نظام العولمة أمام فوهة بركان وباء كورونا:عرض لفرضية الدكتور بوتشيش حول أثر الأوبئة في التحوّلات التاريخية

2020-08-17

نظام العولمة أمام فوهة بركان وباء كورونا:عرض لفرضية الدكتور بوتشيش حول أثر الأوبئة في التحوّلات التاريخية


 رئيس قسم التاريخ في جامعة السلطان قابوس يكتب عن ندوة بيت الحكمة حول كورونا والتحقيب التاريخي

 
Written by د. علي الريامي
قام بيت الحكمة بالعراق بتنسيق مع قسم الدراسات التاريخية بتنظيم حلقة نقاشية عبر منصة افتراضية، استضاف خلالها المؤرخ الأكاديمي والمفكر المغربي المعروف الأستاذ الدكتور إبراهيم القادري بوتشيش، أستاذ التاريخ الاجتماعي وتاريخ الذهنيات، والمتخصص في الفكر العربي وحوار الحضارات في جامعة مولاي إسماعيل بمدينة مكناس. وكان الدكتور القادري بوتشيش قد عمل أستاذا زائراً بقسم التاريخ، في جامعة السلطان قابوس من 1994-1998م؛ ويعد من المؤرخين القلائل في الوطن العربي الذين يؤرخون من منطلقات ومنهجيات تربط بين الماضي والحاضر، وتستشرف المستقبل، وهو من قامة المؤرخين أصحاب الفكر الموسوعي، ومتابع نهم لما يدور في أروقة المدارس التاريخية الغربية منها خاصة، وللمستجدات على الساحة المغاربية على وجه الخصوص والإقليمية والدولية على وجه العموم.
حملت المحاضرة التي قدمها الأستاذ المنوّه به عنوانا في غاية الأهمية والحساسية في لحظة الزمن الراهن وهو: “هل يقّرب وباء كورونا نهاية العولمة وبداية تحقيب تاريخي جديد؟: آراء وتفاعلات”، وتعد هذه المحاضرة امتدادا لسلسلة مقالات من ثلاثة أجزاء كان قد نشرها القادري بوتشيش في موقع الجمعية المغربية للبحث التاريخي، وتتمحور فكرتها الرئيسة في الحدث المهم الآني المتعلق بجائحة وباء كرونا المستجد COVID-19 وعالم ما بعد كرونا. وبعد قراءتي لسلسلة المقالات تلك، ومتابعتي للحلقة النقاشية التي أعقبت المحاضرة، ومن منطلق الإيمان بفكرة تشارك المعرفة مع الآخرين، سأحاول من خلال هذا المقال تلخيص أبرز الأفكار التي طرحها الأستاذ الدكتور بوتشيش حول علاقة وباء كرونا المستجد بقضية التحقيب التاريخي، والمقصود بالحقبة التاريخية هنا في مفهومها العام، كما أشار إلى ذلك:” وحدة زمنية تتراوح بين حدين ملحوظين لظاهرة معينة يمثلان بداية ونهاية”، وهي الفرضية التي سينطلق منها كما سنرى لاحقا.
ما يهمني أيضا في هذا المقال -بالإضافة إلى تلخيص أبرز المحاور، والنتائج المتوقّعة القابلة للنظر والتفكر-هو الدرس التاريخي المتعلق بالكيفية التي ينبغي أن يفكر بها المؤرخ في تفسير الحدث التاريخي وأبعاده. فالزمن التاريخيّ كما يعتبره المؤرخ الفرنسي مارك بلوك Mark Bloch (1886-1944م):”البلازما التي تسبح فيها الأحداث الاجتماعية”. كما ينبغي النظر في منهجية المؤرخ وأدواته التي اعتمد عليها في عملية تفكيك وتشييد وإعادة تركيب الحدث في سياقه التاريخي، بغية الوصول إلى مقاربات موضوعية يمكن من خلالها الوقوف على أبعاد هذا الحدث الآني المستجد، واستشراف ما يمكن أن يحدثه من أثر في المستقبل؛ كل ذلك لا من قبيل استبصار الغيب، وإنما من قبيل استقراء معطيات وأحداث من الزمن الماضي والحاضر يمكن القياس والبناء عليها، فالمقدمات المتشابهة عادة ما تقودنا إلى نتائج متشابهة، وإن اختلف الزمان واختلفت جغرافية المكان.
إن الاستشراف -أو التشوّف كما ورد في لسان العرب-بمعنى التوقع، لم يعد اليوم مرتبطاً بعلم الكهانة والعرافة كما كان الاعتقاد سائدا من قبل، بل أصبح علماً قائماً بحد ذاته، له مناهجه وبناؤه التحليليّ الخاص (Analytical Modelling). وقد نما بشكل مطّرد خاصة منذ خمسينيات القرن المنصرم، وأضحت له أهمية كبيرة في دوائر صنع القرار. ومما لا شك فيه أن محاولة قراءة المشهد الحاضر بغرض استشراف السيناريوهات المستقبلية المحتملة بحاجة إلى فهم ماضي التحوّلات المفصلية الكبرى في التاريخ البشري، وهو ما حرص الدكتور بوتشيش على إبرازه.
قبل أن أذهب إلى تلخيص الأفكار التي طرحها الدكتور بوتشيش، يمكن القول باختصار أنه انطلق في رؤيته من ثلاثة مستويات: المستوى الأنطولوجي المعني ببناء فرضية تتمحور حول الحدث، والمستوى الثاني الإبستمولوجي المعني بالإحاطة بالواقع الفعلي الآني للحدث، وتنزيل تاريخي لثلاثة نماذج نجسّد أبرر الأوبئة التي اجتاحت العالم، وأسهمت في تحولات كبرى، والمستوى الثالث، وهو المعني بتحديد الأدوات المنهجية التي بنى عليها فرضيته، وصولاً إلى ما توصّل إليه من خلاصات.
نبدأ بالفرضية الكبرى التي ينطلق منها القادري بوتشيش وهي كما ذكر: “أن الأوبئة تؤدي إلى تحوّلات تاريخية، وأن ما يشهده العالم اليوم من تفشّي وباء كورونا على الأرجح سيساهم في إحداث تحول تاريخيّ في نظام العولمة”. وفي إطار دراسة هذه الفرضية التي انطلق منها، استعرض “ثلاثة محاور رئيسة بدأها ب: “عرض جانب من الدرس التاريخي الذي يثبت أن الأوبئة شكلت بامتياز نقطة تحول في تاريخ البشرية، خاصة في قيام الإمبراطوريات وسقوطها”، ثم عرّج على دور وباء كورونا المستجد في نحت الإفرازات الأولى لمؤشرات انهيار نظام العولمة وسقوط هيبتها”. وختم بالمحور الثالث المتمثل في الخلاصة التي خرج بها، وهي احتمالات تراجع نظام العولمة الرأسمالية والصعود الناعم للحضارة الشرقية بقيادة الصين، وبالنتيجة بداية حقبة جديدة في تاريخ البشرية.
بالنسبة للمحور الأول، أشار الأستاذ بوتشيش أن حركة التحقيب التاريخي ليست مقولة جامدة، بل هي” ملف مفتوح يتجدد باستمرار بفضل المتغيرات المعرفية، والأزمات التي يمكن أن تفرض إعادة النظر في تحقيبات سابقة، وتستدعي مراجعتها وتعديلها أو إضافة معايير جديدة لتقسيمها”. وبيّن أن من بين المعايير المهمة التي تؤخذ بالحسبان بالنسبة للتحقيب التاريخي “تغيّر مجرى حياة الناس اليومية، وسلوكياتهم الثقافية المألوفة”، وهذا بالفعل ما نلمسه حالياً منذ تفشي وباء كورونا المستجد من تغيرات في سلوك الناس ومواقفهم. وبهدف المقارنة وإعطاء الحجة على دور الأوبئة في التحولات التاريخية، ركّز بوتشيش على ثلاثة أوبئة هي حسب تسلسلها التاريخي:
1- الطاعون الأنطوني أو الجلينيسي (نسبة إلى الطبيب جالينوس) بين سنتي 165و190 م في عهد الإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس، وقد نتجت عن هذا الوباء ولو على المدى البعيد آثارٌ اقتصادية كبيرة، كما أسهم في انهيار القدرة العسكرية للإمبراطورية الرومانية بسبب نقل الجيش الروماني عدوى الوباء إلى روما التي فقدت قوتها الديموغرافية والاقتصادية بسبب ذلك. وكان هذا الحدث مقدمة للانتقال إلى الحقبة البيزنطية التي تلتها. كما أن الوباء الجارف طرح سؤالاً وجودياً آنذاك حول تعدد الآلهة التي وقفت عاجزة عن التصدي له، وإنقاذ الناس من الموت، وهو ما زرع الشك في قدرة الآلهة ومصداقيتها، الشيء الذي مهد الطريق لتقبل الديانة المسيحية التوحيدية بعد ذلك في عهد الإمبراطور قسطنطين”(337-272م).
2-طاعون جستنيان 542-541 543م، وقد اكتسح الوباء القسطنطينية، وبلاد الأناضول، والإمبراطورية الساسانية، ومدن ساحل البحر الأبيض المتوسط، ونتج عنه قطع الطرق التجارية، فضلاً عن النزيف الديمغرافي الكبير الذي خلّفه. وفي ضوء ذلك يرى بوتشيش “أن هذا الطاعون قد عجّل بسقوط الإمبراطورية البيزنطية وتفككها، وكان ذلك بداية لميلاد قيام حقبة الدولة العربية الفتية وازدهار الحضارة الإسلامية عالميا.
3-الطاعون الأسود(الدبلي) 1351-1347، الذي اجتاح أوروبا، ووصل إلى شمال أفريقيا، وعدد من مناطق العالم. ولم تتمكن السلطات المكونة آنذاك من النبلاء وأمراء الإقطاع من التصدي له، فكان ذلك إيذاناً بإفلاس النظام الفيودالي، مما شكّل بداية النهاية لعصر الإقطاع في أوروبا. كما أعاد طرح التساؤل حول دور الكنيسة التي وقفت مشلولة وعاجزة عن مواجهة هذا الوباء، وكيف أن آثاره التي امتدت إلى المجال الاقتصادي والديمغرافي وحتى الوجداني قادت إلى حقبة ما عرف بعصر الأنوار. ويستشهد بوتشيش بنص مهيب مقتبس من ابن خلدون الذي عايش هذا التحول التاريخي بسبب هذا الطاعون، فوصفه في وصف معبّر بالقول:” وذهب بأهل الجيل، وطوى كثيرا من محاسن العمران ومحاها، جاء للدول على حين هرمها، وبلوغ الغاية من مداها، فقلص من ظلالها، وقل من حدها، وأوهن من سلطانها وتوادعت إلى التلاشي والاضمحلال أحوالها… وإذا تبدلت الأحوال جملة فكأنما تبدل الخلق من أصله، تحول العالم بأسره وكأنه خلق جديد، ونشأة مستأنفه وعالم محدث”.
فيما يتعلق بالمحور الثاني الذي يمثل واسطة عقد المحاضرة، ينطلق الدكتور بوتشيش من سؤال جوهري في غاية الأهمية وهو:” هل تنطبق النتائج والتحولات الناجمة عن الأوبئة السالف ذكرها على وباء كورونا المستجد؟ ولماذا بدأنا التفكير بأن ثمة تحوّلا مرتقبا من جراء هذه الجائحة اليوم؟ ليس على المدى الزمني القريب، بل على المستوى المتوسط والبعيد، فبعض التحولات قد تستغرق عقوداً من الزمن. وتنبثق من هذين السؤالين تساؤلات منطقية وجودية يمكن اختصارها كما ورد في حديثه في الآتي:
إن الإنسان في زمن الأوبئة يكون أمام خيط رفيع يفصل بين الفناء والاستمرار، وهذا الخوف من الفناء، يدفعه لطرح سؤال وجودي عن مصير البشرية، فأين تتجه سفينة العالم، وإلى أين تتحول بوصلة التاريخ؟
لماذا أخفقت الدول المنضوية تحت لواء العولمة وفشلت في مواجهة الوباء وتخبطت في احتوائه؟
لماذا غاب التضامن الدولي أثناء جائحة وباء كورونا، ألا يجرنا ذلك إلى السؤال المستأنف إلى جملة الأسئلة التي طرحها العقل البشري عبر التاريخ عن معنى الإنسانية، ومعنى وجوده، وعن جدوى العلاقات بين البشر في ظل انفلات عقد التآزر؟
“تلك التساؤلات تحمل في باطنها دلالات عدة تشي جميعها بأن الحقبة الآنية التي نعيشها قد تآكلت وترهلت وفقدت عناصر وجودها، وتنذر بتحولٍ ما يلوح في الأفق، وإن كان من غير المتوقع أن يحدث ذلك التحول سريعاً، إلا أن خطوطه الأولية بدأت بالتشّكل”.
أما المحور الثالث، فقد طرح سؤالا منهجيا، وهو كيف يمكن التوصّل إلى افتراض ذلك التحول والانتقال من حقبة تاريخية كبرى إلى أخرى؟ للإجابة عن ذلك أشار إلى إشكاليات منهجية وأخرى تتعلق بالمادة المصدرية لفهم ما يحدث، بحكم أن جائحة كورونا المستجد هو حدث آني ظهر فجأة وانتشر بسرعة، وعادة ما تكون المعلومات في ظل الأزمات مستعصية أو ناقصة أو مشوشة، أو متناقضة. كذلك أن التحولات الكبرى لا تحدث بين ليلة وضحاها، وإنما تتحرك في سياق زمني بطيء، ومتابعة تلك الحركة البطيئة قد تستغرق سنوات، وربما عقود طويلة من الزمن.
ومع ذلك، وفي سبيل إيجاد مقاربة موضوعية للفهم والتفسير، اعتمد الدكتور بوتشيش في تحليله كما أشار: “على قراءة مركّبة يمكن من خلالها استجلاء عتبات ذلك التحول المتوقع: من حيث استقراء الأفكار والآراء التي تحدث عنها المفكرون والفلاسفة المعاصرون ممن استطلعت آراؤهم حول مستقبل العالم بعد وباء كورونا المستجد من أمثال الفرنسي إدغار موران، والأمريكي نعوم تشومسكي، والسلوفيني سلافوي جيجيك، والألمانية سفينيا فلاسبوهلر، وغيرهم. كذلك اعتمد على تقارير منظمة الصحة العالمية، ومؤشرات الأمن الصحي العالمي، وأخبار التغطيات الصحفية، والمقالات العلمية والفكرية المنشورة، والمقابلات التلفزيونية، واستطلاعات الرأي، وآراء الخبراء والأطباء، والنشرات الإحصائية، وكذلك اجتهاداته الخاصة ورؤيته المؤسس على السياق الحضاري للتاريخ.
في ضوء تلك المادة المصدرية والتوثيقية، يرى بوتشيش في تحليله أن الهدف من هذه القراءة ليس إبراز نقاط ضعف العولمة، وإنما الكشف عن رخاوة النظريات التي روجت لنظام العولمة، وصورته كنظام قويّ في جميع القطاعات، وبأنها نظام صلب قادر على إنقاذ البشرية، وبأن العولمة تشكل نهاية التاريخ كما أشاع ذلك الفيلسوف الياباني الأمريكي الجنسية فرانسيس فوكوياما.
في هذا السياق، أوضح المحاضر أنه مع وباء كوفيد 19 المستجد، فقدت تلك المقولات الرأسمالية مصداقيتها، لأتها تأسست أصلا على مرتكزين خاطئين: مقولة العلم المطلق والادعاء بسيطرته على الطبيعة، من دون مراعاة خصوصية التجريب والتطبيق عند حدوث الكوارث الطبيعية غير المتوقعة كما حدث لوباء كورونا المستجد، ثم صفة التعالي على فطرة الضعف الإنساني التي هي من المسلمات الوجودية في كينونة الإنسان.
اعتقد المنظّرون والمبشّرون بنظام العولمة أنهم قادرون بترسانتهم التكنولوجية الهيمنة على مقدرات الكون، وتجاوز كل نقاط ضعف البشرية، غير أن فيروس كورونا التاجي الذي ينتمي إلى الجيل السادس من الفيروسات غير المرئية قلب العرش على صاحبه حين بث فيه الرعب والهلع، ووضع حداً للأنشطة الاقتصادية والتجارية والمالية، وبالتالي، فإن هذا الوباء غيّر الخريطة الجيو- اقتصادية المألوفة، وألغى التقسيم بين الدول المصنعة والمتخلفة وجعل كل الدول على قدم المساواة من الضعف وقلة الحيلة. وهكذا كشف وباء كورونا المستجد الرأسمالية المتوحشة التي ترتكز أسواقها على تحقيق الربح فقط، دونما الاهتمام بصحة الإنسان. وأشار بوتشيش إلى مجموعة من المعطيات التي تؤكد هشاشة الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية، واستشهد بتحذير بنك جي بي مورغان تشيس (JP Morgan Chase) من أن بقاء البشرية في خطر هو ما يضمن له الربح والاستمرارية. كما يمكن القول إن هذا الوباء على حد تعبير الفيلسوف الفرنسي إدغار موران “أظهر حجم الأنانية والانغلاق الذي تبديه كل أمة على حدة”.
مع هذا الجدل الدائر، وما تمخّض عن انتشار وباء كورونا المستجد من آثار صحية واقتصادية وسياسية واجتماعية، يبقى السؤال مفتوحاً ومشروعاً على مصراعيه حول إمكانية الخروج بنظام عالمي جديد، في ظل النمو الناعم للصين من منطلق أن الاقتصاد هو المحرك الأكبر في مستقبل الزعامة العالمية، حيث بدا من الواضح قدرة الصين على استمرارية سلاسل التوريد القائمة على بناء المدن الضخمة، وتطوير البنى الأساسية في الكثير من البلدان النامية من خلال منظومة مشروعها الطموح الحزام والطريق (One Belt On Road)، فضلاً عن تطويرها للجيل الخامس من شبكات الإنترنت فائقة السرعة، وتقدمها في البحث العلمي، وتسجيل معدلات قياسية في براءات الاختراع مدعومة بالأرقام. وفي ظل تداعيات هذه الجائحة عرفت الصين كيف تلعب دور الجواد الرابح من خلال تقديمها للمساعدات للعديد من الدول الأوروبية في الاتحاد الأوروبي في ظل استمرار تفشي الجائحة وخاصة في إيطاليا وإسبانيا، ناهيك عن مساعداتها للكثير من الدول الآسيوية والإفريقية، مما زاد من تلميع صورتها القيادية.
وقد استشهد الدكتور بوتشيش في المحاضرة الافتراضية التي نظمها بيت الحكمة على صحة استشرافاته بما عرفته الولايات المتحدة والعالم في الأسابيع الأخيرة من احتجاجات عارمة ضد النظام العولمي الذي تغذيه العنصرية انطلاقا من اللون والجنس، وما تلاها من تحطيم لتماثيل رموز رعاة العبودية في النظام الرأسمالي المتوحش، وتدني شعبية رؤساء الدول والأحزاب المنضوية تحت لواء العولمة، وسخط عارم على النظام الصحي في بلدانها، وما عرفه الاتحاد الأوروبي من هزات، واعتبر ذلك مجرد مقدمات أولية لتحولات مرتقبة وإن كانت على مدى بعيد.
وختاماً كملاحظة شخصية يمكن القول إن الولايات المتحدة الأمريكية وهي تتزعم النظام العالمي الرأسمالي بكل ما تحمله من جشع تدرك ذلك المشهد يقيناً، وهو من الأسباب الرئيسة في افتعالها حرباً تجارية مع التنين الصيني، أشبه بالحرب الباردة، وذلك على خلفية التوقع بنموها الاقتصادي المتصاعد، وبإمكانية تصدرها قائمة الاقتصاد العالمي الأقوى خلال العقد القادم. ولعل حادثة إغلاق القنصلية الصينية في هيوستن بولاية تكساس، وما ردّت عليه الصين بإغلاق القنصلية الأمريكية في مدينة شينغدو جنوب غرب الصين، يشي فعلاً بأننا أمام عتبة حقبة جديدة، وملامح نظام عالمي جديد يدق أبواب البشرية. فهل ينهي وباء كورونا المستجد كما يقول الفيلسوف السياسي السلوفيني سلافوي جيجيك المنظومة الرأسمالية التي يصفها بالبربرية “معتبرا أن فيروس كورونا هو الحد الفاصل بين عالم وآخر”؟.
وفي الوقت الذي يدور فيه نقاش كبير على مختلف المستويات، وعلى منابر المؤسسات الأكاديمية، وعلى لسان الفلاسفة والمفكرين وعلماء الاجتماع والمؤرخين؛ نصاب بالحزن الشديد على عالما العربي والإسلامي الغارق في متاهات الفرقة والتمزق، حيث تنخر في معظم أجزاء جسده متلازمة الفقر والجهل والمرض، وكيف أنه بقي متفرجاً على خشبة المسرح العالمي، غارقا في سبات عميق، مفعولاً به غير فاعل في انتظار اللقاح، غير آبه بعالم ما بعد كورونا ولا كيف يمكن الاستعداد له.
تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل الخبر