اشكالية الدين والحياة

2019-10-31

اشكالية الدين والحياة

ورشة عمل اقامها قسم دراسات الاديان


اشكالية الدين والحياة


اقام قسم دراسات الأديان وبالتعاون مع كلية الامام الكاظم (ع ) الجامعة ورشة عمل بعنوان (اشكالية الدين والحياة)  صباح يوم الأربعاء الموافق 30/10/2019 في قاعة النبأ كلية الامام الكاظم (ع) الجامعة .
برئاسة  الأستاذ الدكتورة شهرزاد عبد الكريم وبمقررية السيدة اصيل علاء الدين
الباحثون المشاركون  :
1-    أ.م.د. سلسبيل جابر  - - ببحثها المعنون ( سياسة أهل البيت في الحياة ).
2-    أ.م.د. نصير كريم كاظم -- ببحثه المعنون (ظاهرة التطرف في الأديان  ).
3-    م.د. صادق كاظم  - ببحثه المعنون (الحكومة الصالحة ظاهرة حضارية ).
4-    م. خالد حسين - ببحثه المعنون ( الإشكالية من جوانب التربوية).

افتتحت الورشة الأستاذ الدكتورة شهرزاد عبد الكريم مبينة فيها إن الإنسان بحاجة إلى التعبد منذ قديم الزمان ، وإن الدين من الأمور الضرورية المغروسة فيه وهذا ما توصل إليه  الباحثون في تاريخ الأديان .
وهذه الحقيقة ربما تتقاطع اليوم مع من يتصور ان العلاقة بين الدين والحياة هي علاقة تضاد ، بمعنى إن الدين لا يضع ضمن أوليات الإنسان الاهتمام بالدنيا ، ولا بعمران الأرض ، أو التمتع بطيب العيش وهذا كله يتقاطع وقول الحق سبحانه وتعالى : {ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ...} وكثيرة هي الآيات التي تلزم الإنسان بضرورة ان يكون فاعلاً ، يقول المصطفى (ص) ((اذا قامت الساعة وفي يد احدكم فسيلة فليغرسها)) .
مثل هذه الإشكالية في فهم الدين ودوره في الحياة نتيجة لأسباب عديدة ، وقفت لتنحرف بتكفيره فذهب يشكك بالكثير من المواضيع المتعلقة بالدين حتى أصبح اعتقاده بالحياة ، انها يمكن ان تستغني تماماً عن الدين فانتشر الالحاد .
ومن هذه الأسباب على سبيل المثال : ظهور الجماعات الإرهابية التي اراقت الدماء وازهقت الأرواح ، وزهدت بكل ما جسده العقل والجهد البشري من آثار حضارية قديمة وبهمجية لا يقبل الضمير الإنساني تفسيره .
كل هذا حدث في فئة ارتدت لباس الإسلام وتحت راية  ( لا اله الا الله ) بررت  كل سلوكياتها المنحرفة .
فضلاً عن ذلك المحاولات التي تشهدها الساحة لنسف تراث  المسلمين ، وهدم قيمه العليا وتحت مسميات عديدة كان ظاهرها مقبولا إلاّ إن معدنها أبعد ما يكون من تحصل هذا الهدف .
ولمثل هذه الظواهر وغيرها الكثير نقول نحن إزاء إشكالية بين فهم الدين أو التدين وبين متطلبات العصر الذي نعيشه .
ترى : هل عجز الدين عن مواكبة العصر وتطور الحياة بكل مناحيها ؟ هل نقف عند كتابنا المقدس ( القرآن الكريم) وهو دستور الامة لنقرأه على أمواتنا، وفيه الحلول لكل مشاكل الإنسانية ؟
وهنا يشترك في رفد هذا العنوان الأوراق البحثية المقدمة من الباحثين .
-    بدأت الأستاذ المساعد الدكتورة  سلسبيل جابر  ببحثها المعنون ( سياسة أهل البيت في الحياة )، متطرقة  إلى فكر  أئمة اهل البيت (ع) بعده رمزاً خالداً من رموز الفكر الإنساني ، ومنهلاً عذباً للخير وينبوع فياضاً بالحكمة ، ورصيداً ضخماً من الكمال والمعرفة ، وطاقةً جبارةً في العلم والادب ،تستوحي الامة منها الايمان والعقيدة الصادقة ، والذود عن المبدأ ، والخلق لكريم ، والمثل والكرامة ، فهم مدرسة كبرى للإنسانية ومعالم وضاءة لتحقيق الحق والعدالة .
ولا يوجد من يساوي أئمة اهل البيت (ع)  في فضلهم ، ولا يباريهم في شرفهم ولا نسبهم، ولا يرتفع اليهم في مقامهم ومكانتهم ، فهم مصدر العلم ، وموت الجهل ، واصول الكرم ، وقادة الأمم وجعلهم نظراء للقرآن الكريم ، ونصبهم خلفاء له (ص) على الناس ، وحكاماً على الخلق ، وساسة للعباد وأمراء على البلاد، إذ أكدت الباحثة على السياسية المالية عند أهل البيت (ع) مبينةً معالمها التي انتجها الامام علي (ع) في حكومته ، وكيفية أهمية توزيع الأموال على مستحقيها ، لأن هذا الامر له فائدة عظيمة في تحقيق التكافل الاجتماعي ، وتعزيز القدرة الشرائية لدى مختلف طبقات المجتمع ، فيصبح بمقدور الغني والفقير شراء السلع والبضائع ، وبهذا الاجراء تكون الدولة في حركة دائبة ، لان الاموال لم تصبح حكراً في يد طبقة معينة ، ففي رواية يذكر ان الإمام علي ابن ابي طالب (ع) اذا اتى بالمال ادخله بيت مال المسلمين ، ثم جمع المستحقين ، ثم ضرب يده في المال فنثره يمنه ويسره ، وهو يقول : (( يا صفراء ، يا بيضاء ، لا تغريني، غري غيري )) ثم لا يخرج حتى يفرق ما في بيت مال المسلمين ، ويؤتى كل ذي حق حقه ، ثم يأمر أن يكنس ويرش ، ثم يصلي فيه ركعتين، فكانت هذه سياسته العطرة لا يستأثر بالأموال ، لا له ولا لأهل بيته .
فهذه السياسية الرشيدة تسهم في  تحريك عجلة الاقتصاد الإسلامي ، وتحويل هذا الفقير من شخص محتاج لا ينتج إلى شخص فاعل في المجتمع له قدرة شرائية وانتاجية ، وتعزيز روح العمل لديه ، فالأمام الحسن (ع) اعطى سائلاً قصده خمسين الف دينار وأعطى طليسانه للحمال الذي جاء هذا المال ، وقال له كري الحمالة ، وفي حادثة أخرى اعطى إعرابي قصده عشرون الف درهم ، فلما شاهد الاعرابي هذا الكرم قال : يا مولاي ألا تتركني أبوح حاجتي ، وانشر مدحتي ، فأجابة الامام بهذه الابيات :
نحن أناس نوالنا خضل         يرتع فيه الرجا والامل
      تجود قبل السؤال انفسنا           خوفاً على ماء وجه من يسل
لو علم البحر فضل نائلنا                 لغاض من بعد فيضه خجل
تستنتج الباحثة  مما تقدم أن الأئمة(ع) أكدوا في مختلف المواضع مبدأ التكافل الاجتماعي ، وهذا كان من اهم سمات سياستهم المالية التي تقوم على العطاء والمساعدة ومراعاة حق الفقير والعاجز ، فعن الامام الصادق (ع) قال : (( من حق المؤمن على أخيه المؤمن أن يشبع جوعته ويواري عورته ويفرج عنه كربته ويقضي دينه ، فإذا مات خلفه في أهله وولده)) .
كما أهتم الأئمة (ع) بالطبقة السفلى في المجتمع ، وحرصا عليها اشد الحرص ، فكان الإمام علي (ع) يوصي عماله بهذه الطبقة فمن كتبه (ع)إلى  قُثَمَ ، وهو عامله على مكة (( وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله ، فاصرفه إلى من قبلك من ذوي العيال والمجاعة ومصيباً به مواضع المفاقر والخلات ، ومن فضل عن ذلك فأحمله الينا لنقسمه فيمن قبلنا )) ، وبهذا حرص الامام (ع) على توزيع الأموال على مستحقيها ،ولاسيما طبقة الفقراء والمساكين ، وهذا تأكيد واضح واهتمام من الامام علي (ع) بهذه الطبقة التي لا حيلة لها ولا قوت ، وايضاً اكد الامام (ع) ذوي العاهات الذين لهم مانع يمنعهم من العمل وهم الزمنى والمرضى ،إذ ان الامام بهذا أسس نظاماً اجتماعياً واقتصادياً في الوقت نفسه وحقق تكافلاً وضماناً اجتماعياً لمختلف طبقات الامة .
ومن سياسة الامام علي (ع) المساواة في العطاء ، وإلغاء جميع اشكال التمييز ، فلم يميز بين قوم وقوم وبين فئة وفئة أخرى ،كما كان يفعل رسول الله (ص) ، اذا كان لا يفضل شريفاً على شريف في العطاء ولا عربياً على اعجمي .
وكان الأئمة (ع) يغدون الأموال على الفقراء والمحتاجين ،ولا يردون سائلاً ويوصون بهم خيرا، وهدفهم  من ذلك هو رفع حاجة الفقير ، وبهذه السياسة التي اتبعها الأئمة(ع) حاولوا جاهدين القضاء على الفوارق الطبقية ومعالجة المشكلات التي تنتج في المجتمع بسبب الفقر ، وان لا تكون الأموال حكراً على الأغنياء، فالإسلام جعل في مال الغني حق للفقير ، قال تعالى :{والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم } .
يتضح مما تقدم ان الأئمة (ع) اهتموا اهتماماً بالغاً بتطوير المجتمع ، وعدو الفقر كارثة مدمرة له ، يجب القضاء عليها ،والعمل على إنقاذ المسلمين من خطر البؤس ، والحاجة ، والحرمان بوصفهما السبب في إشاعة الانحراف الفكري والأخلاقي ،والعقائدي في المجتمع، وإخراج الافرد من دائرة الفقر المدقع إلى مستوى معيشي لائق ، وبينوا أن على ولي أمر المسلمين أن لا يتلاعب بخزينة الدولة ،لأنها ملك عام للمسلمين كافة وليس ملكاً خاصاً لأحد ، ويجب ان تنفق خدمة لصالح المسلمين .

-    جاء البحث الثاني للاستاذ المساعد الدكتور نصير كريم كاظم بعنوان (التطرف في الأديان - قراءة في الدوافع والعلاجات ) ، " يشكّل التطرف العنيف كارثة ابتلي بها عصرنا الحاضر" هكذا  افتتح الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون رسالته الموجهة إلى رئيس الجمعية العامة التي تتضمن خطة عمل لمكافحة التطرف،و مما لا ريب فيه أن التطرف سلوك إنساني يرافق عملية التفكير الانساني عموماً، فلا يمكن والحال كذلك من اتهام لون معين من ألوان الفعل الإنساني بالتطرف، فسلوك التطرف نمط فكري يرافق مختلف الوان الثقافة والفعل الانساني نظير: الرياضي، والأكاديمي، والأمني، والفنان، ورجل الدين، والفيلسوف.
تشكّل ظاهرة التطرف وما انتجته على الساحة الدولية من مآسي، ودمار في العقود المتأخرة وباء اجتاح العالم بأسره، وتحديداً ما ارتبط بالأديان ويصطلح عليه اليوم (التطرف الديني)،
وظهرت خطورته من خلال كلمة الأمين العام للأمم المتحدة في خطته إذ حدّد الجماعات الإرهابية التي تمارس التطرف العنيف في عصرنا الحاضر بقوله: الأعمال الوحشية التي ترتكبها جماعات ارهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وحركة بوكو حرام وحركة الشباب والمشترك بين هذه الجماعات الإرهابية تبنيها للشعارات الدينية.
فمن هنا تتضح أهمية دراسة الموضوع كون مشكلة العصر الحالي الإرهاب الذي يرتكز على التطرف الديني، إذ يعد الدين العنصر الفاعل والمحرك في أغلب المجتمعات الإنسانية، ودلّت الإحصائيات أن أغلب المجتمعات الغربية، والشرقية متدينة، بلحاظ تنوع الدين الذي تؤمن به، وكل ديانة يوجد فيها اتباع متطرفون يؤمنون بالقيمومة على الآخرين، وإنهم الحق دون غيرهم، ولابد من فرض عقائدهم ولو بالقوة، مما سبب حالات التطرف العنيف والعمليات الإرهابية .
وبيّن الباحث انه لا يمكن اختزال التطرف الديني في دين معين دون غيره من الأديان والحضارات، فلا يوجد حضارة إنسانية تخلو من التطرف فضلاً عن دين من الأديان سواء السماوي ام الوضعي .
بعدها تطرق الباحث إلى تعريف التطرف لغةً واصطلاحاً بشكل عام فعرف  التطرف لغةَ: من طرف الشيء والناحية منه، ويأتي بمعنى انتحاء أطراف الأشياء مكاناً وزماناً، أو اجساماً، ميلاً عن أوسطها، إذا يذهب بعيداً كأنما الى الطرف والناحية الاخرى من الأفكار، فيكون القائل والمتبني لهذه الأفكار قد ذهب الى أقصى ما يمكن ان يحتمله موضوعها من المعاني، فيوصف بأنه متطرف على هذا المعنى.
أما اصطلاحاً: فليس من السهل الوقوف على مفهوم محدد للتطرف، بعد أن تعددت التعريفات لدى الباحثين .
يأتي التطرف في الكتابات الغربية بمعنى (الراديكالية) ويقسم الى ايجابي وسلبي، فالأول: قد يكون مقبولاً وان كان الفكر متطرفاً، نظير الدفاع عن الافكار الايجابية مثال: الناشطون في الحرية والدفاع عن حقوق الإنسان.
والآخر: التطرف بالمعنى السلبي ما يحمل في طياتها الدعوة الى الكراهية والعنف ضد الاخرين.
والتطرف: يدل على كل ما يناقض الاعتدال زيادة أو نقصان، فهو أسلوب مغلق للتفكير، يتسم بعدم القدرة على تقبل اية معتقدات تختلف عن معتقدات الشخص والجماعة أو على التسامح معها. 
ويبقى الإشكال الكبير في آلية الحكم على الأعمال كونها متطرفة من غيرها، إذ يعتقد الدكتور صلاح الصاوي أن الأصل في الحكم على الأعمال بأنها من قبيل التطرف والاعتدال ((لابد ان يكون من قبيل علماء الشريعة تحديداً، ولا يحق لأحد من خارج هذه المنظومة الفكرية تحديد ما هو متطرف من غيره)) .
ويلاحظ على كلام الدكتور الصاوي أن ذلك يصح لو كان تأثير الفكر المتطرف محصور برجالات المذهب أو الدين المتطرف، بيد أصبح من الواضح ان التطرف ظاهرة عالمية أكلت الأخضر واليابس، وتكفر الآخرين من دينهم وغيرهم، فعليه التقييم يقع من الذي وقع عليه الضرر أيضاً، لا فقط من داخل المنظومة المتطرفة، فأكيد سيحكم على انه شرعي وغير متطرف.
فضلاً عن ذلك  لابدَّ التمييز بين تطرف الأفراد وتطرف المجتمعات، فنجد بعض المجتمعات تتوجه بأكملها نحو التطرف، ويقع مهمة تشخيصها على عاتق المجتمع الدولي؛ لخروجها عن المعايير والقيم المقبولة دولياً، والحال كذلك تجعل من الصعوبة وضع المعايير التي يمكن ان نميز بها المتطرف نفسه، كون المجتمع بأكمله يعيش حالة التطرف فهو يؤمن بالقيم والمبادئ التي يعتقدها في المجتمع المتطرف الذي يعيش فيه.
وقد وضح الباحث أسباب التطرف الديني التي قسّمت على قسمين وبدورها إلى فروع :
القسم الأول: الأسباب العامة للتطرف: هذه الأسباب يمكن ان تكون سبباً لكل أنواع التطرف سواء أكان منه دينياً أو غيره ، ونترك الحديث عن الأسباب الخاصة للتطرف في الاديان لاحقاً .
اولاً: الأسباب النفسية: إن محاولة استقراء الأسباب النفسية التي أدت الى نشوء التطرف الديني متعددة بتعدد الأشخاص المتميزين بالتطرف الديني فتختلف من شخص الى اخر، بيد اننا لابدَّ من محاولة تتبع أهم الأسباب المشتركة بينهم: عوامل النقص والحرمان: ثم مشاعر عديدة لدى الانسان قد تكون عاملاً هاماً في نشوء التطرف منها الشعور بالإبعاد والغربة والإهمال والحرمان والإقصاء والرفض والاهانة والظلم والإحباط والاشمئزاز أو الشعور بالتعالي كلها أسباب سلبية قد تدفع باتجاه السلوك المتطرف.


السجل الإجرامي: من الملاحظ على كثير من المتطرفين والإرهابيين من خلال متابعتهم نجد عدد منهم له تاريخ حافل في الإجرام أو الجنوح الاجتماعي، ويفسر لنا ذلك  إصابتهم بنكسة روحية، تؤدي الى استعدادهم للانخراط في الجماعات المتطرفة الدينية، لاعتقادهم أنهم سيتطهرون من ذنوبهم التي اقترفوها سابقاً.
الصورة النمطية عن الآخر: إن من أسباب التطرف الصورة التي يرسمها المتطرف عن الآخرين في ذهنه، والتي غالبا تكون من خلال المعلومات الخاطئة عنهم فيأخذو التي تبنى على معرفة تجريدية على الموروث الذهني الجاهز إذ يضعون الآخر في قالب جاهز.
الاستهواء: هي حالة التأثر التي غالباً ما تصيب شريحة الشباب وهي عملية انتقال الأفكار من شخص الى آخر وتعد من أقوى واهم الظواهر العقلية اثراً في حياة الفرد والمجتمع، وتستغلها التربية والدعاية الفنية والتجربة والسياسية الى أبعد الحدود، ونجد الكثير من المتطرفين صغار السن أو الشباب من يقع فريسة الاستهواء لشخصية فيتقبل منها الأفكار المتطرفة وخاصة العنيف منها واهم العوامل لنجاحها: الجهل: جهل السامع بالنسبة للمتكلم وفيه يتم فرض الآراء من العالم على الجاهل وتصديقها من قبل الجاهل، وكلما كان السامع اصغر من المتكلم كان أميل لتصديقه، ونجد ذلك من رجال الدين المتطرفين الذين يكونون اكثر دراية من السامع في انتخاب بعض النصوص الدينية التي تساعده على التأثير في نفوس الجهلة، والعقل الجمعي في داخل الجماعة المتطرفة: إذ أن الفرد داخل الجماعة لا يستطيع التميز بقبال لو كان منفردا اذ يؤثر العقل الجمعي في استمالته وهو داخل المجموعة وتغذيته بالأفكار المتطرفة.
ثانياً: الأسباب الاجتماعية: يؤدي المجتمع دوراً محورياً في تغذية الأشخاص في التطرف خاصة إذا كان المجتمع ذي صبغة دينية فيعيش الأشخاص في تلك الأجواء، فلا يستطيعون التمييز بين ما هو  متطرف من غيره، إذ في بعض الأحيان يكون (( من يخرج عن الأفكار الاجتماعية المتطرفة متطرفاً في نظر تلك المجتمعات))، إذ دلت الدراسات على أن الأشخاص يكتسبون مجموعة المعايير الداخلية والسلوكيات والتي في ضوئها يحكمون على ما هو مناسب أو غير مناسب من خلال التأثر بمحيطه الاجتماعي وباختلاف المؤثرات، وتبدأ من مرحلة الطفولة، وثمّ عوامل خاصة ترتبط بالممارسات والعلاقات الاجتماعية تؤدي الى نمو حالة التطرف الديني في المجتمع ندرجها بالآتي:
1-    التعصب: هو اتجاهاً يتميز بالانحياز والسلبية يتكون لدى الفرد من محصلة تجارب وخبرات اجتماعية تزوده بها التنشئة الاجتماعية.
2-    الأسرة: هي النواة الأولى في المجتمع ومنها يتعلم الطفل أولى الأفكار، فان كانت الأسرة متطرفة وتمارس التشدد العنيف سلوكياً، فمن الحتميات ان يقع الطفل ضحية هذه الأفكار المتطرفة.
3-    الأصدقاء: وهو الأقوى في مرحلة المراهقة مع سهولة التداول والعلاقات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والحصول على الكثير منهم في العالم الافتراضي الذي يوفره لهم وسائل الاتصال الحديثة مما يعد الأصدقاء من اخطر المؤثرين في التطرف.
4-    الجانب السياسي: يؤدي فشل السلطة وتراجع هيبة الدولة في تحقيق الغايات المرجوة منها في تحقيق الامان والاستقرار النفسي والاقتصادي عاملاً مساعداً في التطرف، ويعود ذلك الى الاستخدام السيئ لإدارة الأفراد الذي هم تحت رعايتهم، وممارسة البطش والتنكيل ضد معارضيهم، مما يسبب حالة من عدم الرضا والكراهية ضد الطبقة الحاكمة، مما يدعو الى ظهور التطرف عند الأشخاص الذين تحت رعايتهم خاصة اذا كان توجه الحكومة ضد الدين مما يدفع باتجاه التطرف الديني للدفاع عن دينهم.
5-    الإعلام: أجريت الكثير من البحوث والدراسات حول تأثير الإعلام على العنف وتأثيره المباشر على الأطفال وبدوره حول التنشئة الاجتماعية في المراحل العمرية الأولى، وأوضحت الدراسة ان الأطفال يربطون بين ما يشاهدونه والمواقف التي تولدت لدى نفوسهم بفعل التنشئة الاجتماعية.
6-    التعليم: يشكل التعليم أهم الأسباب التي تعمل على تغذية الإرهاب ونموه وانتشاره اذا ما أسيء التعامل معه، لذلك حرصت الأمم المتحدة على وضع إستراتيجيتها في مكافحة التطرف من خلال النهوض بالتعليم، وهذا ما دعا مجلس الامن الوطني في استراتيجيته بعدّ التعليم في المستوى الثاني من المخاطر التي تهدد الامن الوطني للعراق والتي تتكون من ثلاثة مستويات.
7-    وعدّ التعليم سبباً من أسباب التطرف قد يكون أهمها على الإطلاق إذ يشكل بأركانه الثلاثة المعلم والمنهج والمدرسة مركزاً محورياً في تغذية التطرف .
وذكر الباحث الأسباب الخاصة للتطرف في الأديان: وهي تشتمل على مجموعة أسباب أخرى تخص التطرف الديني:
اولاً: النصوص الدينية:
تعد الكتب المقدسة الركيزة الأولى للأديان، ما الأديان الا مجموعة من النصوص التي يرجع إليها أتباعها سواء أكان منها السماوي أم الوضعي، وتحظى هذه النصوص بالقدسية في نفوس المريدين وتأخذ عندهم حيز وجوب الطاعة والتنفيذ،
والملاحظ على هذه النصوص التي مرت على نزولها مئات السنين التي نزلت في بيئات معينة وأزمان معينة وظروف معينة، تطبيقها على كل العصور كونها نصوص نزلت لإتباع الديانات في كل زمان ومكان، وطبيعة الحال ان التغييرات التي تطرأ على المجتمعات واختلاف الأفكار والمتطلبات الحياتية تقتضي مراجعة لتلك النصوص وبيان مقدار تنفيذها في الزمن الحاضر،
نعم لا نتكلم بضروريات الدين نفسه بيد أن هناك مجموعة من النصوص كانت وليدة تلك الأزمان وما اكتنفها من وقائع دعت الى نزولها، فالجمود على بعض ما جاء في تلك النصوص هو الذي ساعد على نشوء التطرف الديني وتغذيته،
وأن التطرف الديني لم يكن بالمستوى الخارجي عنها بمعنى بين الأديان فقط بل كان في داخلها وبين مذاهبها، وهذه الفرق المختلفة والمتناحرة في جميع الأديان ومنها السماوية وانقسامها الى فرق، إذ لم يختلف الاسلام عن الانقسام الداخلي إذ لم يكن خطاب الكراهية في المجال الديني والمذهبي جديداً فيمكن ملاحظته زمانياً منذ ظهور مصطلح (الفرقة الناجية) بلحاظ أن جميع المذاهب الإسلامية منها إفادة من شيوع هذا المفهوم بين أتباعها بشكل من الإشكال وهو يعبر بالأساس عن (فرقة الله) فالجميع روى (تفترق أمتي....) ولكنهم اختلفوا في تحديد الفرقة الناجية من النار فكل يقول أنهم المقصودون بها، وقالوا نحن الفرقة الناجية. فعندما تقول الناجية يعني ان الفرقة الأخرى في النار مما يؤدي إلى الاعتقاد بأحقية مذهبي على مذهبك وينشئ التطرف .
وعرض الباحث بعضاً من النصوص التي جاءت في الأديان السماوية وبيان ان محاولة تطبيقها في الوقت الحاضر بمعزل عن زمان نزولها قد سبب حالة من التطرف الديني قد يصنف في بعض الأحيان إلى درجة العنيف:
-    النصوص اليهودية: اشتملت التوراة على نصوص كثيرة جداً تشتمل على دعوة قتل الآخر فلا يخلو سفر من أسفارها من الحديث عن الدم والقتل والتنكيل للذين لا ينتمون أو يؤيدون المنظومة الفكرية اليهودية، وإذا ما أردنا استقراء النصوص لا نبالغ ان قلنا قد يصل الى أكثر من نصفها وفيها يتم تجسيد علاقتها بالآخر من قبيل العنصرية وعدم الاحترام .
ويتحدث الاستاذ صادق اطميش عن تفاعل مفسري التوراة مع هذا النص فهم فيه باتجاهين، الأول: يربط اعمال القتل التي أمر بها موسى لمخالفي الشريعة بسياق النص التاريخي، اي حصرهم بمخالفي موسى النبي في ذاك الوقت، وبما أن النبي لا يوجد الآن بيننا فلا يمكن تطبيق هذا الحكم بالحاضر، اذ يمكن القول بنسخ الحكم وبقاء النص.
والاتجاه الاخر: يرى بحرفية النص التوراتي ويؤولونه أن مخالفة النبي تعني الوقوف ضد شريعة موسى في كل زمان، فيشمل بالحكم.
ويتضح أن التفسير الأول لا يؤدي الى نشوء الفكر المتطرف باتجاه الآخر والاعتقاد بأحقية دينه على الآخرين اذ أن حصر النص في زمن نزوله يساعد كثيراً على تخفيف من التطرف، بلحاظ الاتجاه الآخر لفهم النص التوراتي الذي يؤدي الى التشدد مع الآخرين المختلف معهم. بينما نجد تلك الدولة اليهودية لا تتعامل بالتفاعل نفسه مع نصوص أخرى كونها لا تنتفع منها مثل عقوبة القتل لمن يعمل في يوم السبت في ستة أيام تعملون ، أما يوم السبت فهو يوم عطلة مقدس للرب . كل من يقوم بعمل في يوم السبت يقتل حتماً لان ألتزامها في عدم العمل يوم السبت يكلفهم أموالاً كبيرة وهم لا يستطيعون التقييد في هذه الأحكام. وهذه النصوص وغيرها هي التي شجعت على تفشي ظاهر التطرف عندهم.
-    النصوص المسيحية: تفتقر الديانة المسيحية إلى النصوص التشريعية بيد أنها تعتمد كثيراً على نصوص العهد القديم الذي يشكل مع نصوص العهد الجديد الكتاب المقدس لديهم ، فضلاً عن وصية السيد المسيح عليه السلام بالالتزام بالتوراة.
وتتحمل المسيحية بداية التطرف: ويعزو الأستاذ محمد عبد الكريم يوسف الى ان ظهور التطرف الديني يعود سبب ظهوره الى المسيحية، وتحديداً إبان الحروب الصليبية وما تبعها الى اليوم من إشعال روح التعصب والتطرف بين الأديان المختلفة. ووردت نصوص في الانجيل تحث على التطرف يقول عيسى عليه السلام: (لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض. ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً) وهنا تبرز ايدولوجية الجماعات المسيحية المتطرفة  التي تدعو الى سفك الدماء ومحاربة كل من يغايرهم في المعتقد، لتكون نصوص العهد الجديد تأصيل لفكرة الصراع الديني والحرب من اجل الدفاع عن العقيدة.
-    النصوص الإسلامية: من اخطر الموضوعات التي تسبب حساسية عند مناقشتها في الفكر الاسلامي هي أثر النصوص القرآنية في نشوء التطرف عند المسلمين، إذ تشكل النصوص القرآنية الاساس الذي يرتكز عليه المتطرف الاسلامي التي ينطلق في تطرفه الفكري الذي قد يصل الى العنيف في بعض الاحيان.
وعند استقراء النصوص القرآنية التي يعتمد عليها المتطرفون  في تأويلاتهم لها نجدها كثيرة التي تجعله يذهب بعيداً في الغلو في دينه وأنه الحق وغيره الباطل كالآيات التي تحث على مقاتلة الكافرين .
ويذهب الدكتور عماد علو  بعدّ آية السيف هي المرتكز الاساس للمتطرفين في الاسلام لقوله تعالى من سورة التوبة ﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾،
إذ يعتقد المتطرفون أن هذه الآية لم تترك المجال أمام الحوار والتفاهم وحرية المعتقد للآخر، والحق ان هذه الآية تتحدث عن المشركين في زمن النبي الذين كانوا يسببون خطراً كبيراً على الاسلام كونه في بداية تكوينه وكانوا يمارسون الاعتداء على المسلمين فكان لابد  تفسير من وضع حد لهم، وهذا ما يدفع باتجاه نشوء الافكار المتطرفة في نفوسهم واعتمادهم على تلك النصوص بالتحديد.
بينما والحال كذلك نجد أن هناك نصوص قرآنية اخرى تدعو الى الحوار وتقبل الاخر وعدم اكراههم على دينهم منها قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }وهذا النص تحديداً في بدايته دعوة الى الحوار مع الاخر غير المسلم ، ولاحظ نهاية النص التي تتحدث عن طريقة اسلوب التعامل معهم في حالة عدم قناعتهم في الاسلام إذ طلب منهم ان يشهدوا بأحقية الاسلام كدين، فلا دعوة الى القتل أو العنف أو التطرف بل على العكس من ذلك فالنص يحث على الاحترام المتبادل.
وبيّن الباحث إن مشكلة التطرف الديني الاساسية تكمن في عدم وجود الجرأة الحقيقية لمناقشة بعض النصوص الدينية، التي يعدّ الانحراف في تأويلها السبب الرئيس  لما يحدث من جرائم وانتهاكات من الارهابيين الذين يحملون شعار الاسلام في دعواتهم، والتي تكمن في المسلمين انفسهم في عدم قدرتهم التعامل مع نصوصهم المقدسة، بالنحو الذي يستطيعون حسم موقفهم منها والتمييز بين ما يمكن تطبيقه اليوم من منها من غير المشروطة بزمان وظروف نزولها .
والعلاج يتركز في أن المسلمين بحاجة الى فقهاء مصلحين يقولون لهم بشجاعة ان العنف والقتل المأمورون به في قوله تعالى: {ترهبون به عدو الله وعدوكم } وغيرها من النصوص فرضتها ظروف خاصة على الدين في السنوات الأخيرة من الدعوة الإسلامية في العهد المدني .
ولابد من التفريق بين الدين كنصوص مقدسة وبين الفكر الديني كاجتهادات بشرية وطبيعة فهمها للنص الديني، فالحركات التي تلبس الدين كغطاء لها لأهداف تخريبية يجب تميزها عن الدين الصحيح، والنقد الثقافي وما ينتجه من أرث فكري بقبال مفاهيم التطرف يجب الا يهمل من قبل مؤسسات الدولة ولا من المجتمع الذي يجب أن يتعامل ويتفاعل مع ما يطرحه فهو السبيل للحد من الفكر المتطرف .
ثانياً: دور العبادة: تشكل دور العبادة الركيزة الأساس في بناء الشخصية الدينية لدى أتباع الديانات، لذلك فقد أدت ادواراً كبيرة في بناء شخصية الافراد وبكلا المستويين السلبي والايجابي منها، فدور العبادة تمارس عملها الدعوي من خلال مستويين: رجل الدين: والذي يشكل محور أساسي في التغذية السلبية في إذكاء روح التطرف العنيف عند جمهور الحاضرين(في حال كان رجل الدين متطرفا)، فهو يمارس دور الملقي والجمهور المتلقي، إذ يقوم بتوجيه الحاضرين نحو زرع روح الحقد والكراهية والتركيز على الجوانب السلبية في الآخرين، فضلا عن بيان فضل دينه وعقيدته ومذهبه على الاخرين.
والاخرى: نشاطات دور العبادة: إذ يقام في بعض دور العبادة  نشاطات سلبية عديدة لها انعكاسات مباشرة وغير مباشرة تؤدي إلى التطرف الديني، من قبيل: إقامة الندوات ذات المضمون الطائفي التحريضي، واستغلال المناسبات الدينية في إشاعة روح التطرف، والتي يثار من خلالها تحقير المذاهب والأديان الأخرى.
كما  تطرق الباحث إلى مراحل التطرف الديني: وهي مراحل أربع :
1-    المرحلة الأولى: يذهب المتطرف فيها الى ان عقيدته هي الصواب تحتمل الخطأ، والآخرون المخالفون له بالاعتقاد خطأ يحتمل الصواب، وهذا النوع من التطرف تكون آثاره السلبية محدودة، لا تتجاوز مشاكله حدود عدم تفاعل المتطرف مع مخالفيه اجتماعياً.
2-    المرحلة الثانية: يكون المتطرف متشبثاً بعقيدته وأفكاره  معتقداً به الحق الذي لا يحتمل الخطأ، وعقيدة غيره باطلة لا تحتمل الصواب، بيد أن ذلك يبقى بحدود نفسه ولا يجاهر به، وخطورة هذه الدرجة في أنه يؤدي الى القول بكفر الآخرين .
3-    المرحلة الثالثة: وفيها يتم المجاهرة إذ تتحول هنا من قناعاته النفسية الى الدعوة العلنية لها والمجاهرة بها بانه الحق المطلق  والاخر باطل، فيسخر لها الوسائل لنشره.
4-    الدرجة الأخيرة: وأخطرها، إذ يعمد الى فرض تدينه الذي يعتقده على انه هو الحق بالعنف والقوة، وهنا قد يتحول الى اسم آخر وهو الإرهاب، وان خطر التطرف يزداد خطورة عندما ينتقل من مستوى التفكير والاعتقاد النظري الى طور الممارسة والتطرف السلوكي، من قبيل اعمل القتل والتصفية الجسدية لتحقيق بعض أهدافهم.

أما عن علاج التطرف في الأديان فقد أوضح الباحث إن تشخيص الداء هو الخطوة الأولى بيد ان الأهم أهم منها هو وضع العلاجات المناسبة فبعد ان حددنا اهم الأسباب التي تدعو الى التطرف، نحدد العلاجات بالاتي :
اولاً: الحوار بين الاديان والمذاهب: شدد الله تعالى على اهمية الحوار وحرية المعتقد كون لا يمكن فرض العقائد والاقتناع بها بالقوة .
ثانياً: وزارة التربية والتعليم العالي: يقع على عاتقها مسؤولية كبيرة في تنشئة الجيل الجديد بروح التسامح والتعايش مع الاخرين ، وإبعاده عن الفكر المتطرف كونها تتعامل مع البواكير الأولى لعمر الأطفال لغاية بلوغهم للمراحل الجامعية.
ثالثاً: الأوقاف الدينية: ومسؤوليتهم كبيرة في محاربة التطرف؛ لأنها الجهات الدينية الرسمية المخولة بتنظيم الشأن الديني والتعامل معه، فلابد من انتهاجهم خطوات من شأنها التخفيف من حدة التطرف الديني.
رابعاً: وسائل الاعلام: يعدّ الإعلام اليوم المحرك الرئيس في الرأي العام والمجتمع، وفي ضوء تطور وسائل التواصل أصبح له الريادة في عامل التأثير السلبي والايجابي .

-    ختاماً شارك المدرس الدكتور صادق الساعدي ببحثه المعنون ( الحكومة الصالحة ظاهرة حضارية متقدمة) موضحاً أهمية هذا الموضوع في استهدافه إلى  إثبات شرعيه وقابلية الحكومة الصالحة لقيادة الحياة؛ لما تحمله من عناصر تؤَهلها لذلك. وهو بحد ذاته يحثُ الخطى  باتجاه الاهتمام لإعداد مقدماتها، وتوفير مستلزماتها ومتطلباتها؛ بغية الوصول إلى  نتائجها، وقطف ثمارها والتنعم بمعطياتها ، لا يخفى  على  أحد ان مفردة الحكومة من اكثر المفردات التي استقطبت اذهان الناس، وتركت آثارها وبصماتها على حياتهم، كما انها في طليعة المحاور التي عنى  بها اهل الفكر والنظر على الصعيدين الاجتماعي والسياسي.
بداية تناول الباحث تعريف الحكومة لغةً واصطلاحاً ، فالحكومة لغةً تعني: رد الرجل عن الظلم.
واما اصطلاحاً فتعني: هيئة اجتماعية مكلفة بتأمين الادارة السياسية للبلاد، وتنظيم وسائل هذه الارادة، وتحمل مسؤوليتها.
ثم تطرق الباحث موضحاً أهمية الحكومة وموقعها الذي تحتله على صعيد تنظيم الحياة الإنسانية فهو أمر لا غبار عليه، بل إنها ضرورة حضارية تفرضها طبيعة التعايش مع الآخرين، إذ ليس من شك في أن الإنسان اجتماعي بطبعه وميال إلى التعايش مع أبناء نوعه، إلا أنه يميل في الوقت نفسه إلى  جرِّ النار إلى  قرصه وحسم الامور لصالحه، وهو بحد ذاته باعث على تعارض المصالح الفردية، ودافع لإيجاد الهرج والمرج والارباك في العلاقات الاجتماعية.
ولا يتسنى  للقانون بمفرده ـ مهما بلغ في إتقانه وقوته ـ حسم التزاع وارجاع المياه إلى مجاريها، بل لا بد من وجود حكومة بأجهزتها وامكاناتها المتعددة لفرض القانون وتنظيم شؤون الناس ورفع حالات التعارض والإصطكاك القائمة بينهم. والى هذا المغزی أشار امير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)  في رده على  شبهة الخوارج في رفض حكومة اي حاكم، وحصر الحكومة في الله؛ بقولهم (لاحكم الا لله)، إذ يقول (ع):
 (كلمه حق يراد بها باطل. نعم إنه لا حكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون:
(لا إمرة الا لله)، وإنه لا بد للناس من امير بر أو فاجر).
وتبرز اهمية الحكومة ايضا على صعيد تفعيل ونجاح المهام الاجتماعية الكبرى  كفريضة الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجبي ضرائب الخمس والزكاة والشؤون المالية، مضافا إلى  أقامة الحدود والقضاء ومد جسور العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع الدول الأخرى ...، كل ذلك رهين بوجود الحكومة.



-    الموقف الإسلامي من الحكومة الصالحة:
بين الباحث إن الإسلام لم يترك شيئاً صغيراً ولا كبيراً مما له دور في سعادة الانسان إلا و بيَّنه للناس. قال النبي(ص) في حجة الوداع: (يا أيها الناس... ما من شيء يقربكم من الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد امرتكم به، وما من شيء يقربكم من النار  ويباعدكم من الجنة إلا وقد نهيتكم عنه ) .
فليس من المعقول أن يهمل الاسلام أمر الحكومة التي هي صمام أمان لتطبيق الأحكام الاسلامية، والتي بها قوام البلاد والعباد، كما انه ليس من المعقول أن يهمل الاسلام مسألة الحكومة، ولا يبدي رأيه فيما يرتبط بصيغتها، وبمواصفات الحكم والحاكمين، ويضع منهجه وحلوله المنظمة لشؤون الحياة، تحت رحمة حكومة لا تؤمن به؛ لان مآل ذلك إلى ضياعها ومسخها، واستبدالها بما ينافيها ويتقاطع معها؛ مما يستدعي وجود حكومة تتناغم معه وتدافع عنه وتسعى الى تطبيقه ونشره والترويج له.
وبغض النظر عن كل ما تقدم فإن الملاحظ من سيرة النبي (ص) أنه وبمحض وصوله الى المدينة وهجرته اليها عمد إلى تشكيل حكومته المباركة واتخذ من المسجد مقراً لها؛ ليؤكد على أهمية الحكومة وضرورتها وعلى عدم الفصل بين الدين والسياسة، ليقطع السبل أمام القائلين بفصل السلطة الدينية عن السلطة الدنيوية، الذي ضرب على وتره الاتجاه العلماني.
فليس من الإنصاف التشبت ببعض النصوص القرآنية التي توحي بظاهرها إلى  فكرة فصل الدين عن السياسة والحكومة، كما في قوله تعالى :
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيهِمْ وَكِيلًا﴾ (الاسراء/ 54)
﴿إِنْ عَلَيكَ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾ (الشوری/48)
﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيهِمْ بِمُصَيطِرٍ﴾ (الغاشية/21ـ22)
فالهدف من الحكومة هو إقامة الحدود والأحكام ، لا أن تنحصر إقامتها بشخص المعصوم(ع)؛ فإذا تعسر قيام المعصوم بهذا الدور أمكن ان يقوم به من هو أقل منه مقاماً، ولو بنسبة ادنى من الاداء، لان الميسور لا يترك بالمعسور، وما لا يدرك كله لا يترك جله.
فليس من الصحيح أن يترك الناس بلا حكومة، وليس من الصحيح أيضا ـ في مجال تعيين الحاكمين ـ تقديم الطالح منهم على الصالح أو حتى تقديم الفاضل منهم على الأفضل.
وفي حالة كهذه يُسحب البساطُ من تحت العابثين وتوصد الأبواب أمام المفسدين، بعد أن يحتل الصالحون مواقعهم ويمارسوا دورهم، وسوف لا تدفع الامة ضريبة حماقات حكام الظلم والجور الذين حكموا شعوبهم بالحديد والنار فقتلوا رجالهم واستحيوا نساءهم وعاثوا في الارض فسادا وأهلكوا الحرث والنسل.
ومن الواضح أن صلاح أو طلاح الشعوب بصلاح او طلاح حُكامهم، لان الناس على  دين ملوكم؛ فلابد من السعي لاقامة الحكومة الصالحة لتكون مصدرا للخير والعطاء وأداة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ومعدنا للفضل والفضيلة.
-    ثم تناول الباحث مؤهلات ومهام الحاكم الصالح مبيناً:
إن الحاكم الصالح يحتل مركز الصدارة في التشكيلة الادراية فلابد من توفره على جملة شروط، في مقدمتها العلم بأحكام الله، وتقوى تصده عن معصية الله وتصونه عن الانجراف مع الهوى والمصالح الذاتية، وتسمو به عن الركوع أمام رموز الترغيب والترهيب، وحنكة أداريه، وخبرة ميدانية واجتماعية وسياسية تمكنه من قيادة العباد والبلاد للتي هي أحسن. قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع):
(يا أيها الناس، إن أحق الناس بهذا الامر أقواهم عليه واعملهم بامر الله).
واذا تصدى الحاكم ـ الصالح الجامع للشرائط  ـ فله حق التقنين في حدود أحكام الله، كما إنَّ له حق الفصل والقضاء بين الناس، مضافا الى حق تنفيذ الاحكام والقوانين الشرعية العامة. كما تعود اليه ولاية مصالح من لا ولي له، و تأمين الحاجات الضرورية كالدفاع وحفظ الامن والاستقرار وتبنى المواقف الحصيفة إزاء الحوادث المهمة التي تمر بها البلاد، وكل ما من شأنه ضمان المصالح العامة وتحقيق العدالة الإجتماعية. لأن أمور الناس لا تُسْتَتَبُ ولا يقر لها قرار، ولا يتمكن الحاكم من إدارة شؤون رعيته بموفقية ونجاح ألا بما تقدم.
وبذلك لا تقتصر صلاحيات الحاكم ـ الجامع لشروط الحكم ـ في حدود الإفتاء والقضاء وولاية مصالح من لا ولي له، لأن ذلك يعني عزوفاً عن أحكام الله، وحجبا لها عن التطبيق على أصعدة الحياة وميادينها الأُخرى.
وفي نهاية المطاف نخلص الى نتائج عدة تمخض عنها موضوع البحث وهي :
1-    ان الحاجة إلى  الحكومة أمر لا غُبار عليه، لأنها السبيل الامثل لتنظيم العلاقات الاجتماعية؛ من خلال  الضوابط والقيود، من دون تجاوز الافراد بعضهم على بعضهم الآخر.
2-     تزداد الحاجة أكثر إلى  الحكومة، حينما تكون حكومة صالحة لإدارة شؤون الناس وتنظيم حياتهم، ووسيلة إلى  اقامة المعطلة من أحكام وحدود الله، وبسط القسط والعدالة الاجتماعية.
3-     ان السياسة من صميم  الحكومة، فلا معنى  لمقولة فصل الدين عن السياسة، لأنها تفضي إلى  الحكم بغير ما أنزل الله، وهو ما دعا إلى وصف القرآن الكريم للحاكمين بغير ما أنزل الله؛ بالكافرين والظالمين والفاسقين.
4-    إن  وجود الحكومة الصالحة رهين بتطبيق الدين، فلابد  أن يكون القيِّم على تطبيقه حاكماً صالحاً، ومؤمناً وعالماً وعاملاً به، وداعياً إلى  تنفيذه وإقامته.
5-    لابد وأن يكون الحاكم الصالح مبسوط اليد في تطبيق وتنفيذ الاحكام الإلهية، حتى  يتسنى  له تطبيق احكام الله بجدارة وموفقيه ونجاح.
6-    تكون الحكومة الصالحة، ظاهرة حضارية متقدمة؛ لأنّ نظام الحكم فيها ديموقراطي بامتياز؛ لانه يجمع بين الآراء الشعبية والإدارة الصالحة في مركب واحد، بعيداً عن الاهواء والمصالح الشخصية الضيقة.


التوصيات :-
1-    تشكيل لجنة مشتركة بين المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني ذات العلاقة في نبذ التطرف الديني ومحاولة ايجاد العلاجات الوقائية للتطرف الديني.
2-    تأسيس جامعة تعنى بدراسة الأديان والمذاهب الإسلامية يرتادها كل أطياف الشعب، بغية التعرف على  الأديان والمذاهب الأخرى ، والتواصل والحوار فيما بينهم، والتأكيد على ثقافة الاختلاف والتنوع.
3-    إقامة المؤتمرات والندوات وورش العمل التي تبرز القيمة العليا للتنوع في مجتمعنا في البلدان التي تغذي التطرف الديني في العراق.
4-    إصدار المؤلفات التي تنبذ التطرف وتدعو إلى إشاعة الحوار والتعايش بين الأديان وتقبل الآخر.
5-    إطلاق حملة لمكافحة التطرف والانغلاق الفكري بمشاركة وسائل الإعلام بأنواعها.
6-    استحداث وسائل إعلامية فضائية واذاعية وغيرها  متخصصة في الشأن الثقافي تعمل على إشاعة ثقافة الاختلاف وأسس الحوار وتقبل الآخر.
7-    إلزام وزارتي التعليم العالي والتربية وادارات الأوقاف  باعتماد مناهج دراسية متخصصة بالتعرف على الأديان والأقليات والمذاهب في العراق، وإشاعة ثقافة الاختلاف وتقبل الآخر والحوار والتعايش، وروح المواطنة.
8-    تشكيل لجنة لرصد ومتابعة مثيري الفتن والتصريحات التي تغذي التطرف الديني، من قبيل بعض المؤلفات أو المحاضرات الدينية أو أساتذة الكليات أو بعض النصوص الموجودة في مناهج التدريس، ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
9-    متابعة خطب المساجد وما يقام فيها من نشاطات مختلفة، والعمل على اشتراك  رجال الدين في دورات ثقافية لمحاربة الفكر المتطرف.
10-    بغية التواصل العلمي المطروح في كل جوانب الحياة المعاصر ، كان لابد من انشاء المراكز البحثية المتخصصة المستقلة – لدراسة الظواهر والمستجدات واحتوائها على وفق المعيار المقدس وادواتها العلمية .
11-    الدراسات الشرعية في جميع الكليات والجامعات لابد ان توظف للتقريب بين مصطلحات فقهية صلحت لزمنها وما يقابلها من مصطلحات حضارية مثل (اهل الذمة - المواطنة )(دار الحرب – دار السلام ).
 .
 

تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل الخبر