التاريخ والسياسية والمجتمع في العراق واليابان.. بين منظورين
2022-12-06
الملتقى العراقي الياباني
تحت شعار
(التاريخ والسياسة والمجتمع في العراق واليابان.. بين منظورين)
أُقيم المُلتقى العراقي – الياباني، بدورتهِ الثالثة عشر، للفترة من 3-9/12/2022
م/ تقرير نشاط بيت الحكمة، ليوم 6/12/2022
لطالما حظي التعاون في مجالات البحث العلمي والأكاديمي باهتمام خاص من لدن مؤسسة بيت الحكمة ومع مختلف دول العالم وها هو بيت الحكمة المتمثل بقسم الدراسات التاريخية وبالتعاون مع جامعة بغداد والجامعة العراقية والجامعة المستنصرية وجامعة تشيبا اليابانية وجمعية اليابان لتطوير العلوم يستضيف الملتقى العراقي – الياباني، بدورته الثالثة عشر لسنة 2022 حيث يشارك في هذا الملتقى العشرات من الأساتذة الأكاديميين من العراق واليابان على قاعة المؤتمرات في بيت الحكمة ليوم الثلاثاء المصادف 6/12/2022، تضمن منهاج المؤتمر كلمات افتتاحية ألقاها كلا من الأستاذ الدكتور حيدر قاسم مَطَر التميمي، رئيس قسم الدراسات التاريخية، وكلمة سعادة السفير الياباني في العراق السيد فوتوشي ماتسوموتو، وكلمة البروفيسور كيكو ساكاي.
أشار الدكتور حيدر قاسم مَطَر التميمي في كلمته التي ألقاها إلى أهمية المؤتمرات العلمية وما تمثله من عصب للتقدم العلمي، وكونها ملجأ المهتمين في آخر مستجدات الساحة العلمية، المؤتمرات العلمية في العراق سهلت على الباحثين اللقاء وتقديم أفكارهم، وطرح اقتراحاتهم، ونتائج أبحاثهم، ليس بما يحقق المنفعة للعراق فحسب، وإنما للعالم أجمع.
في بيت الحكمة، يتم بشكل مستمر وكثيف عقد المؤتمرات العلمية، إما لطرح قضية اجتماعية معاصرة، أو بهدف تامين اللقاء والتعارف بين الباحثين العراقيين ونظرائهم من مختلف دول العالم.
تُعقد المؤتمرات العلمية في بيت الحكمة، بالإضافة لهذهِ الدورية المنتظمة منها، كحالِ ملتقانا هذا، إمَّا نتيجة حدثٍ علميٍّ، أو حاجةٍ طارئة، أو مناسبةٍ تاريخيةٍ متميزة، أو تلك المؤتمرات العلمية التي تنعقد لأسبابٍ واحتياجاتٍ إنسانية. حتَّى باتت هذهِ المؤسَّسة من الجهات الضليعة والمحترفة في عقد مثل هكذا لقاءاتٍ رصينة، إلتزاماً واتساقاً مع الأهداف والرؤية التي حُدِّدت لبيت الحكمة منذ تأسيسهِ منتصف تسعينيات القرن الماضي، والتي جعلت من عقد المؤتمرات العلمية واحدةً من أبرز مهامها الرئيسة.
اليوم، يدخل بيت الحكمة شريكاً رئيساً في إقامةِ هذا الملتقى العلمي، للمرة الثانية منذ بدء انطلاقتهِ الأولى عام 2009. وهو يحاول أن يضع بصمته الخاصة على هذا المحفل العلمي الدولي الفريد، من خلال المشاركة في التنظيم والإعداد له. هذهِ المساهمة التي نأمل أن يكون لها وقعها الإيجابي والفاعل، من بعد الإفادة من الخبرات والكفاءات الجيدة التي تتهيأ لدينا في هذه المؤسسة العلمية العريقة. متمنياً النجاح والموفقية لجميع الباحثين، من يابانيين وعراقيين، ممَّن يشاركون بأوراقهم البحثية، التي هي بطبيعة الحال نِتاج وملخص أفكارهم وطروحاتهم النيرة، والتي بكل تأكيد تُعد إضافة مهمة في سبيل تلاقح الأفكار بين الجانبين، وواحداً من سُبُل الارتقاء بواقع الدراسات الإنسانية، ومرجعاً غزيراً يصب في مصلحة التخصص البحثي في مجال تاريخ العراق وحاضرهِ.
أما كلمة سعادة السفير الياباني في العراق، السيد فوتوشي ماتسوموتو، وكلمة البروفيسور كيكو ساكاي. حيث أبدا سعادتهما وفرحمها بهذا المحفل العلمي الرائع وان علاقة دولة العراق مع دولة اليابان ليست بالجديدة، حيث أن العلاقات بين البلدين تبنى على أساس الاحترام المتبادل وحجم التبادل في جميع المجالات، ولعل أهم وأقدم هذه العلاقات هي العلاقة مع العراق، حيث أن هنالك الكثير من الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المشتركة تذكرنا بتاريخ اليابان من وجهة نظرنا، وان العلاقات اليابانية العراقية تعود إلى النصف الأول من القرن العشرين حيث قامت اليابان بفتح مفوضيتها في العراق سنة 1939 وتبعتها الحكومة العراقية بفتح مفوضيتها في اليابان سنة 1955، شهدت الدولتان تعاوناً اقتصادياً كبيراً وذلك بكون اليابان قوة عالمية ودولة متقدمة تدعم العراق بمختلف الطرق والعراق دولة نفطية مهمة جداً في المنطقة تدعم الاقتصاد الياباني والصناعة اليابانية عن طريق تصدير النفط ومشتقاته إليها. وان جانب التعليم في العراق ومراكز البحث كان لها نصيب من هذا التعاون إذ استأنفت استقبال طلبات التقديم من الطلبة العراقيين للدراسة في اليابان بدعم من حكومة اليابان وكما وقعت مذكرات تفاهم وتبادل أكاديمي بين جامعة تشيبا وجامعة بغداد والجامعة المستنصرية ومنذ عام 2009 عقدت عدة ندوات يابانية – عراقية وبالتناوب. ونحن الآن نعقد إحدى مجالات التعاون هذه في رحاب بيت الحكمة مع كل الشكر والتقدير لهذه المؤسسة العريقة.
ترأس الجلسة العلمية، الأستاذ الدكتور صباح مهدي رميض، ومقررية سلوى محمد جاسم.
كان البحث الأول للبروفيسور كيكو ساكاي، والتي قدمت ورقتها البحثية الأولى تحت عنوان: (ثورة العشرين كمصدر لوطنية العراق). وتلخص إلى أنها قدمت لنا أنموذج متقدم في دراسات التاريخ المقارن، وهذه المرة ببيان رؤيتها الموضوعة لدراسة تحليلية لثورة العراق في الثلاثين من حزيران 1920، وتمثل وجهة نظر الاستعراب الياباني، لاسيما أنها تمتلك خلفية ثقافية فكرية جيدة عن طبيعة المجتمع العراقي، وبينت أن ثورة العراق الثورية الوطنية التحررية هي الولادة الحقيقية لمفهوم الوطنية في العراق. ثورة العشرين تغير نوعي، وظاهرة اجتماعية تكرارها واردة جداً، حيث قدمت لنا الباحثة قراءة موضوعية واجتماعية لوطنية ثورة العشرين في العراق وكيف لعبت دوراً في تكوين الصورة الوطنية العراقية، وهي أول حراك سياسي واجتماعي تحمل جميع أراضي العراق وتحدي الهيمنة البريطانية في عشية تكوين الدولة، محاولةً توحيد الأجزاء المختلفة في العراق للمرة الأولى، حيث تقدم هذه الثورة ذاكرة وطنية مشتركة للشعب العراقي على مر التاريخ العراقي.
ثورة العشرين هي حالة نادرة من الأحداث العظيمة في العراق والتي تعتبرها جميع الفصائل تقريباً، سياسياً أو اجتماعياً، أهم نقطة تحول تاريخية وأساس للوطنية العراقية. ومع ذلك فإن تفسيرها تعتمد على نوع القواعد السياسية والأيديولوجية التي تستند إليها.
يركز البعض على دور القيادات الدينية وخاصةً الشيعية، بينما يحاول الآخر حشد القوى العشائرية بالثناء على دورها في ثورة العشرين، وأخيراً يمكننا أن نشير إلى أن ما حققته هذه الثورة هو الوطنية الجنينية وليس الوطنية نفسها حيث يقع على عاتق جيل المستقبل مسؤولية تأسيس وعي وطني جديد وبناء في العراق على أساس هذه الوطنية الجنينية.
أما البحث الثاني، فكان للباحثة كيكو يوشيوكا، والذي كان تحت عنوان: (الصراع على السلطة في كردستان العراق والتعبئة السياسية في المناطق المتنازع عليها: من واقع تحليلات الانتخابات العراقية لعام 2021). إذ حاولت التطرق إلى أهم ما جاء فيها من وجهة نظر الباحثة من أن للجذور والخلافات الداخلية محرك لأزمات وإشكاليات عدة على مستوى دول أصبحت فيما بعد مستقلة، والأمثلة على ذلك عديدة، مثل: الصراع بين الكوريتين، والألمانيتين، والسودانين، وهذا الأمر قد يكون مشابه إلى حد كبير بموضوعة الصراع داخل الإقليم بين محورين أربيل الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، لذلك فإن مسائل التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا أصبحت عامل محرك في أثارة الأزمات وبأسرع وقت.
هذا البحث يسلط الضوء على طبيعة هذا الصراع ومن ثم بيان التعبئة السياسية في المناطق المتنازع عليها، دستور عام 2005 وتحديداً المادة (140) التي وردت بهذا الخصوص قد عقدت الحلول بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية، ولاسيما في المناطق المتنازع عليها كركوك والموصل، بالدرجة الأساس وهناك مناطق أخرى اقل حدة في ذلك، والمشكلة أن الدستور لم يضع توقيت دقيق لمفهوم المناطق المتنازع عليها.
أما البحث الثالث، فكان للأستاذ الدكتور محمود عبد الواحد القيسي، والذي قدم ورقته البحثية تحت عنوان: (كيف يفهم العراقيون تاريخ اليابان). يشير الدكتور القيسي في ورقته هذه إلى أن واحدة من أهم معطيات وقيم واستيعاب تاريخ اليابان (الحديث) هو تطبيق مفهوم إيجابية العلاقة بين المجتمع والدولة سواء كان ذلك في أوقات الحرب أو السلم، أو في أوقات الأزمات الداخلية أو الخارجية.
اليابان دولة ديمقراطية عادلة تمارس الانفتاح والتسامح، والاعتراف بالأخلاق والتنوع، ومن الذين يؤكدون على حرية المواطنة المدنية، والمشاركة الفاعلة في بناء منظومة الدولة. هنالك ثلاث مستويات من الفهم لمسيرة اليابان التحديثية وتاريخها: الفهم الياباني والفهم الغربي والفهم العراقي حيث كتب الباحثون الغربيون العديد من المؤلفات والمقالات عن اليابان في عصورها المتعددة وركزوا على المفاصل الرئيسة لتاريخ اليابان، ويمكن تلخيص ما آلت إليه مسيرة الفهم العراقي إلى: غموض في فهم اليابان - منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى الستينات، وتنامي المعرفة العراقية عن اليابان من السبعينات وحتى التسعينيات – الإعجاب العاطفي، وأخيراً عودة الفهم المشترك وبدايات التحول من الإعجاب إلى الفهم الأكاديمي والدرس المشترك.
أما البحث الرابع والأخير، فكان للباحثة دعاء سعد عبد، والذي كان تحت عنوان: (محاولات الإفادة من النظام التعليمي الياباني في العراق). يقول مارك آرثر الذي ساعد على بناء اليابان (1925-1951): هنالك معطيات عديدة يجب دراستها وتوظيفها في ميدان التعليم في العراق ومنها الآتية: يجب أن توظف مصلحة الطالب عند وضع الكتاب المدرسي واعتماد الليبرالية في التعليم العالي والمهني (الحرية والمساواة)، والتأكيد على أهمية العمل الجماعي للطلب، زيادة عدد البعثات الدراسية إلى الخارج، معرفة ثقافة الشعوب الأخرى في التعامل مع اليابان، معرفة الصلة الوثيقة بين تطور التعليم والتراث التقليدي للدولة مع توظيف التقنيات الحديثة المعاصرة في ذلك، وأخيراً الميزانية المستمرة للتعليم والبحث العلمي ومراكز الدراسات، فعلى من كل الأزمات التي مرت بها البلاد منذ عام 1993 وحتى اليوم لم تتأثر ميزانية التعليم.
تناولت الباحثة بأهداف بحثها إلى التعريف بنظام التعليم الياباني ومراحل تطوره عبر تاريخ مجتمعه الأصلي، والتعرف إلى دور النموذج التعليمي في تأسيس المجتمع السليم، إضافة إلى التعريف بمدرسة القيم باعتبارها التطبيق المحلي العراقي لنموذج المدرسة اليابانية، والتعرف إلى أهم العقبات التي تعترض تطبيق التجربة اليابانية في العراق عبر نموذج القيم. أن تجربة التعليم الابتدائي الياباني أصبحت نموذجاً يهتدى به فتطبيقاته في مصر، السعودية ولبنان التي تعثرت تجربتها للأسف الشديد، والعراقي تمظهرت تجربته في إطار مدرسة القيم الأهلية، وقد اتضح من عرض المحاولة العراقية ما يأتي:
- أن المحاولة العراقية تمت من خلال جهد خاص أهلي بدون رعاية حكومية.
- إن التعليم الياباني له أسس ثقافية ترتبط بخصوصية مجتمعة وهي غير متوفرة في العراق.
- تطبيق المدرسة لا يتلاءم وقدراتها من مناهج التعليم اليابانية وليس تطبيقا كاملاً كما ينص دليل المدرسة.
- وجود اختلاف في واقع إعداد وتشغيل المعلم بين التجربة اليابانية والتطبيق العراقي.
- وجود معوقات مادية قانونية، ثقافية، نوعية الكوادر ووفرتها تحد من فاعلية التجربة وتطبيقها العراقي.
وفي ختام الجلسة جرت عدة مناقشات ومحاورات لمجموعة من الأساتذة والأكاديميين العرب والأجانب، أضافت إلى الأوراق البحثية آراء قيمة.
|