دور مراكز البحوث في دعم اتخاذ القرار

2016-07-25

دور مراكز البحوث في دعم اتخاذ القرار

بحث مقدم من قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية



دور مراكز البحوث في دعم اتخاذ القرار


أ.د. محمود علي الداود
مشرف قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية
 –بيت الحكمة


     تُعد مراكز البحوث احد العناصر الأساسية والفاعلة في تحديد السياسات وصنع القرارات في الدول الديمقراطية وأشبه ماتكون نخبة غير مادية –معرفية وفكرية يستند اليها مجمع المعلومات وانها تؤمن المناخ المناسب لعملية جماعية وشفافية ومسؤولة غرضها تحليل البيانات واجراء الدراسات والبحوث ورسم السياسات (خطط العمل) وصنع القرارات ومن ثم التقييم وعادة توصف مراكز البحوث بكونها من ابتكارات القرن العشرين والتي شاعت وعمت في ارجاء الدنيا لاسيما في السنوات العشرة التي تلت انتهاء الحرب الباردة .
وفي المجتمعات الديمقراطية اصبحت مراكز البحوث فعلاً من العناصر الرئيسية في عملية صنع القرار واستمر على نحو مطرد انشاء معاهد تقرير السياسة هذه في كل من أسيا واوربا طيلة النصف الاخير من القرن الماضي فتزداد عددها في اوربا الغربية في الثمانينيات والتسعينات على العكس مما حصل في اوربا الشرقية أما في الولايات المتحدة فيعود تاريخ انشاء الكثير من مراكزها البحثية الى بدايات القرن الماضي ومنها بروكنكز (1916) Brookings ومؤسسة كانيجي للسلام الدولي (1914) ولكن بشكل عام جاء توسع مجتمع بحوث السياسة الامريكية وتزايد اعداد مؤسساته بعد عقد السبعينات لتشير الى المؤسسة البحثية العاملة بالتعاقد مثل مؤسسة راند  Rand Corporation .
وقد تطورت مراكز الدراسات والبحوث لتتخذ اشكالاً عدة وحملت ميزات مختلفة ذات صلة بالانظمة السياسية القائمة في دولها وبالحالة السياسية السائدة فكانت فيها المراكز المستقلة وتلك التي يمتلكها مؤسسات المجتمع المدني وأخرى ملحقة بالجامعات وكانت منها مراكز حكومية وأخرى غير حكومية وفي الولايات المتحدة تزايدت في الآونة الاخيرة معاهد تقديم المشورة ولاسيما تلك التي تدعو وتروج للأفكار المحافظة وللسوق الحرة فضلاً عن ظهور معاهد اقليمية واخرى خاصة بولاية معينة .
أما في أوربا الغربية فنجد ان اغلب مراكز الدراسات فيها صغيرة وتعيش على هبات المؤسسات الخيرية فيها بينما مراكز الدراسات الالمانية تكون ذات سمات أكاديمية اكثر وعدد الباحثين فيها اكثر وكذلك الموظفين كما يأتيها ايضاً الدعم من الحكومات المحلية .أما في الدول الاسكندنافية فيكون تمويل مراكز الدراسات والبحوث من الحكومات .
وتقدم الصين وكوريا الجنوبية مثالين للبلدان الأسيوية التي تكتسب فيها مراكز البحوث سلطة ونفوذاً لهذا فهي أخذة بالتوسع والتطور سريعاً باستخدام أموال الحكومة والأموال العامة وتحصل مراكز البحوث في كوريا الجنوبية على تخصيصات الشركات الصناعية والتجارية التي توحد اسهاماتها من خلال (المؤسسة الكورية) Korean Foundation حتى تحصل مراكز بحوث مختلفة عن طريقها على المنح والهبات لدعم مشاريعها البحثية والكثير من مراكز الدراسات في اوربا الغربية عدا بريطانيا تتمول من المال الخاص وتوظيفه جيداً في دراسات وبحوث رسم السياسة ان استقلالية التمويل توفر استقلالية البحوث لكن الاستقلال البحثي هذا يمكن تحقيقه ايضاً بالتوافق مع جماعة مصدر التمويل الخاص .
تتنوع خصائص مراكز الدراسات والبحوث وتتباين كثيرا في كل من البنى التنظيميه ومهماتها المعلنه , ومصادر التمويل , وعدد العاملين فيها , واساليبها البحثيه , وفي انتاجاتها العلميه وعملياتها 0وبالرغم من مراكز البحوث في العالم تعلمت من المراكز التقليديه الآمريكيه ألا انها طورت لنفسها أساليبها وطرقها الخاص بها وأوجدت معها بنى تنظيميه تتلائم مع عمليات بحوث السياسيه ومع الانظمه الحكومية في بلدانها 0وتعتمد مراكز البحوث اليابانيه على تطور أرباح الشركات الكبرى ألا ان هذه المراكز تسعى من ناحيه اخرى الى تقديم المشورة الى هذه الشركات والى الشركات اليابانيه من اجل استمرار عملها0
وتسعى مراكز البحوث الامريكيه ان تكون قريبه من صانع القرار الامريكي
وتعتبر مراكز البحوث  Brookings و Enterprise Institute للدفاع والسياسه الخارجيه ومعهد الشرق الآوسط Middle East Institute  والمعهد الامريكي للدراسات الستراتيجية American Institute FOR Strategic Studies
من مراكز البحوث القريبه من البيت الابيض وفي اروقتها اتخذت قرارات هامه وحاسمه في الاعداد لغزو العراق وتسلق العديد من باحثيها مراكز مرموقه عن طريق تأمين ادارة ناجحه لشبكات المراكز البحثة 0وان تأمين ادارة ناجحه لشبكات المراكز البحثيه يلقي على المديرين عملا شاقأ بسبب ما يترتب عليهم من موازنه عدد من المصالح المتضاربة0 ولهذا فهناك توقع بأن النضام  الشبكي يتمخض دوما عن فوائد وايضا عن مساوئ وان جهودهم الحثيثه في هذا المجال ستجعل من بعض الشبكات في منزلة الصداره وهذا ما يوفر قواعد وخطوط ارشاديه يستفاد منها في عملية رسم السياسه 0 ومن المؤكد ان المناقشات الجاريه وجهأ لوجه تكون احيانأ اكثر تأثيرا واكثر فائدة 0
ماهي أهداف مراكز البحوث 0
تسعى مراكز البحوث لتحقيق الاهداف الآتية 0
أ‌-    أجراء الدراسات والبحوث العلمية النظرية والتطبيقية في الجوانب ذات الاختصاص بمهام المراكز وتحليل آثار المتغيرات البيئيه والاقليميه والدوليه من النواحي الاقتصاديه والسياسية والاجتماعية على المجتمعات
ب‌-    عقد المؤتمرات والندوات العلمية المتخصصة وفق مهام المراكز 0
ج‌-    تنظيم المحاضرات والحلقات النقاشية التي تتناول موضوعات تفرضها المتغيرات القائمة والمستقبليه وتأثيراتها السياسيه والاقتصاديه والاتجتماعيه على الساحه العربيه والدوليه0
ح‌-    ان تكون حلقه وصل وتقريب بين المسافات الكبيرة بين مصادر المعلومات والمستفيدين منها.
خ‌-    كشف النتاج الفكري وارشاد المستفيدين بالشكل الذي يلائم حاجة كت منهم
د‌-    الحصول على المعلومات بسرعة لكل مشكلة وتقديم للمستفيدين ملخص البحوث الجارية وتحليل المعلومات ليتلقى المستفيد ما يناسب من حيث الطريقه التي تعرض بها المعلومات 0
ذ‌-    يقوم المركز بترجمة اللغات التي لا يعرفها الطرف المستفيد 0
ر‌-    الحصول على الوثائق المطلوبة لتقديمها الى المستفيدين حيث يصعب الحصول عليها من قبل هؤلاء المستفيدين 0
ان وظيفة مراكز البحوث هي جمع النتاج الفكري وخزن المعلومات والوثائق وإعداد المعلومات تحليلا وتركيبا بعد تصنيفها وإعداد تقارير عن الوضع الراهن والاحتفاظ ببليوغرافيا كل موضوع 0
ان الحاجة الى المعلومات أصبحت متخصصة ويتطلب ذلك ان تقوم مراكز البحوث بتحليل المعلومات الى أدق بياناتها وتقوم بتقديم تقويما" علميا" ونقديا" لتكون ملائمه لمعالجة مشكلة معينة كما ان تبادل المعلومات على المستوى الدولي من خلال الاتصالات المباشرة بين المراكز من الأمور المهمة وذلك نتيجة لتطور الأمور العلمية والتقنية بسرعة في اكثر بلدان العالم وهناك فوائد للتبادل الدولي للمعلومات لأن ذلك سيحسن عملية التعليم المستمر من اجل تجهيز الافراد بقاعدة معلومات واسعة وبالشكل الذي يرغب به الباحث وكذلك والأهم من ذلك مساعدة الحكومات والمخططين الاستراتيجيين في اتخاذ القرار ووضع الخطط في المجال الاقتصادي والاجتماعي والتكنلوجي واستخدام الثروات الوطنية بأعلى مستوى .
ومن اهم أهداف مراكز البحوث هي نقل النتاجات الفكرية والعلمية عالية المستوى من اللغات الاخرى وتعتبر الحواجز اللغوية من المعوقات الاساسية في استثمار النتائج الفكرية المنشورة وبلغة اخرى والاستفادة منه لذا نشأت منه الحاجة الى توفير خدمة الترجمة وتبرز اهمية خدمة الترجمة بان الاطلاع على النتاج الفكري للمترجم يجنب الكثير من بذل الجهد والمال وتكرار البحث في مواضيع تكون قد تم نشر بحوث عنها ومن ابرز مراكز الترجمة التي تعمل لحساب مراكز البحوث الامريكية هو (المركز القومي للترجمة في شيكاغو).

تفعيل دورمراكز البحوث العراقية

شهد العقد الاخير من القرن الماضي تأسيس مراكز بحوث متعددة في الجامعات العراقية واستهدفت وزارة التعليم العالي ومؤتمراتها المتعددة السعي الى خلق مدارس فكرية علمية عراقية قادرة على دفع الجامعات نحو التحدي والتطوير من اجل نظام التعليم العالي قادراً على الاستجابة لحاجة الدولة والمجتمع مواكباً للتقدم العلمي والتكنلوجي في العالم .
ورغم التقدم الكبير في الانتاج العلمي لمراكز البحوث العراقية إلا ان الاستفادة منها لازالت محدودة بسبب البيروقراطية وعدم التنسيق مع الوزارات ودوائر صنع القرار. وقد بذل بيت الحكمة جهوداً كبيرة في الدعوة للتنسيق بين هذه المراكز واستقطاب الكفاءات العراقية في الجامعات ومراكز البحوث والمجتمع المدني من خلال عقد المؤتمرات والندوات وورش العمل لبحث قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية والاداء الدبلوماسي العراقي. وقد استضاف بيت الحكمة أعدادا كبيرة من هذه الكفاءات ويأمل ان يكون جسراً لايصال الافكار المبدعة الى مراكز صنع القرار ويؤكداً اهمية التنسيق بين مراكز صنع القرار وهذه المراكز ذات الاهمية القصوى .

تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل الخبر