العنف الرمزي في مواقع التواصل الاجتماعي

2020-11-30

العنف الرمزي في مواقع التواصل الاجتماعي

ندوة علمية اقامها قسم الدراسات الاجتماعية


العنف الرمزي في مواقع التواصل الاجتماعي

عقد قسم الدراسات الاجتماعية في بيت الحكمة بالتعاون مع المركز الجمهوري للدراسات الاستراتيجية الندوة العلمية الموسومة بــ ( العنف الرمزي في مواقع التواصل الاجتماعي ) بتاريخ 30/11/2020 على قاعة الندوات في مؤسسة بيت الحكمة إذ تمت مراعاة الاجراءات الوقائية الصحية والتباعد المكاني بين الحضور , وتألفت ادارة الجلسة كلاً من :
رئيس الجلسة: أ.د. الدكتور خليل إبراهيم رسول/ مشرف قسم الدراسات الاجتماعية  
مقرر الجلسة: م.م. فراس عبد الجبار محمد سعيد / قسم الدراسات الاجتماعية – بيت الحكمة
وتضمنت الندوة أربع مشاركات بحثية تمثلت بما يأتي :
1-    أنماط العنف المتداولة في الفيس بوك / د. عباس الأسدي و د. رواء غازي صالح / مركز النبراس لإستطلاع الرأي .
2-    العنف الرمزي وتأثيره على الأمن الوطني / د. خالد البياتي / مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية .
3-     ظاهرة التنمر الألكتروني عند المراهقين / م.د.خمائل شاكر الجمالي / جامعة بغداد– مركز احياء التراث العربي .
4-     سلوك العنف الرمزي وتأويله في المجتمع العراقي / رئيس أبحاث أقدم. قاسم الدباغ .

    ابتدأت وقائع الندوة بكلمة رئيس الجلسة الأستاذ الدكتور خليل إبراهيم والذي وضح مفهوم العنف الرمزي من وجهة نظر الفيلسوف والسوسيولوجست الفرنسي ( بيير بورديو ) (*) والذي نحت هذا المفهوم في كتابه الموسوم ( العنف الرمزي ) اذ عرفه بأنه عنف غير مادي وغير بدني , يمارس بشكل ناعم غير محسوس , ويتم بموافقة ورضا الطرفين , أي المُعَنَفين والمُعًنِفين , ويتم عبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية بوسائل عدة لاسيما التلقين والأيديولوجية من قبل الأسرة والمدرسة والمجتمع المدني والخطاب الإعلامي ( التلفزيون والصحافة ) , ويكون الهدف الرئيس من هذه العمليات اللعب بالعقول , فالأسرة تمارس العنف الرمزي عن طريق تطبيع معتقداتها و موروثها الثقافي المجتمعي وتوجهاتها الدينية والمجتمعية الخاصة بها , أما المدرسة فيكمن دورها الرئيس بكيفية حصول تلاميذها وطلابها على المعرفة و أما التلقين فانها تستخدمه من خلال توجيهاتها الإيديولوجية المستمدة من فلسفة الدولة من طريق مناهجها ومفرداتها التربوية والمعرفية , في حين تستخدم وسائل الإعلام الإيماء من طريق الخطابات الإعلامية ,الذي يعد من ابرز الأساليب الملائمة لممارسة العنف الرمزي , وتتم هذه العملية عن طريق عرض التوجهات الفكرية من شخصية إعلامية متميزة ولها ثقلها في المجتمع بمهارة ورزانة بحيث ان الشخص الذي يتلقاه يعتقد ويضن بان هذه الفكرة من نتاج فكره الخاص ,أي عن طريق الإيماء , ويعد هذا الأسلوب من نتاج الفكر النفسي في أدبيات علم النفس , كما أشار رئيس الجلسة إلى أن العنف الرمزي هو عنف يمارس باللغة والصورة والإشارة , واننا كلنا نمارسه بقصد أو بدون قصد , وهو ليس بعيداً عن العنف المادي بل قد يكون أحياناً أقسى وأشد من العنف المادي , فهو يجمل في طياته جوانب ايجابية وأخرى سلبية , وختم  كلمته بمقولة مشهورة : ( إذا أردت أن تنشر فكرة ما فانشرها بين المعلمين والذين بدورهم سينقلونها إلى طلبتهم وتلامذتهم ) .

المشاركات البحثية :
أولاً / أنماط العنف المتداولة في الفيس بوك / د. عباس الأسدي و د. رواء غازي صالح / مركز النبراس لإستطلاع الرأي : تناول الباحثان في هذه الورقة البحثية عملية التنمر الالكتروني الذي يمارسه مستخدمو برنامج الفيس بوك معرفين مفردة التنمر بانها سميت بهذا الاسم كونها مشتقة من اسم حيوان النمر , كونه الحيوان الوحيد الذي يُعَنِف غيره ( اي يتنمر عليه ) , اذ انه يقوم باصطياد فرائسه ليس لغرض تناول الطعام فحسب , بل انه يقوم بذلك احياناً لغرض اللعب واللهو , او انه يقوم بتعويق ضحيته ويتلاعب بها .
ثم أوضحا مسالة مهمة الا وهي ان التنمر الشخصي يرافقه التنمر الالكتروني او انهما يحدثان بوقت متزامن معاً , الا ان الفرق بينهما ان الثاني قد يترك سجلا يمكن ان يكون دليلا على ادانة الشخص المتنمر الكترونياً , وبعدها تطرقا الى الاساليب التي يتبعها المتنمرون ببرنامج الفيس بوك والبرامج الرقمية الأخرى والتي تتمثل بكلاً من :
1-    اخافة الشخص المستهدف وتهديده او ارسال الرسائل المزعجة  .
2-     التشهير بالشخص المستهدف ونشر الاكاذيب عنه .
3-    نشر صور ومقاطع فديو محرجة للشخص المستهدف .
4-    انتحال شخصية مزيفة لتوجيه رسائل مسيئة للآخرين .
5-    قرصنة ( تهكير ) حساب الشخص المستهدف وسرقة بياناته الخاصة او حذفه .
اما فيما يخص الاسباب الرئيسة المؤدية للتنمر الالكتروني فهي تنحصر بالنقاط الآتية :
1-    التفكك الأسري .
2-    القسوة في التعامل .
3-    الإهمال وعدم المبالاة .
4-    التسلط .
5-    التساهل .
6-    الرفض
7-    الحرمان الحسي .
8-     مشاهدة العنف في المنزل .
9-    قضاء ساعات طويلة على شبكات التواصل الاجتماعي .

ثانياً :العنف الرمزي وتأثيره على الأمن الوطني / د. خالد البياتي / مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية : قدم لنا الباحث من خلال ورقته البحثية تأثير العنف الرمزي على الأمن الوطني مشيراً إلى أن العنف الرمزي هي عملية حسية وجدانية ذات تأثير نفسي تستخدم هيمنتها وأساليبها الناعمة بالتأثير على الأفراد برغبتهم أو من دونها , بحيث أن الشخص المُعَنَف يتعرض لهذا العنف ويرضخ لرغبة المُعَنِف تلقائياً , ثم أشار إلى أهمية الأمن الإنساني وقسمه إلى أقسام عدة ألا وهي :
1-    الأمن الاقتصادي / وهو المسؤول عن حماية الكيان الاقتصادي للدولة .
2-    الأمن العسكري / وهو المسؤول على حماية البناء المادي للدولة .
3-    الأمن العقائدي / وهو المسؤول على حماية الركائز الحضارية .
4-    الأمن السياسي / وهو المسؤول على الحفاظ على النظام الأيديولوجي والسياسي للدولة .
5-    الأمن المجتمعي /وهو المسؤول على المحافظة على المجتمع و الثقافة أو الكرامة الإنسانية.

ثم أشار إلى أن ما يهم في هذه الورقة البحثية هو الأمن الأخير ألا وهو( الأمن المجتمعي ) , كونه يعد الساحة والميدان الذي تعمل فيه جميع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية للدولة , وان الإنسان هو العنصر الأساسي في إي مجتمع ولواه لما تشكلت المجتمعات وان إي خلل يصيبه في مكنونه الأخلاقي, أو الوظيفي , سيؤدي إلى خللا في كينونة المجتمع التي قد تقوده إلى الانهيار.
ثم تطرق إلى مسألة العنف بوصفها ظاهرة مجتمعية بالأساس ولها أشكال عدة , التي يمكنها التلاعب بالبني الأساسية للمجتمع , لاسيما بتطور وسائل التواصل و التكنولوجيا , إذ تأخذ الشبكات الاجتماعية من مواقع التواصل الاجتماعي النصيب الأكبر , بوصفها منبراً حراً لإبداء الآراء ومناقشة القضايا بحرية مطلقة باستخدام الصور ومقاطع الفديو التي بدورها تسهم بنشر ثقافة العنف لدى متلقي الرسالة الإعلامية , وهذا ما حصل عندما سخر تنظيم داعش الإرهابي وسائل التواصل الاجتماعي لبث أفكاره المسمومة إلى شتى بقاع الأرض , وتمكن من غسل الكثير من أدمغة الناس باستخدام أساليب العنف الرمزي عن طريق التلاعب بالكلمات وتوظيف الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة وتأويلها لخدمة مصالحهم الدنيئة , وهذا ما أشار إليه العالم ( بيير بورديو ) بوصفه للخطاب الديني المتطرف بأنه خطاباً رمزياً يؤول النصوص الدينية ويشوهها عبر خطابات عاطفية لا عقلانية , إذ يمتلك هذا الخطاب سلطته الرمزية التي يكتسب شرعيتها من مقولاتها الخاصة ومن منطقها الداخلي ومن مفاهيمها الذاتية .

ثالثاً : ظاهرة التنمر الألكتروني عند المراهقين / م.د.خمائل شاكر الجمالي / جامعة بغداد – مركز احياء التراث العربي : تميزت الورقة البحثية الثالثة للدكتورة خمائل بانها تضمنت محاور اساسية مركزة يمكننا من خلالها التعرف على ظاهرة التنمر الالكتروني لدى المراهقين بنظرة بؤرية مركزة واضحة المعالم , إذ تناولت في بدايتها تعريف التنمّر الالكتروني بأنه هو استغلال الإنترنت والتقنيات المتعلقة به بهدف إيذاء أشخاص آخرين بطريقة متعمّدة ومتكرّرة وعدائية, وأنه يختلف عن التنمر الاعتيادي بان الأخير من المُمكن أن يشمل الإيذاء الجسدي كالضرب وسرقة الممتلكات الخاصة , وعادةً ما يعرف الضحيّة الشخص الذي قام بالتنمّر عليهِ, و ينتهي التنمّر العادي بانتهاء فعل التنّمر، وكل ما يبقى منهُ الذكرى، والأثر الذي يتركه على نفسيّة الضحيّة. في التنمّر العادي يُفكّر المُتنمّر، ويتأنى، ويُخطط لفعلتهِ في الوقت والمكان المناسبين , ويُشترط في هذا النوع من التنمر التكرار, إذ تكون الضحيّة أوّل من يعرف عنهُ ، وذلك لأنّهُ يحصل وجهًا لوجهِ.
ثم تناولت مسألة مميزات التنمر الالكتروني والتي تنضوي تحت نقاط عدة نذكر منها:
1-    لا يشمّل التنمّر الالكتروني الإيذاء الجسدي، ولكنّه قد يتطوّر ليؤدي إليهِ.
2-    لاحدود له، وينتشر بسرعةٍ كبيرة، ويُعرف عند شريحة كبيرة من الناس والمجتمع.
3-    من النادر أن يعرف الضحيّة الشخص الذي تنمّر عليهِ بشكلٍ شخصي.
4-    لا يوجد وقت محدد ولا زمن محدد للتنمر الالكتروني فقد يبدأ في منتصف الليل والضحيّة نائم في منزلهِ.
5-     قد يعرف الآخرون ويتفاعلون مع التنمّر قبل أن يعرف الضحيّة عنهُ، وعندما يعلم بهِ الضحيّة يكون عليه أن يتعامل مع التنمّر الذي تعرّض لهُ ويواجه التأثيرات التي ترتبت عليه دفعة واحدة.
6-    لا يُشترط في التنمر الالكتروني التكرار، وذلك لأنّ عمليّة تنمّر واحدة تنتشر بشكل سريع وعلى مدى واسع، ويحدث فيها تفاعل وتأييد من أشخاص آخرين أيضًا.
وبعدها قدمت تساؤلا مهماً بخصوص موضوع المتنمر المراهق ألا وهو :هل يمتلك الشخص الذي يتنمّر الكترونيًا نقاط قوة ؟
 تقول الدراسات النفسيّة بأنّ الشخص المُتنمّر لا يمتلك أي نقاط قوّة في شخصيته، وأنّ كل ما يحتاجه لتحقيق غاياتهِ جهاز موصل بالإنترنت، وإرادة لإيذاء الأشخاص الآخرين. كما وتقول هذهِ الدراسات بأنّ المُتنمّر يستمد قوّته من الضعف الموجود حوله مثل:
1.    ضعف الأشخاص الذين يتنمّر عليهم، كوجود أخطاء يعرفها هو عنهم، أو امتلاكه لصور أو فيديو لأشياء وأحداث فاضحة للأشخاص الآخرين.
2.    قلّة الدعم الذي من الممكن أن يحصل عليهِ الشخص الضحيّة.
3.    قلّة الأشخاص الذين يدعمون الضحيّة، مع وجود الكثير من الأشخاص الذين يتفاعلون مع المُتنمّر وأخبارهِ، عن طريق وضع علامات الإعجاب عليها، ونشرها أيضًا.
4.    عدم تفهّم الكبار والعائلات لخطورة التنمّر الالكتروني ونتائجه السلبيّة على الشخص الضحية.
5.    ضعف القوانين التي تتعامل مع موضوع التنمّر، وقدرة المُتنمّر على الإفلات من العقاب.
6.    استخدام المُتنمّر للعديد من الحسابات الالكترونيّة الوهميّة التي ليس من السهل إثبات شخصيّة أصحابها الحقيقة.
رابعاً :سلوك العنف الرمزي وتأويله في المجتمع العراقي / رئيس أبحاث أقدم. قاسم الدباغ : تمحورت فكرة الورقة البحثية للدباغ حول رؤى وأفكار وتنظير السوسيولوجيون العراقيون عن ظاهرة العنف وعلاقتها بشخصية الفرد العراقي , لاسيما أن الشخصية تتميز بالتطرف والإفراط سلباً كان أم إيجاباً وفي مناحي عدة , فالشخص العراقي غالباً ما يكون مفرط في كرمه , متهالك في عواطفه , بركان في غضبه , ثم ابتدأ بالاستشهاد بعراب علم الاجتماع العراقي (علي الوردي) , الذي عزى ظاهرة العصبية والعنف في طبيعة المجتمع العراقي فإن الفرد العراقي يعاني من صراع نفسي واجتماعي ما بين تأثير النمط المتحفظ العشائري , وبين هيمنة الحياة المدنية المنفتحة حضارياً , إذ أطلق على هذه الظاهرة بأنها تعد ( ازدواجية الصراع بين البداوة والمدنية ) , كما أشار إلى كتاب ( شخصية الفرد العراقي ) للكاتب( باقر ياسين ) ,والذي يرى ان ظاهرة العنف لدى الفرد العراقي هو نتيجة حالة ( سايكوباثية) تجعله يميل الى العنف بسبب نزعته للتسلط والدكتاتورية الناتجة عن كثرة الإحباطات , فيما يرى البروفسور قاسم حسين صالح في مؤلفه ( الشخصية العراقية المظهر والجوهر ) إلى أن التركيبة النفسية لهذه الشخصية ناجمة عن كثرة الاضطهاد المتواصلة التي تعرض لها المجتمع العراقي خلال تاريخ حافل بالاضطرابات والقتل والدمار للوصول إلى السلطة , في حين يرى الأستاذ الدكتور مازن مرسول أن المسببات الرئيسة لمظاهر العنف لدى المجتمع العراقي تكمن في الهيمنة العشائرية بين صفوف أفراد المجتمع العراقي , التي تعد الدافع الأساسي في خلق التوترات والاضطرابات في داخله .

ابرز النتائج :
1-    أكثر المتعرضين للتنمر الالكتروني هم من فئة الأطفال والمراهقين والنساء .
2-    يسبب التنمر الالكتروني أمراض نفسية عدة لاسيما مشاعر الحزن والاكتئاب والتوتر فضلا عن سلوك إيذاء النفس .
3-    وأشارت النسب لإحدى الدراسات في مجال السوسيولوجيا في جامعة هارفرد عام 2019  , وأن واحد من كل أربعة أفراد يتعرضون للتنمر الالكتروني .
4-    يمكن ان يمارس التنمر الالكتروني عبر التحرش , والملاحقة , وتشويه السمعة , أو الكشف عن معلومات تثير الكراهية .
5-    صعوبة ثقة الضحيّة بالآخرين والنظر إليهم بعين الشك والخوف وافتقاد الشعور بالأمان. في كثير من الأحيان يلجأ الشخص الذي تعرّض للتنمّر إلى الانعزال خصوصًا صغار السن والمراهقين .
6-     تشتت الذهن وتدني المستوى الدراسي للضحيّة في حال كان طالبًا في المدرسة أو الجامعة. الشعور بالخوف والقلق والترقّب لكل شيء جديد ومزعج.

التوصيات والمقترحات

1- التحفّظ على المعلومات والصور الشخصيّة على مواقع التواصل الاجتماعي بعيدًا عن متناول الجميع.
2- في حال الوقوع ضحيّة للتنمّر الالكتروني على الشخص أن يتقرّب من عائلتهِ وأن يطلب مساعدتهم بشكلٍ سريع بدلًا من الخوف.
3- التعرّف على القوانين التي تشملها سياسة مواقع التواصل الاجتماعي، والحرص على معرفة الطرائق التي يستطيع من خلالها مقاضاة المتنمّر الكترونيًا.
4-عدم تنازل الضحيّة عن حقوقهِ أمام الشخص المُتنمّر، وعدم إظهار ضعفهِ وخوفهِ منه، وذلك لكي لا يتمادى بهذهِ الإساءات الالكترونيّة.
5- قيام الضحيّة بتصوير كل الأعمال التي قام بها المُتنمّر ضدّه ليُرسلها إلى مركز الأمن المختص بمقاضاة المتنمرين لأخذ الإجراءات اللازمة.


تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل الخبر