علم اللغة بين بدايات تأسيسه ومدارسه الحديثة
2017-02-28
ندوة اقامها قسم الدراسات اللغوية والترجمية
علم اللغة بين بدايات تأسيسه ومدارسه الحديثة
استهل قسم الدراسات اللغوية والترجمية في بيت الحكمة اولى نشاطاته العلمية لسنة 2017 بندوة علمية تحت عنوان ( علم اللغة بين بدايات تأسيسه ومدارسه الحديثة ) وذلك يوم الاربعاء الموافق 15/2/2017 برئاسة م .ربيع عامر صالح ومقررية مترجم اقدم بثينة هاشم ياسين .
رحب رئيس الجلسة بالسيدات والسادة الحضور من باحثين ومتخصصين مستعرضا بعض اللمحات عن نشأة علم اللغة وبروز الحاجة لتناول اللغة ليست بوصفها وسيلة تواصل فحسب بل بوصفها علماً قائما بذاته يقع ضمن اُطُر منهجية .
1- البحث المشارك الاول القاه ا.د. رياض خليل التميمي / كلية الآداب / جامعة بغداد تحت عنوان ( قراءة في نتاجات وليم جونز مؤسس علم اللغة) .
تناول الباحث جانبا من حياة عالم اللغة الانكليزي السير وليم جونز الذي يُعد من عباقرة المجال اللغوي ومن اوائل المستشرقين الذين ترجموا المعلقات السبع اضافة لاتقانه (13 ) لغة اتقانا تاما .
عاش السير وليم جونز 11 عاما في الهند عمل خلالها قاضيا في المحكمة العليا ودارسا في الوقت نفسه للغة السنسكريتية . طور خلال سنوات دراسته وبحثه فكرة المنشأ التقليدي للغة السنسكريتية موضحا ان هذه اللغة تشترك الى حد كبير مع اللغتين اليونانية واللاتينية وان اللغات المذكورة ليست ذات جذر واحد فحسب بل انها ترتبط باللغات الجرمانية والسليتية .وقد اوضح الباحث مدى اهمية هذا العمل البحثي للسير وليم جونز كونه قد ادى الى الفصل الدين عن اللغة والابتعاد عن الاساطير والخرافات نحو منهج اكثر علمية الا وهو علم اللغة مشيرا الى ان هذا الاكتشاف اللغوي قد تم اعتباره اكتشافا لايقل اهمية عن اكتشافات غاليلو او تشارلز دارون .
2- البحث الثاني كان للاستاذ المساعد الدكتورة رحاب العطار / جامعة بغداد ، كلية الاداب تحت عنوان ( علم اللغة في مدارسه الحديثة ).
قدمت الباحثة عرضا موجزا لبدايات ظهور علم اللغة الحديث اواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وتحول التركيز من الاهتمام بالتغيرات التاريخية للغات عبر الزمن الى فكرة امكانية النظر الى اللغة كونها نظاما مستقلا ذاتي التنظيم وهذا ما شكّل قاعدة اللسانيات البنيوية التي تطورت في فترة ما بعد الحرب العالمية الاولى.
من المدارس اللغوية الاولى التي تناولتها الباحثة هي مدرسة العالم السويدي فرديناند دي سوسير (1857 – 1913) الذي يُعتبر مؤسس اللسانيات الحديثة
طرح سوسير فكرة ان اللغة يجب ان لا يكون تركيزها على التتابعية ( التزامنية ) حيث ان معرفة التغيرات التاريخية التي تطرأ على اللغة ليست ضرورية لمعرفة وضعها الراهن وقد كانت فكرته نابعة من قناعته بأن البحث في اللغة يجب ان يركّز على التركيب وليس المسار التاريخي للغة . وكانت مساهمته الحاسمة هي بأعلانه ان جميع الوحدات اللغوية مترابطة مع بعضها بشكل اساسي .وفي الواقع كان سوسير هو اول من شبّه اللغة بلعبة الشطرنج والتي هي نظام يتم فيه تحديد كل عنصر تبعاً لعلاقته مع العناصر الاخرى ، وادى اصراره على ان اللغة هي تركيب مكون من عناصر متداخلة مع بعضها الى ظهور اللسانيات البنيوية . وقد امتد تأثير سوسير ليس فقط اللسانيات وانما ليشمل الانثروبولوجيا والسيميائية .
مدرسة براغ اللغوية
تناولت الباحثة مدرسة براغ اللغوية بوصفها مدرسة تقليدية ترتبط بمجموعة اللغويين الجيك الذين اسسوا حلقة براغ سنة 1926 وعقدت لقاءات منتظمة كما نشرت مجلة ( اعمال حلقة براغ اللغوية ).
كان الاهتمام الاساسي للحلقة منصبّاً على نظرية علم الاصوات وكان الموجه والمرشد بهذا الاتجاه الامير الروسي نيكولاي تروبيزوكي (1838-1890) وهو استاذ من جامعة فيينا كان للمبادئ التي وضعها في علم الصوت مساهمات مهمة في مجال فكرة الوحدة الصوتية (phoneme اصغر وحدة صوتية) .كما نجحت مدرسة براغ اللغوية في وضع الوحدة الصوتية في مركز النظرية اللغوية بوصفها من الوحدات الاكثر اهمية .
وقد تحدثت الباحثة عن واحد من اهم الشخصيات التي كان لها تأثير كبير في فكر هذه الحلقة وهو رومان جاكوبسون(Roman Jacobson 1896-1982)الذي عمل مع نيكولاي تروبيتزوكي في وضع تقنيات لتحليل الانظمة الصوتية في اللغات باستخدام قواعد علم الصوت .
اما المدرسة اللغوية الانكليزية فقد بدأت بالظهور من خلال عمل J.R.Firth ) 1890-1960) الذي جاء بعدد من المنظورات الجديدة في اللسانيات وهو من ارسى تقليد ما يًعرف ب ( بمدرسة لندن).
وركّزعلى العناصر الصوتية اكثر من التركيز على الاصوات الفردية وشارك في تطوير علم الصوت على مدى نصف قرن .
كما اهتم هذا العالم بالمعنى ( متأثرا بعالم الانثروبولوجيا البولندي برونسلر مالينوسكي 1884-1942) مطورا بهذا الاهتمام نظرية في حقل المعنى اللغوي ادت دورا حاسما في استخدام السياق في اللغة وتحليله.
المدرسة الدنماركية
امتدت من سنة 1930حتى سنة 1960 و اطلقت ما يُعرف بالنظرية Glossmatic Theory التي ركزت على العلاقة بين الوحدات في النظام اللغوي وهي بذلك كانت من اكثر النظريات التجريدية في وقتها والقائلة بأن العلاقة بين الكيانات اللغوية اكثر اهمية من الكيانات ذاتها .
3- اما بحث ا.م.د. سداد انور علي فقد كان تحت عنوان (السيميائية البنيوية ) في الذكرى المئوية الاولى لولادة عالم اللغة الفرنسي جوليان غريماس مؤسس مدرسة باريس اللغوية .
تطرقت الباحثة الى حياة عالم اللغة الفرنسي جوليان غريماس المولود سنة 1917 في روسيا لابوين ليتوانيين
درس في فرنسا وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة باريس ليعمل في مصر حيث التقى بعالم اللغة رولان بارت ثم عمل استاذاً للغة في جامعة بواتييه في فرنسا واسس عام 1966 مجلة للغات
توصل غريماس الى ان السردية موجودة في كل مكان تقريبا حتى في الخطابات العلمية والايديولوجية . وهكذا تحولت قواعد الرواية الى قواعد سيميائية وتحولت البنى الى سيميائية سردية ينبغي ان تفهم على انها بنى عميقة تنظم نشوء المعنى وتشتمل على الاشكال العامة للخطاب .
واشارت الباحثة الى ما يعرف في السيميائية البنيوية ب ( المربع السيميائي ) وهو مصطلح نقدي حديث استخدمه غريماس في التحليل السردي للتوصل الى امكانية تحصيل الدلالة عن طريق تحليل تناقضاتها واضدادها واوضحت ان اساس هذا المصطلح الفلسفي يرجع الى مربع التقابل او مربع ارسطو الذي يقدم حصرا للعلاقات في 4 انماط رئيسية متعلقة بالمقدمات المنطقية في المنطق الارسطي وهي ( الكلية الايجابية والكلية السلبية والجزئية الايجابية والجزئية السلبية) وقد كانت المساهمة الاساسية لهذا المربع هي تطوير وابراز تناقضات التفاعلات المتضادة .
4- وقدمّت ا.م.د. ذكاء متعب حسين بحثها الموسوم ب ( مدرسة باريس السيميائية) التي ظهرت في بدايات ستينيات القرن العشرين ورائدها ( جوزيف كورتيس)
وقد تعاملت هذه المدرسة مع اللغة على 3 مستويات :
1- التحليل المحايد :
2- التحليل البنيوي . وهو المستوى الذي يتم فيه الابتعاد عن كل ما يتعلق بالظروف الخارجية للنص والاهتمام بالتحليل البنيوي للنص بمعنى تجاوز شكل النص للوصول الى محتواه .
3- تحليل الخطاب.
وبينت الباحثة المنهج الذي سار عليه كورتيس في التأسيس لهذه المدرسة وذلك بتأسيس نظرية عامة لانظمة الدلالة في المقاربة الوصفية والعلمية الرصينة التي تتكئ على الاستقراء والاستنباط منتقلا من مستى الى اخر جامعا بين التصور المنهجي والتحليل التطبيقي بشكل تعليمي .
التعقيبات والمداخلات :
الفنانة التشكيلية والشاعرة غرام الربيعي / عضو مجلس اتحاد الادباء العراقيين طرحت تساؤلاً عن السبب الذي يجعل النقاد العراقيون والعرب يتكأون على النظريات الغربية في النقد والتحليل وبالتالي عدم وجود صورة واضحة للنقد العراقي والعربي وقد اجاب ا.د. رياض التميمي عن هذا التساؤل بقوله ان من بين اسباب هذا الخلل في الواقع النقدي اللغوي في العراق والوطن العربي هو عدم استفادة النقاد من ظهور نظريات علم اللغة البيئي التي تمنح النقد اللغوي للنصوص مديات اوسع .
وفي مداخلة للاستاذ الدكتور شاكر كتاب حول موضوع التناص في القران الكريم ، اشار الى ورود التناص في القرآن الكريم وذلك بتكرار بعض الآيات والاشخاص في السورة القرآنية والاشارة الى التناص الواردة في قصائد الشاعرين الكبيرين عبد الرزاق عبد الواحد وبدر شاكر السياب .
اما د. صادق الجمل فقد تحدث عن تجاوز الغرب لمسألة الحداثة منذ خمسينيات القرن الماضي وسعيهم لايجاد صيغة تلاقح بين الادب واللغة .
وتحدثت م. رقية اياد احمد عن موضوع التناص في مفهوم مؤسس مفهوم التناص الجرجاني .
اما د. سامي ... فقد عزا تشابه بعض الافكار او استخدامات اللغة الى توارد الخواطر وليس للتناص وذلك لمحدودية المفردات وشمولية اللغة .
وفي ختام المناقشات العلمية دعا السيد رئيس الجلسة الباحثين من الحضور الى تناول الشخصيات التي لم يتطرق الكثير الى انجازاتها في المجال اللغوي بحثا ونقداً ليتم التعريف بها بما يليق وانجازاتها العلمية .
|