قراءاتٌ تاريخية معاصرة في مُجريات ثورة النجف ونتائجها
2018-04-25
ندوة اقامها قسم الدراسات التاريخية
قراءاتٌ تاريخية معاصرة في مُجريات ثورة النجف ونتائجها
عَقَد قسم الدراسات التاريخية بالتعاون مع كلِّية الآداب في جامعة الكوفة يوم الخميس المُوافق 29/3/2018م، ندوته العلمية الموسومة بـ: (قراءاتٌ تاريخية معاصرة في مجريات ثورة النجف ونتائجها)، والتي جاءت لمناسبة مرور مائة عام على اندلاع هذهِ الثورة في مدينة النجف الأشرف (1918-2018م). على قاعة كلِّية الآداب / جامعة الكوفة، حيث كان المشاركون في هذهِ الندوة العلمية هم كلٌّ من:
1. أ.د. علاء حسين الرهيمي (جامعة الكوفة – عميد كلِّية الآداب)
2. أ.د. عبد الستار شنين الجنابي (جامعة الكوفة – كلِّية الآثار والتراث)
3. أ.م.د. مجيد حميد الحدراوي (جامعة الكوفة – كلِّية الآداب)
4. أ.م.د. أحمد بهاء الخفاجي (جامعة الكوفة – كلِّية التربية للبنات)
5. أ.م.د. إسماعيل طه الجابري. (مشرف قسم الدراسات التاريخية – بيت الحكمة) رئيس الجلسة.
6. د. حيدر قاسم مَطَر التميمي. (قسم الدراسات التاريخية – بيت الحكمة) مقرر الجلسة.
افتتح السيد رئيس الجلسة وقائع الندوة بالترحيب بالسادة الحضور، مبيناً دور بيت الحكمة في الاستمرار على صبِّ جلَّ اهتمامهِ لمعالجة أبرز وأهمِّ القضايا التاريخية والفكرية والتي من شأنها خدمة الحركة العلمية في العراق.
أمَّا عن موضوع الندوة وأهميتهِ بصورةٍ عامة، فقد أشار إلى أنَّ تاريخ العراق الحديث لطالما كان حافلاً بصفحاتٍ مشرِّفة ومُشرقة تحكي شجاعة وبطولات الثوَّار العراقيين في انتفاضاتهم الشعبية وصولاتهم الجهادية ضدَّ الاحتلال البريطاني أعقاب الحرب العالمية الأولى، وذلك من أجل طرد المُحتل الغاشم والحصول على الاستقلال السياسي والسيادي للعراق الأبي، ومن هذهِ الصفحات التي أصبحت موضع فخر واعتزاز أبناء الشعب العراقي ثورة أبناء النجف الغيارى ضدَّ القوات الإنكليزية الغازية في عام 1918م.
ألقى الباحث الأول الدكتور علاء حسين الرهيمي ورقته البحثية التي أعدها لموضوع هذهِ الندوة، والمعنونة بـ: (ثورة النجف عام 1918م في كتابات المؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسني). والذي أشار إلى اضطلاع مدينة النجف الأشرف بدورٍ بارز سياسياً في بداية القرن الماضي، بقيادة علمائها ومراجعها الشيعية العليا، سواء في مقاومة السياسة الطائفية التي كانت تطبقها الدولة العثمانية بحقِّ سكَّان ولايات البصرة وبغداد والموصل من المذهب الشيعي على وجه الخصوص، أو في الدفاع عن بيضة الإسلام ضدَّ القوات البريطانية الغازية التي نزلت في مدينة الفاو في عام 1914م لاحتلال الولايات الثلاثة، ملبيةً في قتالها للبريطانيين، نداء الجهاد الذي أعلنه شيخ الإسلام في إستانبول في اليوم السابع من تشرين الثاني عام 1914م، ثمَّ مقاومة الاحتلال البريطاني ونشاطها الفعَّال في التهيئة والتوعية لثورة العشرين التي عُرفت بالثورة العراقية الكبرى ومشاركتها في أحداثها، تلك الثورة التي رغم فشلها في طرد البريطانيين من العراق، إلَّا أنَّها جعلتهم يغيرون من خططهم حول طريقة حكمهم للعراق وتأسيسهم لدولة العراق الحديثة بعد جلبهم فيصل الأول ليتبوأ عرشها وينتدبونه على مقدَّراتها.
كما أشار الباحث إلى أنَّه قد ظهرت كتابات متفرقة، ونُشرت أوصاف مختلفة لحادث مقتل الكابتن مارشال، وما أعقبه من ثورةٍ عاتية، وتدابير عسكرية قاسية، كان أهمها وأخطرها ما كتبه المؤرخ العراقي الرائد عبد الرزاق الحسني (1903-1997م) من يومياتٍ دقيقة، وذكرياتٍ مفيدة، واصفاً هذهِ الكتابة أنَّها تكاد تكون رسالة قائمة بنفسها عن هذهِ الثورة الجبَّارة، لِمَا تضمَّنته من أخبارٍ يومية، ومراسلاتٍ رسمية، ومعلوماتٍ غزيرة لا طعن لطاعن فيها، ولاسيَّما وقد دوَّنت الحوادث في حينها يوماً بيوم.
وقد خرج الباحث بجملةٍ من النتائج، كان في مقدمتها:
1. قدمت هذهِ الثورة درساً واضحاً أنَّ مدينة النجف بوسعها قيادة التحدي والمواجهة للمحتل البريطاني.
2. أنْ مثَّلت هذهِ الثورة تمهيداً حيوياً وفاعلاً لثورةٍ أكثر سعة وشمولاً، متمثلةً بثورة عام 1920م.
3. وجوب عدم تجاوز المرجعية الدينيَّة خلال العمل أو التمهيد لأيِّ نشاطٍ ثوري، كما حصل في ثورة النجف، ما شكَّل أحد أسباب فشلها الرئيسة.
4. الانقسام بين فئات المجتمع من شأنهِ تعريض البلاد للمخاطر الكبرى، وإحباط الثورات والانتفاضات الشعبية. وهو ما نراه وضاحاً خلال أحداث ثورة النجف عام 1918م.
5. إنَّ تسمية (انتفاضة) أكثر انطباقاً ومناسبةً من تسمية (ثورة) على الأحداث التي حصلت في مدينة النجف عام 1918م.
الباحث الثاني كان الدكتور عبد الستار شنين الجنابي، الذي كرَّس ورقته البحثية المعنونة: (مرور 100 عام على ثورة النجف ضدَّ البريطانيين سنة 1918م.. الاستذكار والعِبرة والدروس) لبيان أدق تفاصيل أحداث ومجاريات ثورة النجف الأشرف، ليخلص من خلال استعراضهِ الدقيق إلى أنَّ من أهمِّ أسباب فشل هذهِ الثورة هو عدم توفر الدعم الديني لها، إذ لا يمكن لأيِّ حركةٍ في النجف في حينهِ أنْ تنجح بدون دعم المُجتهدين من رجالات الدين لها، وخصوصاً إذا ما علمنا أنَّه لا يسع أي زعيم ديني أنْ يتجاهل إرادة أتباعه، والذي ترجع سلطته جزئياً إلى ولائهم له. أمَّا الإجراءات المُشدَّدة والقوية التي اتخذتها سلطات الاحتلال بما في ذلك الحصار العسكري الفعَّال، فتبقى في المرتبة الثانية، ولاسيَّما إذا ما علمنا أنَّ موقف البريطانيين في العراق لم يكن مستقراً بشكلٍ تام.
مبيناً أنَّ من الأسباب المهمة كذلك لفشل الثورة، محدودية الفعل الثوري، وعدم وجود قاعدة جماهيرية وتنسيق واضح لإدامة الحدث وتوسيعه، لا في المدن العراقية الرئيسة بشكلٍ عام، أو تلك القريبة من النجف في أقلِّ تقدير، ولا في الريف المُحيط بها أو الريف العراقي، بالشكل الذي يجعل من الحدث شرارةً محلية لثورةٍ عراقية شاملة ضدَّ المُحتل. وقد استوعب العراقيون بشكلٍ عام، والنجفيين منهم على وجه الخصوص هذا الدرس، فتجاوزوه وبشكلٍ رائع في التخطيط للثورة العراقية الكبرى سنة 1920م.
وإنَّ أقل ما يُقال؛ كما يذكر الباحث؛ عن هذا الحدث الكبير، رغم فشلهِ، أنَّه كان مجرد بداية لعهدٍ جديد من العلاقات المتوترة بين النجف وسلطات الاحتلال البريطانية، عهد تميَّز بالشكِّ والحذر والتأهب لمُجابهةٍ كبيرة كان موعدها في الثورة العراقية الكبرى سنة 1920م، التي أجبرت الإنكليز على تبديل سياستهم في العراق والتفكير جدياً في إنشاء حكومةٍ وطنية، وإنْ كانت شكلية وتُدار بواسطة المُستشارين البريطانيين في الظل.
أمَّا الباحث الثالث فقد كان الدكتور مجيد حميد الحدراوي، الذي كرَّس ورقته البحثية المعنونة: (ثورة النجف عام 1918م في مذكرات الشاعر مُحمَّد مهدي الجواهري.. قراءة تاريخية تحليلية) لبيان ما جاء عن ثورة النجف في مذكَّرات محمد مهدي الجواهري (1899-1997م)، الشاعر العراقي المعروف، معرفاً في البدء بهِ وبأبرز ما جاء بهِ من إبداعاتٍ أدبية وشعرية خلال حياتهِ الطويلة. وإذ وثَّق الجواهري مشاهداته وآرائهِ في الأحداث التي شَهِدتها مدينة النجف الأشرف في المدَّة (19 آذار – 30 أيار من عام 1918م) في الجزء الأول من مذكَّراتهِ، وتحت عنوان (حصار النجف) وبسبع صفحاتٍ لا غير (ص ص95-102). فقد جعل الباحث من ورقتهِ دراسةً تحليلية لما جاء فيها غير غافلٍ عن منهج المقارنة والمقابلة بين ما أورده الجواهري وما سُطِّر عن هذهِ الثورة في مصادر ومراجع التاريخ المُعتمدة، تلك التي تناولت هذا الحدث التاريخي المهم.
مبيناً أنَّه بعد مرور مائة سنة على ثورة النجف لا زلنا نجهل آثار هذهِ الثورة، متسائلاً عن مواقع قبور شهدائها مثلاً ؟ ولماذا لا يوجد شاخص ما يُشير إلى مكان إعدام هؤلاء الثوار تخليداً لذكراهم ؟ معتقداً أننا حتَّى اليَومَ أمام إشكالية كبيرة في تقييم هذا الحدث الكبير, ومحور هذهِ الإشكالية يتمثل في موقف النُخب الفاعلة في المجتمع النجفي من الثورة وقتذاك، لاسيَّما إذا ما علمنا أنَّ قسم من أعضاء جمعية النهضة السرية التي أعدت للثورة كان رافضاً لاندلاعها بالوقت الذي اندلعت فيه ويعتقدون أنَّ الوقت لم يحن بعد، وهذا الموقف يسري على بقية النُخب الأخرى سواءٌ أكانت دينيَّة أم زعاماتٍ اجتماعية في المجتمع النجفي، والتي اضطرت إلى مُسايرة الثورة بعد أنْ أصبحت أمراً واقعاً، والنتيجة قبل أنْ نُحمِّل هذهِ النُخب مسؤولية فشل الثورة كما فعل الجواهري كونها لم تستمر في تأييد ودعم الثورة حتَّى النهاية، أو أنَّها وقفت متفرجةً أو ناصحة في أحسن الأحوال؛ بحسب وصفهِ؛ ينبغي دراسة واقع المجتمع النجفي بكلِّ تفاصيلهِ والوقوف على حيثيات الأمور وحقيقتها، لا لأجل نبش الماضي بل لنستفيد من الماضي ونعتبر من أحداثهِ، ولنا بالأمس القريب خير شاهد ودليل فليس كلَّ فعلٍ ثوري يتوَّج بنتائج إيجابية ما لم يحضَ بتأييد أغلبية المجتمع، وخصوصاً الفئات التي لها الكلمة النافذة والتأثير الإيجابي فيه.
الباحث الأخير المشارك في هذهِ الندوة، كان الدكتور أحمد بهاء عبد الرزاق، بورقتهِ البحثية المعنونة: (جمعية النهضة الإسلامية: الباكورة الأولى لثورة النجف عام 1918م)، حيث أشار في البدء إلى أنَّه ومنذ أنْ احتل الإنكليز العراق؛ وتحديداً في السادس من شهر تشرين الثاني عام 1914م؛ لم يكن لديهم معرفة عن حقيقة ومزاج الشعب العراقي، ولم تكن لديهم خطَّة واضحة في كيفية إدارة شؤون البلاد إدارةً مرضية صالحة، فقد عَمَد الإنكليز إلى استخدام أساليب إدارية خاطئة مبنيةً على القسوة والشدَّة والاستهانة بأقدار الرجال، كما استخدموا مصادر الثروة المحلية لأغراضهم العسكرية، واستخدم الإنكليز – كذلك - في إدارة البلاد حكَّاماً سياسيين قُساة اتبعوا أساليب القهر والإهانة مع الزعماء الوطنيين والمواطنين.
بعدما تناول الباحث ظروف وعوامل تأسيس جمعية النهضة الإسلامية السرية، وذكر أبرز رجالاتها وأهدافها والنشاطات السياسية والاجتماعية التي كانت تقوم بها في مدينة النجف تحديداً، بدأ بنقل النصوص والإشارات التي تذكر النشاط المُسلَّح لهذهِ الجمعية بالضد من الاحتلال البريطاني، معتمداً بالدرجة الأساس على الوثائق البريطانية ومراسلات كبار رجالات الجيش البريطاني في العراق.
ومن خلال استعراضهِ الدقيق والشامل لعمل جمعية النهضة الإسلامية في مدينة النجف، فقد عدَّ الباحث هذهِ الجمعية من التجارب الحزبية الأولى في العراق، ذلك أنَّها تبنَّت من خلال مجموعةٍ فذَّة من علماء الدين في النجف الأشرف وكربلاء وسامراء مشروعاً ومنهاجاً سياسياً من جهة وعسكرياً من جهةٍ أخرى، للوقوف بوجه الغزو البريطاني للعراق، يدفعهم شعور المواطنة بمواجهة الكفر والاحتلال الأجنبي. مستنتجاً في الوقت نفسهِ، أنَّ أعضاء الجمعية كانوا قد حاولوا التمهيد لقيام ثورةٍ إسلامية شاملة في جميع أرجاء العراق، وقد أسهم علماء الدين في الإعداد لهذهِ الثورة، إلَّا أنَّ التسرع وعدم التدبير أديا إلى فشل خطَّة هذهِ الثورة الشاملة. كما أنَّ الثورة ظلَّت داخل أطار النجف ولم تخرج من حيِّزها الجغرافي هذا، كما لم يساندها أحد من خارج النجف، ذلك أنَّ سلطة الاحتلال قامت بإرسال قواتها العسكرية إلى المدينة ومحاصرتها لاحتواء الثورة والحيلولة دون امتداد لهيبها إلى المدن المجاورة، وقد شدَّد الإنكليز الحصار على النجف حتَّى منعوا من دخول الماء والطعام إليها، فذاقت النجف أنواع العذاب والمشقَّة، وما رُفع الحصار عنها إلَّا بعد أنْ خضع النجفيون لشروط الاحتلال الإنكليزي القاسية والتي ذكرنها الباحث وفصَّلها في ثنايا ورقتهِ البحثية.
اختتمت هذهِ الندوة العلمية بتوزيع شهاداتٍ تقديرية باسم الجهتين المنظِّمتين لها، حيث قام كل من السيد رئيس جامعة الكوفة الدكتور محسن الظالمي بتقديم شهادات الجامعة، وكذلك السيد مدير عام الشؤون الإدارية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء الدكتور قصي العبادي، الذي حضر هذا النشاط العلمي ممثلاً للأمين العام لأمانة مجلس الوزراء، مقدماً شهادات بيت الحكمة باسم السيد رئيس مجلس أمنائهِ.
وأخيراً، فقد تمَّيزت هذهِ الندوة العلمية بحضور كوكبة من أساتذة التاريخ والآثار من جامعة الكوفة، إضافةً إلى ممثلي المؤسَّسات العلمية والثقافية في مدينة النجف... الذين أغنوا موضوع الندوة بمناقشاتهم العلمية.
|