ندوة علم اللغة الاجتماعي .. محاولة نحو الفهم والتأصيل
2015-11-05
ندوة عقدها قسم الدراسات اللغوية والترجمية بالتعاون مع قسم الدراسات الاجتماعية
إنَّ العصر الجديد يفرض علينا الحفاظ على لغتنا وتنميتها واستخدامها بوصفها وعاء للثقافة ولغة التعلم، ذلك إذا أردنا البقاء أمة ذات كيان تأمل في مستقبل مشرق لأبنائها.فان اللغة هي هوية الانسان ووسيلة التواصل بين الشعوب وهي منبع العلوم ومن هذا المنطلق
عقد بيت الحكمة الندوة العلمية الموسومة ( علم اللغة الاجتماعي .. محاولة نحو الفهم والتأصيل) لقسم الدراسات اللغوية والترجمية بالتعاون مع قسم الدراسات الاجتماعية. وقد ترأس الندوة الاستاذ الدكتور عبد المنعم الحسني ومقررية المترجم اقدم ميساء فلاح حسين .وبحضور عدد من الباحثين والأكاديميين.
بدأت الجلسة ببحث بعنوان _اللغة رؤية سوسيو – أنثروبولوجية للـ أ.د ناهدة عبد الكريم حافظ من جامعة بغداد / كلية الآداب جاء فيه أن دراسة اللغة كانت مقتصرة على أولئك الذين اهتموا بتراكيبها ونحوها وصرفها ونظامها وتاريخها. أي أن الاهتمام أنصب على اللغة الرسمية بالدرجة الأولى و لقد تناول البحث موضوعات متداخلة على نحو من الأيجاز :
- إذ بدأ بعرض لبعض المفاهيم الأساسية مثل اللغة، ووظائفها وخصائصها.
- الرؤية السوسيو – أنثروبولوجية للغة.
- اللغة والتواصل.
وقد ناقشت الباحثة في سياق البحث العلاقة بين علم اجتماع اللغة وعلم اللغة الاجتماعي وبينهما وبين اللغة، وكذلك علاقتهما بالانثروبولوجيا ففي اعتقادها أن هناك حاجة الى :
- مرجعية سوسيو - أنثروبولوجية مشتركة لقضايا اللغة من حيث علاقتهما بالمجتمع والثقافة.
- دراسات ميدانية تتناول قضايا محددة برؤية ميكروية.
- دراسات مقارنة، وخصوصاً بين الجماعات والمجتمعات المحلية العربية.
- هناك مؤشرات تراثية مهمة حول اللغة ينبغي أعادة قراءة تفاصيلها من خلال رؤية معاصرة.
- تشجيع طلبة الدراسات على أجراء دراسات في علم اجتماع اللغة.
وعرّفت الباحثة ما هو المقصود باللغة هل هي وسيلة الاتصال المحكية أم هي التراكيب النحوية، أم هي الرموز ذات الصلة بالأشياء والعلاقات المتداولة في حياتنا اليومية ؟ هل للغة علم خاص بها، أم أن حقولاً عديدة تنجاذبها بحيث يصبح علم اللغة علماً مركباً تتداخل فيه حقول الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم النفس والبايولوجي فضلاً عن حقول الأدب والثقافة، بل والتاريخ والجغرافيا(*).
ففي قواميس علم الاجتماع تجد : علم اللغة الاجتماعية Sociolinguistics كما تجد علم الاجتماع اللغوي كما تجد علم اجتماع اللغة Sociology of Language كما تجد اللغة الاجتماعية Social Language. فإن للغة عموماً عدة خصائص أساسية هي:
أ – أن اللغة رمزية بصورة اعتباطية فهي تحدث علاقة ما بين رمز ما وما يدل عليه.
ب – أن للغة بناء أي أنها تنطوي على ترتيبات ورموز منمطه.
ج – أن لبناء اللغة مستويات متعددة وبالتالي يمكن تحليلها على أكثر من مستوى واحد فمثلاً في الأصوات وفي وحدات المعاني وفي الكلمات والعبارات.
د – أنها توليدية أنتاجية أي أن بأمكان مستعملي اللغة أنتاج نطق جديد بل أن احتمالات أبداع نطق جديد هو عملياً بلا حدود.
هـ - أنها تواصلية أي أنها تتيح لكل فرد أن يتواصل مع أفراد آخرين ممن يشاركهم لغتهم.
و – أنها دينامية وتتطور باستمرار( ).
وتناولت الباحثة الرؤية السوسيو – أنثروبولوجية للغة حيث يرى كثيرون أن الانثروبولوجيا قد تكونت ضمن صلة ضيقة مع شقيقها علم الاجتماع.
ويذكر الدكتور حسين فهيم : أن ما يدرجه الأمريكيون تحت عبارة (الانثروبولوجيا الثقافية) يصطلح الفرنسيون على الإشارة أليه بالاثنولوجيا أو الأتنوغرافيا في بعض الأحيان وهم يدرسونها تحت مظلة علم الاجتماع أما الإنجليز فقد أختاروا تسمية أخرى هي : الانثروبولوجيا الاجتماعية.
فاللغة في الانثروبولوجيا لا تنفصل عن الثقافة. فكل لغة تعبر عن نظرة مجتمع ما وعن تصور خاص لهذا المجتمع الذي يتكلم أفراده بها بمعنى أنها تعبر وتعكس ذهنيته وتحدد ثقافته وشخصيته. أن علم الاجتماع والانثروبولوجيا يتبادلان كما كبيراً من الأفكار وأن كلا منهما أثرى مصادره النظرية والمنهجية بتلك التي يستخدمها الآخر وبالتالي فإن تعريف اللغويات الاجتماعية يقترب اقتراباً وثيقاً من الدراسة الانثروبولوجية لاثنولوجيا الاتصال. فهو – أي اللغويات الاجتماعية – Sociolinguistics العلم الذي يدرس كيف ينقل كلام الشخص معلومات اجتماعية. وبهذا التعريف الضيق تدرس اللغويات الاجتماعية كيفية أرتباط المتغيرات اللغوية بالمتغيرات الاجتماعية – الاقتصادية.
اما بحث أ.م. د. رضا الموسوي الموسوم ( هوية النوع الاجتماعيوخطاب الشخصية المقهوره)(دراسة لغوية اجتماعية في بعض الترانيمات التراثية للمرأه العراقية )
حافظت الأجيال على ثراثها و تناقلته عبرالعصور بأمانة وإخلاص وكانت ترانيما لامهات من بين تلك الموروثات الأصيلة التي شاع تداولها في كل بقاع الأرض،مع وجود بعض الاختلافات في الشكل العام واتفاق في المضمون.هذه الترنيمات هي سجل مفتوح لحالة المرأة النفسية،والوضع الاجتماعي والعائلي الذي تعيشه في تلك اللحظة التي كانت تترنم فيها،فبعض هذه الترنيمات يحمل الهموم التي تعرضت اليها ,من مصاعب حياتية أوعائلية، وبعض هذه الترانيم تحمل بوحا حزينا، تشكون فيها من زوج متسلط فرض عليها كنوع من الاسقاط دور منتجة الابناء والضحية المقهورة أومن زمان جائر أو من غياب ابا و أُم اواخ...
تحاولهذه المرأة أن تجعل منترنيماتها نصاً ومساحة مليئة بالتحول والإيحاء ،فهي توجه خطابها نحو آخر دون أن تنتظر جواباً حتى لو لم يصادفها إلا الصمت،كونها تفترض وجود مستمع في ذاكرتها ،فخطابها الملفوظ هذا ,يمكنها منا لدخول إلى النظام الدال للاشعور عبر النظام الدال للغة من خلال خطاب الذات ،واللغة بوصفها نظاماً دالاً تتكون في الذات المتكلمة؛ فإنها تحددأ سسها التي يمكن للخطاب أن يتناولها من خلال صيغة لاشعور الذات هو(خطاب للآخر). والعلاقة بين الذات ولغتها تفتح منظور اًلتمثيل آلية الكشف عن هذا الخطاب .
في هذه الورقة قدم الباحث وبمنهج وصفي تحليلي نماذج من خطاب للمرأةالعراقيةفي ترنيمات تراثية مختاره تظهر هوية هذا النوع الاجتماعي وقهرها الاجتماعي والنفسي وانكسارلغة خطابها تبعاً لمعطيات التنشئة الاجتماعية التي نمطتها على الرضوخ والاذعان وسلبتها ارادة القرار وزودتها بشخصية منقادة نادبة تلجأ في سلوكها الى استخدام وسائل دفاعية مستخدمةً الللاوعي لتهرب من قلق الوجود وممارسات القهر الاجتماعي المفروضة عليها اغلب الاحيان .
وتناول بحث الدلالات الاجتماعية للتنوع اللغوي للـ أ.م. د. غني ناصر حسين القريشي من جامعة بابل- كلية الآداب- قسم علم الاجتماع التنوع اللغوي في أية دولة من العالم يطرح نفسه بقوة لِما لهذا الموضوع من حساسية كبرى وخصوصية لموضوع اللغة بوصفها أداة للاتصال والتفاعل داخل المجتمع الواحد، وفي هذا السياق برزت عديدٌ من من وجهات النظر المختلفة فيما يخص التنوع اللغوي في بلد معين وهو ذات الأمر الذي نلمسه في معظم دول العالم ومنها بلدنا العراق الذي نرى أنَّ نسيجه اللغوي متنوع بتنوع ثقافته وبوجود بعض العوامل المختلفة الأخرى ذات الدلالة الاجتماعية والمتجذرة في قوة الترابط بين اللغة والمجتمع .وحدد الباحث الإشكالية العامة التي يدور حولها هذا البحث في الآتي:ما الدلالات الاجتماعية للتعدد اللغوي في المجتمع؟ وما العلاقة بين التنوع الاجتماعي واختلاف مستوى الأداء اللغوي في المجتمع؟
وطرح بعض التساؤلات التي وجد أنَّها السبيل إلى تفكيك تلك الإشكالية والوقوف على حيثياتها وهي:
1- ما طبيعة العلاقة بين اللغة والمجتمع؟
2- ما طبيعة العلاقة بين التنوع البنائي للمجتمع والتنوع اللغوي؟
3- هل أنَّ اختلاف مستوى الأداء اللغوي بسبب التنوع الاجتماعي يشكل نعمة للمجتمع أم نقمة على المجتمع؟
4- كيف يبدو وضع لغتنا العربية بين تعدد اللغات وسيطرة اللهجات المحلية؟ وما الحل؟
اما هدف البحث فهو كالتالي:
1- دراسة اللغة بوصفها أحد مكونات البناء الاجتماعي من خلال:
- علاقة اللغة بالمجتمع.
- وظائف اللغة بين مقولات اجتماعيتها ولا اجتماعيتها.
2- دراسة الدلالات الاجتماعية للتنوع اللغوي من خلال:
- العلاقة بين التنوع البنائي للمجتمع والتنوع اللغوي.
- اللغة العربية بين تعدد اللغات وسيطرت اللهجات المحلية.. الواقع والحلول.
حدَّد الباحث بعض المصطلحات والمفاهيم المستخدمة في هذا البحث على النحو الآتي:تعريف اللغة Language فقد جاء في لسان العرب: اللغة اللّسُنُ.. وأصلها لُغوة على وزن فُعلة من لِغا إذا تكلم، ولغوت إذا تكلمت، والجمع لُغات ولُغُون، والنسبة: لُغُوِيَّ(1). وقيل اللُّغة من الأَسماء الناقصة وأَصلها لُغْوة من لَغا إِذا تكلم واللَّغا ما لا يُعدّ من أَولاد الإِبل في دية أَو غيرها لصغرها وشاة لَغْو ولَغاً لا يُعتدّ بها في المعاملة وقد أَلغَى له شاة وكلُّ ما أسقط فلم يعتد به مُلْغًى(2). وتعريف "اللغة" في علم اللغة الحديث على تنوع مدارسه يلتقي مع تعريف ابن جني لها حول هذه الحقائق الهامة، لكنه أضاف إليها حقائق أخرى كانت ثمرة لتطور هذا العلم من خلال الدراسة العلمية.
ويعرفها ابن خلدون بأنَّها عبارة المتكلم عن مقصوده، وتلك العبارة فعل لساني، فلا بدَّ أنْ تصير ملكة متقررة في العضو الفاعل لها، وهو اللسان، وهو في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم(4). وهو ما يكشف عن الوظيفة التواصلية؛ إذْ يصف اللغة على أنَّها نظاماً للتواصل المقصود فهي سلوك اجتماعي، كما يقرر أنَّها ملكة راسخة واستعداد فطري، وكما يشير إلى تعددية النظم اللغوية وطبيعتها العرفية.
ومن خلال التعريفات السابقة يمكن الوقوف على أهم الملامح المميّزة للغة:
1- الطبيعة الصوتية للغة. (فالصوت اللغوي هو الصورة الحية للغة، واللغة التي لا تُنطَق لغة ميتة، ولا تغنى الكتابة عن الواقع الصوتي للغة)
2 - الطبيعة الاجتماعية للغة. ( اللغة مرآة المجتمع، ترتبط بالجماعة في تقدمها وتخلفها)
٣ - اللغة متغيرة.( التغير سِنة جارية في سائر اللغات الحية وتعكس مظاهر التغير والتحول في المجتمع: رقيَّاً كان أو انحطاطاً، تحضراً كان أو تخلفاً)
٤ - اللغة مكتسبة .( لا يولد الإنسان متكلماً بفطرته؛ بلْ يكتسب لغة المجتمع الذي نشأ فيه)
٥- اللغة نسق.( لكل لغة نسقها الخاص على المستوى الصوتي، والصرفي، والتركيبي، والدلالي(
وتطرق الى مفهوم الدلالة والدلالة الاجتماعية فالدلالة: هي المعنى (دلالة أي لفظ) هي: ما ينصرف إليه هذا اللفظ في الذهن من معنًى مدرك أو مُحَسّ، والتلازم بين الكلمة ودلالتها أمر لابد منه في اللُّغة ليتم التفاهم بين النَّاسِ، أي أنَّ هذه الألفاظ الدالة والمعاني المدلول عنها ما هي إلاَّ " علاقةٌ اعتباطية لا سند لها إلاَّ ما يقع من اتفاق النَّاسِ، وتعارفهم على إنشائها وفهمها"، وبذلك تصبح لدى كل جماعة لغة معينة، يسود بها التفاهم وفق نظم خاصة، وهذا التفاهم هو ما يعرف بــ) العرف اللغوي الدلالي) أو (الدلالة العرفية (الناتجة عن ثبوت المعنى إزاء اللفظ الموضوع له. اما اللهجات في الاصطلاح العلمي الحديث عند (إبراهيم أنيس) هي: مجموعة من الصفات اللغوية تنتمي إلى بيئة خاصة، ويشترك في هذه الصفات أفراد هذه البيئة جميعهم، وبيئة اللهجة هي جزء من بيئة أوسع وأشمل تضم لهجات متعددة. وتلك البيئة الشاملة التي تتألف من هذه اللهجات، واللهجة Dialect نمط من الاستخدام اللغوي داخل اللغة الواحدة، يتميز عن غيره من الأنماط داخل نفس اللغة بجملة من الخصائص اللغوية الخاصة، ويشترك معها في جملة الخصائص اللغوية العامة.
اذا فاللغة ظاهرة اجتماعية، والظواهر الاجتماعية والتي يدرسها علم الاجتماع تمتاز بخصائص متعددة منها:
1- أنَّها تتمثل في نظم عامة يشترك في إتباعها أفراد مجتمع ما، ويتخذونها أساساً لتنظيم حياتهم الجمعية.
2- أنَّها ليست من صنع الأفراد، وإنَّما تخلقها طبيعة الاجتماع وتنبعث من تلقاء نفسها عن حياة الجماعات، ويقول العلماء أنَّها نتاج العقل الجمعي.
3- أنَّ خروج الفرد عن نظام منه يلقى من المجتمع مقاومة تأخذه بعقاب مادي أو أدبي.
وتطرق الباحث الى الواقع والحلول للغة العربية بين تعدد اللغات وسيطرة اللهجات المحلية.. حيث قال: إذا كنَّا قد أشرنا فيما تقدم إلى التعدد اللغوي في السياق الاجتماعي العام؛ فإنَّ ذلك التعدد ينطبق بتفاصيله كلها على بلادنا العربية من المحيط إلى الخليج، حيث تتعدد اللغات واللهجات العاميّة وسيطرت على السوق اللغوية العربية، وهو وضع يهدد اللغة العربية الفصحى بالخطر المبين، حيث يسود بين العرب جوَّ لغوي مغلوط مشحون بالمتنافرات من أنماط الكلام، محشوَّاً في بعض الأحيان بكلمات وعبارات أجنبية لثقافات أجنبية تحمل في طياتها تغريباً لغويّاّ وثقافياً للإنسان العربي. أضف إلى ذلك فإنَّ اللغات أو اللهجات العاميّة تلك- بحالتها الراهنة- لا تصلح أنْ تكون أداة لأكثر من التخاطب في الشؤون العادية؛ فلا يجوز اتخاذها أداة للكتابة وما يُطلب بها من الأغراض.
واقترح الجوانب التالية:
1- دراسة التعدد اللغوي والعولمة.
2- دراسة ميدانية للغة العامية واللهجات ودورها في إضعاف اللغة الفصحى.
3- دراسة ميدانية لدور وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية في نشر التثقيف اللغوي للمواطن.
4- دراسة ميدانية لدور المرأة العراقية في نشر التثقيف اللغوي بين الأطفال.
5- دراسة ميدانية عن أسباب انخفاض مستويات التحصيل العلمي لدى طلبة الإعدادية والثانوية بمادة اللغة العربية.
وجاء بحث اللغة العقل الثقافة:ملاحظات أنثروبولوجية أولية في تفكيك الاسس اللغوية للعقل .
أ.م.د .علاء جواد كاظم من كلية الاداب –جامعة القادسية متناولاً الإنسان بأنه هو من أوجـد اللغة، وكل انظمة الـصيغة اللغـويـة فـي تعامله الدائم والحر مـع المحيط الطبيعي الذي دخل في مواجهة ابدية معه، واللّغـة ناتجـة في الاساس عـن التفاعـل بين الإنسان البدائي والـطبيعة، ومن اللغة تتشكل عملية التجريد التي أختص بها الإنسان، دون غيره من الكائنات الحية، وتعد هـذه الملكة التصورية أساس وظائف عمليات خلق المفاهيـم، فضلا عن ذلك تتطور اللغة بتطور الواقـع، لأن كـلّ شعب إنما يحلّل الواقع من خلال اللّغة الـتي ينـطق بها، وعلى هذا فالشعب يرث خبرات وتجارب سابقيه ويترك بدوره للأجيال اللاّحقـة أساليب وطرقًا في كيفية التعامل والنظر إلى الوجود.
وتشكل علاقـة اللغـة بالفكـر وعلاقته بالثقافة اساسا مهما للبحث والجدل في كل الدراسات التي ناقشت اللغة، فاللغة كما يرى المناطقـة أداة الفكر ووسيلته، وهـذا يعني أن زوال اللغة يعني زوال الفكر أو على الأقل تردّيه إلى الدرجات الدنيا، اختلف الانثروبولوجيون في توضيح اهمية اللغة والمهام الملقاة على عاتقها في التفسير الانثروبولوجي وفقاً الى الخلفية النظرية والتحليلية التي ينطلق منها اولئك العلماء وبحسب الاتي:
الوظيفيون : حدد اصحاب الاتجاه الوظيفي الفعاليات الوظيفة التي تؤديها اللغة بوصفها الجزء الاكثر اهمية وحساسية للغة من المنظور انثروبولوجي، وقد انشغلوا كثيرا في تحديد هذه الوظيفة وطبيعتها وتركيبتها وتفاعلاتها النظامية في هذا المجال. اما الثقافيون ( منظروا اتجاه الثقافة والشخصية ) ذهب الثقافيون الى اعتبار اللغة ظاهرة اجتماعية لكن اسسها ثقافية محضة، من هنا عدت من احد اهم الميادين الهامة التي يهتم بها علماء الانثروبولوجيا الثقافية الذين انصبت جهودهم في تحليل ودراسة لغات الهنود الحمر ( في اميركا) كما فعل بواز وبندكت وميد .والبنيويون :استلهم عالم الإنسان "كلود ليفي-ستروس" ألسنيته من "رومان جاكوبسون"، كان ذلك عام 1942م عندما طار "ليفي ستروس" ليحضر دروسه ومحاضراته في نيويورك، وبذلك التاريخ ولدت البنيوية الفرنسية. وقد لعبت سلسلة المحاضرات تلك دوراً عظيماً في تعريف "ستروس" على الألسنية ووجد ضالته في ذلك المنهج تأثراً بتعاليم "دي سوسير" و"رومان جاكوبسون" بحيث تتوافق مع الأنثروبولوجيا.على تحديد (الانثروبولوجيا اللغوية) : بوصفها الدراسة المتعددة التخصصات، والتي تشرح لنا وتقدم رؤية شمولية حول مجموعة اساسية من الاسئلة والدراسة المعمقة لمجموعة من المباديء الاساسية للعلم الانثرو-بولغوي:الكلام بوصفه نوعا من انواع التعامل الاجتماعي وما يتتبعه من تحليل للخطاب، وتركيز على الابعاد الاثنوغرافية للخطاب محاولة الكشف عن الكيفية التي يقوم معها المجتمع بتحديد الابنية الكبرى للغة .كيفية تأثير اللغة على الحياة الاجتماعية. على اساس اننا لا يمكن ان نفهم اللغة خارج سياقها الاجتماعي . وكل ما يتعلق بمحاولة توثيق اللغات المهددة بالانقراض .كيف أن اللغة تمثل التواصل، وتشكل الهوية الاجتماعية والمشاركة(في مجموعة وتنظم معتقدات وأيدلوجيات ثقافية على نطاق واسع وتنمي التمثيل الثقافي للعالم الطبيعي والاجتماعي. فقد ظهرت ثلاثة نماذج عبر تاريخ التخصصات الفرعية:
الأول - يعرف باسم "لغويات الأنثروبولوجيا" والذي يركز على توثيق اللغات.
الثاني- يعرف باسم "الأنثروبولوجيا اللغوية" والذي يتعلق بالدراسات النظرية لاستخدام اللغة.
الثالث- يدرس القضايا المتعلقة بالمجالات الفرعية الأخرى للأنثروبولوجيا باستخدام أدوات البحث اللغوية. فعلى الرغم من أنها تطورت بصورة تسلسلية، فكل هذه النماذج موجودة حتى اليوم.
لقد ذهب الجابري الى ان اللغة العربية هي اداة التفكير ووسيلة التعبير بالنسبة للعقل العربي، وأذن تتحدد خصائصه وتجلياته من هذه اللغة، اما محمد اركون فقد اعتبر ان الاسلام بوصفه دين يحدد هوية العقل عنده، لانه محور تفكير هذا العقل الاول والاخير وسبب تبلوره في التأريخ.
ميز لالندLalande بين معنيين للعقل: العقل المكوِن (بكسر الواو) والعقل المكوَن (بفتح الواو). أما الأول فالمقصود به الفكر الذاتي أو النشاط الذهني الذي يقوم به كل مفكر؛ فيما يشير الثاني الى مجموع المعارف السائدة في عصر من العصور. واشار الى نوعين من الادراك ونوع ثالث يستند الى الاخيرين :
مرحلة الادراك الحسي perception
مرحلة الادراك العقلي او مرحلة تأسيس المفاهيم Conception
|