بيت الحكمة العباسي ودوره في ظهور مراكز الحكمة في العالم الاسلامي
2018-02-11
كتاب للدكتور حيدر قاسم التميمي
بيت الحكمة العباسي ودوره في ظهور مراكز الحكمة في العالم الاسلامي
من مستقرهِ الآمن خلف الأسوار السميكة والبوابات الحصينة لمدينتهِ الجديدة على الضفاف الغربية لدجلة، راح المنصور النشط يُخطِّط لتحويل ما تحت سلطانهِ من أمصارٍ متغايرة إلى قوةٍ علميةٍ عظمى وضمان مستقبل العباسيين بالربط بين دولتهم الجديدة وبين التقاليد الكلاسيكية العظيمة السالفة. كما كان تأسيسُ الخليفة عاصمتَه في قلب الأراضي الناطقة بالفارسية، غيرَ بعيدٍ عن طيسفون Ctesiphon عاصمة الساسانيين وبابل عاصمة البابليين، بدايةً موفقة. كان هذا أصلَ ما بات يُعرف ببيت الحكمة؛ التعبير المؤسَّسي الإمبراطوري الجامع للطموح الفكري العباسي الأول والسياسةِ الرسمية للدولة. ومع الوقت، صار بيتُ الحكمة يشتمل على مكتبٍ للترجمة، ومستودع للكتب، وأكاديميةٍ من العلماء والمُفكِّرين الوافدين من أرجاء الإمبراطورية. لكنَّ وظيفته الأولى كانت حفظ المعرفة التي لا تُقدر بثمن، ما ظهر أحياناً بتعبيراتٍ أخرى لدى المؤرخين العرب استخدموها لوصف المشروع، كخزانة كتبِ الحكمة أو ببساطة خزانة الحكمة. وعمل الخبراءُ المنقطعون إلى هذا المعهد الإمبراطوري كذلك في المرصد الفلكي للخليفة وشاركوا في ما أمرهم بإجرائهِ من تجاربَ علمية. ولعب بيتُ الحكمة إلى ذلك دوراً مهماً في رعايةِ الأعمال الأدبية العباسية. وعلى امتداد مائة وخمسون عاماً، ترجمَ العرب كلَّ كتبِ العلم والفلسفة اليونانية. وحلَّت العربية محل اليونانية كلغةٍ عالمية للبحث العلمي. وغدا التعليمُ العالي أكثرَ فأكثرَ تنظيماً في أوائل القرن الثالث للهجرة / التاسع الميلادي، وكان في أغلب المدن الإسلامية الرئيسة جامعةٌ من نوعٍ ما. من هذهِ الجامعات ومراكز الفكر والحكمة التي نشأت بتأثر مباشر وغير مباشر ببيت الحكمة البغدادي الذي يعود تأسيسه حوالي إلى عام 215هـ/830م. ومن أبرز مراكز الحكمة هذهِ: بيت الحكمة في القيروان، دار الحكمة في القاهرة، دار الحكمة في طرابلس الشام، دار الحكمة في مراغة، خزانة الحكمة للفتح بن خاقان، صوان الحكمة في بُخارى، وغيرها.
|