المخدرات الرقمية وأثرها على الشباب - رؤية شرعية قانونية
2024-09-22
محاضرة علمية اقامها قسم الدراسات الاسلامية
المخدرات الرقمية وأثرها على الشباب - رؤية شرعية قانونية
عقد قسم الدراسات الإسلامية المحاضرة العلمية الموسومة بــ( ( المخدرات الرقمية واثرها على الشباب -رؤية شرعية وقانونية ) بتاريخ 22/9/ 2024 على قاعة المرايا للمحاضرة الأستاذ المساعد الدكتورة هيفاء محمد عبد وبمعية المقررة الأستاذ المساعد الدكتورة مياس ضياء باقر .
ابتدأت المحاضرة بالتنويه عن اكتشاف الانسان لشبكة الانترنت على خلفية تطور ثوره الاتصال والمعلومات والتي القت تداعياتها على جوانب الحياة الانسانية و المادية والروحية والترفيهية ، وهذا ما مكن بعض الافراد من الاستفادة من تطبيقات هذه الثورة في تنفيذ العديد من الافكار الاجرامية ومنها صناعة ملفات صوتية على نحو معين عن طريق تكنولوجيات هندسه الصوت والاعتماد على فكره القرع على الاذنين ، وترويجها عن طريق الانترنت باعتبارها نوعية المخدرات التي تتماشى وطبيعة وثقافة هذا العصر ، فلم يعد الادمان مقتصراً على المخدرات التقليدية ، ولكن رياح التغيير التي قد اجتاحت كل شيء ففي عالم اليوم اطلقت صيحة حديثة في عالم مخدرات تصل إلى اقصى العالم في لحظة واحدة دون توقف وبلا الحدود ، فمع انتشار استخدام الانترنت الذي يشهده العالم العربي والاسلامي في السنوات الاخيرة وأصبحت هذه الخدمة قي متناول الجميع ، والتي توصف بانها سلاح ذي حدين كونها مفيدة في الاتصال والتعلم و من جهة أخرى تحمل خطراً كبيراً على صحة وعقول الشباب ومستقبلهم ان استخدمت دون وعي ، فقد انتشر نوع غريب من الادمان يتمثل في برنامج على الانترنت يستخدمه الشباب لتحميل انواع من الموسيقى الصاخبة ، مما يحدث تأثيراً على حالته المزاجية ، يحاكي تأثيره المرجوانا والحشيش والكوكايين وانواعاً اخرى من مخدرات.
لذا سلطنا الضوء في هذه المحاضرة على تعريف المخدرات الرقمية ،والجذور التاريخية لنشأة هذه المخدرات ، وأثرها على الشباب وخاصة الشباب العراقي وما هو الفرق بين المخدرات الرقمية والتقليدية ،ثم سنبين الموقف الفقهي من مسائل تتعلق بهذه المخدرات من حيث العلاج والتداوي بها ، وكذلك تسليط الضوء على التكييف القانوني لهذه المخدرات وبالأخص القانون العراقي .
و من خلال النظر لهذه التعريفات يمكن ان نفهم حقيقة المخدرات الرقمية انها مجموعة من الموجات الصوتية تشترك احياناً مع العروض المرئية .واحيانا مع اشكال متداخلة تتحرك مع الموسيقى غير المنسقة سوى الاصوات المختلفة لكي ينسقها الدماغ ، وعندما تكون كبيرة لا يستطيع الدماغ ترتيبها ويكون غير مستقر ويصاب باللاوعي ، مما يؤثر على الدماغ والتركيز ويتم هنا التخدير ، لأنها تؤدي الى الانهيار العصبي ، فضلا عن ذلك فانها تؤثر على الذاكرة قصيرة المدى وطويلة المدى.
ويعد هذا الادمان من احدث الوسائل بين البشر ويعتمد على جرعات موسيقية صاخبة توحي بنشوة التعاطي بين الشباب ، وتمنحهم احساساً بالسعادة غير الدائمة ، ويتم اطلاقها عن طريق ذبذبات كهرومغناطيسية لفرز مواد منشطة للمزاج ، إذ يتم الاستماع اليها من خلال سماعات الاذن او مكبرات الصوت ، ويقوم الدماغ بدمج الاشارتين لينتج عن الاحساس بصوت ثالث مما يؤدي الى خلق اوهام لدى الشخص المستمع لهذه الأصوات الموسيقية ، لينتقل بعدها المتلقي لهذه الذبذبات من الوعي الى اللاوعي ، ونتيجة لذلك يفقد التوازن النفسي والجسدي .
و في التعريف الفيزيائي للمخدرات الرقمية يعرفها المتخصص في اللغة الحاسوبية بجامعة الكويت الدكتور صلاح الناجم على (إنها عبارة عن ملفات صوتية مخزنة بصيغة تشغيل خاصة ، طورتة إحدى المواقع التجارية باستخدام تقنية مفتوحة المصدر ، وتسوقها تحت اسم المخدرات الرقمية في ملفات صوتية تراوح طولها بين 30 و40 دقيقة ، ويمكن تحميلها وتشغيلها من خلال تطبيق خاص لأنظمة التشغيل الاندرويد للاستماع لهذه الملفات عن طريق اجهزه الهواتف الذكية والاجهزة اللوحية والحواسيب) .
ومن الناحية الطبية يؤكد الطب الحديث ان الدماغ البشري مكون من فصين أيمن وأيسر، وكل منهما مختص في وظائف معينة ، وعند تسليط ذبذبات صوتيه على المخ فان الدماغ يحاول تصحيح الذبذبات الصوتية الموسيقية ، لان هناك علاقة بين ما يسمعه ويشاهده الانسان وبين العقل الواعي ، إذ تحدث الموجات الكهرومغناطيسية حالة من السعادة والحاجة الى تناول الخمور وتحسين مهارات التصور والتخيل ، وبعد محاولة الاستغناء عنها يفقد الضحية توازنه النفسي وبالتالي يصبح عرضة للانهيار العصبي .
وليس بجديد ان الموسيقى والصوت لها تأثير عميق على الانسان على الرغم من ان الاصوات والتفاعل معها يعد بالأساس تجربة شخصية ، ويمتلك البشر صور مختلفة للتفاعل مع الاصوات والموسيقى من حولهم ، فهناك اصوات تجعل الناس يشعرون بالعصبية والتوتر والقلق والخوف ، كما ان هناك وتيرة من بعض الاصوات تجعل الناس يشعرون بالنشاط والحيوية ، فمثلاً نوعاً معين من الموسيقى قد يجعل اطفال أكثر نشاطاً ، وقد تحسن قدرتهم على الانتباه والتركيز اثناء الدراسة ، وعندما يتم استخدام النغمات الموسيقية لغرض الترفيه أو التسلية ، فان النتيجة تحتاج للاستجابة الفسيولوجية والنفسية والقبول العاطفي من قبل الشخص للنغمات ، فضلاً عن المعايير التي تحكم ذوق الشخص ، فقبول الشخص النغمات هنا مسألة مهمة عند اختيار نوعية النغمات الموسيقية.
نستخلص مما سبق الى ان فكرة الاعتماد على الموسيقى في تدعيم بعض التغييرات الإيجابية في الحالة المزاجية والعاطفية والبدنية للإنسان هي فكرة قديمة وتبدو مؤكدة تماماً ، بمعنى ان الموسيقى لها تأثيرات ايجابية على الانسان ، من حيث انها من الممكن ان تعمل على مساعدة الفرد على الاسترخاء ، والوصول للصفاء الذهني ، واعادة الاستشفاء بعد الجهد البدني الذي يمكن ان يبذله الانسان ، ثم جاءت بعد ذلك محاولات عدة في العصر الحديث للتأكد من تأثير النغمات الموسيقية والاصوات الندية على عقل الانسان وبدنه ودورها في علاج المرضى ، كان من اهمها محاولة كلاً من العالم الالماني (هاينرش دوف) والموسيقار الاسكتلندي (ريتشارد لورانس ) فقد اكتشف العالم الالماني (هاينرش دوف ) .
فكرة القرع على الاذنين سنه 1839 ميلادية ، وعدوها شكلا من اشكال الطب البديل ، معتمداً فيها على الموسيقى لحث الدماغ على الاسترخاء والصفاء الذهني ، وإحداث بعض التأثيرات المرغوبة التي تؤثر على موجات دماغ الشخص بسبب اختلاف الترددات الخاصة بكل اذن من الاذنين من حيث القوة والضعف ، وهذا ما يؤدي الى وجود شعور واحساس معين بسبب ذلك.
وقد استخدمت هذه الطريقة سنه 1970م في علاج بعض المرضى النفسيين الذين لا يرغبون في العلاج بالعقاقير الدوائية ، إذ تم علاجهم باستخدام ترددات الكهرومغناطيسية في تعديل مزاجهم وتحسين حالتهم ، ثم استخدمت النغمات الموسيقية بعد ذلك في مصحات العلاج النفسي لمساعده الخلايا العصبية في افراز بعض المنشطات كالدوبامين والبيتا اندروفين ، خاصة مع وجود النقص الملاحظ في المواد المنشطة لخلايا دماغ بعض المرضى النفسيين ، كما تم استخدام بعض الاطياف الضوئية مع هذه التقنية امام المرآه للمصاب نفسيا لعده لحظات .
وهناك العديد من المواقع على الشبكة العنكبوتية التي تروج للمخدرات الرقمية، بل تقوم أيضاً ببيع كل مستلزماتها من الأقراص المضغوطة إلى الميكروفونات الخاصة وأجهزة وبرامج وحتى الستائر المناسبة والمخدات والكراسي الملائمة للظروف المطلوبة للمخدرات الرقمية ولحصول مفعولها بالكامل.
ومن أشهر هذه المواقع موقع Binaural‐Beats.com وموقع Brainblogger.com وموقع
I-Doser.com ، هذه المواقع تعتمد على سياسة دعائية قوية لغرض استقطاب الزبائن من مختلف الأعمار، وتقدم دعاية احترافية ومؤثرة جداً عند التعرض المتكرر لها وبخاصة لدى الشباب والناشئة، على شاكلة أن المخدرات الرقمية من شأنها أن تعطي:
• الرفع من المزاج وإعطاء الإحساس بالسعادة.
• إيقاظ، أو تنشيط الذاكرة الخاملة.
• الرفع السريع أو الرفع الصاروخي للتخيل والإلهام.
• رفع الأحاسيس طبيعياً وبدون كحول أو وجع للدماغ الذي يصاحب تبادل الكحول.
• تقوية الثقة بالذات والتخلص من الكوابح.
واذا ما نظر إلى المغريات والحوافز المذكورة أعلاه، فإنه يصعب مقاومتها وبخاصة لدى المراهقين والشباب.
هذا زيادة على أن هذه المواقع توفر" ضمان للبضاعة المباعة " إذ تشير تلك المواقع إلى "النتائج المضمونة"، بل تقدم أكثر من هذا إذ تَعِدُ باسترجاع قيمة البضاعة أو المنتوج المباع في حالة عدم رضا الزبون على نتائج (المفعول) البضاعة أو المنتوج.
كما تقوم هذه المواقع بتوزيع وايصال بضاعتها لأنحاء العالم، وبسعر زهيد حوالي $ 30 ثلاثون دولاراً فقط .
ختاماً توصلت الباحثة الى أن الشريعة الاسلامية جاءت بحفظ العقل وغيره من الضرورات الخمس التي ذكرتها كتب الاصول ، ولما كانت المخدرات تلحق الضرر بالعقل وتستره وتغطية فتكون مندرجة تحت الخمر والمسكرات والمفترات بجامع زوال العقل أو إلحاق الضرر به في كل منهما ،و المخدرات الرقمية حتى كتابة هذه السطور وإلقاء هذه المحاضرة تعد من الناحية القانونية مباحة ومشروعة وغير مجرمة في القانون العراقي ، فلا يوجد نص يجرم الاستماع الى الأصوات الرقمية أو تحميلها أو انتاجها أو تداولها ، حتى وان كان لها تأثير المخدرات التقليدية ، حتى تظل في دائرة الاباحة ما لم يوجد النص الذي يجرمها ، و يجرم ما يروج لها أو يستعملها عملاً بقاعدة (لا جريمة ولا عقوبة الا بنص ) ، وهذا يزيد من خطورة هذه الظاهرة ويستلزم سرعة التدخل والتشريع لمواجهة هذا القصور والنقص في التشريع ، خاصة في ظل زيادة استعمال شبكة الانترنت في الوقت الراهن .









|