الكورونا بين العلم والدين

2020-03-24

الكورونا بين العلم والدين

 العلم علمان، علم الاديان وعلم الابدان)


الكورونا بين العلم والدين
في الحديث (العلم علمان، علم الاديان وعلم الابدان)، فلطالما استوقفني هذا الحديث لماذا علمان، وليس اكثر، ولماذا الجمع وليس المفرد. 
مناسبة هذا الاستذكار هو ذلك الخلط العجيب بين ظاهرة طبيعية (وباء الكورونا)، وعلاقته بالسماء والغيب. 
هذه الظاهرة تثير اسئلة مثل، لماذا عندما يعجز الانسان عن مواجهة ظرف طبيعي يلجأ لما هو خارج الطبيعة، وعندما يكون قادرا ومتمكنا من الطبيعة يرجع ذلك الى ارادة الانسان ووعيه، وعلمه. 
في زمن الكورونا يستعر الشك من جهة، وكذلك تتعالى الدعوات لتغييب العقل، والحث على التسليم لما هو غيبي، فيقع الفكر في بلبة الشك والاستقالة. فتظهر أصالة فلسفة محمد باقر الصدر وخاصة ما تناوله في بحوثه (السنن التاريخية في القرآن الكريم) فيحدد لها خصائص، منها الاطْراد، فيقول هي ليست علاقة عشوائية، وليست رابطة قائمة على أساس الصدفة والحظ والاتفاق، وانما هي ذات طابع موضوعي لا تتخلف في الحالات الاعتيادية التي تجري فيها الطبيعة والكون على السنن العامة. لان القانون العلمي اهم ما يميزه هو الاطراد والتتابع وعدم التخلف(ص69). 
فالكوررنا، ظاهرة طبيعية تخضع لقانون التطور، ويتناولها علم البايولوجيا، فاين تقع هذه الظاهرة من موضوعة السنن. 
يقسم الصدر السنن الى ثلاث انواع، شكل القضية الشرطية، وشكل القضية الفعلية، والسنة المصاغة على ضوء الاتجاه الطبيعي. 
السنة الأولى، تؤكد العلاقة الموضوعية بين الشرط والجزاء، فهي تختص بالعلاقة بين متغيرين هما المحتوى الداخلي للانسان والوضع الظاهري للبشرية والانسانية(ص92). افكارك، ارادتك، مساهمتك، موقفك، كلها ذات علاقة بوضعك البشري والانساني، وامكانية تغيير ظروف هذه العلاقة، وتعديل شروطها،
اما الثانية فهي تمثل القضية الناجزة الوجودية المحققة، فالانسان لا يملك فيها ان يغير  من ظروفها، شروطها(ص93). فهي لا تقبل تحدي الانسان لها، فهي تمضي بقوانين عامة. 
اما النوع الثالث، لها علاقة بالاتجاه الطبيعي، لا بالقانون الوضعي. تمثل العلاقة بين الاتجاه الموضوعي في تركيب الانسان والاتجاه التشريعي. فيستطيع الانسان ان يتحدى هذه السنة على المستوى القريب، ولكنه على المساوى البعيد لا يستطيع. 
ويقول الصدر ان الدين مصداق لهذه السنة، فالانسان في تكوينه اتحاه موضوعي لا تشريعي للعلاقة الجنسبة، يأتي الدين لينظم هذه العلاقة، فالانسان يستطيع ان يغير قواعد العلاقة الجنسية، التي تغير في طريقها أبنية اخرى منها الاسرة وغيرها من الابنية المتعلقة بهذه القضية وصولا الى تغيير طبيعة المجتمع، فهذه السنة تدخل في تنظيم العلاقة بين الدين والمجتمع. 
فالقرآن لا يسبغ الطابع الغيبي على الحادثة التاريخية، لا يتنزعها من سياقها ليربطها مباشرة بالسماء، لا يطرح صلة الحادثة بالسماء كبديل عن اوجه الإرتباط والعلاقات والاسباب والمسببات(ص72). 
فهنالك ثلاث منظومات ممتوازية منظمومة الانسان، ومنظومة الطبيعة، ومنظومة الدين. 
لكل منها سنته التي تعمل في علاقات متبادلة مع السنن الاخرى، تؤثر وتتأثر، ضمن قوانين كلية، وليست مغيبات حاكمة. 
فعندما نفهم هذه العلاقات يستيقض العقل والمنطق، ويصبح الانسان واعيا وتفعل السنن فعلها بشكل متوافق مع إرادة الإنسان.  ولكننا نلجأ الى الغيب عندما نفشل في ادراك هذه العلاقات الموضوعية، فالشك والريبة، والأن،انية والمصالح الذاتية، والتكبر والطغيان، تفعل فعلها، كما تفعل التضحيات، والحب، والشفقة، والرحمة، والثقة، والود، فعلها في التاثير بهذه القوانين. 
مشكلتنا اننا في الزمن الرحب، نخالف السنن، وعندما تقع الواقعة، نصيح انه غضب الاله، وننسى قوله تعالى (وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا).  
لذا فمواقفنا هي التي تحدد طبيعة الاستجابات للظواهر الطبيعية، ناهيك عن الاجتماعية، فمواقفنا السابقة لها مدخلية في تحديد طبيعة تعاطينا مع المواقف اللاحقة. 
ان العلم الذي يتناول ظاهرة طبيعية (وباء الكورونا)، لا يجب ان يكون متناقض مع الدين، ليست هنالك حاجة لان يكون أحدهما خاطئا لكي يكون الآخر صحيحا(دافيد ن، ستبموس، التطور والاسئلة الكبرى، تر-عزت عامر، المركز القومي للترجمة، ط1 سنة 2014، ص341).  

ملاحظة (ارقام الصفحات لكتاب محمد باقر الصدر، المدرسة القرأنية، مطبعة شريعت، قم، ط4). 

تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل الخبر