الازدواجية الدينية في السلوك المجتمعي
2018-05-09
ورشة عمل اقامها قسم دراسات الاديان
(الازدواجية الدينية في السلوك المجتمعي )
اقام قسم دراسات الاديان ورشة علمية بعنوان (الازدواجية الدينية في السلوك المجتمعي) في صباح يوم الاربعاء المصادف 9/5/2018 في قاعة الاجتماعات في بيت الحكمة برئاسة أ.م.د. حيدر عبد الزهرة وبمقررية معاون رئيس مترجمين ميساء فلاح حسين وبحضور رئيس مجلس امناء بيت الحكمة وعدد من الباحثين والأكاديميين.
الباحثون المشاركون :
- السيد عبد المطلب الجابري ببحثه المعنون ( السلوك المجتمعي رؤية قرآنية ).
- م.د. سوسن عبد علي السلطاني ببحثها المعنون ( إزدواجية السلوك الديني - الاسباب والعلاج من الناحية النفسية ).
- د. ثائر احمد العمار ببحثه المعنون ( الازدواجية الدينية في ظل المتغيرات الاجتماعية والسياسية).
تطرق رئيس الحلقة النقاشية الاستاذ المساعد الدكتور حيدر عبد الزهرة الى موضوع الحلقة بصورة موجزة موضحاً أثر الازدواجية الدينية في المجتمع وكيفية مواجهة هذه الازدواجية من خلال التعرف على البحوث المقدمة من قبل الباحثين.
بدأت الجلسة ببحث السيد عبد المطلب الجابري المعنون ( السلوك المجتمعي رؤية قرآنية) اذ تناول فيه اهمية موضوع الازدواجية او مايطلق عليه ايضاً تناقض الشخصية الدينية بين الشعار والعمل مبيناً ثلاثة مستويات من التناقض وهي:
1. تناقض الفرد مع نفسه: وهو مايقصد به عندما يقول الفرد ويمارس بعض المظاهر بينما سلوكه يخالفها فهو مؤمن باللسان والمظاهر العبادية لكنه مشرك في العمل .
2. التناقض بين الفرد والمجتمع: وهو عندما يكون المجتمع منحرفاً فيجبر الانسان المؤمن على الانحراف، وايضاً كمؤسسات تجبُر الموظف المؤمن على الانحراف او سوق منحرف يتحكم فيه الرشوة والرياء والكذب فيُجبر هذا المؤمن ان ينساق مع الجو المنحرف الحاكم.
3. تناقض المجتمع مع نفسه: وهذا اهم انواع الازدواجية الدينية حينما يكون المجتمع رافعاً لشعار الدين ويمارس الشعائر والمظاهر الدينية ولكنه لايتعامل بالقيم والموازين والمقاييس الدينية من صلاة وصوم وتلاوة القرآن لكن اذا جئنا الى حقائق الدين واهدافه لاتجد منها شيئاً بل قد يجدها عيباً او أمراً مخالفاً للعرف والعادات.
واشار الجابري الى ان القرآن الكريم من خلال الآيات القرآنية الكريمة نظم العلاقات الانسانية داخل المجتمع بنظام اجتماعي شامل ففي سبيل التمثيل جاء في الاية الكريمة ( ان الانسان خلق هلوعاً، اذا مسه الشر جزوعا ،واذا مسه الخير منوعا، الا المصلين الذين هم عن صلاتهم دائمون والذين في اموالهم حق معلوم للسائل والمحروم،والذين يصدّقون بيوم الدين (المعارج :19-25) ) .
والمطلوب هنا نقل الصلاة الى مرافق الحياة اذ ان المجتمع الذي يتحكم فيه الهوى والهلع والجزع واصالة الربح يجب ان ينقل هذه الاصول الى الصلاة لكبحها لكنه يصلي من اجل الهموم الصغرى لذا فالعلاج يكون من العقل اولاً ثم الانتهاء الى القلب وترتيب الثقافة والافكار وتوجيهها .
واعطى الجابري مثلاً عن ماجاء بمقالة للسيد محمد باقر الصدر نشرت في جريدة الاضواء إذ ذكر ان المبدأ الصالح هو الذي يحدد الاهداف والمثل العليا وهو شرط اساسي للنهضة، فالغاية هي التي تحرك المجتمع فإذا كان الهدف سامياً فسوف يتحرك المجتمع بمبادئ نهضة اجتماعية صالحة. واشار ايضاً الى ان انتشار العواطف المنخفضة في المجتمع تشكل خطراً على الدعوات الفكرية التي تحاول الارتفاع بذهنية الامة الى المستوى الفكري والتسامي بها عن المشاعر المرتجلة والاحاسيس الساذجة.
وذكر الجابري ان الافراد في المجتمع الواحد لديهم كثرة معلومات ومظاهر وعواطف غير مرئية غير موجهة ، وهو مااطلق عليه الباحث بثلاث تسميات:
- ورم معلوماتي.
- ورم عاطفي.
- ورم شعائري.
فنجد المجتمع لديه معلومات كثيرة عن الدين والشعائر وعواطف ايمانية لكنه هزيل وضعيف لايستطيع ان ينهض لذا فان وجود المبدأ الصالح اولاً وفهم الامة له ثانياً وايمانها به ثالثاً سيجعل المجتمع مؤمناً بنفسه وبما جاء به الدين الصحيح مما يحقق نهضة الامة وإصلاح مسيرتها وغياب الازدواجية الدينية في سلوكها .
وجاء بحث م.د. سوسن عبد علي السلطاني المعنون ( ازدواجية السلوك الديني - الاسباب والعلاج من الناحية النفسية ) ليتناول تأثير المتغيرات في سلوك البشر اذ يعدّ التدين من أكثرها تأثيراً في سلوك البشر بصورة عامة وفي شخصياتهم وصحتهم النفسية بصورة خاصة, ولطالما أثار هذا المتغير اهتماماً كبيراً من الباحثين والعلماء, وظهرت في الآونة الأخيرة ظاهرة الاستعراض في إجراء الشعائر الدينية في المنطقة العربية, ويحيل الخبراء النفسيون إلى أن هذه الظاهرة تعبر عن نوع من تشوه الوعي بالدين إلى جانب الظهور كشخص متدين, يكن له الجميع الاحترام بمجرد أن الدين لديه سلوكاً ظاهرياً بالملبس والكلام من دون الحاجة إلى تطبيق روح الدين وجوهره, إذ نجد أفعاله تتناقض مع أخلاق الدين, ونجد مجتمعنا سادت فيه ظواهر سلبية من الفساد والرشاوى والانتهاكات التي كثيراً ما تغطى بغطاء الدين. ونجد الآية الكريمة تتحدث عن واحدة من أخطر الظواهر السلبية في المجتمع إذ يقول تعالى (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون). وهي ظاهرة النفاق وازدواج الشخصية, فبينما ترى الشخص يحدثك عن الدين والتقوى ومخافة الله وغير ذلك من القيم الرسالية العظيمة, تراه في الوقت نفسه يتعامل بطريقة تتناقض كلياً مع ما يحدثك عنه وتسمع منه.
واشارت السلطاني الى إن الازدواجية مرض يكرسه المجتمع بالغفلة والجهل ونجد الدين يتحول إلى سلعة يتاجر بها المتقنع بالدين لتحقيق مصالحه (تدين نفعي أو مصلحي) أوالحصول على مركز أو مكانة اجتماعية, أي أنه يستشير بالدين لخداع الناس فاستغلوا الدين لإشعال فتيل الصراعات السياسية وتأجيج نيران الفتن الطائفية, وفي هذا الصدد يقول الشيخ الغزالي: (إن التدين الحقيقي ليس جسداً مهزولاً من طول السهر والجوع, التدين الحقيقي إيمان بالله العظيم وشعور بالخلافة عنه في الأرض).
وعددت السلطاني انماط التدين واهمها :
- التدين الاصيل : وهو التدين المتوازن وفيه يشعر المرء بالطمأنينة والامن ويتخذ الطريق الصحيح ويكرسه في مجتمعه.
- التدين المعرفي والفكري: وهم من يبدعون في كتابة الدين كمعرفة ولكن لايمتلكون روحه وجوهره.
- التدين العاطفي او الحماسي : وهو تدين الشعائر والعبادة كمظهر فقط .
- التدين الدفاعي: وهو لمواجهة المشاكل الواقعية لتعويض فشله في الحياة .
وتوصل الباحثون النفسيون إلى أسباب هذا السلوك هو:
1-التفكير الخرافي. 6-قدرة ضعيفة على تحمل الضغوط.
2-الانغلاق الذهني. 7-تدني مستوى الصحة النفسية.
3-الاتجاه نحو العنف. 8-حماية الذات.
4-الشعور بالذنب. 9-المنفعة الشخصية.
5-الشعور بالنقص.
ولخصت السلطاني الحلول بالآتي:
1.التوعية الدينية السليمة بجعل التدين علاقة روحية وليست شكلية فقط.
2.الإرشاد الديني عن طريق وسائل الإعلام ومراكز الدين بإبراز إشكالات السلوك الديني الظاهري وأثاره السلبية على الشخص نفسه وعلى المجتمع.
3.التوجيه النفسي والاجتماعي للأفراد الذين لديهم سلوك متصنع في جانب الدين, وإذا كانوا يعانون من أزمات نفسية ومشكلات اجتماعية.
ثم تناول بحث الدكتور ثائر احمد العمار المعنون ( الازدواجية الدينية في ظل المتغيرات الاجتماعية والسياسية) مفردة الازدواجية موضحاً ان اصلها نفسي ويعّرفه علماء النفس والدارسين بهذا الاختصاص على انه (مرض عصبي ذهاني يجعل صاحبه يمتلك اكثر من شخصية تتصرف كل واحدة منهما بمعزل عن الاخرى وقد تكون كل واحدة منها على علم بوجود الشخصيات الاخرى). اما الدكتور علي الوردي فقد عرّف الازدواجية على انها ( حالة تناقض بين الافكار والسلوك وليست الحالة المرضية المبينة في علم النفس، والتناقض هو ان يؤمن الفرد بمجموعة معينة من الافكار والمفاهيم لكنه يتصرف بطريقة تناقض وبقوة تلك الافكار والمفاهيم).
اما من وجهة نظر الباحث الشخصية فهو يرى ان الازدواجية الدينية : هي تضارب نظامين قيميين النظام الديني والنظام الاجتماعي السياسي وسببه وجود مصالح متضاربة.ففي ظل المتغيرات الاجتماعية والانفتاح في مجتمع التواصل الاجتماعي صدّرت مفاهيم ونقل صورة مشوهة عن الاسلام أذ لايوجد رادع من الاسرة ولا من المؤسسة الدينية التي يلتزم بها.
وتم استخدام الازدواجية كوسيلة لتحقيق الاهداف كأستخدام الدين لكنز الاموال او تغليف الازدواجية بصورة ثقافية مثل قضية المرأة وكذلك عملية انحراف الرموز في المجتمع فاذا تساقطت وانحرفت عن افكارها سقط الشباب في المجتمع لالتزامهم وتمسكهم بافكار هذا الرمز.
و بّين العمار ان الازدواجية تظهر في :
- المؤسسات الاعلامية بين المحافظة على صورة المجتمع وبين تحقيق اهداف الاسلام.
- المجتمع بين المحافظة على المكانة المجتمعية وبين تحقيق الهدف الرئيس.
- السياسة بين المحافظة على تحقيق المصالح وبين تحقيق اهداف الاسلام.
وختاماً كانت هناك تعقيبات عدة للحاضرين اهمها :
- عقب الدكتور احسان الامين رئيس مجلس امناء بيت الحكمة ومشرف قسم دراسات الاديان بقوله : ان الموضوع يحتاج الى المزيد من البحث والدراسة الا ان هناك ملاحظات منهجية لما ادلى بها الباحثون اولها ان موضوع الازدواجية هي ظاهرة مجتمعية تظهر في سائر المجتمعات ان كانت متدينة او كانت غير متدينة كما ذكر الوردي في مقالاته. وهناك دراسات في بعض النطاقات توضح الازدواجية في مجتمعات لاتؤمن بالدين ووجود اختلاف بين النظرية والتطبيق، فهي ظاهرة موجودة في سائر المجتمعات.
ومثلما عاش المجتمع الازدواجية بشكلها العام فحين ينتقل الى حالة خاصة فسوف يسحب الازدواجية التي عاشها بشكل عام الى نطاق خاص ايضاً، ومن الظواهر القابلة للنقاش اننا نجد ان الفرد الغربي المسلم يعيش الازدواجية بشكل اقل من المسلم العربي وذلك لاعتبارات مجتمعية كثيرة تتعلق بطبيعة المجتمع وواقعه المتخلف والضغوطات المجتمعية.
وعندما نتأمل القرآن الكريم نجد المقاربة القرآنية قد قاربت موضوع الازدواجية كظاهرة اجتماعية وليس كظاهرة دينية لذا ارى بان العنوان المناسب للحلقة النقاشية هذه هو ( الازدواجية المجتمعية وليس الازدواجية الدينية).
ولما كان الاختلاف عنصراً من عناصر الابداع الخلاقة للبشرية فان الاختلاف في فهم النص الديني يجعل له تفسيرات مختلفة لكل المظاهر الثقافية والمجتمعية لذا ارى انه علينا الرجوع الى القرآن الكريم لرؤية الصورة الواضحة للدين الاسلامي اذ ان هدف الدين هو اشاعة العمل الصالح وبناء الفرد والمجتمع الصالح فالاصل في الدين ان يكون الانسان عفيفاً شريفاً في ذاتهنظيفاً نزيهاً في سلوكه الاجتماعي، هنا يجب ان يفهم الانسان ان هناك تلازماً بين سلوكه الاجتماعي وبين ايمانه وتربيته واذا تم التوافق سينتج عنه نسخة بشرية صالحة مؤمنة بالدين الاسلامي قلباً وقالباً.
- عقب السيد عبد المطلب الجابري رداً على سؤال طرحه احد الحاضرين حول الاسلام الصحيح وماالغاية من الدين الصحيح قائلاً : ان الاسلام رسالة اخلاقية وانسانية وتجربة روحية كل يحددها بنفسه ومقدار تفاعله مع الكون وفيه جانبان الجانب الروحي والجانب العقائدي وهناك ايضاً جانب تنفيذي فاصل الدين هو العقل الذي يصل بالانسان الى صفات الله او ضرورة الوصول الى الهدف السامي من الدين. اما الغاية من الدين هو بناء الانسان النفسي والعقلي بناءً صحيحاً كأساس للمجتمع الصالح.
التوصيات
1. الدعوة الى زيادة الوعي الديني السليم والارشاد الديني الصحيح لمبادئ الاسلام وتطبيقها على ارض الواقع وتوجيه الامة بالرجوع الى القرآن الكريم وتوجيه الافكار والثقافة والمعلومات للبناء الفكري للأنسان ومراقبة الخطاب الديني المتطرف من خلال منابر الخطب الدينية واقامة الندوات وورش العمل في المؤسسات الدينية والمؤسسات الثقافية والعلمية وعقد المزيد من الندوات المشابهة الموسعةفي بيت الحكمة لكونه منبراً علمياً وثقافياً وللوصول الى حلول جذرية ذات فائدة للمجتمع العراقي .
2. تسليط الضوء على النماذج الجيدة الملتزمة والشخصيات الفكرية العلمية والتجارب الانسانية المتبعة للتعاليم الدينية الصحيحة والتي أثرت على نهضة المجتمع من خلال وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة .
3. اهتمام مراكز علمية بحثية مختصة بتقريب وجهات النظر بين طوائف المجتمع للوصول الى منظومة اسلامية حقيقية غير متطرفة تساهم في بناء الانسان بناءً صحيحاً وتشريع القوانين الرادعة لمحاسبة كل من يتخذ من الدين غطاء لتنفيذ مصالحه الشخصية .
|