التصوف في الفكر المعاصر
2022-12-22
ندوة اقامها قسم الدراسات الفلسفية
التصوف في الفكر المعاصر
عقد قسم الدراسات الفلسفية في بيت الحكمة وبالتعاون مع جامعة واسط الندوة العلمية الموسومة ( التصوف في الفكر المعاصر ) شارك فيها نخبة من باحثينا الافاضل حيث سعوا لدراسة وفهم التصوف بشكل عام والتصوف في الفكر المعاصر بشقيه الغربي والشرقي بشكل خاص من خلال بيان الاتجاه الصوفي عند بعض الفلاسفة والمفكرين مثل المفكر العربي العراقي كامل مصطفى الشيبي والفلاسفة الغربيين وولتر ستيس و بليز باسكال واخيرا التصوف اليهودي لدى يورغن هابرماس , الذين يختلفون فيما بينهم بتوجهاتهم الدينية او النقدية ولكن يجمعهم البحث في التصوف .
ففي بحثه حول الشيعة والتصوف عند الدكتور كامل مصطفى الشيبي يلاحظ احد باحثينا ان الشيبي سعى لعقد الصلة بين الجانبين من خلال انتخاب عدد من المتصوفة الذين يعتقدون بان الامام علي هو مرشدهم الاكبر مثل كمال الدين البحراني الذي يعد مثلا لمتكلمي الشيعة وكذلك رضي الدين ال طاووس الذي كان يطابق بين التقية الشيعية والاسرار الصوفية ويرى بانهما يدلان على امر واحد , كذلك الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي الذي كان يرى بان الامام علي راس لكل فروع المعرفة ويعتقد بان الخرقة الصوفية تعود اليه , بالاضافة الى بهاء الدين الاملي الذي يقول ان التصوف عبارة عن التخلق بالاخلاق الالهية قولا وفعلا وعملا وحالا . ونجده يعمل على التفرقه بين الشيعة باتجاهين وهما : الاول من حيث الظاهر و الشريعة والثاني من حيث الباطن والطريقة ويستدل بان اسم الشيعة شامل للكل اي اهل الظاهر واهل الباطن كما عرض للتوحيد الصوفي وقسمه الى توحيد الانبياء الظاهري وتوحيد الاولياء الباطني , في حين نجد عامر بن عامر البصري الذي عارض تائية ابن الفارض بقصيدة تنضح بما يعرف بوحدة الوجود , كما تظهر الصلة بين التصوف والتشيع في توجه بعض المتصوفة الى الحروفية المتاتية من معنى الحروف وحقيقتها في بيان العلم الباطن الذي يعتمد في الكثير من القضايا على علم الحروف او ما يعرف بعلم الجفر الذي يشير الى معنى كامن خارج اطار الالفاظ اذ لكل حرف عدد وهذا معروف في هذا العلم , وينتهي الباحث الى الاشارة الى غلاة الشيعة وعلى راسهم الحافظ البرسي الذي غلا بائمة اهل البيت وادخل العنصر الصوفي في الغلو الشيعي حيث يميل البرسي الى الحديث عن سر العدد في النفوس مطابقة لصور الموجودات وهو عنصر الحكمة ومبدا المعارف .
وفي ورقته عن التصوف عند وولتر ستيس يستعرض باحث اخر كتاب وولتر ستيس المعنون ( تعاليم الصوفيين : التصوف بين الشرق والغرب ) الذي يحاول الكشف عن العلاقة بين التصوف والدين اذ يقول (يبدوأن معظم من كتبواعن التصوف يسلمون بأن التجربةالصوفيةهى تجربة دينية، وأن التصوف هوظاهرة دينية بالضرورة..يبدوأنهم يعتقدون أن(التصوف) و(التصوف الديني)هما نفس الشيء،لكن هذابعيد كل البعدعن الصواب» وفي تعليله لذلك يقول أننا عندما نجردالتجربةالصوفية من كل تأويل عقلي،وكذلك التأويل الذى يطابق بينها وبين الله أوالمطلق أو روح العالم،فمايتبقى لناببساطةهوالوحدةغيرالمتمايزة..لكن ماهو الجانب الديني في الوحدةغيرالمتمايزة ؟تبدوالإجابةفي المقام الأول:(لاشىءعلى الإطلاق)،لايبدوأن هناك شيئًا ما دينيًا يتعلق بالوحدةغير المتمايزة».وأكد«ستيس»أن التصوف يصبح،تلقائيًا،مرتبطًابشدة بأي ديانة من أي ثقافة مهما كانت . ويرى ستيس بأن هناك انقسامًا كبيرًابين الشرق والغرب فيمايتعلق بطبيعةالاتحادالصوفي،فطبقًا لكتب الأوبانيشاد وهي نصوص هندوسيةمقدسة تدرك الذات الفردية فى الحالةالصوفية مطابقتها للبراهمان والذات الشاملة،أماالديانات الغربية:«المسيحية و اليهوديةوالإسلام»،فإنهاتعتبرأنه هرطقة أوتجديف أن يزعم مخلوق ما التطابق مع الخالق ،مع ذلك يفسرون الاتحادبطريقةازدواجية،هناك اتحاد وليس هناك تطابق بين الله والروح .
وفي ورقته حول الملامح الصوفية عند بليز باسكال يشير باحث ثالث الى سعي الفيلسوف لتحديد المعاني الصوفية من اوسع ابوابها المتمثلة بالمحبة الالهية والتي ينطلق فيها مما يسميه ( الورع ) الذي يعرفه باعتباره الابتعاد عن محارم الله والذي يربطه بالمحبة , وعليه فان الدوافع التي يرسمها الانسان في ذاته يجب ان تكون موافقة لافعاله من خلال التادب في السلوك امام الرب .
فيما يستعرض باحث رابع التصوف اليهودي عند يورغن هابرماس حيث يقول لعل ما جاء به الفيلسوف الالماني المولد عام( 1929_...... )الذي جمع الفلسفة وعلم الاجتماع والسياسة يمثل اكمال لما جاء به كانت وفلسفته التنويرية الذي حاول ادخال الدين والميتافيزيقا مدخل العقل من خلال اسئلته المعروفة, هل الدين ممكن كعلم , وفي تحديد العلاقة بين الدين والفلسفة وعلاقة المتناهي والمحدود وهو الانسان باللامتناهي واللامحدود وهو المتعالي(الله عز وجل) وبما ان التصوف يمثل ظاهرة دينية اقتحمت الفكر الكلاسيكي, اذ يمكن تحديد هذه العلاقة عند هابرماس من خلال محورين الاول منه يذهب الى الفكرة الصوفية الدينية وهي الخلاص التي نجدها في اغلب الديانات بالخصوص والفكر الديني عامة , والثاني جانب التاويل وبذلك نتساءل هل وظف الفلاسفة اليهود الفلسفة من خلال نظرية المعرفة الابستمولوجيا الذي يشترك مع المحور الثاني في التأويل والتحليل والتفسير الذي منه يدخل هابرماس الى قلب الحداثة ؟
وقد طرح المنتدون جملة من التصورات والتوصيات تمثلت بالاتي :
1 – الدعوة الى تركيز البحث في التصوف باعتباره حقل معرفي وسلوكي يهتم بتعزيز الجانب الذوقي عند الانسان , فالذوق بصفته وسيلة معرفية يعد اسهامة مهمة في المسعى الانساني للوصول الى الحقيقة الى جانب الادراك الحسي والادراك العقلي وهو ما يحتم الاهتمام به .
2 – ان التجربة الصوفية تعد وسيلة خلاصية يسعى فيها المتصوف الى خلاصه الروحي مما يجعله قريبا من اقرانه المتصوفة الباحثين عن الحقيقة .
3 – اهمية التعمق بالدراسات الصوفية كون هذه التجربة عابرة للاديان والقوميات وهو ما يساهم في تعزيز الافق الانساني .
4 – الانطلاق من التصوف لتكريس روح الانفتاح والتسامح الذي تتسم به التجربة الصوفية مما يعمق التواصل مع جميع الطالبين للحقيقة .
5 – الدعوة لتعميق السلوك الصوفي من خلال الدراسات والابحاث كون التجربة الصوفية تجربة روحية تتعالى على الاهواء والمصالح الذاتية مما يجعلها احد سبل تقويم السلوك الانساني .
6 – الاهتمام بالتصوف يصب في تعميق الجهد المعرفي الفلسفي حيث ان الشكوك والاشكالات التي طرحها المتصوفة سواء ما يتعلق بالحس او العقل تعد اسهامة معرفية في تعميق البحث الفلسفي .
|