دولة الإنسان في الفكر والتشريع
2020-11-07
ندوة علمية افتراضية اقامها قسم دراسات الاديان
أقام قسم دراسات الأديان الندوة العلمية الموسومة (دولة الإنسان في الفكر والتشريع) صباح يوم الأربعاء الموافق 16\9\2020 الساعة السابعة مساءً بتوقيت بغداد الكترونياً.
برئاسة: د. منذر العبسلي
الباحثون المشاركون: -
1 – د. منذر زعلان خضير العبسلي ببحثه (بعثة الأنبياء في التشريع الإسلامي).
2- م.م الهام عبد الأمير ألعبيدي ببحثه (الدولة المدنية في التشريع الإسلامي ).
3- م. م علي حسن باتول ببحثه (دور الإنسان في الفكر الاقتصادي للسيد الشهيد محمد باقر الصدر والتشريع العراقي- قراءة تحليلية موجزة).
أفتتح الجلسة الدكتور منذر العبسلي مبياً قدرة الله تعالى في خلق الإنسان وجعله أكرم مخلوقاته، وزوده بالعقل لحمل أمانته وجعله خليفته في الأرض وكلفه بعمارتها والمحافظة عليها، فقال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا”، وقال تعالى:” وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً }، وحتى يتمكن الإنسان من القيام بواجب الخلافة في الأرض ويتأهل لعمارتها على أكمل وجه وأحسن حال وأتم صورة، منحه الله تعالى الحريةَ وحمله المسؤولية، وزوده بجملة من الحقوق والمكنات، وجعل الوجود بما فيه خادماً له وتحت تصرفه، فقال تعالى{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا }، بل لقد نص الأصوليون على أن الشريعةَ نفسَها بكل ما فيها إنما كانت لمصلحة الإنسان ومنفعته؛ فالله تعالى غنيٌ عن الكل لا تنفعه طاعة الطائعين كما لا تضره معصية العاصين.
وقد اعدّت الشريعة الإسلامية حقوق الإنسان وحرياته العامة أحكاماً شرعية لا يجوز مخالفتها أو الاعتداء عليها؛ لأنها تكاليف دينية وواجبات شرعية، لا يملك شخص أو دولة أو قانون حق مصادرتها أو إلغائها، فهي حقوق مقدسة لقداسة النص الذي أثبتها، ومكرمة لكرامة الإنسان الثابتة له.
لذلك يجب أن تكون قضية حقوق الإنسان وحماية حرياته بقطع النظر عن دينه ومعتقده أولى أولوياتنا، وفي أعلى سلم اهتماماتنا، لا تتقدمها قضية ولا يعلوها شأن، انصياعاً لأوامر ديننا واحتراماً لآدمية الإنسان وكرامته، وإرضاءً للضمير والوجدان وقد ترك هذا الحديث للسادة الباحثين للخوض فيه.
اولاً :- . الدكتور منذر زعلان خضير العبسلي ببحثه (بعثة الأنبياء في التشريع الإسلامي): خلق الله عز وجل الإنسان وصوره في أحسن تصوير وأمر الملائكة وجميع المخلوقات أن تسجد لهذا المخلوق الذي كرمه الله ، وقد بعث الله عز وجل الأنبياء والرسل وكانت علة بعثة الأنبياء هي لتعليم الناس والمجتمع بما يحتاجونه من أمور حياتية وطبية وفلكية وصناعات وغيرها ، وكان لكل نبي معجزة كانت تعالج المجتمع في حينه مثل النبي موسى عليه السلام ودور السحرة آنذاك وإدريس عليه السلام في التأليف والكتابة والنبي عیسی ( ع ) في مجال الطب وإحياء الموتى وإبراء الأبرص والاكما والنبي داود ( ع ) إذ ألانَ الله له الحديد والنبي محمد ( ص ) له في الإرهاصات في بداية حياتية والمعجزات بعد بعثته وكان خاتم الأنبياء .
وفي اللغة سمي الإنسان أنساناً لأنه يأنس بعضه ببعض وهنالك اختلافات كثيرة بين الديانات، علما أن الدين عند الله هو الإسلام وفي الآية الكريمة قوله تعالى (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ ) . وفي قوله تعالى (أقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) كان هذا هو بداية تعلم الإنسان وكيف يكون وماذا عليه أن يعلم في بناء دولة وحاجة ماسة من أمور قد تضعها الأمور الشرعية في التشريعات الإلهية ويأخذ من هذه التشريعات أساس في بناء الدساتير والقوانين الوضعية ، نحتاج إلى هذه الرؤية في بناء مجتمع ينسجم مع ما يحتاجه الإنسان من تعايش بينه وبين أبناء جنسه، عن الرسول محمد ( ص ) يقول (أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بالفرائض)، وقد قال الله عز وجل( انما عليك البلاغ و علينا الحساب ) وجاء عن الإمام الصادق( ع ) قال ( نصف العقل مدارة الناس ).
وجاء الإسلام ليكون أمة الوسط خاتمة للشريعة وتكملة للإحكام الإلهية وقد حرم كل ما يضر الإنسان في أمور قد لا يعرفها الإنسان بأنها مضرة كما في قوله تعالى (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) وركز الإسلام على الإنسان في قوله تعالى (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) وأعطى الإسلام قيمة عظيمة للإيمان والعمل بالصالحات والأعمال التي تخدم المجتمع والتي تبدأ بالأخلاق وتنتهي في البيع والشراء .
وأعطى الإسلام قيمة عظيمة للأخلاق وقد خص الله الرسول الكريم ( ص ) اذ قال ( وانك لعلى خلق عظيم ) هذه الأخلاق جاءت في المعاملة الطيبة والمعاشرة الطيبة وكل ما يحتاج في المعاملات اليومية، يحتاج المجتمع الإنساني إلى الحوار وهذا مبدأ الله عز وجل يتضح ذلك جلياً بمحاورة ابليس مع الله عز وجل أذ قال للباري عز وجل أنظرني إلى يوم يبعثون فقال الله انك من المنظرين فما أحوجنا إلى هذا النوع من الحوار في ظروفنا الحالية . هنالك تعريف في للمرجع الديني السيد حسين السيد إسماعيل الصدر في مسألة الحوار إذ يقول (الحوار هو معرفة الأخر وليس تغييره) أي علينا تقبل بعضنا بعضا وان نشخص الأفعال ونقيمها لا أن نضع الكراهية والحقد بين الناس، تعريف اختصر واختزل الكثير من المعاني والعبارات التي يصعب فهمها في الظروف الصعبة.
نسأل الله عز وجل أن يحفظ الإنسانية ويبعد الوباء عن الناس جميعا بكل دياناتهم وكل مذاهبهم والله الموفق.
ثانياً:- م.م الهام عبد الأمير العبيدي ببحثها( الدولة المدنية في التشريع الإسلامي(.
وضحت الباحثة عدم أتفاق المفكرين على تعريف واحد للدولة المدنية، فقد اختلفت عباراتهم في ذلك لكنها متقاربة ومنه: -
أولاً: هي دولة تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن القومية والدين والفكر.
ثانياً: هي الدولة التي تقوم على أساس المواطنة وتعدد الأديان والمذاهب وسيادة القانون.
ثالثاً: الدولة المدنية هي الدولة التي يحكم فيها أهل الاختصاص في الحكم والإدارة والسياسة والاقتصاد.
ومن خلال تعريف الدولة المدنية يمكننا القول أنّ هناك مبادئ ومقومات وأركان عديدة ينبغي توافرها في هذا النوع من الدول والتي إن نقص أحدها فلا تتحقق شروط تلك الدولة:
أ- بشرية الحاكم وعدم قداسته، وخضوعه للمحاسبة والمساءلة.
ب- الشعب مصدر السلطات، وتعزيز دولة المؤسسات والتمثيل النيابي.
ج - التعددية السياسية و حرية إبداء الرأي.
د- الفصل بين السلطات.
ه- حق المواطنة وسيادة القانون واستقلال القضاء.
هذه الأركان هي نفسها التي يقوم عليها النظام الديمقراطي الذي يستمد تشريعاته من الشعب،
كما بينت العبيدي مبادئ و أهداف الدولة المدنية التي تسعى الى تحقيقها: -
1- إن تقوم تلك الدولة على السلام والتسامح وقول الأخر والمساواة في الحقوق والواجبات.
2- حق المواطنة والذي يعني إن الفرد لا يعرف بمهنته أو دينه أو بإقليمه أو بماله أو بسلطته وإنما يعرف تعريفا قانونيا اجتماعيا بأنه مواطن أي انه عضو في المجتمع له حقوق وعليه واجبات وهو يتساوى فيها مع جميع المواطنين.
3- لا تقاس الدولة المدنية بخلط الدين بالسياسة كما أنها لا تعادي الدين أو ترفضه لكنها ترفض استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية وذلك يتنافى مع مبدأ التعدد الذي تقوم عليه الدولة المدنية.
4- تعزيز الديمقراطية وترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة والذي يمنع من إن تأخذ الدولة غصبأ من خلال فرد أو نخبة أو عائلة ارستقراطية أو نزعة أيديولوجية.
وقد تطرقت العبيدي الى أوجه المقارنة بين الدولة الإسلامية والدولة المدنية موضحةً مصطلح الدولة المدنية لم يوجد في تاريخنا الإسلامي ولم يتحدث فقهاء الإسلام عنه،
ولكن عدم وجود المصطلح نفسه في تراثنا الفقهي والديني لا يعني أن المبادئ والمضامين الأخرى التي ينادى بها سواء - بالقبول أو الرفض -لم تكن موجودة أيضا ،وهناك أوجه اتفاق بين الدولة الإسلامية والدولة المدنية.
إن الدولة المدنية بأسسها وأركانها الستة لا تتناقض من النظام السياسي الإسلامي إلا في بعض الأمورونستطيع إثبات ذلك خلال مناقشه الأركان التي تقوم عليها الدولة المدينة الحديثة وفق المعايير الآتية: -
1- بشرية الحاكم وعدم قداسته وخضوعه للمحاسبة اذا كانت الدولة المدنية تقرّ هذا المبدأ فأن الإسلام قد اقرّه فليس للحكام في الدولة الإسلامية سياسة مطلقة بحيث يفعل ما يحلو له . بل يخضع في ذلك كله للقانون الإسلامي ومبادئ الشريعة التي وجدت قبل وجود الدولة والأمة والسلطان وسلطة الحاكم في النظام السياسي والإسلامي سلطة تنفيذ الإحكام الشرعية نيابة عن الأمة ولا حصانة للحكام في الدولة الإسلامية ولا قداسة والأمة تراقب الحاكم وتحاسبه وإذا حادت السلة الحاكمة عن هذه الوظيفة فأن حق الأمة مراقبة الحاكم و محاسبته بل عزله.
لقد أكدت الشريعة الإسلامية الغراء على ضمان الحقوق السياسية لأفراد المجتمع الإسلامي، وسمحت لهم بإبداء الرأي والمشورة في حدود ما أجازه الشرع إن المسلم في الدولة الإسلامية يمكنه المشاركة في القرارات المصيرية للأمة وغيرها بوسائل مشروعه تحفظ له حقه الطبيعي في أن يكون عضواً فاعلأ في مجتمعه.
من وسائل إبداء الرأي في الإسلام ما يأتي:-
أولا: الشورى.
ثانيا: النصيحة.
ثالثاً: البيعة) حق الانتخاب و التصويت (.
رابعاً: حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
خامسا: الاجتهاد.
2- المواطنة: يعرفها بعض المختصين بالعلوم الاجتماعية بأنها مجموعة الالتزامات المتبادلة بين الأشخاص والدولة، فالشخص يحصل على بعض الحقوق السياسية والمدنية نتيجة انتمائه إلى مجتمع سياسي معين وبالوقت نفسه يؤدي بعض الواجبات ولا تعني المواطنة مجرد معرفة الفرد بالحياة السياسية، ومشاركته في عملياتها كالتصويت بانتظام ،ولكنها تتجلى في وعي الفرد واهتمامه بشؤون المجتمع وقدرته على العمل بكفاءة لصالحه، فالمواطن في الدولة الإسلامية يتمتع بجميع الحقوق التي اقرها الشرع، وليس لأحد إن يسلبهم تلك الحقوق أو ينقص منها شيئا ، بل وللمسلمين إن يزيدوا على هذه الحقوق بشريطة إن لا تناقض الشريعة الإسلامية وكما قال الفقيه السيد حسين الصدر : أن يكونوا حملة رسالةً ألهيه هدفها خدمة الإنسان فالرسالات السماوية كلها وبضمنها الإسلام مصدرها واحد هو الله سبحانه وتعالى وهدفها واحد هو الله سبحانه وتعالى وهدفها واحد هو الإنسان وخدمته، وقد أنزلت هذه الرسالات من اجل الإنسان وخدمته ، لذلك من يحمل هذه الرسالة لا بد وان يعمل من اجل الوطن، وإنسان هذا الوطن إما السياسة بالمعنى المفهوم اليوم فأننا نراها تسعى لمصالح ضيقة هدفها سياسي من ورائها خدمة حزبه أو طائفتة أو قوميته أو ما شاكل ذلك.
لذلك يجب على حملة الدين أن لا تكون لهم مصالح خاصة إنما مصلحة الوطن هي الأولى، وبيّن سماحته يجب العمل على ثلاث حلقات الأولى هي العمل من اجل امة لا اله إلا الله، كما في قوله تعالى ) ان هذه أمتكم أمه واحدة وانا ربكم فاعبدون .(
ثم الحلقة الثانية الأكبر وهي الدائرة الإيمانية وهي أمة المؤمنين، التي وضعها القران الكريم) إنما المؤمنون إخوة.(
أما الدائرة الأكبر وهي الحلقة الثالثة فهي الأمة الإنسانية ومصداقها القرآن الكريم كقوله تعالى) ياايها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم . (
إذن الحكمة الإلهية اقتضت أن تكون هناك عقائد وأمم وآراء وأن تتعارف فيما بينها ، وان يعرف أصحاب كل ثقافة ورأي، الرأي الأخر.
3- م. م علي حسن باتول ببحثه (دور الإنسان في الفكر الاقتصادي للسيد الشهيد محمد باقر الصدر والتشريع العراقي- قراءة تحليلية موجزة):
إن دور الإنسان الاقتصادي في الفكر الإسلامي ظل ردحا من الزمن يدور حول المعاملات المالية في إطار تكوينها وانعقادها وبيان المستحدثات التي ظهرت في مجال المعاملات المالية من حيث كونها تتفق مع قواعد الشريعة الإسلامية من عدمه. لم يكن هنالك رؤية فقهية متكاملة للاقتصاد الإسلامي إلى حين صدور كتاب اقتصادنا للسيد الشهيد محمد باقر الصدر وان كان هنالك مؤلفات صدرت قبل ذلك فهي تفتقر إلى الرؤية المتكاملة الذي ظهر فيه كتاب (اقتصادنا) من حيث الاطلاع الواسع للسيد الشهيد على المدارس الاقتصادية الاشتراكية والرأسمالية التي كانت تتنازع فيما بينها وتهيمن على دول العالم الإسلامي ولحق كتاب اقتصادنا كتاب البنك اللاربوي في الإسلام الذي عد عبارة عن دراسة واقعية متكاملة لهيكل وعمل البنك الإسلامي.
إن المذهب الاقتصادي في فكر السيد الشهيد الصدر عبارة عن الطريقة التي يفضل المجتمع اتباعها في حياته الاقتصادية، وحل مشاكلها العملية، فالمذهب الاقتصادي الإسلامي في فكر السيد الشهيد تتجسد فيه الطريقة الإسلامية في تنظيم الحياة الاقتصادية بما يملك المذهب ويدل عليه في رصيده الفكري والذي يتألف من أفكار الإسلام الأخلاقية والأفكار الاقتصادية او التاريخية التي تتصل بمسألة الاقتصاد السياسي أو بتحليل تاريخ المجتمعات البشرية.
ينطلق السيد الشهيد في كتابه من مبدأ الخلافة في الأرض، بقوله إن الاتجاه لدى الإنسان المسلم يعبر في الحقيقة عن مبدأ الخلافة في الأرض فهو يميل بطبيعته إلى ادارك موقفه في الأرض باعتباره خليفة الله، ولا يوجد مفهوماً أعنى من مفهوم الخلافة لله في التأكيد على قدرة الإنسان وطاقاته التي تجعل منه خليفة السيد المطلق في الكون.
لم يضع السيد الشهيد قواعد في الاقتصاد الإسلامي منبتة الصلة عن النصوص الشرعية الإسلامية ومن ناحية أخرى فان المدارس الاقتصادية الكبرى كانت محط تركيز دراسة معمقة
لبيان موطن الخلل فيها وعدم جدوى ملاءمتها لواقع المجتمع الإسلامي فيستعرض الشهيد المدرسة الماركسية والرأسمالية إضافة الى النظريات الاقتصادية الأخرى من خلال أدواتها وليس من وجه نظر إسلامية.
فالمذهب الاقتصادي الإسلامي ينظر إلى الإنسان وميوله ومصلحة المجتمع فهو لا يطلق حرية التملك كما تفعل الرأسمالية وإنما يحد منها في ضوء المصلحة العامة ولا يحرم الملكية الخاصة كما تفعل الماركسية وإنما ينظمها ويحددها أيضا في ضوء المصلحة العامة.
ويستعرض السيد الشهيد في نظرية ما بعد الإنتاج في الاقتصاد الإسلامي دور الإنسان المهم
في تملك الثروة المنتجة من الطبيعة الخام لا بوصفه خادما وإنما بوصفه الغاية من العملية الإنتاجية، وينظر السيد الشهيد الصدر إلى الإنسان ويبرز حقوقه في الضمان الاجتماعي على أسس التكافل العام وحقه في مصادر الثروة.
إما على مستوى التشريعات الاقتصادية في القانون العراقي والتي لا يمكن حصرها بتشريع
واحد لكن بالإمكان إن ننطلق من دستور 2005 التي أبرزت دور الإنسان الاقتصادي من خلال
النظر إلى المادة 22 ثانياً التي نصت على انه)) ينظم القانون، العلاقة بين العمال وأصحاب العمل على أسس اقتصادية، مع مراعاة قواعد العدالة الاجتماعية ((.
إما البنك اللاربوي في الإسلام فهو عبارة عن كتاب يتضمن الأسس التي يقوم عليها البنك
الإسلامي ووضع السيد الشهيد في هذا الكتاب تنظيم لدور كل من البنك والمودع والعميل
هذا الكتاب الذي يتضمن دور أدوار للإنسان في الحياة الاقتصادية المصرفية يختلف عما هو عليه في البنوك الربوية. أن كتاب البنك اللاربوي سبق العديد من غيره في إبراز خصاص البنك الإسلامي بصورة واقعية.
لذلك فان المصارف الإسلامية مدينة إلى هذا الكتاب القيم بالكثير من الفضل
ختاماً فقد خرجت الندوة باستنتاجات وهي:-
1- إن أحد الأغراض الرئيسة من بعثة الأنبياء عليهم السلام أَلا وهو إقامة العدالة الاجتماعية، وأنّ نزول الكتاب والميزان بمثابة المقدّمة لذلك، يقول تعالى : ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾.
2- إبراز محاسن الشريعة الإسلامية وقدرتها على مراعاة الحاجات البشرية والموازنة والمواءمة بين المصالح والمفاسد، ومواجهة المستجدات الطارئة بما يحقق مصالح الامة في كل زمان ومكان.
3- من أهم مبادئ الدولة المدنية ألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر فهنالك دوماً سلطة عليا هي سلطه الدولة والقانون يلجأ إليها الإفراد عندما تنتهك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك. فالدولة هي التي تطبق القانون، وتمنع الإفراد من إن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم.
4- إن مسألة الحلال والحرام تمتد إلى أوجه الحياة الإنسانية كافة لذلك فان كل ألوان النشاط
الاقتصادي خاضعة لقضية ذلك الحكم بما يعبر عنه من قيم ومثل واستخلاص المذهب الاقتصادي الإسلامي في ضوء تلك القضية.
|