِ الجاهزةِ لِصالحِ المنهجيةِ العلميةِ الرزينةِ والمنظورِ المُحايد وهو ما يَتَبَدَّى بِوُضُوحٍ في مَحَاوِرِ هذا المؤتمرِ وأوراقِه البحثيةِ التي تُقَارِبُ آثارَ الحرب العالمية الأولى ليس فقط على مستوى أوربا ولكن على مستوى الشرق الأوسط أيضاً.
إنَّ هذا المؤتمر جاء مساهمةً من برنامج قسم الدراسات التاريخية في بيت الحكمة في النقاش والبحث العلمي حول إرث هذهِ الحرب، حيث ما يميز هذا المؤتمر هو أنَّ الأوراق المقدمة خلاله تتجاوز النمط التقليدي في الحديث عن الحرب وعن العمليات العسكرية إلى النظر إلى الجوانب والقصص غير المحكيَّة والتي لم تنل حظَّها من التناول، كما أنَّه يقدم مقارنة بين منطقتي الشرق الأوسط وأوربا التي فُرضت عليهما أن تكونا مشهداً مهماً لتلك الحرب.
اعتاد المؤرخون على الحديث عن الحرب العالمية الأولى بوصفها حَدَثاً، ومن صفات الحدث الانقضاء بلا أثر أو بأثرٍ قليل، لكن الحرب العالمية الأولى لم تكن حدثاً بل عملية تتابعت خلال حدوثها وبعدها التغيرات حتَّى اللحظة التي نحن فيها. فالإنسان في الشرق الأوسط؛ لاسيَّما العرب؛ وكذلك أخوته في الإنسانية في وسط أوربا مرَّ عليهم شبح التقسيم والعبث بحاضرهم آنذاك ومستقبل أجيالهم الذين نحن جزءٌ منه.
كما أنَّ استحضار الجوانب المتعلِّقة بالحرب العالمية الأولى وإرثها، لا يُعد بأيِّ حالٍ من الأحوال ترفاً فكرياً ولا مجرد إضافة مؤتمر إلى أُخريات نُظِّمت حول هذا الموضوع، إنَّه استحضارٌ لنعرف فنخرج من خطيئةِ الجهل، ولنعلم فلا يتفوَّق علينا الآخر بالعلم، ولنتعلَّم فننجو والأجيال القادمة مما وقع فيه آخرون جهلاً من أنفسهم أو تجهيلاً لهم. لأنَّ الحرب كانت عملية ولأنَّها اخترقت وتخترق مع شقيقتها الحرب العالمية الثانية فضاءنا المعرفي والسياسي العربي طوال العقود الماضية وحتَّى الوقت الحاضر.
ومن جانبٍ آخر، فقد شاعت تسمية الحرب العالمية الأولى (1914ــ1918م) بـ«الحرب الكبرى». وإذا كانت رفوف المكتبات قد شَهِدَت سلسلةً طويلة من الكتب التي أرَّخت وبحثت وحلَّلت أسباب تلك الحرب ومسار تطورها ونتائجها على القارة الأوربية، على اعتبار أنَّها هي التي عرفت شرارتها الأولى وكانت الميدان الرئيسي لمعاركها، فإنَّ هناك عدداً قليلاً جداً من الكتب والنشاطات العلمية بمختلف مُسمَّياتها التي جعلت من تلك «الحرب الكبرى» في مناطق العالم غير الأوربية موضوعاً لها. بل تردد القول كثيراً أنَّ المعارك التي شَهِدَتها أوربا "حجبت مسارح عسكرية أخرى لذلك النزاع الكوني".
من هنا يسد مؤتمرنا هذا ثغرةً حقيقية بسبب الغياب شبه الكامل للأعمال التي كرَّسها أصحابها في الغرب لتلك الحرب في منطقةٍ حساسة مثل الشرق الأوسط. وهو يسد ثغرةً حقيقية بالتحديد فيما يتعلَّق بتوصيف المعارك الكبرى التي عرفتها المنطقة المعنيَّة مثل حوض دجلة وغزَّة وغيرهما، حيث كانت الخطط العسكرية في غاية التعقيد بسبب النقص الكبير لطرق المواصلات بشتَّى أنواعها.
لكن ما يمكن تأكيده هو أنَّ هذا المؤتمر، الذي تتوافق إقامته مع الذكرى المئوية الأولى لانتهاء الحرب العالمية الأولى في 11/11/1918م، هو أنَّه العمل «ربما الأكثر شمولاً» لتوصيف المعارك الطاحنة التي شَهِدَتها منطقة الشرق الأوسط خلال تلك الحرب الكبرى.
البحوث والدراسات التي تمَّ قبول مشاركتها في هذا المؤتمر العلمي، كان قد بلغ عددها (21) بحثاً. تناولت موضوعاتٍ مختلفة ومتشعبة بما له من علاقةٍ وثيقة بمجاريات الحرب العالمية الأولى ونتائجها المباشرة وغير المباشرة. هذهِ المشاركات التي يمكن لنا تقسيمها بحسب نمط موضوعاتها واهتماماتها إلى خمسة محاور، هي: محور القراءات النقدية، محور الدراسات السياسية والاقتصادية، محور المعاهدات والاتفاقيات، محور آثار الحرب وانعكاساتها، محور الأقليات. تمَّ خلال وقائع المؤتمر قراءة ملخصات اثني عشر بحثاً منها فقط، والتي تتوزع بين المحاور المذكورة، وعلى مدى جلستين علميتين، أمَّا بالنسبة لباقي البحوث والدراسات فيمكن الاطلاع عليها ومراجعتها بعد طباعة ونشر وقائع هذا المؤتمر العلمي في إصدار خاص مطلع العام 2019م. في حين أنَّ ما يمكن لنا هنا أنْ نستعرضه بالنسبة للأبحاث التي عرض لها أصحابها خلال جلسات المؤتمر، فهو كالآتي:
الجلسة العلمية الأولى:
رئيس الجلسة: أ.د. فلاح حسن الأسدي
مقرر الجلسة: م. رئيس أبحاث. سلوى محمد جاسم
الباحث الأول: أ.د. فاروق صالح العمر، مشاركاً ببحثهِ المعنون: (علاقة مصطفى كمال مع القوى المناهضة للاحتلال البريطاني في العراق سنة 1920م في ضوء الوثائق البريطانية).
الخلاصة والنتائج: إنَّ تأثير الوطنيين الأتراك (مصطفى كمال أنموذجاً) على الحركة المناهضة لبريطانيا في العراق – كما جاء في التقارير البريطانية مبالغٌ فيه كثيراً... مع عدم إنكار أنَّ هناك اتصالات وتأثير، ولكن كما يقول المسؤولون البريطانيون في وزارة الهند أو الخارجية البريطانية أنَّ كاتب التقارير Bray كان مبالغاً فيما يعتقده، وفي حالة العثور على الوثائق في النجف التي تُشير إلى الاتصال برجال الدين المؤثرين على الساحة العراقية لتأكدت لدينا كثير من الحقائق.
..............................
الباحث الثاني: أ.د. فلاح حسن الأسدي، مشاركاً ببحثهِ المعنون: (إدارة الأراضي العراقية المحتلة عند نهاية الحرب العالمية الأولى... قراءة في تقرير المس بيل).
الخلاصة والنتائج: إنَّ الأمثلة التي وردت في ثنايا البحث، إضافةً إلى نص التقرير الذي اعتمده الباحث كإنموذج في دراستهِ، مجرد أمثلة للتقارير البريطانية التي كانت تُرسل إلى الحكومة البريطانية أثناء فترة الاحتلال لبلاد ما بين النهرين، ولا تبرز منهجيتها في هذا الفصل فقط، إنما تظهر بشكلٍ واضح في الفصول اللاحقة ولاسيَّما في الفصلين المتعلقين بالعلاقة بالمدن الشيعية والعشائر العراقية. ولكن هذا التقرير يقدم من ناحيةٍ أخرى، تجربة غنية لها أهميتها في ظروفنا الحالية التي تشبه في بعض وجوهها ما يعيشه العراقيون اليوم، ويفيدنا في إدراك وأهمية الانتباه إلى ما يقدمه المحتل، مهما كانت هويته، من مقولاتٍ وشعاراتٍ تتناسب ومراحل التطور الفكري والثقافي للشعوب وإنْ كانت النتيجة واحدة وهي تكريس الاحتلال. فمقولات وشعارات عام 1918م لا يمكن المناداة بها اليوم، وشعارات ومقولات اليوم ربما لا تتناسب مع ما يوعدنا بهِ القرن القادم من عصر العولمة والعبور إلى الفضاء واستبدال الهويات والثقافات الخاصة بثقافةٍ عالمية و "إنسانية" واحدة.
.................................
الباحث الثالث: أ.د. إسماعيل نوري الربيعي، مشاركاً ببحثهِ المعنون: (محاولة استنطاق الخاتون... قراءة في تقرير المس بيل في ضوء منهجية التاريخانية الجديدة).
الخلاصة والنتائج: رإنَّ كائز الوصف الموجز الذي كتبه لوريمر، وعمدت المس بيل لاختياره، يقوم على المعطيات التالية: (جهاز الإدارة التركي لا يلائم العراق، على الترك أن يعترفوا أنَّ الجهاز الإداري فاشل، قليل من الترك يدرك أسباب فشل الجهاز الإداري، العراق ليس جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، العراق تابع أجنبي للإمبراطورية العثمانية، النظام الإداري تم وضعه في إسطنبول ليتم تطبيقه على بلاد العرب، الإدارة التركية محافظة عمياء صماء، موقف الأتراك العسكري في العراق ضعيف). ومن بين كل هذه المثالب يشير وصف لوريمر إلى بعض التعاطف المشفق للجهاز البيروقراطي التركي، المتوجه نحو التطبيق الحرفي للقوانين، وتقدير تتفشى بين ثناياه السخرية المريرة للجيش التركي الهزيل وكيف له أن يوفر الأمن في العراق ؟!
تلك الوصايا أو اليوميات التي استلتها المس بيل عن يوميات المستر لوريمر، تكشف وبجلاء عن حدة النوازع الاستعمارية تجاه العراق، بوصفه هدفاً هشاً لا يمكن التغاضي عن التفكير في إلحاقه ضمن السياق العالمي Worlding، بالمعنى الذي تطرحه Gayatari Spivak حول منطق تبرير القوى الاستعمارية في التطلع نحو السيطرة على الشعوب والثقافات، تحت دعوى إخراجها من واقع التهميش وإلحاقها بركب الحضارة والتمدين. هكذا تقدم المس بيل العراق بوصفه ضحية الفشل التركي، الذي لا يلائم العراق، هذا الأخير الذي لا يمت بأية صلة للإمبراطورية العثمانية، والغارق في معاناة التبعية لقوة أجنبية ضعيفة.
......................................
الباحث الرابع: أ.د. نعيم جاسم محمد، مشاركاً ببحثهِ المعنون: (الآثار السياسية والاقتصادية للحرب العالمية الأولى على إيران وموقف الحركة الوطنية (1914-1918م)).
الخلاصة والنتائج:
• أصبحت إيران بحكم موقعها الإستراتيجي المميز وقربها من مناطق الصراع الدولي إبَّان اندلاع الحرب العالمية الأولى ضمن دائرة ذلك الصراع، على الرغم من إعلانها الحياد في أثناء اندلاع تلك الحرب.
• كان لبريطانيا وروسيا باعتبارهما من دول الحلفاء مصالح ومناطق نفوذ في إيران قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، إذ سبق وأنْ وقَّعتا معاهدة عام 1907م حصلتا بموجبها على مناطق نفوذ في إيران، إذ حصلت بريطانيا على الجزء الجنوبي من البلاد القريبة على الخليج العربي، وحصلت روسيا القيصرية على الجزء الشمالي منها والقريبة على حدودها، وبذلك فليس من السهل على الدولتين التنازل عن مصالحهما في إيران.
• كانت الدولة العثمانية الدولة المجاورة لإيران إحدى طرفي القتال في الحرب العالمية الأولى، ولذلك فهي وألمانيا تعدان من دول الوسط، فكان من الطبيعي أن تجعلان من إيران ساحة صراع في محاولة الحصول على مناطق نفوذ والاصطدام بدول الحلفاء بريطانيا وروسيا، مما جعل إيران ميداناً واسعاً للصراع الدولي إبان مدة الحرب.
• كانت بريطانيا متمسكة بالمناطق الجنوبية من إيران حيث المنشآت النفطية البريطانية وشركة النفط الإنجلو – فارسية التي تقوم بإنتاج وتصدير النفط الإيراني، لذلك من الطبيعي أنْ تحافظ بريطانيا على مصالحها النفطية جنوب إيران مهما كلفها الأمر، مما جعلها تقف بشدة ضد المحاولات الألمانية للسيطرة على جنوب إيران، وينطبق الحال على روسيا التي قاتلت بشدة ضد الألمان والعثمانيين للحفاظ على امتيازاتها في شمال إيران وكذلك هيمنتها على حقول النفط في باكو بأذربيجان.
• عانت إيران كثيراً من الصراع الدولي على أراضيها وانعكس ذلك بشكلٍ كبير على وضعها السياسي، إذ انتشرت في البلاد الحركات العشائرية والتمردات والثورات في أغلب أقاليمها، صاحب ذلك ضعف الشاه القاجاري والحكومة المركزية المغلوب على أمرها.
• ونتيجة للحرب العالمية الأولى فإنَّ الاقتصاد الإيراني قد عانى كثيراً من التخلف في جميع المجالات، ولاسيَّما ما يتعلَّق بالزراعة التي أصبحت متخلفة بشكلٍ كبير، فضلاً عن أنَّ قوات الاحتلال اعتمدت على الزراعة الإيرانية لتمويل جيشها، وكذلك فإنَّ الميزان التجاري الإيراني قد شهد هبوطاً كبيراً في أثناء الحرب، ناهيك عن تدهور الصناعة التي كانت ضعيفة أصلاً، لاسيَّما بعد دخول السلع والبضائع البريطانية والروسية إلى البلاد.
• إنَّ الحالة المأساوية التي شهدتها إيران تدل على مدى التخلف الذي أصابها إبَّان الحرب العالمية الأولى التي لم تشترك بها وأعلنت حيادها منها، مما يدل على أنَّ الدول غير قادرة بالحفاظ على استقلالها حتَّى وإنْ كانت بعيدةً عن مجريات الحرب، لأنَّ مصالح الدول الكبرى هي التي تحكم طبيعة العلاقات الدولية.
..................................
الباحث الخامس: أ.م.د. أحمد بهاء عبد الرزاق، مشاركاً ببحثهِ المعنون: (الحرب العالمية الأولى وأثرها على واقع التجارة في الولايات العراقية 1914-1918م).
الخلاصة والنتائج:
• كان لانعزال المدن العراقية بعضها عن البعض الآخر، الأثر الكبير على الاقتصاد العراقي، وعلاقاته التجارية الخارجية.
• بقيت الموصل مدة غير قليلة، ولأسباب عسكرية بعزلةٍ عن الأوساط التجارية العالمية والبلاد المجاورة، وحتَّى مع العاصمة بغداد، وسائر المدن العراقية الأخرى.
• لم يكن تأثير الحرب العالمية الأولى على الجانب الاقتصادي وتحديداً على التجارة فحسب، بل أثرت أيضاً على باقي الجوانب الأخرى، فكان لتردي طرق المواصلات ولعدم وجود الطرق المنتظمة للمواصلات أثره الكبير على طبيعة العلاقات التجارية مع دول الجوار.
• كان لا بد للعلاقات التجارية بين ولايات العراق و (تركيا) أن تتأثر بالعوامل السالفة الذكر، والأحداث التي مرت على البلدين أثناء الحرب العالمية الأولى وما بعدها، كما نُشير بهذا الصدد إلى قلَّة الإحصائيات والجداول الدقيقة عن التبادل التجاري بين البلدين، مما يؤكد الفتور التجاري بينهما، فضلاً عن حداثة وبساطة الاقتصاد العراقي و (التركي) في تلك الحقبة.
...................................
الباحث السادس: د. أنيس عبد الخالق / د. ضمياء عبد الرزاق خضير، بحث مشترك تحت عنوان: (عُصبة الأمم وحقوق الأقليات في العراق خلال عهد الانتداب (1920 -1932م) اليهود والآثوريون أنموذجاً).
الخلاصة والنتائج: يكشف هذا البحث أنَّ التطلّعات الواسعة بالسيادة الوطنية لقطَّاعات كبيرة من الشعب العراقي قد أعاقت فهم نظام الانتداب كما ينبغي، بوصفهِ إدارةً دولية ووصاية سياسيَّة باسم عُصبة الأمم بديلة عن صيغة الحكم الاستعماري البريطاني، وقد تسبَّب سوء الفهم هذا لدى أقليَّات العراق (الذين أخذ الباحث منها حالتَيْ اليهود والآثوريّين) في تعقيد الوضع السياسي للبلد في مرحلةٍ حرجة من تاريخهِ خلال سنوات الانتداب، وأربك وضعه في مفاوضاتهِ الدوليَّة، سواءً مع عُصبة الأمم، أو مع بريطانيا التي كان يتطلَّع إلى التحرر من وصايتها عليه، كما حصل في إعلان الضمانات في مايس 1932م مثلاً.
ويتبيَّن من خلال البحث كذلك أنَّ هناك بعض الثغرات في تفسير بعض الفقرات في نظام حماية الأقليَّات في ميثاق عُصبة الأمم، فبينما رفض يهود العراق حقوق الأقليَّات بالكامل، استغلَّها الآثوريون والمؤيدون لهم من البريطانيين للمحافظة على وضعهم الكنسيِّ الديني والسياسي في النظام الجديد، وتشكِّل قضية الآثوريين نقطة ضعف مزدوجة في نظام عُصبة الأمم، فقد أخفق هذا النظام في حمايتهم، وأخفق في الحدِّ من ثلم سيادة العراق كذلك، ولكن حتَّى لو كانت حالة الآثوريين فريدةً من نوعها، إلَّا أنَّها كانت ستتخذ مسارًا آخر لولا عُصبة الأمم، كما حدث في إعادة توطينهم في سوريا تحت مسؤولية مجلس العُصبة.
وكان من نتائج قضية الآثوريين تأزيم العلاقة بين العراق وبريطانيا لمصلحة الأخيرة، التي كانت ترغب في استغلالهم كورقة ضغطٍ على الحكومة العراقيَّة، لانتزاع المزيد من التنازلات منها والبقاء لأطول مدَّة ممكنة، وذلك عن طريق توطين الآثوريين في المنطقة لحفظ مصالحها النفطية في شمال العراق، وكلَّ ذلك على حساب مصلحة العراق وسيادته، في وقتٍ كان يخوض فيه معركته السياسية لإنهاء الانتداب والحصول على استقلالهِ التام.
...............................
الجلسة العلمية الثانية:
رئيس الجلسة: أ.د. فاروق صالح العمر
مقرر الجلسة: مترجم أقدم. أم كلثوم أياد أحمد
الباحث الأول: أ.م.د. قاسم شعيب السلطاني، مشاركاً ببحثهِ المعنون: (رؤى محلية لشكل الدولة العراقية بعد عام 1920م عريضة استقلال البصرة أنموذجاً).
الخلاصة والنتائج: من خلال تحليل مواد العريضة، يتبين بأنَّ في الوثيقة تناقض واضح بين طلب الاستقلال وإنشاء إدارة اتحادية مع بغداد (ولاية العراق)، والراجح أنَّ مرد ذلك إلى اختلاف الثقافة السياسية بين من طرحوا المشروع من البصريين وبين القاضي البريطاني سدني سولومون ابراهامز (1885-1957م) Abrahams Sidney Solomon رئيس المحكمة المدنية في البصرة، الذي حولها إلى مطالب مكتوبة تتناغم مع ما يفهمه السياسيون البريطانيون في بغداد، إذ أراد أصحاب العريضة تكوين نوع من الحكم الذاتي أو الاستقلال الإداري لولايتهم مع الاحتفاظ بعلاقة مع ولاية بغداد، والتي تعني من الناحية السياسية تطبيق النظام الفدرالي، وهذا ما يفسر لنا ورود كلمة الاستقلال في الطلب، مع عدم وجود إشارات عملية داخل العريضة تؤكد عليها، وإنما كانت أغلب المواد تنظم عملية الاتحاد بين البصرة وولاية بغداد، وهو ما يعكس الطبيعة الفدرالية للمطالبين بهِ. أمَّا طلب الاستقلال أو الانفصال كما تُشير أغلب المصادر إليه والتي أطلقت على هذهِ العريضة "الحركة الانفصالية في البصرة" أو "مشروع استقلال البصرة" فلم يجد الباحث ما يبرر استخدام هذا المصطلح، سوى النكاية بأصحاب هذا المشروع وإظهارهم وكأنهم المسؤولون عن تقسيم العراق إلى عدة ولايات، لاسيَّما وأنَّ الانفصال يعني: "خروج سكان جزء من إقليم دولة علي هذه الدولة بقصد الاستقلال عنها، وتأسيس دولة جديدة متى نجحوا في تحقيق هذه الغاية، بالتخلص نهائياً من سيادة الدولة الأم، وتأسيس دولة جديدة مستجمعة لكافة عناصر الدولة القانوني".
...................................
الباحث الثاني: أ.م.د. ماهر جبار الخليلي، مشاركاً ببحثهِ المعنون: (سياسة الاحتلال البريطاني بين العراق وجنوب أفريقيا بعد الحرب العالمية الأولى.. دراسة مقارنة).
الخلاصة والنتائج: امتاز الاستعمار البريطاني بأنه يميل إلى المهادنة أكثر، ويتبع أسلوب التقرب من المجتمعات المحلية واكتساب الولاءات فيها، وهو يحاول دائماً الظهور بصورةٍ ناعمة للمجتمع، وفي هذهِ المقارنة التاريخية بين سياسة بريطانيا في جنوب أفريقيا وسياستها في العراق، ما هي إلَّا محاولة لمعرفة الجواب على سؤال مهم أو إشكالية تاريخية: هل أنَّ بريطانيا الاستعمارية كانت أفضل حالاً من غيرها من المستعمرين ؟ أو في صياغة أخرى: هل أنَّ البريطانيين أفادوا الشعوب التي استعمروها أم أضروها ؟.
انطلقت الدراسة من خلال ثلاثة محاور، الأول تضمن دراسة للاحتلال البريطاني لجنوب أفريقيا وأسبابه ونتائجه في مناقشة الأوضاع الاجتماعية وتكوينات المجتمع، ثم طبيعة السياسة البريطانية وتدرجها التاريخي.
وفي المحور الثاني تم دراسة الاحتلال البريطاني للعراق أيضاً من ناحية الأسباب والنتائج في نبذة تاريخية عن الاحتلال البريطاني للعراق وطبيعة السياسة البريطانية المتبعة فيه.
في حين كان المحور الثالث مختصاً بالمقارنة لطبيعة السياسة البريطانية بين البلدين.
...............................
الباحث الثالث: أ.م.د. رنا عبد الجبار حسين الزهيري، مشاركاً ببحثهِ المعنون: (سياسة وزارة المستعمرات البريطانية تجاه العراق بعد الحرب العالمية الأولى (1918-1921م)).
الخلاصة والنتائج: قُسِّم البحث إلى مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة، تناول المبحث الأول الهيمنة البريطانية على العراق للمدة ما بين (1918-1919م)، تضمن هدنة مادروس، والإعلان البريطاني - الفرنسي، ودور ارنولد ويلسون في عدم تطبيقه، ثم تأثير التطورات الدولية على السياسة البريطانية تجاه العراق. درس المبحث الثاني دور مؤتمر سان ريمو في فرض نظام الانتداب البريطاني على العراق، مبيناً دور رئيس وزراء بريطانيا لويد جورج بانضمام ولاية الموصل إلى منطقة الانتداب البريطاني، ثم وضح خطط ونستون تشرشل عند توليه وزارة الحرب لتقليص النفقات. بينما أوضح الفصل الثالث دبلوماسية وزارة المستعمرات البريطانية في مؤتمر القاهرة عام 1921م، موضحاً دور ونستون تشرشل في وضع الخطوط العامة لرسم السياسة البريطانية في العراق بعد الحرب العالمية الأولى وإفرازاتها، تنفيذاَ لخطط بلاده المستقبلية.
أمَّا بالنسبة لأبرز نتائج البحث، فكانت بحسب النقاط الآتية:
• أسدلت معاهدة مادروس ستار الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)، بإعلانها انتهاء العمليات العسكرية في30/تشرين الأول/1918م بين بريطانيا والدولة العثمانية.
• لم تقرر الحكومة البريطانية سياسة واضحة المعالم لحكم العراق للمدة ما بين (1918-1920م).
• مارس السير ارنولد ويلسون دوراً استعمارياً بامتياز، إذ سعى للهيمنة على مقدرات العراق.
• تعد نتائج مؤتمر سان ريمو عام 1920م الحجر الأساس للسياسة البريطانية في العراق من خلال الاعتراف دولياً بالانتداب البريطاني على العراق.
• لم يدرك رئيس الوزراء الفرنسي كليمنصو قيمة ما تنازل عنه في مؤتمر سان ريمو لبريطانيا على أثر طلب رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج ضم ولاية الموصل إلى منطقة الانتداب البريطاني.
• أنهت رياح ثورة العشرين ارتباط العراق بحكومة الهند، إلى الارتباط بوزارة المستعمرات البريطانية.
• كان العامل الاقتصادي الأثر الأكبر في قبول بريطانيا فكرة تشكيل حكومة عراقية، وتحويل حكمها للعراق من مباشر لغير مباشر.
• رسم مؤتمر القاهرة شكل الحكومة العراقية باختيار الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على العراق.
......................................
الباحث الرابع: : أ.م.د. لمى عبد العزيز مصطفى، مشاركاً ببحثهِ المعنون: (انعكاسات الحرب العالمية على الولايات العراقية.. الموصل أنموذجاً).
الخلاصة والنتائج: شكل العراق إحدى المحطات الإستراتيجية الحيوية والمهمة لبريطانيا، ويأتي هذا الاهتمام لعدة أسباب يقف في مقدمتها فضلاً عن وجود حقول النفط في ولايتي الموصل والبصرة بالإضافة إلى موارده الاقتصادية وعلى وجه الخصوص ثرواته الزراعية بالإضافة إلى أسباب أخرى، وأمام هذه الأسباب أمست السيطرة على العراق "ضرورة حيوية" للإمبراطورية البريطانية التي استغلت دخول الدولة العثمانية الحرب إلى جانب دول المحور ألمانيا (النمسا – المجر) لتحقيق مشروعها باحتلال العراق، والذي كانت بدايته احتلال الفاو في 6/تشرين الثاني/1914م، ومحطته الأخيرة احتلال الموصل في 8/تشرين الثاني/1918م.
كان للعمليات العسكرية أثناء الحرب العالمية الأولى تأثيراتها السلبية على الاقتصاد العراقي بشكل عام والموصلي بشكل خاص، من توقف الحركة التجارية الأوربية مع العراق، وما رافق ذلك من ارتفاع أسعار المواد الرئيسية لاسيما القمح والأقمشة والرز والسكر... بإضافة إلى رداءة الموسم الزراعي وتحديداً سنة 1917م، فضلاً عن سوق أعداد كبيرة من الأيدي العاملة إلى الخدمة العسكرية في الجيش العثماني، ناهيك عن سياسة السلطات العثمانية القائمة على استنزاف إمكانيات هذه المدينة الاقتصادية لخدمة الماكنة العسكرية العثمانية، خاصةً بعد أن أصبحت الموصل قاعدة لتمويل الجيش العثماني، وتحديداً بعد الاحتلال البريطاني لوسط وجنوب العراق.
قادت هذه الأسباب والظروف إلى نتيجة منطقية ألا وهي انتشار المجاعة في الموصل، والتي ذهب ضحيتها حوالي أثنى عشر ألف شخص من أهالي الموصل، إلى الحد الذي اضطر أهلها إلى أكل الأعشاب ولحوم الحيوانات الميتة كالكلاب والقطط.
................................
الباحث الخامس: أ.م.د. نزار علوان عبد الله، مشاركاً ببحثهِ المعنون: (مستقبل الدولة العثمانية في الاتفاقيات السرية للحلفاء في سنوات الحرب العالمية الأولى وأثرها على الشرق الأوسط (1914-1918م)).
الخلاصة والنتائج: من خلال البحث والتقصي في مضامين الاتفاقيات السرية السالفة الذكر، وما نجم عنها من أسس وضعت من قبل الحلفاء لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، توصل الباحث إلى الاستنتاجات الآتية:
• إنَّ العامل الأبرز الذي حرك الحلفاء لدخول الحرب العالمية الأولى والمساهمة بها ليس سياسياً بقدر ما هو استعمارياً، هدفه الأول الحصول على أراض ومستعمرات جديدة.
• فتت الشرق الأوسط، ورسمت له حدوداً وخرائط مصطنعة كانت سبباً رئيساً في الكثير من النزاعات والمشاكل القومية والإثنية التي يعانيها اليوم.
• وضعت الأساس في تقسيم متناقض لأراضي الدولة العثمانية، لم تحمل في طياته أي معنى لحسن النية من جانب الحلفاء تجاه الشعوب والقوميات المنضوية تحت الحكم العثماني.
• أظهر هذا التقسيم عمق النوايا السيئة التي كان الحلفاء يبيتونها للعرب من خلال التآمر على مستقبلهم السياسي.
• أطلقت يد بريطانيا وفرنسا في الاستحواذ على أراضي الشرق الأوسط، ومنحتهم فرصة لتحقيق أحلامهم الاستعمارية في بناء إمبراطوريات تتخطى حدود أراضيهم الحقيقية.
• وعلى المدى البعيد كان لها نتائج سلبية جعلت القوميات التي نالت استقلالها في وقت لاحق من الهيمنة البريطانية أو الفرنسية لم تهنأ بذلك الاستقلال، كونها بقيت منقسمة من الداخل، الأمر الذي تسبب لها بمشاكل دائمة.
..................................
الباحث السادس: د. زمن حسن كريدي، مشاركاً ببحثهِ المعنون: (مؤتمر الصلح عام 1919م وانعكاساته على العلاقات الأمريكية – الفرنسية حتى عام 1932م).
الخلاصة والنتائج: أسهمت عوامل عديدة في رسم مسار العلاقة التي ربطت الولايات المتحدة بفرنسا والتي لم تكن وليدة اللحظة، بل إنها تعود إلى البوادر الأولى لنشوء الولايات المتحدة، إذ تعود العلاقة بهم إلى حرب الاستقلال الأمريكية والدور الكبير الذي لعبه الفرنسيون في تحقيقها، ومن هذا المنطلق اتسمت العلاقة بين البلدين بعلاقة الصداقة الودية ومما أكد هذه الحقيقة التعاطف الكبير الذي أبداه الشعب الأمريكي مع قرارات الحكومة الفرنسية أثناء الحرب العالمية الأولى، إذ علت هتافات الأمريكيين بأسماء القادة الفرنسيين ما أن وطأت أقدامهم الأرض الفرنسية، ثم إنهم أبدوا دعمهم الكامل لهذا الشعب ومناصرتهم للقضية الفرنسية ضد العدوان الألماني الذي اعتبر السبب الأول في إشعال فتيل الحرب، وقد تجلى ذلك واضحاً من خلال مبادئ الرئيس ولسون الذي طالب بإعادة مقاطعتي الالزاس واللورين إلى الحظيرة الفرنسية بعد اقتطاعهما مسبقاً من قبل الألمان.
إلَّا إنَّ هذه الدراسة بينت كيفية نبذ الأمريكيين للحرب مما دفعهم إلى الوقوف ضد سياسة التدخل في القضايا الدولية، والعودة بهم سريعاً إلى سياستهم التقليدية، والتزامهم بهذه السياسة طيلة حقبة ما بين الحربين، لكن لم يمنع هذا الأمر من إبقاء أواصر الصداقة التي تربط الدولتين وان شابها بعض التوترات نتيجة انتهاج الولايات المتحدة سياسة كان الهدف منها العدول عن الإجحاف الذي قرر بحق الألمان أثناء مـؤتمر الصـلح، وبالتالي فإنَّ هذا الأمر كان ينافي تطلعات الحكومة الفرنسية التي كان شغلها الشاغل إبقاء الخطر ألماني بعيداً عن تخومها.
ولما كانت فرنسا قد أصيبت بخيبة أمل خلال مؤتمر الصلح من قبل حليفتها الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين رفضتا توقيع معاهدة دفاعية تؤمن بشكل أو بآخر للفرنسيين حقهم في الدفاع عن النفس، اضطرت إلى اللجوء إلى طرق أخرى لتحقيق هذهِ الغاية، ثم إنها وجدت نفسها ملزمة بربط موقفها حيال الأزمات التي عصفت بأوربا في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي بموقفي حكومتي واشنطن ولندن.
.................................
بعد التكريم الذي قدمه قسم الدراسات التاريخية لأعضاء فريقهِ الاستشاري خلال افتتاح المؤتمر، تمَّ في ختامهِ تكريم السادة الباحثين المشاركين في هذا المؤتمر، هذا التكريم الذي تمثل بشهاداتٍ تقديرية تثميناً لجهودهم العلمية في إعداد الدراسات والبحوث التي قدموها خلال هذا النشاط العلمي، والتي سيتم تحريرها ونشرها في كتابٍ يضم وقائع المؤتمر مطلع العام 2019م.
رابط صور المؤتمر
|